إسكيــرت و بلــوزة !!! أزهـــري سيــف الديـــن

نحو رؤية واضحة لسودان مابعد الحرب !!! حسين عبد الجليل

ليه الحرب ليــه؟؟ هل من إجابـة للشاعر خالـد شقوري؟ !!! عبد الحكيـــم

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-2023, 09:01 AM   #[61]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

العـــــــــــــــــــــدو :
عرف :
العدو مصطلح نسبي يستخدم لوصف كينونة تمثل خطرا او تتصف بافكار مضادة فكلمة العدو تمثل نموذجاً خاصاً "للآخر" فكل عدو هو "آخر" لكن ليس كل "آخر" هو عدو. مفهوم "العدو" يمثل خطوة في تعريف الهوية فصورة العدو توفر ملامح الخصم أو العدو العسكري من منظور أشخاص أو الدعاية العسكرية ومفهوم العدو يوضح جوهر الصراع بين الجماعة/ الفرد والآخرين الأعداء، أي يتجاوز تحديد من هو العدو و ماهيته وطبيعته إلى تحديد سبب كونه عدواً.

يعتبر مفهوم العدو حاجة قديمة ومتشعبة التعبير، لكن ما يجمعها هو سلبيتها فالعدو ينشا فقط لدى الاعتقاد بوجود اختلافات جوهرية "بيننا" و "بينهم" مع ربط هذه الاختلافات بتمييز مواز بين الخير (نحن) والشر (هم)، وهو ما يؤدي عادة إلى نزع الطابع الإنساني عن الآخر العدو، وبالتالي سيادة النمط العدائي العنيف في التعامل مع الآخر في هذه الحالة.


نسمع كل من الطائفتان ( الطرفين .. الشائعة هذه الأيام ) وين ما نتجه ويهمنا هنا طرفي القتال عندنا هنا في السودان قوات الجيش ويدعمه شعب السودان والفئة المتمردة الباغية المارقة ما يدعى الدعم السريع والجنجويد (الدعم الصريع ) .. الذي يصرع يوم تلو الآخر ونسأل الله أن لا يغادر منهم أحدا ... كل طرف يطلق على الآخر العدو فحرنا وصرنا لا نعرف من هو العدو .. ولكن الحق يقال فإن الفئة الباغية من الدعم الصريع والجنجويد هم العدو فلنحذرهم .. هم العدو ................. قاتلهم الله ..

ومن العجب العدو يساوم بلسان ناطقه يوسف عزت :ــ

🛑عاجل الان🛑
#يوسف_عزت مستشار الدعم السريع :-
نحن سنوافق علي الخروج من #المنازل والمستشفيات ولكن شروطنا :-
✅ فتح ممر آمن لقاداتنا وضباطنا
✅ 10 مناصب في الحكومة المدنية والوزارة
✅ دمج قواتنا في الجيش في ظروف 3 سنوات
✅ عدم استرجاع الاموال والسيارات الموجودة مع الدعم السريع ..

فالرد القول له بعدك ما عليك إلا الاستسلام وتسليم ما تبقى من قادتك وضباتك و مرتزقتك صاغرين ليحاسبوا ولا دمج بعد خيانة وتمرد وكل باقي عدتكم وعتادكم ومن بعد تشكل محاكم وتجري المحاكمات لما اقترفتموه في حق الشعب السوداني ومواطنيه واسترجاع حقوقه من ما نهب والقصاص لمن زهقت ارواحهم وانتهكت حرماتهم ..
وبهذا تسترجع الكرامة والعزة للشعب السوداني وقواته المسلحة ..
ومن عجب ودون اسحياء يطالبون بمناصب في الحكومة المدنية أية مناصب يا أيها الجهلاء وعلى رأسهم من عينهم الهالكون حميدتي وزمرته وشقيقه ..
فاذهبوا دون رجعة ..
والعزة للشعب السوداني ..
والنصر والبقاء للقوات المسلحة زخرا وعزة وكرامة ...
لا مساومة ولا شــــروط ولا اشتراطات ..



نعـــــــــــــــم للســـلام أنشــــروهـ



التعديل الأخير تم بواسطة عبدالحكيم ; 02-08-2023 الساعة 09:26 AM.
عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-08-2023, 12:36 PM   #[62]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

كتب : هاشم عباس ...............
حاجة نقلتها وعلى مسئولية كاتبها ..

البرهان وحميدتي والكوميديا السوداء ....

قبل ايام البرهان من بدرومه الفسيح الذى لم يغادره الا لماما منذ خمسة اشهر اعلن تشكيل لجنة لحصر جرائم وانتهاكات الدعم السريع ,, قلنا ربما هناك صعوبة فى وصول الاخبار الى البدروم وربما الرجل يعتقد ان الحرب انتهت وآن اوان المحاسبة لكننا لم نفهم من يحاسب من ؟؟ وكأن الدعم السريع يقاتل نفسه وكأن البرهان ليس طرفا فى المشكلة وكأن الحرب قامت دون اسباب يتحملها الطرفان .. ايهما يسبق التحقيق فى اسباب اندلاع الصراع والمتسبب فيه ام التحقيق فى جرائم وقعت جراء هذا الصراع .... ؟ وكيف تريد حصر ومحاسبة وانت لا تملك من امرك شئ والسيطرة بيد الطرف الذى تريد محاسبته ؟ ومن سيحصر ويحقق اذا كانت لجنتك المشكلة كلها لا تستطيع اصلا دخول منطقة الصراع ولا تملك حتى شرطة او جهة تنفيذية تقوم بالامر على الارض ؟
ربما البرهان المختبئ فى بدرومه يريد الحصر والتحقيق من خلال الميديا كما اشعل ويدير الصراع من الميديا ..
من الناحية الاخرى تفاجانا بالامس ان المخبول الاخر الذى يختبئ فى جحر غير معلوم حتى ظن الناس انه نفق فاجأنا بقرار تكوين هيئة لاغاثة المتضررين من الحرب !!
لكن الفأر فى جحره لم يرهق نفسه بالسؤال اغاثة من ممن ؟ ربما يعتقد حميدتي ان هؤلاء الذين يحتاجون الاغاثة متضررون من لسع العقارب او وقعت عليهم كويكب من السماء .. لاول مرة اسمع عن شخص يرسل دانة على رؤوس الناس فى منازلهم ثم يتعطف ويتكرم عليهم بالاغاثة ولاول مرة اسمع عن شخص يطرد الناس من منازلهم ويحتلها ثم يتفضل عليهم من واسع كرمه ولاول مرة اسمع عن شخص يدمر املاك ويسرق املاك ثم يستعرض انسانيته عليهم .
ربما حميدتي يريد ان يقول للشعب لا تخافوا ستاتى قوة تتبع لى وتطردكم من المنازل وتسرق ما تملكونه لكن انتظروا دقائق ستاتى بعدها عربة محملة بخيمة بدلا عن المنزل وناموسية بديلة عن غرفتك المكيفة وربما يتعطف على كل شخص فقد سيارته بجحش ابيض فاقع البياض .
اننا يا سادة امام مشهد يقوده رجلين فاقدي الاهلية والاتزان والضمير يعيشان فى عالم موازي بعيد عن الواقع وكلاهما منقاد ولا يقود وكلاهما اهطل يعيش وهم السلطة والحكم .
ان ترك مصير الوطن والمواطن بيد شخصين من هذا المستوى والسير خلفهما مغمضى العين كارثة لا يمكن التنبا الى اين تنتهى لان الكارثة المريرة التى نعيشها اليوم ماهى الا بدايات .
ولاكون اكثر صراحة لا الوم الرجلين بقدر ما ارى ان اى انسان يصطف خلفهما هو اقل منهما درجة اهلية وهؤلاء الغوغاء هم سبب اساسي فيما وصل اليه الحال اليوم .
لا تدمروا وطنكم من اجل اهطلين
اوقفوا هذا العبث
اوقفوا الحرب والقتل والدمار

هشام عباس



الخــــبر :

نشر في: الجمعة 4 أغسطس 2023 - 10:32 م | آخر تحديث: الجمعة 4 أغسطس 2023 - 10:32 م
أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، اليوم الجمعة، قرارا بتشكيل "لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع المتمردة برئاسة ممثل النائب العام والخارجية.

وتضم اللجنة في عضويتها، ممثلين لوزارة العدل والقوات المسلحة والشرطة وجهاز المخابرات العامة والمفوضية القومية لحقوق الإنسان.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية في بيان عبر صحفتها على "الفيسبوك" اليوم، إن مهام اللجنة تتمثل في "حصر كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع المتمردة منذ ١٥ (أبريل ٢٠٢٣)".

"وتم تكليف اللجنة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية في مواجهة قيادات وافراد القوات المتمردة داخلياً وخارجياً وكل من يثبت تورطه بالاشتراك أو التحريض أوالمعاونة".

وأوضح البيان أن اللجنة "ستواصل أعمالها بإجراء التحقيقات والتحري لحصر الانتهاكات والجرائم وفقا لإختصاصها توطئة لمحاكمة المتورطين من قيادات وأفراد قوات الدعم السريع المتمردة في الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين وتخريب البنيات التحتية واحتلالها للأعيان المدنية ومنازل المواطنين وتقديمهم للمحاكمة العادلة".

وأهابت اللجنة بالمواطنين بالإسراع في تقديم بلاغات الحق الخاص فيما يلي الانتهاكات التي تعرضوا لها في كافة مراكز النيابة العامة بالولايات المختلفة.

وقالت منظمة العفو الدولية أمس الخميس إن القتال بين طرفي الصراع في السودان، والمستمر منذ أكثر من ثلاثة أشهر، شهد هجمات عشوائية وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.

وذكرت المنظمة أن بعض الانتهاكات الموثقة يجب اعتبارها جرائم حرب.

وتم التوصل إلى العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار منذ ذلك الحين، ولكن تم خرقها مرارا.

ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، نزح أكثر من 3ر3 مليون شخص في أول 100 يوم فقط من القتال.

ويتضمن تقرير منظمة العفو الدولية روايات الضحايا وأقاربهم الذين يقولون إن ميليشيا قوات الدعم السريع والجيش ارتكبوا عنفا جنسيا ضد النساء والفتيات.



نعـــــــم للســــلام ... أنشـــــروهـ






عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-10-2023, 02:22 PM   #[63]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

ليه الحــــرب ليـــه الحرب :




عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-10-2023, 07:31 AM   #[64]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

فلنقرأ ما قاله مني أركو مناوي ما حدث بين الجملان قبيل إشعالهما فتيل الحرب وهما يتصارعان ويقرران مصير شعب دون حسبان لمآلات الحرب وما سيحل بالوطن والشعب من هلع ودمار وخراب ..
لهم من الله ما يستحفان عن كل روح زهقت وعن كل نساء حرائر اغتصبت وعن كل أموال وممتلكات نهبت وعن كل مرافق خربت ودمرت وعن كل بيوت هجر اهلها وسكنتها مليشيا المتمردين الغاصبين المجرمين ..

كلام مناوي :ـ



خمسة أيام حسوما.. مناوي يروي قلق الساعات الأخيرة قبل حرب 15 أبريل
مني اركو مناوي .. صورة لـ"سودان تربيون"

حصري: سودان تربيون

أزاح حاكم إقليم دارفور؛ القيادي في ”قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية“ مني أركو مناوي النقاب عن الساعات الأخيرة قبل اشتعال حرب 15 إبريل، وكشف في مقابلة حصرية مع سودان تربيون عن اجتماعات مكوكية حتى ساعات صباح السبت لحظة الانفجار تمت معه وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” وشقيقه عبد الرحيم وآخرين، فماذا جرى في هذه الساعات.

ماذا جرى يوم الثلاثاء 11 أبريل؟

يقول مناوي إن نائب القائد العام شمس الدين الكباشي تحدث في هذا اليوم مع مناديب للكتلة الديمقراطية في إفطار رمضاني خاص بمنزله، أقامه لهذا الغرض، حيث حضر الإفطار كل من” نور الدائم محمد طه، مبارك أردول، سليمان صندل، عبد العزيز عشر ومحمد زكريا“وطلب الكباشي من الحاضرين بشكل عاجل أن يبلغا مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة؛ جبريل إبراهيم بضرورة تدخلهما للتوسط بين البرهان وحميدتي لنزع الاحتقان بين الرجلين، حيث وصل مداه، ووفقا لمناوي، أظهر الكباشي الحاحاً بائنا أن يتم الاجتماع اليوم قبل الغد.

النداء العاجل الذي أطلقه الكباشي جاء بعد ساعات معدودة من اجتماع هيئة القيادة والذي تخلف عنه قائد الدعم السريع، ونائبه عبد الرحيم، وذكر الكباشي وفقاً لمناوي أن قيادة الدعم السريع بعثت بضابطين برتبة لواء لتمثيلها في الاجتماع مضيفاً أن كباشي كشف عما دار في اجتماع هيئة القيادة، حيث وجه الاجتماع استفسارات حول انتشار قوات الدعم السريع في مواقع جديدة في الخرطوم وإرسال قوات لمطار مروي، لكن إجابات مناديب الدعم السريع كانت ”لا ندري، يُمكن أن تستفسروا من حميدتي أو عبد الرحيم“، غير أن، أحد قادة الجيش في ذلك الاجتماع رد عليهم غاضبا ”أبلغوا حميدتي وعبد الرحيم أن يفعلا ما يرغبان بالقيام به“، وبحسب الكباشي الذي نقل عنه مناوي أن الاجتماع انتهى بحديث رئيس هيئة الأركان الذي قال للقائد العام ”نحن مستعدون للدفاع“.


يقول مناوي: تواصلت في الحال مع جبريل وعرفت أنه على علم بهذه التطورات، اتفقنا على أن نبدأ اتصالاتنا مباشرة مع قائد الدعم السريع لطالما أن قواته بدأت التصعيد الميداني لا سيما في مطار مروي، وتشاورنا وقررنا أن نصطحب معنا رئيس الحركة الشعبية؛ مالك عقار ونائبي في حكومة الإقليم؛ محمد عيسى عليو، واقترح عقار أن ينضم إلينا عبد الله مسار، ربما بحكم الرباط الاجتماعي بينه وحميدتي.

ويتابع مناوي: لم نتمكن من تحديد موعد على وجه السرعة بسبب تعلل عبد الرحيم أكثر من مرة، فقررنا أن نصل بيته بلا موعد، كان ذلك عند 10:30 ليل الثلاثاء حيث التقينا جميعنا، عدا مسار، في منزله بحي المطار.


ويتابع مناوي سرد شهادته؛ ظللنا في الانتظار في ساحة خارجية في فناء المنزل بدون أن ندخل إلى صالون الاستقبال، حتى الساعة 11:40، وصل عبد الرحيم على متن سيارة معروفة شعبياً باسم ”الشريحة“، وكان أمرا مثيرا للتساؤل بالنسبة للحاضرين، وبحسب مناوي فإن القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي خالد عمر يوسف نزل من ذات السيارة لكنه عاد بسرعة إلى داخلها، وعلمنا لاحقاً أن الواثق البرير وياسر عرمان وطه عثمان القيادات في التحالف كانوا داخل السيارة. يقول مناوي ”دارت أسئلة كثيفة في تلك اللحظات لكن رجحنا أن تكون اجتماعات للاتفاق الإطاري“.


يواصل مناوي قوله: وصل عبد الرحيم إلينا ومباشرة بدأنا النقاش الذي استغرق وقتاً طويلاً، في النهاية قبِل عبد الرحيم الجلوس مع الكباشي على أن ينعقد لقاء بين البرهان وحميدتي، مع اشتراطنا بعدم التصعيد بإرسال مزيد من القوات لمطار مروي، ويقول مناوي: لأن الزمن يحاصرنا، تواصلت مع الكباشي لطلب لقائه في الحال، رحب بالمبادرة وتحركنا مباشرة إليه، يتابع مناوي قوله؛ وحينما خرجنا لاحظت حجم قوات أمام منزل عبد الرحيم مبالغ فيها، وكانت معززة بالراجمات ومضادات الطيران وبعض المدرعات، وحينما وصلنا بوابة القيادة متوجهين لمنزل الكباشي كان واضحا حجم التوتر بين حراسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان حميدتي وحراسات القيادة العامة، كأن كل طرف يصوب سلاحه نحو الآخر.

الأربعاء 12 أبريل.. التصعيد مستمر

يواصل مناوي روايته” حينما وصلنا منزل كباشي كانت الساعة 1:15 صباح 12 أبريل، أبلغناه بقبول حميدتي وعبد الرحيم الجلوس معكم مع الالتزام بعدم التصعيد، رحب الكباشي بذلك، إلا أنه استأذننا أن يتصل بالبرهان أولاً، قبل الموافقة النهائية، لكن البرهان رأى أن يجلس معنا أولاً قبل جلوسه مع حميدتي، وتحدد موعد عند الساعة 11:00 صباح 12 أبريل.

ويقول مناوي إن برهان سأل للكباشي قائلاً” لكن كيف نجلس معهم – الدعم السريع – ونحن اتفقنا في هيئة القيادة على ألا يتم ذلك إلا بعد سحب قواتهم من مطار مروي“، ويتابع:” وصلنا مقر البرهان عند الموعد، وجدنا كباشي ينتظرنا، اللافت أنه كان ممتعضاً للغاية قبل أن يبلغنا أن قائد الدعم السريع واصل التصعيد وعزز قواته في مروي بـ (54) سيارة قتالية وصلت مروي بعد ساعات من لقائنا بعبد الرحيم، وكان هذا مثير للتساؤل بالنسبة لنا، لأن الرجل وعدنا وأخذنا منه التزاماً قاطعاً بعدم التصعيد”.


بعد دقائق قابلنا البرهان وكان يظهر على وجهه عدم الارتياح، مباشرة استقبلنا بالسؤال” هل أنتم تعتقدون أن حميدتي يكتفي بهذا التصعيد، نحن مللنا من أن نقنعه “وواصل قائد الجيش حديثه قائلاً” قبل شهور كان عدد قواته في الخرطوم أقل من (30) ألف، الآن فاقت الـ (100) ألف مقاتل ولا يزال يحشد المزيد، ولا نرى ما يمنع هذا التمادي إلا القصدير – أي الرصاص -“.

ويضيف مناوي مواصلاً سرد روايته” كباشي قال لنا يبدو أن حميدتي لديه خطة انقلاب ويعتقد كباشي بحسب مناوي أن هذه الخطة بمعاونة ضباط من الجيش، ويقول مناوي: في هذه اللحظة رد عليه جبريل إبراهيم بسؤال: ”إذا كان حميدتي لديه خطة انقلاب، هل الاستخبارات ليس لديها معلومات؟“ وجاء رد الكباشي بـ ”كيف يتمادى حميدتي لهذا الحد دون أن يكون معه ضباط من الجيش“؟ كان هذا الحوار بحضور قائد الجيش، الذي التزم الصمت ولم يعلق.

الخميس 13 أبريل.. جمود وتوجس

حددنا موعداً جديداً مع البرهان في هذا اليوم، وصلناه عند 9:00 مساء بعد صلاة التراويح، وجدنا اجتماع للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مع البرهان، وبالنسبة لمناوي فإن دخول المجلس المركزي على خط التهدئة كان بغرض قطع الطريق أمام مبادرتهم ولجعل الجيش في وضعية” التنويم “حسب مناوي الذي تابع قوله ظللنا في الانتظار حتى منتصف الليل. أبلغنا الجنرال البرهان بأن التصعيد لم يتوقف من طرف الدعم السريع ولكنه لا يمانع في الجلوس مع حميدتي إذا قرر الانسحاب من مروي، ويضيف مناوي” في نفس الوقت تواصلنا مع حميدتي وتم تحديد موعد يوم 14 أبريل عند 10:00 صباحا وهو يوم الإفطار الرمضاني الجماعي للفريق شمس الدين كباشي

الجمعة 14 أبريل.. الأيادي على الزناد

يقول مناوي؛ التقينا حميدتي في الموعد المضروب لكنه لم يلتزم بشيء ولم يرفض شيء، وانتهت الجلسة بمزاح ثقيل وضحكات متوجسة، وبصراحة أنا لم اطمئن.

مباشرة، تواصلنا مع مكتب البرهان وتم تحديد موعد عند 10:00 مساءا وقبل حلول الموعد انتقلنا لتلبية دعوة إفطار الكباشي الرمضاني في نادي النيل، هناك كان الحضور كثيف لكن اللافت كان غياب حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، كان البرهان أول من غادر مكان الإفطار إلى الفناء الخارجي لاحتساء قهوة، جلسنا بقربه ومعي رئيس مفوضية السلام سليمان الدبيلو الذي استفسرني عن اجتماع لم يقم بخصوص ملف السلام، فكان ردي للدبيلو إن الاجتماع سينعقد عقب عيد الفطر، في هذه اللحظة باغتنا البرهان مبتسماً بسؤال ”هل أنتم متأكدين بأنكم تلحقون بالعيد“؟


وقبل الموعد المضروب مع البرهان تواصل معي جبريل إبراهيم قبل زمن وجيز وأخبرني أن الدعم السريع واصل التصعيد في مروي حسب ما نقل له البرهان أثناء الإفطار، حينها شعرت أن لا جدوى من تحركاتنا، فسألت جبريل، هل ثمة جدوى من لقاءنا مع البرهان طالما أن التصعيد لم يتوقف؟ يقول مناوي: إن جبريل كان يرى أنه لا بد أن نحاول حتى آخر لحظة.

وصلنا مقر البرهان عند 10:00 مساءا، وقابلنا مستشاره؛ علاء الدين عثمان الذي أخبرنا أن البرهان في اجتماع مع المجلس المركزي للحرية والتغيير منذ الساعة الثامنة، وأن الاجتماع غير مرتب له بحسب ما أخبرنا علاء الدين.

السبت 15 أبريل.. تشتت الرصاص

يروي مناوي: ”ظللنا في الانتظار حتى دقت الساعة 1:00 صباحا، وهو صباح الانفجار يوم 15 أبريل، قابلنا البرهان بعدها بثلث ساعة، استمعنا له، حيث ذكر لنا أن المجلس المركزي اقترح عليه تشكيل لجنة للذهاب إلى مروي، أبلغنا البرهان أننا غير مهمومين باللجان وما يهمنا الآن على وجه السرعة أن نمنع الانفجار بأن تجلس مع نائبك.، أبدى البرهان استعداده وخرجنا منه بعد أن أبدى استعداده للجلوس مع حميدتي إذا قرر الانسحاب من مروي، ويضيف أن البرهان أخبرهم أنه لا يستطيع الجلوس مع حميدتي قبل أن يبدي جدية في الانسحاب، لأن الجيش بدأ يتململ ويسحب الثقة منه ويتهمه بالتساهل مع الدعم السريع، فأبلغناه أن حميدتي أيضاً يقول إن الجيش حشد دبابات ومدفعية ثقيلة وصلت من عطبرة، فكان رد البرهان ”إذا هو ابدي استعداد بالانسحاب من مروي نحن سنوقف التصعيد“.

يقول مناوي؛ انتهى الاجتماع وعدنا إلى منازلنا على أن نلتقي حميدتي عند 10:00 صباح السبت، لكن عند الساعة التاسعة صباحا أيقظني مرافقي الأمني على أصوات الرصاص التي بدأت في المدينة الرياضية، جنوب الخرطوم، وكانت سياراتي معدة وجاهزة للتحرك إلى مقري بشارع البلدية.


يضيف مناوي؛ في الحال طلبت من سائقي التوجه لمقر حميدتي بالقيادة العامة للجيش رغم صوت الرصاص، سلكنا شارع النيل ونحن قادمون من المنشية، وحينما وصلنا جامعة الخرطوم اتصلت بحميدتي، قلت له” نحن على موعدنا بعد قليل “وكان رده أن الوصول إليه صعب في هذه اللحظات، فالاشتباكات عمت المدينة، كنت ألح عليه وكان يصر على ألا أتمادى في المخاطرة، يتابع مناوي” في هذه اللحظات زادت حدة الاشتباكات ولا صوت غير صوت الرصاص، غيرت وجهتي إلى مقري بشارع البلدية.

ويذكر أنه عند الساعة 12:30 نهار السبت، حاول الاتصال بالبرهان لم يستجب ويردف ” فحاولت الكباشي الذي رد على ضاحكاً؛ أين انت؟ قلت له أنا بخير في مقري، ماذا عنكم، رد: نحن بخير في بيت الرئيس المهاجم، وكنت بالكاد أسمعه من شدة أصوات الاشتباكات، مباشرة حوّل الهاتف للبرهان فسألته؛ هل ثمة فرصة أخيرة لإيقاف ما يجري؟ رد عليّ بضحكة خفيفة قائلاً ”نحن مهاجمين في أماكننا وما عندنا فرقة عشان نقول كلام“.

يتابع مناوي القول” حالاً فصلت الاتصال بهما وعاودت الاتصال بالجنرال حميدتي، سألته، هل ثمة فرصة لإيقاف ما يجري الآن، فكان رده أن سألني” أنتم كنتم مع البرهان حتى ساعات الصباح الأولى، ماذا قال لكم؟ أجبته قائلاً” البرهان قال سيلتزم بالتهدئة إلى حين لقائك، بافتراض أننا سنبلغك اليوم عند لقائنا، الذي لم يتم“، وكان رد حميدتي” إن البرهان بادر بالهجوم “ويضيف مناوي أن حميدتي طلب منهم إصدار بيانات إدانة.

يقول مناوي: أعدت عليه السؤال مرة أخرى؛ هل بالإمكان أن تتوقف هذه الاشتباكات الآن؟ رد على بقوله” الآن أوضاعنا العسكرية لا بأس بها، القصر في يدنا والمطار في يدنا وتحصلنا على عدد كبير من العربات والدبابات ومطار مروي في يدنا والقيادة العامة محاصرة، ولم يبق سوى استسلامه – أي البرهان – هو وعصبته، انت أقنعه ليسلم نفسه والحرب ستنتهي تلقائياً“.





عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-10-2023, 03:52 PM   #[65]
Hassan Farah
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Hassan Farah
 
افتراضي

عبدالحكيم سلام
هاك دى



https://www6.0zz0.com/2023/10/06/11/356515685.png



Hassan Farah متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم 07-10-2023, 04:51 PM   #[66]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
لهم من الله ما يستحقان عن كل روح زهقت وعن كل نساء حرائر اغتصبت وعن كل أموال وممتلكات نهبت وعن كل مرافق خربت ودمرت وعن كل بيوت هجر اهلها وسكنتها مليشيا المتمردين الغاصبين المجرمين ..
اللهم آمين يا رب العالمين

تحياتي عبد الحكيم



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-10-2023, 01:25 PM   #[67]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الحــرب تدخـل شـهرها السـابع :

أحداث حدثت خلالها ..

ففي الجاهلية كانت الحرب : فلنتـــعلم ــــــــــــــــــــــــ

منقــــــولا .....................................

تمهيد
مِن المعلوم أن المجتمع الجاهلي كان يَعتمد على الحرب ( الغزو والغزو المضاد ) كمصدر اقتصادي أساسي . لذا من الطبيعي أن تَدخل الحربُ في أدبيات الحياة الجاهلية ، وتصبح رَقْماً صعباً لا يمكن تجاوزه . ولم يقف الأمرُ عند هذا الحد ، بل أضحت الحربُ ثقافةً قائمة بذاتها ، لها فلسفتها الفكرية ، وتأثيراتها الاجتماعية ، وإفرازاتها السياسية ، وأبعادها الاقتصادية . ولها زعماؤها وشعراؤها ومُنظِّروها .
وبالتالي ، فليس غريباً أن تَبرز الحربُ والقيمُ المرتبطة بها في قصائد الشعراء . فالشِّعرُ انعكاسٌ للواقع بِقَدْر ما هو خَلْقٌ للواقع . وقد صاغَ شعراءُ المعلَّقات سبيكةً شِعرية من قيم الحرب . وكلُّ قيمة تعكس شخصيةَ صاحبها ومرجعيته الفكرية . فَبَرَزت قيمةُ ذَمِّ الحرب، والتحذير منها، وضرورة إحلال السلام. وفي الجهة المقابِلة بَرز معنى الفخر بالانتصار في الحرب، ورفع مكانة المنتصر، والحط من شأن المهزوم.
وبين هذين المسارَيْن المتوازيَيْن ، ظَهرت أبعادٌ كثيرة متناقضة ، ومرتبطة بالحرب ارتباطاً وثيقاً ، مثل: القتال حتى الفناء ( القتال حتى آخر رَجل ) ، وقسوة الحرب ، ودورها في حصد الأرواح والممتلكات ، وإعطاء الدِّيَات بعد الحرب ، والفخر بالقتل وسفك الدماء ، وكيفية التعامل مع الغنائم والأسرى والسبايا ، ووجود النساء في الحرب . ولا يَخفى أن النساء والأطفال هُم ضحايا الحروب ، بسبب ضعفهم ، وعجزهم عن حماية حياتهم ، وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم في وجه الأخطار المتكاثرة حَوْلهم .
وبدون أدنى شك ، سيظل شِعرُ المعلَّقات حول الحرب وثيقةً أدبية وتاريخية ، يمتزج فيها جَمالُ التصوير بقُبح الحرب ، وتَختلطُ فيها الأبعاد الإنسانية بكل تناقضاتها ، وتلتصق لحظاتُ القوة بلحظات الضعف . وكأن الحِبرَ يُصبح مُعادِلاً للدم _ إن جاز التعبير ! _ .
1_ القتال حتى الفناء :
لا يوجد حربٌ ناعمة . فالحربُ منبع الوحشية والفناء . إنها مقبرة الرجال ، ومَصْدر الإبادة . وقد عبَّر الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى عن هذه المعنى في قَوْله :
تَداركتُما عَبْساً وذُبيان بَعْدَمـا تَفانَوْا وَدَقُّوا بينَهم عِطرَ مَنشمِ
وهو يُخاطب سَيِّدَيْن من سادات العرب ( هَرِم بن سنان والحارث بن عوف ) ، ويُورِد ذِكْرَهما الضمني في سياق المدح ، ويُخلِّد هذا الذِّكر إلى الأبد بسبب دورهما البارز في إنهاء الحرب الطاحنة بين قَبيلة عَبْس وقبيلة ذُبيان. وهنا يتضح دورُ الشاعر في دعم مسيرة السلام ، ووقف شلال الدم الذي جرفَ الأخضرَ واليابسَ . فهو مِن دُعاة الحوار واللاعنف ، وقد حوَّل رسالته الشِّعرية إلى قضية إنسانية تساهم في إصلاح العلاقات بين القبائل ، وتكوين مجتمع متسامح يحتكم إلى قوة اللغة لا لغة القوة . وفي هذه الحالة يصبح الشِّعرُ رسولَ سلامٍ ، وباعثاً على الأمن والأمان .
تلافيتما أمر هاتين القبيلتين، وقُمتما بانتشالهما من مستنقع الدماء، ولحقتما بهما في آخر لحظة ( قبل أن تقعا في الهاوية السحيقة ) . فالقتلُ وصلَ إلى مستويات غير مسبوقة ، وقد أفنى القتالُ رجالهما . إنه القتالُ حتى آخر رَجل . تواصلَ مسلسل القتل حتى النهاية . وهذه الحربُ الطاحنة حَصدت أرواحَ الرجال، ورَمَّلت النساءَ، ويتَّمت الأطفالَ ، وقضت على الممتلكات المادية ، وتسبَّبت بكوارث اجتماعية وسياسية واقتصادية في المجتمع العربي. ومن خلال هذا المنظور ، يلتصق معنى الحرب بمعنى الفناء والنهاية المؤلمة .
وقَوْلُه " دَقُّوا بينَهم عطرَ مَنشم " يَحمل إشارةً بليغة ومؤلمة إلى أن القتال أتى على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر مَنشم .
و " مَنشم " امرأةٌ عطارة ، اشترى قومٌ منهم عِطراً ، وتحالفوا على قتال العدو، فقُتلوا عن آخرهم ، فتطيَّر العربُ بعطر مَنشم . وصار رمزاً للتشاؤم لأنه يَحمل في الذاكرة العربية معنى القتل والفَناء .
وفي هذا السياق يَظهر معنى العلاقات التي كان العربُ يخترعونها ، ويَبنون عليها نسقاً فكرياً واجتماعياً ، ويربطونها بنتائج عقلية ، وتطبيقات واقعية . وهذه العلاقاتُ متأثرة إلى حَد بعيد بالمناخ الوثني ، وإقحام الأصنام بثنائية الأسباب والمسبِّبات . فالمجتمعُ الجاهلي مُلوَّث بالطقوس الخفية ، فيكثر فيه السِّحرُ والشعوذة والكِهانة والتطير ( التشاؤم ) . وهذه القضايا ظهرت ونالت شرعيةً شعبية بسبب الجهل المتفشي في البيئة العربية . فهذه العوالم المستترة هي انعكاس لقلق الفرد الجاهلي وارتباكه الروحي في مجتمع يستمتع بغرقه دون وجود طوق نجاة. ولأن التجمع الجاهلي كان يفتقد المعرفةَ والبُنيةَ الحضارية والثقافةَ التنويرية ، لَجَأَ إلى العوالم الغامضة اللامنظورة ذات الطابع السحري .
العلاقةُ الأولى تتمحور حول شراء العِطر من قِبَل أشخاص يريدون التعاقد والتحالف ، وجعلهم آية الحِلف هو غمسهم الأيدي في ذلك العِطر . وهذا الطقسُ غريب ، فلا يوجد رابطٌ منطقي بين الحِلف والعِطر . ومع هذا فقد رُبطت آية الحِلف بغمس الأيدي في العِطر ، وهذه العمليةُ تأتي في سياق التأثر بعالَم القرابين والكهانة والتطير .. إلخ .
العلاقةُ الثانية هي التي بناها العربُ على حادثة عابرة ، وهي مقتل هؤلاء الرِّجال ( الذين تعطَّروا بعِطر منشم ) عن آخرهم . لقد قام العقلُ العربي الجمعي بربط حادثة قتلهم بالعِطر ، وإدخال هذا الأمر ضمن السبب والمسبِّب أو الفعل والنتيجة. وانبثق من هذه العملية فلسفةُ التطير وثقافة التشاؤم. وهكذا صار " عِطر مَنشم " مثلاً شهيراً ، وثقافةً اجتماعية يتناقلها الأجيالُ جيلاً بعد جيل . ودخل هذا التعبير " عطر منشم " في أشعار العرب، وتراثهم الإنساني، وحياتهم الاجتماعية، وفلسفتهم الروحية ، ومعتقداتهم الدينية .
2_ تجريبُ الحرب :
الحربُ ليست نزهةً . إنها رَحى طاحنة ، تَطحن كلَّ شيء . تُتلِف الأرواحَ والممتلكاتِ . والعاقلُ لا يتمنى لقاءَ العدو ، لأنه يَعْلم أن الحرب تحصد الأشياءَ حصداً، تُفني الناسَ، وتُدمِّر المنجزاتِ الحضارية ، وتُورِث الشكوكَ والقلقَ والرعبَ في نفوس المقاتِلِين والمتابِعِين ، والإنسانُ لا يَعْرف قلبَه في الحرب ، ولا يَعرف هل سَيَصمد أم سينهار ، هل سيُقاتِل بكل إقدام أم سَيَهرب بكل نذالة .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
وما الحربُ إلا ما عَلِمتم وذُقتم وما هو عنها بالحديثِ المُرَجَّـمِ
يُقدِّم الشاعرُ صورةً مقزِّزة للحرب، في محاولة منه لتنفير الناس منها ، وإبعادهم عن فكرة القتل والقتال . وهو لا يُلقي الكلام على عواهنه ، بل يَربط الكلام بالأحداث التاريخية، والتجارب الواقعية. والتاريخُ لسانٌ صادق، والواقعُ لا يَكذب أبداً . وقد ربطَ الشاعرُ كلامَه بالتجربة الواقعية والبرهان العملي ، ليكون كلامُه ذا تأثير في النفوس . تأثير حقيقي يكون بمثابة السُّور الواقي من الحرب . ولا يَخفَى أن ربط القول بالعمل يؤدي إلى ترسيخ المعنى ، وإشاعة الصدق في الأرجاء .
يقول : وليست الحربُ إلا ما عهدتموها ، وجَرَّبْتموها ، ومارستم كراهيتها .
إنه يَنقل المعنى إلى الوقائع العملية . فالحربُ تم تجريبها ، وقد عادت بالويلات على الجميع ، والجميعُ فيها خاسرٌ. وهذا الأمرُ ليس كلاماً في الهواء ، وإنما تمَّ تجريبه ورؤيته بالعين المجرَّدة ولمسه على أرض الواقع . والذين خاضوا الحربَ يَعرفون هذه المعاني تماماً لأنهم جَرَّبوها بأنفسهم ، ورأوها رأيَ العين ، ولم يَسمعوا عنها من الآخرين. والمشاهِد ليس كالسامع. وقد قيل : (( اسألْ مُجرِّباً ولا تسأل حكيماً )). وقيل أيضاً : (( أكبرُ منكَ بيوم أعلمُ منكَ بسنة )). فالخِبرةُ الحياتية تُكسِب الإنسانَ معانٍ عديدة ، لا يُمكِن أن يقرأها في كتاب ، أو يَسمع عنها من الناس .
ويؤكِّد الشاعرُ كلامَه ، فيقول إن الحديث عن الحرب وويلاتها ليس بحديث مُرَجَّم ( أحكام الظنون )، وإنما هو حديثٌ يَقيني لا ظنِّي، يستند إلى الواقع العملي ، وهذا ما شَهِدت عليه الشواهدُ الصادقة من التجارب .
3_ ذَمُّ الحرب :
المنطقُ الإنساني يذمُّ الحربَ ولا يَمدحها . فهي سبب الكوارث والدمار ، وهي منبع الحقد والكراهية. والعقلُ الجمعي _ القادرُ على التحسين والتقبيح _ يُدرِك قبحَ الحرب، وآثارها الكارثية على جميع الأصعدة. لذلك، ليس غريباً أن يتم ذَمُّ الحرب ، والتنفير منها ، وإبراز صورتها السَّيئة ، وجوهرها القبيح .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
متى تَبعثوها تَبْعثوها ذَميمـةً وَتَضْرَ إذا ضَرَيْتُموها فَتَضرَمِ
إنهم متى يَبعثوا الحربَ يَبعثوها مذمومةً ، أي يُذَمُّون على إثارتها . والناسُ سوفَ تذمُّهم وتَلومهم ، وتُحمِّلهم المسؤوليةَ كاملةً ، فتتلطخ صورتهم بالمعاني السلبية ، وتلتصق بهم وصمة عار أبدية لا يَمحوها شيء ، لأنهم تسبَّبوا بالحرب ، وساهموا في إزهاق الأرواح ، وإتلافِ الممتلكات. ولن يتوقفَ الأمرُ عند إثارة الحرب . فالحربُ مثل النار سيشتدُّ ضَرْمُها واشتعالها إذا تم تزويدها بما يساعد على الاشتعال، وعندئذ تلتهب نيرانُها . وجثثُ المتقاتِلِين هي وقودُ الحرب ، كما أن الحطبَ هو وقود النار.
والمعنى العام : إنكم إذا أوقدتُم نارَ الحرب وقُمتم بإشعالها ، ذُممتم وصارت سُمعتكم في الحضيض . ومتى قُمتم بإثارة الحرب ثارت ، وتأجَّجت نيرانُها ، ولم يَعُدْ بالإمكان السيطرة عليها . وكلُّ هذه المعاني موضوعة في سياق الحضِّ على التمسك بالصُّلح ، والابتعادِ عن الحرب ، وإظهارِ النهاية المؤلمة لإيقاد نار الحرب .
4_ الحربُ طاحنة :
الحربُ تَطحن الأرواحَ والممتلكاتِ بلا رحمة . فهي لا تَشبع ولا تَهدأ ، ولا تترك الآخرين يهدأون . وهذا القلقُ المرعب الذي يحصد كلَّ شيء ، يُجسِّد فلسفةَ الطحن في الحرب بكل شراسة .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
فَتَعْرُكُكم عَرْكَ الرَّحى بثِفالها وَتَلْقَح كِشافاً ثم تُنتِج فَتُتْئِمِ
[ الثِّفال: جِلدة تُبسَط تحت الرَّحى ليقع الطحين / الكِشاف : أن تلقح النعجة في السنة مرتين ] .
يُقدِّم الشاعرُ صورةً مرعبة للحرب تُعبِّر عن خطورتها وقسوتها . فهذه الحربُ الطاحنةُ تعركُ الناسَ بلا هوادة ولا رحمة. إنها تطحنهم كما تَطحن الرَّحى الْحَبَّ مع ثِفاله . وقد تم تخصيص هذه الحالة ، لأن الثِّفال لا يُبسَط إلا عند الطحن .
هذا المشهدُ الشِّعريُّ الصارخُ يمثِّل شدةَ الحرب . فالحربُ رَحى طاحنة لا تكفُّ عن الدوران والطحن . إنها تَهْرس أجسادَ البشرِ الغضَّةَ ، وتحوِّلها إلى جثث هامدة . وتُحيل الأحلامَ البشرية إلى غبار متطاير في الهواء . وهكذا تصبح منجزاتُ الحضارةِ الإنسانيةِ كالطحين. فالكلُّ يؤول إلى أجزاء، والجسمُ الواحدُ يؤول إلى شظايا. إنها الحربُ التي لا تَرْحم . تُدمِّر كلَّ شيء ، وتفتِّت كلَّ الكيانات المتماسكة .
وفي عجزِ البيت، يَربطُ الشاعرُ بين عناصر بيئته الصحراوية وبين الحرب . إنه يستلُّ صورةً من تكاثر الحيوانات ( النعاج ) ، ويُسقِطها على عالَم الحرب القاسي . وها هُوَ يقرِّر أن الحربَ تلقح في السَّنة مَرَّتين وتلد توأمين. وبعبارة أخرى ، إنه يقرِّر ثنائيةَ ( السبب / النتيجة ) أو ( المدْخَلات / المخْرَجات ) .
وهذه العلاقةُ المركزية تتجسَّد في جعل إفناء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرَّحى الْحَب ، وأيضاً جعل أنواع الشر المتولِّدة من الحرب بمنزلة الذُّرية الناشئة من الأمهات . فالحربُ هي الأُمُّ القاسية التي تَلد أولاداً عاقِّين ( أنواع الشَّر والألَمِ ) .
5_ النشأة في ظِل الحروب :
إن الأشخاص الذين ينشأون في ظِل الحروب ، لا بد أن يُصابوا بالأمراض النفسية . وهذه الأمراضُ بعضُها ظاهرٌ للعيان ، وبعضُها مستتر . وتبرز آثارُ هذه الأمراض على ملامح الإنسان، وتظهر تأثيراتها في السلوكيات الاجتماعية ، وتتَّضح فلسفتها في الكلام ، وفلتاتِ اللسان .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
فتُنتِج لكم غِلْمانَ أشأمَ كُلُّهم كأحمر عادٍ ثم تُرْضِع فتَفطِـمِ
إنه جَو الحرب الرهيبة ، حيث يُولَد في أثنائها أبناء مشؤومون ، تشرَّبوا رُوحَ الحرب _ رغم أنوفهم _ ، وعاشوا أجواءها المرعِبة بكل حواسهم . وهؤلاء الأبناءُ وُلدوا في مناخ القتل والكراهية والحقد ، فصاروا رَجْعَ صدى للحرب المتأججة ، وصارت جوارحهم تشخيصاً لحالة القتل والقتال . وكلُّ واحدٍ منهم يضاهي في الشؤم أحمر عاد( وهو أحمر ثمود عاقر الناقة " قُدار بن سالف " ) الذي تسبَّب بهلاك قَوْمه ، فكان شُؤْماً عليهم بعد أن جلبَ لهم العذابَ .
ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم ( تقطعهم ) . وفي هذا دلالةٌ على ولادتهم ونشأتهم في الحروب . إنهم أبناء الحروب ، عاشوا في ظِلالها ، وابتلعوا فلسفتها القاتلة ، وامتصَّت أعضاؤهم الصفاتِ القاسية ، وصارت مَشَاهِدُ القتل وسفك الدماء جزءاً من الذاكرة، وفكرةً أساسية في عقولهم، فأصبحوا مشائيم على آبائهم.
والإنسانُ هو ابنُ بيئته . فالذي يُولَد في الحرب ، ويَعيش في كنفها ، لا بد أن يتأثر بأجوائها المرعبة مهما كان قوياً أو واثقاً من نَفْسه . وعندئذ يصبح الفردُ ظِلاً للحرب ، يَحمل جيناتها وخصائصها ، متلبِّساً بالقلق والألم والاضطراب الروحي والبدني. وسوفَ يتشاءم الناسُ بهذا الفرد المضطرِب، ويصبُّون عليه جامَ سُخطهم .
6_ الحرب تحرق المال :
الحروبُ تجارةٌ بأرواح البشر وممتلكاتهم . صحيحٌ أنها تجارة قذرة ، لكنها رائجة إلى حَد بعيد. وعلى الرغم من حَرقها للمال إلا أن هناك قِلةً مستفيدة منها. وهؤلاء هُم أُمراء الحرب الذين يَدفعون بالرجال إلى الموت مستخدمين شعارات الشرف والبطولة ، ويظلُّون مختبئين في جُحورهم يترقَّبون لحظة الانقضاض . ومهما يكن من أمر ، فالحربُ تَحرقُ المالَ ، لأنها مقامَرة مرعِبة تأكلَ الأخضرَ واليابسَ . والأضرارُ التي تأتي بها الحروب أكبر من كل المنافع التي قد يتخيَّلها البعضُ ، أو يُخطِّطون لتحقيقها . إنها دمارٌ شامل . والقِلةُ المستفيدة من الحرب لا وزنَ لها ، لأن النادرَ لا حُكم له .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
فتُغْلِل لكم ما لا تُغِلُّ لأهلهـا قُرىً بالعراقِ من قَفيزٍ ودِرْهَمِ
إنه يذمُّ الحروبَ، ويُبيِّن أضرارَها الهائلة. فهذه الحروبُ تغلُّ أنواعاً من الغلات. وهذه الغلات لا تكون لقُرى من العراق التي تغل الدراهم بالقفيزات . والقفيزُ هو مِكيال أهل العراق .
فالأضرارُ الناتجة من هذه الحروب تزيد على المنافع الناتجة من هذه القُرى . فالأموال التي تُجبَى من القُرى لا تُغطِّي نفقاتِ الحروب التي هي أكبر من كل مصادر الدَّخل . ومهما كانت القُرى غنيةً ، فلا يمكنها أن تموِّل الحروبَ التي تحتاج ميزانيةً ضخمة تَعجز عنها القُرى التي تغل الدراهم بالمكاييل .
وهذه الصورةُ الاقتصاديةُ القاتمةُ يُقدِّمها الشاعرُ من أجل حَثِّ جميع الأطراف على الالتزام بالصُّلح ، والابتعاد عن إشعال جذوة الحرب . والعاقلُ يَحسب الأمورَ قبل الخوض فيها . وعندما يُؤمِن أن الحربَ صفقةٌ خاسرة ، فلا بد أن يَبتعد عنها.
7_ إعطاء الدِّيَات بعد الحرب :
كلُّ حربٍ تكون بدايتها مشكلة بسيطة يمكن حَلُّها بالهدوء والعقلانية ، ولكنَّ الجهلَ يَجعل من هذه المشكلة جَبلاً من المشكلات . ومعظمُ النار من مستصغر الشرر . والحربُ العبثيةُ لحظةُ طيشٍ يَقتحمها الجهَّالُ والمغرورون ، ويَتحمل نتائجها الجسيمة العقلاءُ والحكماءُ الذين يَقضون أوقاتهم محاولين إخماد نارها ، وإيجاد نهاية لها. والجهالُ الذين يُشعِلون نارَ الحرب، إنما يُورِّطون العقلاءَ فيها. فالناسُ _ دائماً_ يَنظرون إلى العقلاء وعِلية القوم ، ويحثونهم على إيجاد الحلول النافعة ، ولا أحد يَنتظر حلولاً من الجهال أو العوام .
يقولُ الشاعرُ زُهير بن أبي سُلمى :
تُعفَّى الكُلومُ بالمِئينَ فأصْبَحَتْ يُنَجِّمُها مَن ليسَ فيها بِمُجرِمِ
فالكُلوم ( الجِراح ) تُمحَى وتُزال بالمئين من الإبل ( الدِّيَات ) . أي إن الآلام والجراح الناتجة عن الحرب ، تُزال عن طريق إعطاء الدِّيَات التي تَجبر القلوبَ الكسيرة ، وتُطيِّب الخواطرَ الملتهبة ، وتُهدِّئ النفوسَ المحترقة .
والمئين نسبة إلى المئة ، وفي هذا إشارةٌ إلى الأعداد الكبيرة من الإبل التي تُقدَّم إلى أهالي القتلى . فهُم قد فَقدوا أبناءهم وإخوانهم وأحبابهم في الحرب الطاحنة ، وفي أمس الحاجة إلى التعويض المادي. صحيحٌ أن الدِّيَات لن تُعيد القتلى، ولن تُحيِي الذكرياتِ الدافئة ، ولن تُرجِع الأيامَ الجميلة . ولكنها _ أي الدِّيَات _ تمثِّل نوعاً من التعويض المادي لأفراد القبيلة ، والأمهاتِ الثكلى ، والأراملِ المفجوعات ، والأيتامِ الحزانى .
والمضحكُ المبكي أن الذين يتحمَّلون الدِّيَات ، ويأخذون على عاتقهم إنهاء الحرب الضروس، هُم الذين لا ناقة لهم ولا جَمل في الحرب . وأصبحتْ هذه الإبلُ (الدِّيَات) يعطيها نجوماً مَن هو بريء الساحة بعيد عن الْجُرم في هذه الحروب .
فالأبرياءُ هُم الذين يُقدِّمون الدِّيَاتِ نجوماً ( متفرِّقات ) ، على الرغم من أنهم لم يتسبَّبوا بإراقة الدماء، ولم يُشعِلوا نارَ الحرب، ولم يَشتركوا في عملية القتل والقتال. وهذا يُشير إلى سخرية الحياة. فالمجرمون الذين تلطَّخت أيديهم بالدماء نَجَوا بفعلتهم، أمَّا الأبرياء فهُم الذين ضَمنوا إعطاء الدِّيَات ، وَوَفُوا بها ، وأخرجوها متفرِّقاتٍ . وهذا يدل على حرصهم على حقن دماء أبناءِ جِلْدتهم، سواءٌ كانوا من قبيلتهم أم القبائل الأخرى . وهذا قَدَرُ العقلاء في كل العصور ، أن يُصلِحوا ما أفسده الجهَّالُ .
8_ النصر في الحرب :
على الرغم من كَوْن الحرب تجارةً بالأشلاء والضحايا، وصفقةً دموية قذرة ، وفِعلاً مذموماً ضد الإنسانية ، وضد المنجزات الحضارية ، إلا أننا نجد مَن يُمجِّدها ، ويَفتخر بها ، ويَجعل النصرَ فيها هو قمة الحضارة ، وأسمى الأمنيات ، غير عابئ بالتكلفة الثقيلة للحرب التي حَصَدت الأرواحَ والممتلكاتِ .
يقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
بيَوْمِ كَريهةٍ ضَرْباً وَطَعْناً أَقَرَّ بهِ مَوَاليكِ العُيُونـا

إنه يُقدِّم البُشرى _ من وجهة نظره _ ، ويَنشر خَبرَ النصر في الحرب بكل سعادة وفخر. والكريهةُ هي الحرب لأن النفوسَ تَكرهها، وتَمقتها، ولا تستسيغها .
وها هُوَ الشاعر يقول بكل فخر : نخبرك بيومِ حربٍ كَثُرَ فيه الضرب والطعن .
إنه يَنظر إلى هذا الأمر كبشارة تستحق النشر ، وذلك من أجل جلب الصيت والسُّمعة ، وانتزاع الاحترام والهيبة من نفوس الآخرين ، وردع القبائل المعادِية ، وإخافة الفرسان المنافِسِين .
وقد أخرجَ الْخَبرَ في سياق البشارة ليُعطيَ انطباعاً بأن قَوْمَه لا يَخافون الحربَ ولا يَجزعون من سفك الدماء . إنهم سعيدون بخوض الحرب ، وإخضاع الأعداء ، وإعلاء راية النصر على جثثهم . وهذا منتهى الشجاعة والإقدام _ وفق رؤية الشاعر _ .
وهذا اليومُ المشهود ( يوم الحرب ) الذي كَثُرَ فيه الضربُ ، والطعنُ المتبادل ، وتلاطمُ السيوف ، وتطايُرُ الرؤوس ، وتناثُرُ الجثث ، وتمزُّقُ الأشلاء ، وسيلانُ الدماء . هذا اليومُ الدموي جاءَ بالبُشرى ( النصر ) ، فقد أقرَّ بنو أعمامكِ عيونَهم في ذلك اليوم . أي إنهم قد حقَّقوا رغباتهم ، وسَحقوا خصومَهم ، ونالوا مرادَهم ، وفازوا ببغيتهم ، وظَفروا بمناهم من قهر الأعداء .
والشاعرُ يُقدِّم خطابَ النصر وإعلانَ الفَوْز، لترسيخ مكانة قبيلته بين القبائل . كما أن هذه البُشرى ( إعلان النصر في الحرب ) ، جاءت في سياق مخاطبة الأنثى ، وهذا واضح في كلمة " مَوَاليكِ " . وكأنه يقول إن بني أعمامِكِ قد حَموا شرفَ القبيلة . ولا يَخفَى أن الدفاع عن النساء اللواتي لا حَوْلَ لهنَّ ولا قوة ، يُعتبَر ذِروةَ الشرف والمجد . فالرَّجلُ قادرٌ على الدفاع عن نَفْسه ، وحتى لو تَمَّ أَسْرُه ، فهو رَجل قادر على رعاية شؤونه. أمَّا المرأةُ العاجزة عن حماية نَفْسها، فإنها إذا سُبِيت فهذه وصمة عار في جبين عائلتها وقبيلتها ، ونقطة سوداء في تاريخ القبيلة . لذلك بدا الشاعرُ حريصاً على مخاطبة الأنثى، وكأنه يقول لها إنكِ محاطة برجال أشداء قادرين على حمايةِ حياتكِ ، وصَوْنِ شرفكِ . وهكذا صارت الأنثى رمزاً يَختصر الحضارةَ والقبيلةَ والشرفَ والطهارةَ والنصرَ .
9_ الفخرُ بإراقة الدماء :
كلُّ الحروبِ متعطشةٌ إلى الدماء . فعمليةُ القتل والقتال تَشرب دماء المتحارِبِين بصورة هستيرية . وكلما شَربت أكثر عَطشت أكثر . والدمُّ هو الوقود المعتمَد في الحروب ، الذي يُدير عجلةَ صناعة القتل والإبادة ، ويُحرِّك طاقةَ الحقد والكراهية في القلوب . وكلما ارتفع منسوبُ الدماء في الحروب ، ارتفعت أهميةُ الحروب في التاريخ . وهذه القاعدةُ المؤلمة منتشرة في كل العصور بلا استثناء . وللأسف ، فالحضارةُ الإنسانية تُكتَب بالدم ، ويُبنَى التاريخُ البشري على الجماجم والجثث .
يقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
بأنَّا نُورِدُ الراياتِ بِيضــاً وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينا

إنه الفخر الدمويُّ، والافتخار بسفك الدماء وقتل الأعداء. فالراياتُ (الأعلام) _التي هي رمز الشرف والشموخ والسيادة_ تَدخل إلى جَو الحرب، وهي بيضاء اللون . وبسبب كثرة القتل ، وتطايُر الرؤوس ، وتناثُر الأشلاء ، وسيلان الدماء ، فإن هذه الرايات يتحول لونُها من الأبيض إلى الأحمر ( لون الدم ) . فتصبح حُمراً قد ارتوت من دماء الأبطال ، وشَربت الجثثَ حتى الثمالة .
وهذا المشْهدُ يدل على شراسة الحرب ، وكثرة القتل . كما أنه يَحْمل صورةً سِحريةً دمويةً، يُقصَد منها رفع شأن قبيلة الشاعر ، وتصوير فرسان هذه القبيلة كقادة منتصرين لا يَخافون الموتَ ، ولا يَخْشون لقاءَ الأعداء ، ولا يَهابون تلاطمَ السيوف كأمواج البحر .
إن عاطفةَ الفخرِ تسيطر على الأجواء . وهذه العاطفة تحتل مكانةً أساسية في التراث الجاهلي ، والحياةِ القَبَلية . ففي جَو الصراع المحتدم بين القبائل ، لا بد أن تنشأ قيم الفخر والحماسة لتحطيم معنويات الأعداء ، ورفع منزلة القبيلة في المنظومة الاجتماعية السائدة . وهذا التنافس المستعر بين الأفراد والجماعات لا بد أن يواكبه تنافس كَلامي . وهذه المهمة اضطلع بها الشعراء الذين كانوا ألسنةَ قبائلهم الحادةَ ، المنافحين عن أمجاد الآباء ، ومكانةِ العائلات والعشائر . وهذا يُفسِّر سببَ الفرح العارم الذي كان يعمُّ القبيلة حين يَبرز فيها شاعرٌ مُجيد ، أو خطيبٌ مُفَوَّه .
10_ النساء في الحرب :
وضعُ النساءِ في الحرب شديدُ التعقيد . فهنَّ كائنات لطيفة بعيدة عن التوحش والدموية ، وعاجزات عن حماية أنفسهن ، وبحاجةٍ ماسَّةٍ إلى مَن يحميهنَّ ، ويَحفظ شرفهنَّ . والمرأةُ _ بسبب وضعها البيولوجي _ جناحُها مهيض ، يَسهل كسرُها أو تدنيس عفَّتها. وإذا حدثَ أمرٌ من هذا القبيل، فإن وصمةَ عارٍ أبدية سَتَلْحق بعائلتها وقبيلتها. وهذا الوضعُ الحساس للمرأة ( الأنثى ) يَجعلها محاطةً بالحماية والحراسة ، فهي موضعُ شهوة الرَّجل . وفي الحروب يتم اللجوء إلى السَّبي ( قديماً) أو الاغتصاب ( حديثاً ) لكسر شَوْكة الأعداء ، وتحطيم معنوياتهم ، وتلطيخ صورتهم بالخزي والعار . وستظل المرأةُ هي الحلقةَ الأضعف في الحرب ، والضَّحيةَ الأُولى للنِّزاعات المسلَّحة .
يقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
على آثارِنا بِيضٌ حِسـانٌ نُحاذِرُ أنْ تُقَسَّمَ أوْ تَهُونا
يَصِفُ نساءَ قبيلته بأنهنَّ بِيض حِسان . وهذا مدحٌ لهنَّ يشتمل على معاني صفاء الروح، ونقاءِ الجسد، وجمالِ الوجه. ولا شكَّ أن جَمال النساء يَمنح القبيلةَ مكانةً سامية فيُشار إليها بالبنان ، ويتسابق الرجالُ من أجل النَّسَب والمصاهَرة ، وتَدخل القبيلةُ في قصائد الشعراء ، ويَأتيها المدحُ من كل الجهات .
يقولُ : على آثارنا في الحروب نساء بِيض حِسان ، نحاذر عليهن من السَّبي ، فيتم تقسيمهن ، وإهانتهن .
إذن، هذا الأمرُ خَط أحمر ، فلا يمكن السماح للأعداء أن يَسبوا النساءَ . فهذه إهانةٌ عظمى للنساء وأهلهن والقبيلة بأكملها، ووصمة عار لا يَغسلها ماءُ البحر. ووفق هذه الرؤية ، لا بد أن يكون القتالُ حتى آخر رَجل ، وذلك من أجل الدفاع عن النساء اللواتي هنَّ شَرف الرجال ، وشرف القبيلة ، فلا مجال للاستسلام أو التقاعس . وأيُّ محاولةٍ للهروب أو التقاعس ، ستشكِّل خطراً بالغاً على النساء ، وتزداد فرصةُ تعرضهنَّ للسَّبي . وهذه كارثةٌ كُبرى لا يَقْدر أحدٌ على تحمُّلها .
والعربُ كانوا يُحضِرون نساءهم معهم إلى الحروب ، فتَشْهد النساءُ وقائعَ القتل والقتال . وكان العربُ يُقيمون النساءَ خلف الرجال لِيُقاتِل الرِّجالُ دِفاعاً عن أعراضهم وشَرَفِهم . وهذا الأمرُ يَدفع الرجالَ إلى القتال بكل شجاعة وإقدام ، وبدون أدنى تردد أو تفكيرٍ بالهرب ، لأنهم يَعْلمون أن نساءهم وراءهم ، فلا بد من القتال حتى النهاية دفاعاً عن الشرف ، والقيمِ العائلية ، والتقاليدِ العشائرية . وهكذا يصبح الموتُ دون العِرض متعةً عُظمى ، فالموتُ أرحم من سبي النساء الذي يَجلب العارَ الأبدي .
ويقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
أَخَذْنَ على بُعُولَتِهِنَّ عَهْداً إذا لاقَوْا كَتائِبَ مُعْلِمِينـا

وهؤلاء النساءُ لهنَّ دورٌ فاعل في مسار الحرب . وحضورهنَّ ليس هامشياً أو لتجميل منظر الحرب . إنهنَّ يَقُمْنَ بمهمة مركزية ، وهي أخذ العهد على أزواجهنَّ بالثبات في الحرب ، والقتال بكل بسالة ، دون خوف أو تردد .
قد عاهدنَ بعولتهن ( أزواجهن ) إذا قاتلوا كتائب من الأعداء مُعلِّمين أنفسهم بعلامات يُعرَفون بها في الحروب ، أن يَثبتوا في معمعة القتال ، ولا يفرُّوا .
وهذا العهدُ بمثابة حِمْل ثقيل على أكتاف الرجال ، وهو مسؤولية كبيرة أثقل من الجبال ، لأنها متعلقة بالدفاع عن النساء ( العِرْض ) ، وصَوْنِ شرف القبيلة ، وحمايةِ سُمعتها ، وتلميعِ اسمها في عالَم الأفراد والجماعات . وثمنُ أيِّ تخاذلٍ ليس مالاً أو أنعاماً . إن الثمنَ هو الشرفُ ، والعِرْضُ ، والسَّبايا ، والنقطةُ السوداء الأبدية في تاريخ القبيلة. وهذا الأمرُ يُؤْخذ على محمل الجِد ، ولا يمكن التلاعب به.
ويقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
يَقُتْنَ جِيادَنا وَيَقُلْنَ لَسْتُم بُعُولَتَنا إذا لم تَمْنَعُونــا
لا يتوقف دورُ النساء عند تقديم الدعم المعنوي للمقاتِلِين ، وتشجيعهم على القتال . فالنساءُ _ أيضاً _ يقمنَ بتقديم خدمات ملموسة على أرض الواقع . فهنَّ يَعلفنَ خَيلَ المقاتِلِين الجِيادَ ، حتى تدبَّ فيها القوةُ ، فَتَقْدر على حمل الفُرسان ، والصمود في أرض المعركة ، فلا تُصاب بالإعياء ، ولا تَسقط من التعب . ولا شكَّ أن الخيلَ في المعركة ذات أهمية بالغة . ومن هنا ، وَجبَ الاعتناء بها ، ورعايتها أشد الرعاية ، لأنها تمثِّل البُنية التحتية للمعركة _ إن جاز التعبير ! _ . وأيُّ خللٍ في هذه المنظومة الحاملة لشجاعة الفرسان ، سوفَ يَقود _ حتماً _ إلى الهزيمة .
وبعد قيام النساء بعلف الخيل الجِياد، أخذنَ يَرفعنَ معنويات أزواجهن المقاتِلِين، فيقلنَ : لستُم أزواجنا إذا لم تمنعونا من سبي الأعداء إِيَّانا . إنها البراءةُ التامة من رابطة الزَّوْجية إذا لم يتم حماية النساء من السَّبي. وفي واقع الأمر ، إن الزوجَ يستمدُّ رجولته من قُدرته على حماية امرأته ، فإن عجزَ عن ذلك فقد خسرَ رجولته ، ولا جَدوى لوجوده في حياة زوجته. وهذه الحقيقةُ تدركها المرأة تماماً، فهي بحاجة إلى زوجٍ يَحميها ، ويدافع عنها ، ويَصون شرفَها وأنوثتها . وإذا فشلَ الزوجُ في تحقيق هذه المهمة المقدَّسة، فعليه الانسحاب من حياة زوجته، وتركها لِرَجل آخر يتزوجها ويدافع عنها .
وللنساء دورٌ آخر في المعركة عبَّر عنه الشاعرُ الأعشى الأكبر في قَوْله :
حتى يَظَلَّ عَميدُ القَوْمِ مُرْتَفِقاً يَدْفعُ بالرَّاحِ عَنْهُ نِسْوَةٌ عُجُلُ

إن النساءَ في هذا المشْهد يقمنَ بدور حيوي في حماية الرجال ، وليس العكس . فهنَّ في أرض المعركة ، يُحِطْنَ جثثَ الرجالِ بسياج من الحنان والأمان ، ويَدفعنَ عنها خطرَ السحق تحت سنابك الخيل .
وهذا المشْهدُ الذي رسمه الشاعرُ يُعبِّر عن شراسة الحرب ، وانتشارِ الجثث ، وارتماءِ القتلى على أرض المعركة . والشاعرُ يتغنَّى بهذا الانتصار الساحق الذي يَحمل دلالاتِ قهر الأعداء ، وإهانة الرجال المهزومين. فلم يظل إلا النساء . وهذا قمةُ الخزي والعار . لقد هُزم الرجال ، وبقيت النساءُ يحاولنَ إنقاذ ما يمكن إنقاذه . إنهنَّ يَدفعنَ ثمنَ هزيمة رجال القبيلة .
وها هُوَ عميدُ القوم ( السَّيد المطاع ) مُرْتَفِق ، أي إنه يتَّكل على غَيْره ولا يتكل على نَفْسه ، وهذا منتهى العجز والضعف . لقد خسرَ هذا السَّيدُ مكانته الاجتماعية ، وفقدَ قدرته على القتال ، فصارَ يُعوِّل على غَيره من أجل حمايته . والغريقُ يتعلق بحبال الهواء . وبعد موتِ الرجال المحارِبِين ، تقوم النساءُ باستخدام أكفهنَّ ( الرَّاح ) لدفع المخاطر عن الفُرسان القتلى ، أي حماية جثثهم من السحق .
يقولُ الشاعرُ مخاطباً الأعداء بكل ثقة وحماس : لن تنتهوا عن ضلالكم وعجرفتكم حتى نترك ساداتكم في ساحة الحرب ، تدفع عنهم النساءُ الثكالى ( العُجُل ) اللواتي فَقدنَ أحبتهنَّ ، لئلا يُداسوا بعد القتل .
هذه الصورةُ الصادمة تحمل إشاراتِ القسوة والوحشية والفخر بسفك الدماء.وفيها دلالاتٌ رمزية عميقة. فالقتلى ليسوا أُناساً عاديين . إنهم السادات ( رؤوس الناس وأعمدة القوم ) الذين يُفزَع إليهم في الشدائد وعظائم الأمور . وإذا سقطَ الرأسُ سَقط الجسمُ كلُّه . وهذا هو الدمارُ الشامل الذي أصاب الأعداءَ ، والكارثةُ الكُبرى التي حَلَّت على الخصوم. وفي هذه الصورةِ إعلاء لشأن المنتصرين ، وتعظيمٌ لقدرتهم على القتل والبطش، والوصولِ إلى رؤوس القوم الذين يُفترَض أنهم محميُّون ومحاطون بحراسة مكثَّفة .
والمصائبُ لا تأتي فُرادَى . والمصيبةُ الثانية هي اضطلاع النساء بدور حماية السادة من السحق بعد القتل . وهذا يعكس انقلاباً في الموازين والعادات . فالمنطقُ يقول إن الرجال يُدافعون عن النساء، أمَّا أن تدافع النساءُ عن الرجال . فهذا يُشير إلى حجمِ الهزيمة الساحقة ، وموتِ رجال القبيلة ، وانكسارِ قيمِ الشرفِ والْحَمِيَّةِ وصَوْنِ العِرْض ، وهذا منتهى الإهانة والعار ، اللذين نتجا عن الهزيمة النكراء .
11_ رفض الغنائم :
يُقدِّم الشاعرُ عنترة بن شَدَّاد صورةً جديدة في عالَم الحروب . وها هِيَ قيمةُ الفخر تأخذ بعداً جديداً يتمثَّل في رفض الغنائم ، فقد تمَّ اعتبارها أمراً دونياً يتعارض مع فروسية الشاعر وعلوِّ همَّته . إنه يُقدِّم نَفْسه كفارس مغوار يَقتحم المعارك والحروب ليس من أجل الغنيمة ، بل من أجل إثبات رجولته ، وشجاعته ، ونشرِ صِيته في المجتمع . وكأنه يقول : لستُ مُحارِباً من المرتزقة يَسعى إلى نيل مكاسب مادية ، بل أنا فارس مِقدام ، أقتحم الحروبَ لإثبات وجودي ومنزلتي الاجتماعية . فالحروبُ جزءٌ من حياتي ، وإحدى أبعاد شخصيتي ، وليستْ منفعةً مادية دونية .
يقولُ الشاعرُ عنترة بن شَدَّاد :
يُخْبِركِ مَن شَهدَ الوَقيعةَ أنـني أغْشَى الوَغَى وأعفُّ عِندَ المغْنَمِ

يخاطبُ الشاعرُ المرأةَ التي يَحرص على إثبات رجولته وفروسيته أمامها ، ويريد نيلَ إعجابها. فلم يجد أفضل من الافتخار بأدائه في عالَم الحرب التي تعكس طبيعةَ شخصيته الفحولية الحاملة لقيم الفروسية والشجاعة .
إنه يُعطيها مفتاحَ شخصيته ، وطريقةَ معرفة صفاته . وذلك بقوله : إن سألتِ الفرسان عن حالي في الحرب يُخبرك مَن حضر الحربَ ( الوقيعة ) بأني فارس شجاع عالي الهمَّة، أقتحم الحربَ بلا خوف ، وأعف عن اغتنام الأموال .
والشاعرُ يَطلب منها أن تسأل الفرسان عن حاله ، ولكنْ بطريقة غير مباشرة . إنه يُرشدها إلى الطريقة التي يمكن بواسطتها أن تكتشف صفاته ، وتَعرف أفعالَه .
وهذه الطريقةُ هي طرح الأسئلة على الفرسان الذين يخوضون الحربَ ، ويشاهدون شجاعةَ عنترة بأُم أعينهم ، فهُم شهود عيان . وليس مَن يَرى كمن يَسمع . وهذه الأسئلةُ ينبغي أن تتمحور حول دور عنترة في الحرب ، وإسهاماته . ولا شكَّ أن الحرب تَكشف عن معادن الرجال . ففي مَعمعةِ القتلِ والقتالِ ، يَظهر الفُرسان الحقيقيون ( أصحاب الأفعال ) ، ويَسقط الفُرسان المزيَّفون ( بائعو الكلامِ والشعاراتِ الرنانة ) .
ولم يُرِد الشاعرُ _ في هذا السياق _ أن يَمدح نَفْسَه . وإنما أرادَ أن يأتيَ مدحُه من الآخرين ، فهذا أشد تأثيراً ، وأكثر مصداقيةً .
وكأنه يقول : لا أُريد أن أمدحَ نَفْسي لئلا تعتقدي أني أُبالِغ ، أو أتصنَّع البطولاتِ ، أو أخترع الأمجادَ الوهمية . ولكنَّ الفرسان الذين يُشاهدونني في الحرب هُم الذين سيمدحونني بما فِيَّ ، ويُخبرونك _ إن قمتِ بسؤالهم عن حالي _ بأني أغشى الوغى ( آتي الحربَ )، وأترفع عن مَدِّ يدي للغنائم لأني كريم ذو همَّة عالية ، أَصون نَفْسي عن هذه المكاسب المادية الوضيعة .
12_ السَّبايا والأسرى :
يَرتبط موضوعُ السبايا والأسرى بالحرب ارتباطاً وثيقاً . وهذا الموضوعُ الحساس يَحمل رموزاً تدل على القهر والانتصار ، كما تدل على الهزيمة والضياع .
يقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا وأُبْنا بالملوكِ مُصَفَّدِينا

هذا البيتُ الثوريُّ يختزل معاني الحماسة والفخر والأنفة . وفي ذات الوقت يَحمل معنى التهكم والسخرية بالأعداء. فالأعداءُ ( بنو بكر ) قد رَجعوا بالغنائم ( آبوا بالنهاب ) وبالسبايا . أمَّا قومُ الشاعرِ فكانوا أصحاب همَّة عالية ، لم يَرضوا بالغنائم والسبايا ، لأن طموحَهم أعلى من ذلك بكثير ، فَرجعوا بالملوك مقيَّدين ( مُصفَّدين ) .
والشاعرُ لا يتحدث عن حرب بين قَوْمه وبين بني بكر . وإنما يتحدث عن أُسلوبَيْن مختلفَيْن في الحروب . فحروبُ بني بكر مع أعدائهم تنتهي بأخذهم الغنائم والسبايا، أمَّا قومُ الشاعر فعندما يَخوضون حروبَهم فإنهم يَعودون بالملوك مأسورين.
وهنا تبرز مقارنة غاية في الأهمية ، تهدف إلى رفع مكانة قوم الشاعر ، وتحطيم صورة الخصوم. فالأعداءُ ( بنو بكر ) كانوا أصحابَ همم متواضعة ، وطموح متدني يدل على مكانتهم الوضيعة ، إذ إنهم يَحرصون على المنافع المادية ( الغنائم ) ، وسبي النساء. أمَّا قومُ الشاعر فلم يَرضوا بأقل من الملوك ( رؤوس الناس وقادتهم )، وهذا يشير إلى عُلو هِممهم ، ومكانتهم السامية ، ومجدهم الرفيع .
لقد اغتنم الأعداءُ الأموالَ ورضوا بذلك، أمَّا قومُ الشاعر فأسَروا الملوكَ . ولا رَيْبَ أن الأموال يمكن تعويضها ، أمَّا الملوك فلا يمكن تعويضهم أبداً. وإذا سقطَ الملوكُ ( أصحاب أعلى سُلطة ) فقد سقطَ كلُّ شيء . وإذا زالَ الرأسُ وقعَ الجسمُ إلى الأبد ، فلا يمكن النهوضُ من جديد ، ولا توجد أيةُ فرصة للتعويض .
ويقولُ الشاعرُ عمرو بن كلثوم :
لَيَسْتَلِبُنَّ أفراساً وَبِيضـاً وأسْرَى في الحديدِ مُقَرَّنينا

إن هذا البيت الشعري يمثِّلُ منظومةً من الفخر وإعلاء شأن القبيلة ، ويجسِّدُ نظاماً حماسياً معتمداً على الشموخ والاستعلاء والحَمِيَّة الجاهلية ، ويشيرُ إلى المكانة الرفيعة لقبيلة الشاعر المنتصرة ، والمنزلةِ الدونية للأعداء المهزومين .
يقولُ:ليستلب خيلُنا أفراسَ الأعداء وبِيضهم وأسرى منهم قد قُرنوا في الحديد.
والاستلابُ يدل على سرعة الأخذ والخطف. فهذه الخيلُ التي يَمدحها الشاعر _ لأنها خيلُ قَوْمه _ ستخطف أفراسَ الأعداء وبِيضهم بسرعة شديدة . مما يدل على قوتها الشديدة، كما يدل على شراسة الحرب ، وكثرة القتل ، وارتفاع وتيرة القتال . فهذا النمطُ السريع في الحرب المتكون من الفعل ورد الفعل ، يشيرُ إلى صعوبة الموقف ، وشدةِ القتال . وبالتالي ، ليس غريباً أن يَكثر القتلى والأسرى ، وتكثر الخسائرُ ، وتزداد أعدادُ الضحايا . ويَكشف البيتُ الشِّعري عن صورة الأسرى الذين قُرنوا في الحديد. إنهم مُقيَّدون بأغلال حديدية قاسية، تشل حركتَهم، وتجعل منهم كائناتٍ عاجزة لا حَوْل لها ولا قوة . وهذه هي الضريبةُ القاسية التي يجب دفعُها في الحرب .
ويقولُ الشاعرُ الحارث بن حِلِّزَة :
ثُمَّ مِلْنا على تميمٍ فأحْرَمْنا وَفِينا بَناتُ قَوْمٍ إمَــاءُ
إن موضوعَ السبايا ( الإماء ) ذو أهمية بالغة في الفكر الحربي ، لأنه تجسيد للغَلَبة والقهر والانتصار . كما يدل على إهانة الأعداء ، ووصمهم بالعار الأبدي . فالمرأةُ هي شرفُ العائلة، وطهارةُ القبيلة، وإذا سُبِيت فإنه أمجاد القبيلة ستتهاوى ، وتَسقط سُمعتها في الوحل . وعندئذ تُحشَر القبيلةُ في زاوية الخزي والعار والهزيمة .
يتناول الشاعرُ موضوعَ الإغارة على الأعداء ( بني تميم ). إنه يَفتخر بمهاجمتهم وغَزْوهم. لقد أخذوا رُوحَ المبادَرة فهاجَموا الأعداءَ، وهُم بذلك قد صَنعوا الفعلَ ، ولم يَصنعوا ردةَ الفعل. ثم أحرَموا ( دخلوا في الشهر الحرام ) . ومعروفٌ أن الشهر الحرام له مكانة سامية في الجاهلية والإسلام على حَدٍّ سَواء ، فَيَحْرم فيه القتال . وعربُ الجاهلية كانوا ملتزمين بِحُرمة الأشهر الْحُرُم ، لأنها عقيدة دينية ، وجزء من تراثهم الاجتماعي التاريخي . ودخولُ الشهر الحرام كان حَدَّاً فاصلاً بين مرحلَتَيْن ( غزو الأعداء / إيقاف عملية الغزو ) .
إذن ، لقد أوقفَ الشهرُ الحرامُ عمليةَ الإغارة . وكان عند قوم الشاعر سبايا القبائل قد استخدموهنَّ . وبناتُ الذين أغاروا عليهم صِرْنَ إِماء ( سبايا ) .
13_ خيل الحرب :
لا يمكن تجاهلُ أهمية الخيل في الحرب . فالخيلُ هي الركيزةُ الأساسية في عملية القتال ، والقوةُ الدافعة التي تَبعث الحيويةَ في نفوس المقاتِلين . وبدونها ، سَتنهار شجاعةُ المقاتِلِين، ويصبحون أشخاصاً عاجزين، لا قوة تسندهم، وسيجدون أنفسهم مشلولين في الحرب ، يَغرقون في مستنقع الهزيمة العميق .
يقولُ الشاعرُ عنترة بن شَدَّاد :
والخيْلُ تقتحمُ الخَبارَ عَوَابساً من بينِ شَيظَمَةٍ وآخَرَ شَيْظَمِ
يصفُ الشاعرُ الخيلَ في هذه الحرب المشتعلة. إنها تقتحمُ الخبارَ( الأرض اللينة)، وتجري بصورة جنونية . وهذا يُنبِئ عن شراسة الحرب ، وأن القتال على أَشُدِّه . وهذه الخيلُ التي تَعدو في الأرض اللينة لا بد أن تَغوص قوائمها في الأرض بصورة شديدة، وبالغة الصعوبة . فالأرضُ اللينة عاجزة عن حمل قوائم الخيل الجارية بسرعة هائلة . وعندما تغوص قوائمُ الخيل في الأرض ، فلا بد أن تَشعر بالتعب وعدم الراحة ، وهذه المشاعرُ القاسية ستنعكس على وجوهها ، فتصبح عابسةً لِمَا نالها من الإرهاق الشديد. فالتعبُ الذي يُصيب الأعضاء لا بد أن تنعكس آثارُه على الوجه.

ويَحرص الشاعرُ على إضافة وصف جديد للخيل لتكتمل صورتها المعبِّرة ، وترسخ خصائصها في النفوس . وهذا الوصفُ هو ( الشيظم ) ، ويعني الطويل من الخيل . وهي لا تَخلو من فرس طويل أو طويلة ، أي كلها طويلة .






نعــــم للســـلام أنشـــــــروهـ ....



التعديل الأخير تم بواسطة عبدالحكيم ; 16-10-2023 الساعة 01:46 PM.
عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:35 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc.