نوال...
[align=center][frame="7 80"]
[align=right]
[align=center](نوال)[/align]
هي الثانية من بعد شقيق يكبرها...
تليها شقيقات خمس...
ثم شقيقها الأصغر جعفر الذي خرج الى الدنيا بضمور في المخ ...ليعتاد الناس تسميته ب(الدريويش)...
نشأت الأسرة على كفاف من عيش بقرية وادعة في شمالنا الحبيب...
مصيرها كان كمصير العديد من بنات جيلها اللائي تركن الدراسة في مراحلها المختلفة...
فهي أذ تتساوى معهن في سمت المسغبة التي ترخي بسدولها على اسرهن ...الاّ أنها تزيد عليهن بملازمة أمها للفراش جرّاء مرض عضال...
ثم سفر شقيقها الأكبر الى ليبيا ...وانقطاع أخباره!
طالبتها أدراة المدرسة الثانوية ب(دفع) مصاريف الجلوس لأمتحانات الشهادة الثانوية فلم تستطع الى ذلك سبيلا...
أذ أخاها الأكبر لم يدع لهم شيئا ليباع ...
فهو قد باع كل شئ ليهيئ نفسه للسفر!...
ثم ان الذي بقي بيد والدها من مال لا يكاد يكفي تكلفة الدواء الذي يبتاعونه كل شهر لأمها...
في يومها ذاك...
رأى (الدريويش) عينيها محمرتين من أثر الدموع فقال لها:
-ماتبكي يانوال ...(الله في) ...
وبقي يهزج بها (الله فيه ...الله فيه...الله فيه)
فما كان منها ألاّ أن ضمته الى صدرها وقبلته على جبينه...
لقد منّت نفسها بأن تصبح معلمة لتنير عقول النشئ...ثم تستعين بما تناله من مال في رفعة شأن أسرتها...
لكنها رددت مع الدريويش ...(الله في).
وكم اراحها ترديدها لأهزوجة الدريويش...
فهي قد أعتادت بأن ترى وتجد منه الكثير المثير ...والذي لا يجده فيه أحد غيرها سوى الأم المريضة...
قالت لها أمها مرة:
-جعفر دة ما تستهونوا بيهو يانوال...
(جعفر دة فيهو سر كبيييير)!
...
وتفرغت نوال لأشغال المنزل...
لم تكلّ أو تملّ وهي تضئ كشمعة لتنير للآخرين حياتهم...
ممارضة والدتها المصابة بالسرطان...
أحتياجات والدها السبعيني...
حراك حياة شقيقاتها الخمس...
يضاف الى ذلك الأهتمام بحياة (الدريويش) والحرص على البحث عنه كل مساء لضمان مبيته في المنزل...
ولم تلبث شقيقاتها الخمس أن تزوجن خلال عام واحد!...
ولم ينصرم العام الاّ وافضى والدها الى ربه...
فجهدت (نوال) أيما جهد وهي توزع نفسها بين شقيقاتها اللاّئي أعتدن أنجاب التوائم ...
وأمها المريضة ...
وأخيها (الدريويش) الذي ماكان له غيرها ليهتم بأكله وملبسه ومتابعة حراكه ...
وأعتادت عمل الكثير لتدر دخلا تعيل منه نفسها وأمها وأخيها الدريويش...
نسج (الطواقي والمناديل)...
عمل (الطعمية والزلابية) وبيعها لطلبة المدارس...
متابعة أجير أتوا به للعناية بالارض الصغيرة التي تركها لهم الوالد...
وامتدت هباتها وعطاياها الى شقيقاتها الخمس من (خبيز وتمور ثم احتياجات رمضان في كل عام) حتى لا تشعرهن بمنقصة دون الأخريات...
وبرغم كل هذا الجهد والحراك فان الأبتسامة لم تكن تغادر شفتيها البتة...
أعتادت نوال بأن تهجع من ليلها النذر اليسير أذ قلبها دوما منشغل بأمها المريضة...
قال لها (الدريوش) مرة:
(أنتي يانوال وكت أصلك نومك قليل ...ليه ما بتقيمي الليل زي شيخنا وراق)؟!
ضمته الى صدرها وقبلته على جبينه وقالت ...صدقت...
وبدأت تقيم الليل ...
وشرعت تقرأ صفحة من كتاب الله خلال كل ليلة...
ثم تدعو الله ماشاء لها من دعاء وهي تبلل حجرها بدموع الرجاء...
وظل الدريويش ينظر اليها من طرف خفي من تحت غطائه وهو يشارك أمه الفراش...
وخلال سنوات ثلاث ...أذا بها تكمل حفظ كتاب الله !
وجاء رمضان...
فتفيأت ظلال العشر الأواخر منه...
وفي ليلة من الليالي وهي تتلو ...أذا بها ترى كل شئ قد خر ساجدا لله...
والملائكة تحوِّم داخل غرفتهم وهي تنشد طلع البدر علينا...
ويهتف بها هاتف...
(يانوال هذه ليلة القدر فادعي الله بماشئت)...
ويشتد وجيب قلبها ...
وتتعالى منها الأنفاس وكأنها تهرول المسافات الطوال...
ويتلعثم منها اللسان...
فترفع كفيها لتدعو الله...
ولكن يقع بصرها على فراش (الدريويش) لتجده خاليا...
فتقفز وجِلَة الى خارج الغرفة...
فاذا به قد ارتفع عن الارض على مستوى بصر الرائي وقد اعتمر له جناحين من ريش ...
ياللنور الباهر الذي يشع من وجهه!
وياللأبتسامة الوضيئة التي ترتسم على شفتيه!
قال لها (جعفر) من علٍ وهو يرفرف بجناحيه:
-يانوال ...
أنا ذاهب الى ربي لأجاور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أعالي الجنان ...
وقد سبقتني أمي قبل قليل ...فلا تحزني ياأختاه...
فصاحت به:
-وماذا عني أنا ؟!...
قال لها وقد تهلل وجهه أكثر:
-لا تحزني يانوال...
أدعي الله ياشقيقتي وقولي (اللهم آتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار)...
فأجابته وهي تبكي:
-لكني سأصبح وحيدة...
-لا لن تصبحي وحيدة ...
ستتزوجين باذن الله ...
وستنجيبين البنين والبنات ...
ولكن عديني بأن لا تنسين تسمية ابنك البكر باسمي ...ثم علا واختفى...
عادت مهرولة الى الغرفة فاذا بوالدتها قد فارقت الحياة...
فثقل خطوها ...
وجلست على الأرض ترتعش من هول الموقف...
تذكرت الدعاء الذي أوصاها به (الدريويش) فدعت به مرارا...
...
فتحت نوال عينيها فوجدت نفسها طريحة الفراش وحولها بعض الجارات...
-أنا وين!
أجابوها بأنها في المستشفى ...
وان الله قد كتب لها عمرا جديدا...
اذ بقيت في غيبوبة لأيام ثلاث ...وقد ووريت أمها الثرى.
سمعتهم يتهامسون بأن (الدريويش) قد أختفى ولا يجدون له أثرا فلم تعر ذلك اهتماما...
فهي تعلم مكانه (يقينا)!
واجتمع شملها بشقيقاتها الخمس ...اللائي جئن لتلقي العزاء ومواساة شقيقتهن الكبرى في وفاة أمهن...
وأهلّ عيد الفطر عليهم أجمعين...
وقبيل سفر شقيقاتها تقدم لها قريب لهم يعيش في (بورسودان) ...توفيت زوجه قبل عام...
قال (فيصل) الذي قُدِّر له بأن يكون زوجا لنوال...
(منذ أول ليلة أفضيت فيها اليها ...بارك لي الله في كل شئ!!!...
لقد كان لي (كشك) صغير فقط...فاصبح لي من المحال ثلاثا!...
وما شرعت في صفقة الاّ وبارك لي الله فيها أضعافا!!...
...
أضحت نوال زوجا لأغنى تجار بورسودان...
وأنجبت العديد من الابناء والبنات ...
ولم تنس بأن تسمي أولهم بأسم جعفر...
ومافتئت يدها ندية بالعطايا الى شقيقاتها ...بل الى أهل القرية قاطبة[/align][/frame][/align]
|