إستمــراريـــــة ســـودانيــــات !!! عكـــود

حياة الدواخل (1) - طيور بدري الياس !!! أزهري سيف الدين

كتاب ‫مقاربة إسلامية لتجربة الإقتراب من الموت !!! حسيـــن عبد الجليــل

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > الســــــرد والحكــايـــــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-12-2012, 08:51 AM   #[1]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي روايه اعجبتني!!! حوش بنات ود العمدة / سناء جعفر

ا
السلام عليكم :
من الروايات التي اعجبتني هذة الرواية ( حوش بنات ود العمدة للكاتبة سناء جعفر ) , وهي رواية عن الحب والكراهية , الخوف, الفشل, العنصرية وبعض المسكوت عنة.
داير اخد رايكم ... ممكن انشرها ليكم بالتقسيط؟



التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-12-2012, 09:23 AM   #[2]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي بسم الله... البداية

إنطلقت الزغرودة عالية مجلجلة بجرس موسيقي صاف وشقت عنان سماء إختلطت فيها ألوان السحب ما بين الأبيض الناصع والـرمادي المتدرج وطغى عليها لون إحتضار الشمس بزفيـرها النـاري وهي تغيب ببطء خلف الأفق المتأهب لغزو الظلام ... تتالت الزغاريد التي كانت تبدأ بعنفوان متحمس منساب ثم تنخفض برنات متفاوتة في الطول والنعومة ... وضجت سماء (حي أبوروف ) بالأصوات التي إعتادتها طيلة الشهرين الماضيين
في الفضاء إرتفعت أعمدة دخان باهت ترافقها رائحة " الشاف " المحترق وأبخرة الشحم المخلوط بالقرنفل وأعواد الصندل ... قطع مزيج الروائح النفاذة الشارع الأسفلتي الضيق الذي يفصل منزل حامد الأمين عن النيل وتوغل حتى وصل إلى القوارب الصغيرة التي كانت تتهادى في رحلة عودتها من صيد موفق ... تبادل المراكبيه إبتسامات متواطئة عندما سمعوا رنات الفرح الصادحة المصحوبة بمزيج الروائح المغرية وهي تستفز خياشيمهم التي أدمنت رائحة البحر والسمك ... ظهرت علامات الإنتشاء في الوجوه الكالحة ... وصرخ أحدهم منادياً الآخر
بختك يا ورّاق ... ماشي حوش ود العمدة محل الريحة السمحة والوشوش السمحة-
إرتفعت الضحكـات وتبادل الجميع الهمهمات المازحة وهم ينظرون إلى مركب ورّاق الصغير بحسد ... ونادى صوت آخر
والله سمح العرس عند بنات ود العمدة ... إلا هي الحفلة متين ؟؟؟
رد ورّاق بفتور وهو يوجه مركبه الصغير نحو الشاطئ .. وإرتج جسده النحيل قليلا عندما اصطدمت المقدمة بالضفة الرملية :
... العرس الأسبوع الجاي -
sanaa gaffer



التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2012, 11:45 AM   #[3]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل قريد مشاهدة المشاركة
ا
السلام عليكم :
من الروايات التي اعجبتني هذة الرواية ( حوش بنات ود العمدة للكاتبة سناء جعفر ) , وهي رواية عن الحب والكراهية , الخوف, الفشل, العنصرية وبعض المسكوت عنة.
داير اخد رايكم ... ممكن انشرها ليكم بالتقسيط؟
ألف مرحب بمقدمك يا فيصل ..

البداية مشوّقة جدّاً، ويا ريت لو تواصل بالتقسيط السريع.

لك ولسناء جعفر التحيّة.




التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-12-2012, 04:38 PM   #[4]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

حمل كيس الخيش الممتلئ بالأسماك .. وبخطوات خفيفة حافية قطع الشارع الضيق ووقف قليلاً يتأمل المنزل المهيب بأبوابه الكبيرة ومساحته الشاسعة التي تمتد حتى نهاية الشارع ... كانت ألوان الغروب الدافئة تنعكس على الجدران الحجرية العالية وتضفي عليها ظلالاً ناعمة بددت جمودها حتى خيل لورّاق كأنها تتحرك ... هز رأسه كي ينفض عنه أوهامه ثم دخل بإلفة من الباب الحديدي العملاق واتجه مباشرة إلى خلف المباني وهو يتبع خليط الروائح المغرية ... عندما وصل إلى الزاوية التي يبدأ بعدها الحوش الفسيح ... راودته نفسه أن يتجاهل أسلوبه المعتاد في إعلان حضوره وإدعاء الغفلة حتى يرى ما تتوق نفسه إلى رؤياه ... همّ بالتحرك ثم توقفت خطواته بغتة عندما تناهى إلى سمعه صوت حجة السرة " الجهوري وهي تأمر وتنهي كعادتها"
... يا بت يا بلقيس زيدي النار دي سريع ... الحفرة بقت باردة والحطب قرب يموت-
تسمّر خوفاً .. ورفع صوته بأعلى ما يستطيع
حجة السرة ... يا ناس هوي .. جبت ليكم السمك .. تعالوا شيلوهو مني -
تمتم بالحمد على عدم مطاوعة نفسه الأمارة بالسوء عندما أتاه صوت السرة محذراً
وراق ؟؟ اقيف قبلك أوعاك تدخل ... اجري يا بت يا فاطنة شيلي منو السمك ووديهو لحبوبتك بهناك تنضفو ..وكلمي جدك حامد يديهو القروش ... أتحركي يا بت وبطلي المحركة بتاعت أمك دي
تراجع وراق بجسده إلى الخلف ومد رأسه مختلساً النظر داخل الحوش العريض ... كانت فاطمة تتقدم نحوه بخطواتها الراقصة وجسدها الرشيق ... تفوح منها ذات الروائح المستفزة ... بدا جلدها المتراوح بين لون البن المحمص ونعومة ثمرة الطماطم الناضجة ولمعة الدهن السائح يقترب منه ويثير فيه أحاسيس لا يستطيع احتمالها ... ابتلع ريقه بصعوبة عندما وقفت أمامه كإحدى تماثيل الأبنوس المصقولة التي يراها في سوق امدرمان .. خاطبته باستعلاء
أٌف منك ومن ريحتك يا وراق... انت القال ليك منو احنا عاوزين سمك الليلة ؟؟ شايفنا فاضيين ليهو ولزفارتو ؟؟ .. يلا هاته وطير عند ابوي حامد شيل قروشك ... وتاني حسك عينك تجيب سمك لغاية ما العرس ينتهي
انتزعت كيس الخيش من يده بعنف واتجهت الى آخر الحوش ... ظل يراقب خطواتها حتى اختفت عن ناظريه خلف سور كثيف من الاشجار المتلاصقة التي كونت ما يشبه دغل صغير بدا واضحاً لمن يراه انه وضع بفعل فاعل كي يفصل ويغطي ما خلفه اكثر من كونه زينة
وقبل ان يستدير عائداً إختلس نظرة اخرى إلى طرف الحوش الآخر المسكون بمنبع الروائح ... إرتعشت مفاصله وتسارعت دقات قلبه عندما لمح شبح فتاة رائعة الجمال وقفت بتململ وصبر نافذ ... بدت حبات عرق لامعة تغطي وجهها وتسيل في خطوط متنافسة حتى عنقها ... كانت خصلات شعرها الناعم المتمردة مبعثرة وملتصقة بجبينها الضيق وتدلى بعضها متلوياً على خدودها اللامعة ... حركاتها القلقة جعلت " الشملة " تنحسر عن كتف ذهبي مستدير .. بينما خرجت من أسفلها ساق تشبعت بالدخان حتى صار لونها مائلاً للسواد ...
كانت " بلقيس " كبرى بنات حجة السرة منحنية وهي تلتقط جمرات من "الكانون " أمامها وتضعها بحرص داخل الحفرة العميقة حسب توجيهات السرة
رصي الحطب كويس يا بلقيس ... زيدي الجمر دة ووزعيهو عشان يقبض سريع ... وانتي يا بت يا رحمة غتي صدرك ما يلفحك الهوا ... أرفعي الشملة دي لفوق وبطلي الدلع الفارغ البتسوى فيهو ده واقعدي زي الناس في الحفرة ... بنات آخر زمن !! ... الواحدة تقعد عشرة دقايق وتبدا تتململ وتتنقنق .. أحي الحفرة حارة ... واي الدخان خنقني ... ما شفتونا إحنا في زمنا نقعد بالساعات الطوال في عزّ الحر وعزّ البرد ... ونتمسح بالودك لمن يسيل ويملا الواطه ... ونتغطى من راسنا لرجلينا مافي مخلوق يشوفنا حتى اقرب الاقربين لغاية ما الدخان يبقى طبقة تخينة لمن يجوا يطلعوها الا يدخلوا القشة .. يلا تعالى اقعدي خلينا نخلص مواعيد الغناية قربت
أدرك وراق بأنه قد أطال الوقوف فخاف من إفتضاح أمره وأجبر قدميه المسمرتين على الحركة رجوعاً الى مقدمة المنزل وهو يدور بعينيه آملاً في رؤية المزيد من فتيات الحوش الحسان ... أحس بخيبة امل عندما وصل الى " الديوان " دون ان يصادف احداً ...
في " المصطبة " العاليـة جلس حـامـد الاميـن الشهير " بود العمدة " في كرسي منخفض وأمامه " إبريق " ملئ بالماء وقد شرع في الوضوء بينما تعالى صوت الآذان الشجي من المئذنة العالية التي تطل على الحوش
كان ود العمدة رجلاً نحيلاً منتصب القامة بصورة مهيبة وتثير الحيرة في إمكانية تحديد عمره الحقيقي .. بدا التناقض واضحاً بين ملامحه الطفولية الوسيمة والشيب الذي غزا فوديه وتوزع بفوضى محببة في الشارب الغزير والذقن المستديرة الخفيفة التي لم تستطع اخفاء نغزة عميقة توسطت الحنك الدقيق ... كانت نظراته الحادة تنطلق كالشرر من عيون واسعة يتمازج فيها اللونين البني والعسلي بانسجام غريب .. وعندما يبتسم احدى ابتساماته النادرة تنفرج شفتيه عن أسنان بيضاء لامعة تتوسطها " فلجة" صغيرة وتظهر غمازتان عميقتان على خدوده المشدودة
بعد ان فرغ حامد من وضوؤه رفع راسه ونظر الى وراق الواقف بصبر وخاطبه بصوت هادئ
اهلاً يا وراق .. جبت السمك ؟؟ حسابك كم ؟؟
خفض الشاب نظراته إحتراماً وأتت كلماته متلعثمة كما هو حاله عندما يخاطب صاحب المنزل
-خليها عليّ المرة دي يا ود العمدة .. دي هدية بسيطة ما قدر المقام عشان العروس المرة الجاية بشيل منك
فتح حامد محفظته المنتفخة وأخرج منها رزمة أوراق مالية ومدها للسماك الخجول
-هدية مقبولة يا وراق .. وهاك المبلغ دة هدية مني ليك
همّ وراق بالاحتجاج فاسكته ود العمدة باشارة من يده
-شيل القروش يا وراق .. مش انا قبلت هديتك ؟؟ انت كمان لازم تقبل هديتي ... يلا بطل نقة عشان ما تفوٍت علينا الصلاة .. المغرب غريب وما بتحمل التاخير
تناول وراق النقود الممدودة والتي قدر قيمتها بأربعة أضعاف قيمة السمك الذي احضره .. جاهد ليبدو حاسماً وهو يخاطب ود العمدة
-انا حشيلهم المرة دي ... لكن المرة الجاية لو أديتني قروش تاني ما باجيب ليكم سمك
إكتمل مشروع الابتسامة في الوجه الوسيم ... إستدار ود العمدة دون أن يرد .. إتجه إلى سجادة الصلاة وشرع في التكبير بخشوع









التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-12-2012, 08:32 PM   #[5]
أمير الأمين
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل قريد مشاهدة المشاركة
ا
السلام عليكم :
من الروايات التي اعجبتني هذة الرواية ( حوش بنات ود العمدة للكاتبة سناء جعفر ) , وهي رواية عن الحب والكراهية , الخوف, الفشل, العنصرية وبعض المسكوت عنة.
داير اخد رايكم ... ممكن انشرها ليكم بالتقسيط؟
سلام فيصل
اظن "وبعض الظن حق" ان النشر يستوجب موافقة صاحبة الرواية

تحياتى



أمير الأمين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-12-2012, 11:59 AM   #[6]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

[OVERLINE]مشكور جدا الاخ امير الامين وكلامك صاح الصاح وظنك حق لذلك هاك الكلام دا[/OVERLINE]


صباح الخير يا فيصل
ليك السماح بنشر الرواية .. لكن اظن ( وبعض الظن حق ) انها اتنشرت في سودانيات قبل كدة
انا بمر على اغلبية المنتديات السودانية بس بشكل متقطع ..وزي كأنّي لمحتها في سودانيات
انت اعمل بحث واتاكد .. واذا لقيتا ما منشورة هناك قبل كدة انشرا

تحياتي

Date: Sat, 15 Dec 2012 10:19:58 -0800
From: faisal.gread@yahoo.com
Subject: Re: تحية طيبة
To: gaffer_14@hotmail.com

طيب سحبنا الالقاب.
الرائعة سناء جعفر
سلام.
كما اسلفت انا من المعجبين جدا بكتاباتك واكون سعيد جدا عندما اقراء احدي كتاباتك واكون اكثر سعادة عندما اجد احدهم واناقشة فيها لذلك اكون شاكر جدا اذا سمحتي لي بنشر روايتك ( المفضلة لدي ) حوش بنات ود العمدة مع بعض المثقفاتية الذين لا اخيرهم عليك في منتدي سودانيات(
sudanyat.org)
ومناقشتهم فيها للاستمتاع اكثر بقراءة ما بين السطور
ولكي مني الود
فيصل.



From: sanaa gaffer <gaffer_14@hotmail.com>
To: faisal.gread@yahoo.com
Sent: Saturday, December 15, 2012 5:36 PM
Subject: RE: تحية طيبة



يسعد مساك يا فيصل .. ( بفضل التعامل بدون القاب ) .. دة فعلا بريدي
شاكرة لاعجابك بكتاباتي
تحياتي

سناء جعفر

ولك مني كل الاحترام اخي امير.

الاستاذ عكود مشكور جدا علي الشجيع والمتابعة.



التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-12-2012, 12:23 PM   #[7]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

داخل المنزل الفسيح كانت هناك حركة دائبة لفتيات يجمع بينهن الجمال ويفرقهن اختلاف الأعمار وتباين الألوان التي تدرجت ما بين الذهبي البراق الى الخمرى الناعم والقمحى الفتان والاسمر اللامع

في إحدى الغرف المغلقة جلست فتاتان في منتصف السرير تتهامسان بخفوت متآمر وهما لاهيتان بحديثهما عما يدور خارج الغرفة ... فجأة فتح الباب بعنف شتت شمل الهمس ووقفت على عتبته فتاة تتأرجح بين الطفولة والنضج وقد وضعت يديها في وسطها بتحد مما أظهر صدرها العارم الذي لا يتناسب مع قوامها النحيل ... كانت لهجتها المتسلطة ونبرتها الحادة إرثها الواضح من السرة ... تراقصت علامات الغيظ في عينيها الكحيلتين وهي تتكلم بصوتها الجهوري ...

- منال وجاكلين ؟! انتو قاعدين هنا تتوسوسوا والدنيا برة جايطة ؟! .. انتو يا بنات ما بتفتروا من الكلام ... الوقت كلو مقابلين بعض وتنقوا .. اصلكم بتقولوا شنو ؟! بتحلوا مشكلة فلسطين ؟! ما مكفيكم الوقت البتقضوهوا مع بعض في الجامعة ؟!...
إنتفضت جاكلين فزعاً وهي تتمتم " يا عدرا يا أم النور " رفعت يدها وقد فردت أصابعها الخمس في وجه بدرية فظهر التناقض واضحاً بين باطن كفها الشديد البياض والصليب الموشوم في أسفله باللون الرمادي الداكن وهي تتمتم .. خمسة وخميسه .. الله اكبر على عينك .. ثم مالت على أذن رفيقتها هامسة خوفا من أن تسمعها بدرية...

- تعرفي يا منال خالتك المفعوصة دي يوم حتجيب لي سكتة قلبية بصوتها العامل زي الرعد دة ...
ثم رفعت صوتها وهي تستدير لتخاطب بدرية
- في شنو يا بدرية ؟! القيامة قامت ولا حاجة ؟!

تدخلت منال بسرعة وقبل أن ترد خالتها بلؤمها المعتاد على صديقتها المقربة ...
- مالك هايجة يا بدرية في شنو ؟! .. إحنا جينا نرتاح شوية لغاية ما الناس تخلص صلاة المغرب وبعدين نطلع ..
رمقتها بدرية بنظرة تنفث ناراً ..
- يعني انتي عارفة دة وقت الصلاة ؟! طيب مالك يا ختي ما قمتي تصلي ؟! عرفنا صاحبتك مسيحية اها انتي مالك ؟!..
- انا عندي عذر شرعي يا بدرية وما علي صلاة ... خلصينا عاوزة شنو ؟!
- ما انا العاوزة يا منال ... امي وبلقيس قالوا ليك تعالي جهزي حاجات التعليمة ... مش انتي عارفة انو الليلة آخر تعليمة لرحمة !! .. ولا عاوزة الناس تجهز ليك حاجات اختك وانتي قاعدة تتونسي ؟!
- طيب يا فالحة ... اجري قولي لامي وحبوبة انا وجاكلين جهزنا الحاجات كلها من قبيل ومنتظرين الغناية تجي عشان نطلعا ... يلا هويّنا
إستشاطت بدرية غضباً .. وظهرت نزعتها الطفولية في حركة قدمها التي رفعتها وضربت بها الارض ...
- اوعك يا منال تقولي لي هوينّا ... والله اكلم ليك امي وبلقيس ... انا صحي اصغر منك لكن مفروض تحترميني .. انا خالتك ولا انتي ناسية ؟! ..

- طيب يا خالتي ... خلاص رسالتك وصلت .. ممكن تمشي هسة ؟! ولمن رحمة تخلص دخان والغناية تجي تعالي ناديني ...
إستدارت بدرية والدموع تتلألأ في عينيها ... إتجهت مباشرة الى خلف المنزل وبدأت بالشكوى ما إن رأت امها وشقيقتها الكبرى تحيطان برحمة المتبرمة من حرارة الدخان ... إنتفضت السرة هلعاً عندما رات صغرى بناتها تشرق بدموعها..
- سجمي .. مالك بتبكي يا بدرية في شنو ؟!
تجاهلت بدرية امها واتجهت الى شقيقتها ..

- يا بلقيس شوفي منال دي .. بتعاملني كاني طفلة صغيرة وما بتعمل لكلامي أي اعتبار وطول الوقت قاعدة مع جاكلين ولو جيت اقعد معاهم يطردوني ... هي أولى ليها تقعد مع منو ؟؟ انا ولا جاكلين ؟؟

كانت بلقيس تدرك إحساس الغيرة الذي يعتري شقيقتها الصغرى من علاقة إبنتها بجاكلين .. وظلت تراقب بإشفاق محاولاتها المستميتة لدخول الدائـرة المغلقة عليهما ورغبتها الملحة في تصنيفها ضمن ( البنات الكبار ) حتى تخرج من صفة الطفولة التي تلازمها .. من جانبها حاولت بلقيس جاهدة خلق علاقة تآلف بين شقيقتها وبين " هادية " إبنة نعمات زوجة أبيها التي تماثلها سناً .. لكن العداء المستعر بين السرة ونعمات خلق شرخاً عميقاً بين الاخوات لم تفلح حكمة ود العمدة في تضييقه برغم إسلوبه العادل في المعاملة بين زوجتيه وبناتهما ..
هبت بلقيس من جلستها واحتضنت شقيقتها التي تحس بالامومة تجاهها وخاطبتها بحنو زائد وهي تمسح دموعها بطرف ثوبها..
- معليش يا بدرية ما تزعلي .. إنتي مش عارفة منال وطريقتها ؟! لكن والله هي بتحبك اكتر من أي زول تاني ... بس انا كلمتك من زمان .. وقت المذاكرة ما تمشي ليها .. وبالذات الايام دي امتحاناتها قربت وعرس رحمة عامل ليها ربكة شديدة .. هي وجاكلين بينتهزوا أي فرصة عشان يذاكروا .. وبكرة لمن تدخلي كلية الطب زيهم حتعرفي زنقة المذاكرة كيف..
ازدادت بدرية التصاقاً بشقيقتها وهي تحتج

- ما كانوا بيذاكروا يا بلقيس ..كانوا قاعدين يتونسوا وأول ما دخلت عليهم قطعوا الكلام كالمعتاد انا عاوزة اعرف ليه بيسكتوا كل ما اجي اقعد معاهم ؟! ..
كانت الكلمات تندفع من فمها كالسيل حتى طغت عليها زغرودة عالية مميزة تعالى بعدها صوت رفيع يتكلم بلكنة محببة ..
- السرة ... بلقيس .. يا جماعة انتو وين ؟! لسة ما جهزتوا ؟! ... انا جبت اللقيمات وبلح القنديلة الما خمج جابوهو من الشمالية امس ... تعالوا يا بنات شيلوا معاي ..يا بت يا اميرة مالك واقفة متنحة كدة ؟! اتناولي مني كورة المديدة دي ووديها لرحمة خليها تشربها دافية عشان تشد حيلا في الرقيص..
افلتت بلقيس شقيقتها من بين ذراعيها وهي تحذرها ..
- بدرية .. اوعك تتكلمي فارغ قدام خالتك رجاء ولا تجيبي سيرة منال وجاكلين فاهمة ؟!
وقبل ان تجاوبها بدرية ارتفع صوت السرة مهدداً ..
- امشي يا بت بلاش دلع فاضي وشوفي ليك شغلة اعمليها بلا كل يوم فالقة راسنا منال وجاكلين جاكلين ومنال ... وبحذرك لو لحقتي فتحتي خشمك دة قدام رجاء ولا جبتي السيرة دي بالغلط ما تلومي الا روحك وشوفيني حاعمل فيك شنو ..

ظهرت رجاء في طرف الساحة وهي تحمل الاغراض بكلتا يديها وسيل الزغاريد يندفع من فمها بلا توقف ... كانت امراة قصيرة القامة ممتلئة باعتدال وذات ملامح ناعمة .. يحيط بوجهها المستدير شعر قصير تداخلت فيه الخصلات السوداء مع الفضية لتكسبها عمراً يفوق عمرها الحقيقي .. من خلف اطار النظارة الطبية الذهبي الرفيع شعّت عينان تفيضان لطفاً وحناناً ... وتزينت شفتيها الرفيعتين الباهتتين بابتسامة لا تعرف الخمول ... ظهر بياض بشرتها من خلال فتحة الفستان الاسود الذي اصبح علامة مميزة لم تفارقها منذ ثمان سنوات حينما ارتدته حزناً على وفاة زوجها الشاب بحادث سير ماساوي تاركاً لها جمال على أعتاب الشهادة السودانية والتوأم جانيت وجاكلين في الثانية عشرة من عمرهما .. حملتهم مع فجيعتها وعادت بهم الى منزل والدها العجوز الملاصق لحوش ود العمدة .. كانت دماثة خلقها هي جواز مرورها الى قلب حامد والسرة ..وخلال فترة وجيزة اصبحت كاحدى بناتهم .. واصبح اولادها بمثابة الاخوان لبنات الحوش .. وبعد وفاة الوالد العجوز زادت رعاية حامد للاسرة الصغيرة .. وبرغم حضور شقيق رجاء من " الدبة " مسقط راسهم للاقامة معها الا ان احساس ود العمدة بالمسئولية تجاههم لم ينقص بل زاد وشمل القادم الجديد فاحتضنه ووفر له عملاً في سوق امدرمان وقدم له الدعم والحماية حتى قوى عوده...

بحضور رجاء ارتفعت حرارة الزغاريد وبدا توافد الجيران لحضور التعليمة .. اغتنمت رحمة الفرصة وهبت بفرح من حفرة الدخان ... تجرعت " المديدة" التي احضرتها رجاء على عجل ثم ركضت الى الداخل تتبعها صرخات امها ...
- يا بت اركزي وبطلي الجري ... امشي ارتاحي شوية واجهزي الغناية قربت تجي ... يا اميرة نادي لي منال .. البت دي مشت وين ؟!
اتاها صوت من داخل المنزل مجيباً...
- منال مافي ... مشت بيت ناس خالتي رجاء مع جاكلين
تنهدت بلقيس بغيظ وهي تتمتم .. والله ما خاتية عليك بدرية يا منال يا بتي... الوقت كلو يا قاعدة مع جاكلين ولا عندهم في البيت ... اليتكل عليك يتكل على حيطة مايلة ... اخير اقوم اسوي حاجاتي براي ... بس لو اعرف سرك شنو مع بيت ناس رجاء كنت ارتحت ...
كانت جدران المنزل الصغير الملاصق لحوش ود العمدة مطلية بلون الكركم الأصفر فاظهر سواد الباب الحديدي العريض الذي يتوسط حائط قصير انتصبت في قمته قطع من الزجاج الناتئ باشكال مثلثية متنافرة ... إتكأ الباب على ثلاث عتبات خشنة وإستظل تحت تعريشة من " القنا " المتقاطع التي تشكل ممر ضيق يمتد الى البوابة الداخلية للمنزل .. على الاعواد المطلية بمختلف الالوان تسلقت فروع شجرة عنب عجوز واصبحت اوراقها مظلة خضراء تدلت من بينها العناقيد المخفية في قطع صغيرة من القماش الابيض ... في جنبات الحوش تناثرت اواني الزرع الفخارية الرطبة ... وغلبت على محتوياتها ورود " الجهنمية " الحمراء والبرتقالية ... بينما شكلت شتلات الفل والياسمين أقلية نشرت رائحتها العطرة لتختلط برائحة البسطرمة وضفائر السجق المتدلية من حبال متوازية اصطفت في طرف الحوش البعيد ..

بدا الضوء المنبعث من الداخل ناعماً بتموجات صفراء توحي بالدفء ... كان النظام يميز الصالة المربعة المفروشة بأثاث بسيط ..على الجدران توزعت صور مريم العذراء وهي تحمل طفلها وتحيط براسيهما هالات من نور ..وصور متنوعة للمسيح وهو يتناول عشاؤه وسط حوارييه .. و لوحة كبيرة إحتلت نصف الجدار لقديس يرتدي درعاً ويحمل رمحاً طويلاً يغرزه في احشاء تنين مطروح ارضاً .. كانت أبواب الغرف تطل على الصالة الصغيرة ... بينما انزوى المطبخ والحمام في احدى الاركان .. تسللت روائح البسطرمة والسجق الى الداخل واختطلت بعبق بخور اللبان المتصاعد من مبخر صغير لتخلق جواً مثقلاً بمزيج مميز..

داخل احدى الغرف وقفت جاكلين أمام المرآة وهي تمشط شعرها الطويل وتزيد من حمرة شفتيها بينما جلست على السرير نسخة طبق الاصل منها تراقبها بغيظ .. وأخيراً خاطبتها من بين اسنان مطبقة...
- جاكلين .. انتي مش عارفة الليلة عندنا درس الكتاب في الكنيسة ؟؟ البص حيجي ياخدنا بعد شوية انتي ما ناوية تمشي ولا شنو ؟؟
ردت جاكلين بلهجة عابثة لا مبالية ..
- جانيت يا حبيبتي ... انتي مش عارفة انو الليلة تعليمة رحمة الاخيرة .. كيف يعني عاوزاني افّوتا؟! لو على درس الكتاب ما هو كل اسبوع ... حامشي الاسبوع الجاي ولو قسيس نجيب سال عني قولي ليهو عيانة
هبت جانيت وقد احمر وجهها غضباً
- والله عال يا جاكلين ما مكفيك انك ما ماشية وكمان عاوزاني اكذب عشان اغطي عليك ؟! انتي انسانة ما مسئولة .. الاهم ليك شنو درس الكتاب ولا التعليمة ؟؟ انتي يا بت ما ناوية تتعدلي وتمشي صح ؟؟
هزت جاكلين راسها فتماوج شعرها الكثيف بنعومة .. استدارت لتواجه توأمها بتحدى ...
- يا جونا يا اختي .. بطلي تعقدي الدنيا لانها ما ناقصة تعقيد ... انتي عاوزة تمشي الكنيسة ؟؟ امشي انا ما حايشاك .. وما في داعي تكذبي لو سألوك عني قولي ليهم مشت تعليمة بت الجيران .. اوكيه يلا يا حلوة باي ... لمن ترجعي احكي لي درس الكتاب وانا بحكي ليك التعليمة..
غمزت شقيقتها بعينها وهي تخرج من الغرفة منادية ..
- يلا يا منال جيبي الكتاب وتعالي اتاخرنا..

انتفضت منال عند سماع صوت صديقتها وسحبت يدها النائمة بدعّة في يد جمال .. تلاقت عيناهما في نظرة طويلة معبرة وهمست له قبل ان تخرج من باب الغرفة الموارب ...
- جمال .. لازم اشوفك بعدين .. انا ما بقدر اجي عندكم تاني الليلة .. وبكرة طالعة مشاوير مع امي نقضي باقي حاجات العرس ... يعني إحتمال ما الاقيك ... بعد ما تنتهي التعليمة انت تعال عندنا البيت .. اعمل روحك عاوز أي حاجة من خالتي رجاء ولا جاكلين .. خلاص اتفقنا ؟! انت عارف انا لو ما شفتك يومين ورا بعض بتعب شديد ..
احس بالخدر وهو ينظر الى عينيها الجميلتين فاختفى صوته وأومأ ايجاباً وهو يرسل لها قبلة في الهواء التقطتها وردتها اليه قبل ان تخرج على عجل ...




التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-12-2012, 09:36 PM   #[8]
أمير الأمين
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل قريد مشاهدة المشاركة
[OVERLINE]مشكور جدا الاخ امير الامين وكلامك صاح الصاح وظنك حق لذلك هاك الكلام دا[/OVERLINE]


صباح الخير يا فيصل
ليك السماح بنشر الرواية .. لكن اظن ( وبعض الظن حق )* انها اتنشرت في سودانيات قبل كدة
انا بمر على اغلبية المنتديات السودانية بس بشكل متقطع ..وزي كأنّي لمحتها في سودانيات
انت اعمل بحث واتاكد .. واذا لقيتا ما منشورة هناك قبل كدة انشرا

تحياتي

Date: Sat, 15 Dec 2012 10:19:58 -0800
From: faisal.gread@yahoo.com
Subject: Re: تحية طيبة
To: gaffer_14@hotmail.com

طيب سحبنا الالقاب.
الرائعة سناء جعفر
سلام.
كما اسلفت انا من المعجبين جدا بكتاباتك واكون سعيد جدا عندما اقراء احدي كتاباتك واكون اكثر سعادة عندما اجد احدهم واناقشة فيها لذلك اكون شاكر جدا اذا سمحتي لي بنشر روايتك ( المفضلة لدي ) حوش بنات ود العمدة مع بعض المثقفاتية الذين لا اخيرهم عليك في منتدي سودانيات(
sudanyat.org)
ومناقشتهم فيها للاستمتاع اكثر بقراءة ما بين السطور
ولكي مني الود
فيصل.



From: sanaa gaffer <gaffer_14@hotmail.com>
To: faisal.gread@yahoo.com
Sent: Saturday, December 15, 2012 5:36 PM
Subject: RE: تحية طيبة



يسعد مساك يا فيصل .. ( بفضل التعامل بدون القاب ) .. دة فعلا بريدي
شاكرة لاعجابك بكتاباتي
تحياتي

سناء جعفر

ولك مني كل الاحترام اخي امير.

الاستاذ عكود مشكور جدا علي الشجيع والمتابعة.
شكرا لك فيصل
لم اقصد سوى حفظ الحقوق للكاتبة ولو كنت فى مكانها لكتبت لها مثل ما فعلت هنا
وتبقى المحبة لك و للكاتبة سناء

* الحقوق محفوظة لنا



أمير الأمين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-12-2012, 12:06 PM   #[9]
فيصل قريد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

تمطّت " نعمات " بليونة في الكرسي المواجه للمرآة داخل غرفة نومها .. مالت بجسدها حتى كاد وجهها يلتصق بانعكاسه في الزجاج المصقول ... كانت تتأمل ملامحها بدقة .. مرت باطراف اناملها على جبينها العريض وهي تتلمس التجاعيد التي تتشكل في خطوط عرضية عميقة عندما ترفع حاجبيها الغليظين إلى أعلى ... احست بكآبة تحتلها فانزلت اصابعها الطويلة الى ركن عينها وهي تحسب عدد الخطوط الصغيرة التي تزايدت خلال الفترة الاخيرة ... ظلت على حالها فترة من الزمن يدها تتجول بلا وعي بين خدودها النحيلة واعلى شفتيها المكتنزتين وعنقها الطويل المشرب بالسمرة اخيراً نهضت عن الكرسي وتمايلت يميناً ويساراً وهي تستكشف بعرفان تضاريس جسدها اللدن الذي كتم سر سنوات عمرها بمهارة ولم يفصح عن الاثنتنان وخمسون عاماً التي بلغتها منذ شهور ...

كانت شاردة الذهن .. تتنازعها مشاعر متناقضة بين الفرح والحزن ... ما يحدث في المنزل من تجهيزات زواج حفيدة زوجها أهاج شجونها وأعاد اليها ذكريات قديمة راحت تسترجعها بلذة خفية كانت في السابعة والعشرين عندما رأت حامد للمرة الاولى ... شريك والدها في تجارة الاخشاب والذي اصبح صديقه برغم فارق العمر بينهما .. سبقته سمعته اليها قبل ان تراه .. كان والدها يتحدث عنه باعجاب واحترام وهو يثني على ادبه ونشاطه والتزامه وجديته ... تدريجيا انتقل اليها الإنبهار بشخصية حامد ود العمدة واصبحت تتلهف لمعرفة اخباره برغم علمها بزواجه من ابنه عمه وابوته لاربع بنات ... الا انها لم تكن تملك دفعاً لمشاعرها المتنامية ..

كان زواج شقيقها الاكبر سبباً في اول لقاء بينهما ... عندما راته بجسده النحيل وعينيه الحزينتين بلونهما المتمازج قفز قلبها ... وادركت انها واقعة في هوى هذا الرجل ما ان تلاعبت غمازتاه إثر ضحكة هادئة اطلقها تجاوبا مع إحدى دعابات ابيها ... عزمت على لفت نظره باي طريقة ممكنة ... فانتظرت حتى صدح صوت الفنان باغنية بطيئة الايقاع ودخلت حلبة الرقص بتصميم وهي تتباهى بشعرها الطويل الغزير الذي رُفع عنه حظر الاختباء خلف الثوب إكراماً لزواج شقيقها ...
أحنت ظهرها بليونة وفردت ذراعيها بدلال فنفر صدرها أمامها بعنفوان وهو يعلو ويهبط بتناسق تام مع حركات عنقها الطويل ... كانت ترقص برشاقة الغزال وعيناها تحدقان في النجوم فوقها بهيام .. تلاشى احساسها بمن حولها واصبحت ترقص له وحده ...
كانت بين الحين والاخر تسترق النظر تجاهه لترى تاثير مهارتها التي اجبرت الجميع على التراجع والوقوف متفرجين فصارت وحيدة وسط دائرة من الانظار الشاخصة ... إختل توازنها لبرهة وجيزة عندما راته قادما نحوها برفقة ابيها ثم استعادت سيطرتها على حركاتها واخذت دورة كاملة اصبحت في نهايتها بمواجهته ... تمايلت باغراء كحمامة منتشية ... ثم خصته ( بالشبال ) دوناً عن غيره ... وعندما لاحظت ارتعاشة رموشه واحتباس انفاسه .. أدركت بانها قد وصلت الى مبتغاها..

بعدها توالت زيارات ود العمدة الي بيتهم ... لم تكن تعدم الوسيلة التي تجعله يراها بها في أبهى حلة عند كل زيارة ... وعندما لمّح حامد لوالدها عن رغبته بالزواج مرة اخرى املاً في الحصول على الولد الذي يتمناه بعد ان انجبت له زوجته اربع بنات .. فهم الرجل الخبير التلميح ولم يتحفظ في الموافقة على تزويجه ابنته التي كانت تسير نحو العنوسة بخطى حثيثة رغم جمالها واصلها الكريم...
في الثامنة والعشرين من عمرها اصبحت نعمات الزوجة الثانية لحامد الامين ... كان شرطها الوحيد هو بقائها في منزل منفصل وبعيد عن زوجته الاولى .. وكان لها ما ارادت .. اشترى لها حامد منزلاً بالقرب من والديها .. ووزع وقته بالتساوى بينها وبين السرة ...

بعد سنة من زواجهما اتت نادية ... ثم تلتها اميرة ... احست نعمات بالقلق والخوف من توالي البنات وامتناع الولد فقررت التوقف عن الانجاب لفترة .. بعد اربع سنوات انجبت هادية التي كان الفرق بينها وبين بدرية ابنة السرة شهر واحد فقط ... وقتها ابلغها زوجها بقراره الواجب التنفيذ عن انتقالها الى البيت الكبير في منطقة ابوروف ورفض كل حججها الممانعة بعد ان وعدها بأن يكون الجزء الخاص بها في المنزل بعيداً عن سلطة السرة ...

وبرغم رفض ود العمدة القاطع بناء جدار يفصل بين المنزلين داخل الحوش الواحد ... الا ان نعمات استطاعت ان تخلق حواجز عالية بينها وبين ضرتها وبناتها ... كانت الصغيرات يخرجن احياناً عن سيطرتها ويذهبن للعب مع اخواتهن بتشجيع من الاب الممتعض من تباعد بناته ... لكن نعمات ظلت بعيدة عن عالم السرة الملئ بالاتباع ... حتى عندما تزوج حامد للمرة الثالثة .. لم تجمعهما المحنة المشتركة ... ومارست كل واحدة منهما رفضها وحزنها باسلوبها الخاص ...

عادت نعمات الى واقعها على صوت ابنتها الكبرى نادية وهي تخاطبها بالحاح ..
- امي انتي سرحانة قدر دة في شنو ؟! انا لي ساعة باتكلم معاك.. ما ماشة التعليمة ؟!. عليك الله يا امي تعالي .. بلقيس حتزعل لو ما جيتي وهي طيبة وبتحبك ... ما ليك دعوة بامي السرة ... اقعدي بعيد منها..
انتفضت نعمات بغضب عندما سمعت كلمات ابنتها الاخيرة
- نادية ؟! انا مش حذرتك قبل كدة ما تقولي امي السرة ؟! ... اوعى تاني اسمعك تقولي الكلمة دي فاهمة ولا لا ؟؟ انتي عندك ام واحدة بس .. انا بس التقولي لي امي .. قال امي السرة قال ... انشاء الله ( موو ) يفقع مرارتها زي ما هي فاقعة مرارتي
ردت نادية بهدوء وهي تحاول امتصاص غضب والدتها
- حاضر حاضر يا امي ... معليش نسيت ..خلاص تاني قدامك ما بقول كدة ..
صرخت فيها نعمات..
- لا قدامي ولا وراي ...
تمتمت الابنة بحيرة
- لكن يا امي اناديها بشنو ؟! باسمها ساكت ؟! انتي عاوزة الناس تقول اننا قليلات ادب وانك ما ربيتنا كويس ؟؟ .. هسة مش بناتها كلهم حتى الكبار بيقولوا ليك امي نعمات ؟!
صمتت نعمات امام منطق ابنتها ثم اخفت عجزها عن الاجابة باشاحة وجهها الى الجهة الاخرى وهي تستمع الى سؤال نادية اللحوح
- طيب يا امي انتي حتمشي ولا لا ؟!
التمعت عينا نعمات بتحد..
- طبعا ماشة ... هو معقولة أنا القى فرصة أغيظ فيها العجوز الشمطاء دي وأخليها ؟! اجري طلعي لي توبي الجديد الجابو لي أبوك .. وجيبي علب دهبي كلها .. خلي أميرة تولع لي مبخر كبير .. وطلعي من الدولاب قزازة الخمرة وعلبة البخور .. الليلة حخلي السرة تنفجر من الغيظ ..

في الحوش الفسيح صفت كراسي الخيزران على شكل هلال تربع في منتصفه ( برش ) تداخل فيه لون السعف الطبيعي مع خطوط بلون زهور ( الكركديه ) الداكنة وتزينت أطرافه بحبات الودع وجنيهات ذهبية مزيفة معقودة بإحكام بخيوط حمراء قانية ... كان المكان يموج بالأصوات والضحكات .. والترقب ... في المقدمة جلست المغنية بثوبها الأزرق الشفاف وشعرها المجدول ضفائر صغيرة وهي تنقر بأظافرها الطويلة على " الدلوكة " النائمة في حجرها بطاعة .. من مدخل المنزل ظهرت جاكلين تتقدمها عاصفة من بخور ( التيمان ) تندفع من ( المبخر ) الفخاري الضخم بين يديها .. من خلفها أتت رحمة تتعثر في خطوات خجولة ومرتبكة تسندها يدي منال ... تعالت الزغاريد حتى اهتز المكان برنينها ... كانت تنتهي لتبدا من جديد في مباراة حامية لإظهار البراعة وطول الأنفاس ... لم يقطع سيلها إلا صوت رخيم ترافق مع ضربات قوية على الجلد المشدود

من بعيد جات تمشي المها .. كل زول قال وين امهـا ..

هدأ الصخب .. وتركزت الانظار على رحمة التي تهادت في البرش كفراشة ناعمة ... كانت قدماها المشبعتان بلون الحطب المحترق تدوران بحرفية اثارت حسد الكثيرات ... وباشارة سرية من عيني المغنية بدات رحمة تفك رباط ثوبها من وسطها بدلال ... رمته ارضاً وهي تبتسم بعيون مسدلة لكلمات التشجيع التي تطلقها شقيقتها وصديقاتها ... اشتعلت الايدي حماساً وغابت رحمة عن الواقع المحيط بها وسرح خيالها في المجهول الذي ينتظرها ..

داخل المنزل شبه الخالي طرقت بلقيس برفق على باب غرفة والدتها ثم فتحته قليلاً ومدت راسها لتجد السرة مستلقية على سريرها وهي تدخن سيجارتها ببطء ولذة .. وتتامل بعيون نصف مغلقة الخاتم الذهبي الضخم في يدها اليسرى .. خاطبتها بلقيس باحترام ومحبة ..

- يمة !! انتي بتدخني هسة والبيت ملان ناس ؟! لو زول شافك يقول شنو ؟! ..
رمقتها السرة بنظرة مؤنبة ..
- يا بت انا بدخن قـدام ابوك " حامد ود العمدة " شخصيـاً .. ناس شنو تاني البهتم بيهم ؟! ( طظ ) في أي زول .. جهزتي الحاجات كلها ؟! العقربة جات ؟! ..

ادركت بلقيس مقصد السرة من كلماتها الاخيرة .. كان العداء سافراً ومستمراً بينها وبين نعمات زوجة حامد الاخرى .. ومنذ انتقال نعمات الى المنزل بعد انجابها لابنتها الثالثة بدأت حرب السيطرة والاستقلال الخفية بين الزوجتين .. وبرغم محاولة نعمات تجنب الصدام مع السرة ... الا ان استفزازات ضرتها كانت اكبر من قدرتها على الاحتمال ... وكان لابد لها ان ترد الصاع صاعين فتسلحت بجمالها وفارق السن بينها وبين ضرتها لتواجه به جبروت السرة وسطوتها المستمدة من صلة القرابة بينها وبين حامد وقوة دعم الاهل لابنتهم امام الغريبة الغازية ...

- يا امي الله يخليك ما تصطدمي بيها الليلة وخلي التعليمة تمر علي خير عشان خاطر رحمة
- اصطدم بيها ؟! هي دي منو دي خطافة الرجال دي الانا بعبرها ولا اهببوا ليها ؟! .. اها لابسة شنو ؟؟
- لابسة توب عادي يا امي .. يلا تعالي خلينا نطلع برة .. اكيد الناس بدوا يسالوا حبوبة العروس وامها وينهم ..
نهضت السرة من سريرها بصعوبة وتوكأت على كتف بلقيس حتى الباب المؤدي الى الحوش ثم انتزعت يدها منها بحدة ..

- خلاص خليني امشي براي .. ما عاوزة اللبوة دي تشوفني كدة وتشمت فيني وتقول انا عجزت وبقيت ما قادرة امشي ... هي قاعدة وين .. اريتا تقعد في النار ..

اومات بلقيس تجاه مكان نعمات .. وعندما التقت نظرات المراتين ضاقت عينا السرة بحقد وهي تتامل ثوب نعمات الجديد وكمية الحلى الذهبية التي تتزين بها ... فلكزت ابنتها ..

- ما قلتي توب عادي ؟؟ عايني ليها لابسة كيف ؟! هي قايلة روحها لسة عروس مدهبّة قدر دة ؟! ولا التقول جايباهو من بيت ابوها ؟؟ ما كلو من خير راجلي السرقتو مني ..

جلست السرة في اول كرسي صادفها حتى لا يبدو عليها اعياء السبعين عاماً التي تحملها اضافة الى كميات الشحم الهائلة المتمركزة في بطنها وخلفيتها وساقيها ... دارت بنظراتها تتامل الحضور ... اتسعت ابتسامتها لرؤية جيرانها واقاربها الذين اتوا لمجاملتها ... اغمضت عينيها ورفعت راسها لتطلق زغرودة عالية طغت على كل ما عداها ..




التوقيع:
جيتا وجلدي بينو وبين عضاي الشحمة الا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بينو وبين عضاي المافي
فيصل قريد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 10:16 AM   #[10]
أسامة الكاشف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة الكاشف
 
افتراضي

الأخ فيصل

سبق وقرأت الرواية بقرية مجاورة
نتمنى توثيقها هنا
وهي من أجمل ما قرأت على الأسافير
لك ولسناء جعفر عاطر التحايا



أسامة الكاشف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 04:02 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc.