نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-07-2020, 08:25 PM   #[1]
الوليد عمر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الوليد عمر
 
افتراضي الجـــــــــــــــــــــــــان أب لـــــــــــمـــــــــــــبــــــة

في لحظة (سرحة كدا) في ملكوت الخالق و تأملات في الحال و المآل و صفعات البعد و الغربة و الشوق ، تذكرت بحنين طاغي طفولتي البعيدة و سنوات العمر المجيدة و أحاجي حبوباتنا الهدهادة و المهدِّدة و المهدئة التي كانت لا تنتهي إلا حين تبدأ ، و لا تبدأ إلا حين ينتهي الصغار من الغلبة و الشيطنة، و للحبوبات و الأمهات مِزاج دائم في الأقاصيص الغريبة و ليس بين حكاويهن قصة واحدة تخلو من الملائكة و الجن و الشياطين و الحيوانات الناطقة و مخلوقات الخيال الممتد و الخرافة و الأساطير التي ينسجنها بعناية كبيرة ، الحبوبات نسوة وصّافات و مثّالات، يسردن الحكايات البسيطة و الجميلة و يجملن القصة بموسيقاها التصويرية و يدفعن خيال الطفل الصغير دفعا بأصواتهن المحبوبة و حركات أياديهن المعرورقة و قسمات وجوههن الطيبة ذوات الشلوخ و خطوط العمر المسطرة تسطيرا علي الجباه السمراء القديمة فترتسم شخصيات القصة في الأذهان الغضة كأننا نراها عيانا بقرونها و أجنحتها و فكاكها المسننة و تتردد في الأذان الصغيرة أصوات العواء و الزئير و حفيف أجنحة الملائكة، لقد كانت الحبوبات يتخيرن لكل حشد من الصغار حكاية و لكل وقت من اليوم حكاية و لكل حال من الأحوال حكاية ، و لكل قصة منهن هدف و مرامي يسعين لتحقيقها، (حجوة فاطنة السمحة و الغول) تحكي لكل صغار الوطن لتغرس فيهم القوة و الأمل و محبة الخير و (حجوة الدهيبة و القرادة) و (القمرا و مشاط القمرية) تحكي للفتيات الصغيرات وأحاجي المرافعين و الشواطين و الكائنات المخيفة تحكي لتخويف الصغار الذين يغالبون النوم فيختبؤون عميقا في حضن الحبوبة و يملؤون أنوفهم من رائحتها الذكية المضمخة بالصندلية و زيت الكركار الحار و هي تلفلفهم بأطراف توب الزراق الجميل.

كانت تعجبني كل الحكاوي التي سمعتها مرارا و تكرارا من حبوبة، تلك الحكاوي التي لم أملها يوما ولا زالت تتردد الكلمات في ذاكرتي حتي اليوم و لكن تلح في بالي الأن الحجوات التي كانت نسجتها حبوبة بخيالها الخصب و من ولعها الشديد بشجرة جدنا الكبير (بكري) و التي زعمت أنها شجرة غرسها شيخ الجان بنفسه و تعهدها بالسقاية و الرعاية حتي طالت و أظلت و ترامت فروعها و برزت بين الأشجار الأخري و عندما حل جدنا الكبير في المكان و إستظل بهذه الشجرة هو و عوله سمح لهم صاحب الحضرة شيخ الجن بأن يضربوا خيامهم و يوقدوا نارهم فأقاموا بالمكان عقودا و عمروه و جعلوا منه قريتهم و موطنهم يزرعون حول شجرة بكري (بِلداتهم) و يرعون في رحابها بهائمهم، يأكلون و يتناسلون حتي أمسوا أقواما كثيرة و بطون للبيوت، شمخت الشجرة و عمرت دهرا طويلا محروسة بحكاوي الحبوبات حول المرافعين و الجان أب لمبة و غنم إبليس و دبايب (أم أجنيب) السوداء مستدقة الراس التي تقفز قفزا أقرب لطيران (ود أبرق) و التي تقتل الحصان بلدغة واحدة و لكن شيخ الجن كان قد منع أم أجنيب من التعرض لضيوفه من عيال الجد (بكري الكبير) الساكنين في رحاب الشجرة المباركة في قرية (أم ماجغيم) .. و تتحاكي كافة حبوبات أم ماجغيم بفخر كبير و عزة متعاظمة عن مرور قوافل الحجيج القادمة من الغرب و من أواسط أفريقيا في طريقها إلي الأراضي المقدسة بواسطة (البابور) الرابض في إنتظارهم في سواكن فينزلون ضيوفا عند (بكري الكبير) تحت ظل الشجرة المقدسة في الوادي المقدس (طوي) فيكرم وفادتهم و يعقر لهم الشايلات و يطلب منهم الدعوات و يأمنهم علي السلام الذي يرسله معهم (لأبو فاطنة) عليه الصلاة و السلام و لعلي الكرار كرم الله وجهه.

رحل القوم عن المكان في دهر من الدهور بعد قدوم الإنجليز الملاعين (أبان وجوها دم) و بعد قيام مشروع الجزيرة، رحلوا عن رحاب شجرة بكري الكبير و بنوا قطاطيهم في تلك الفضاية المقابلة لغابة السنط و التي جزها الإنجليز جزا بالكراكات حتي نبتت في مكانها حشيشة السعد و الضريسه و سموها (اللُّقُد) ، و لكن بقيت الشجرة العجوز تترائي بعد العين للناس من مقامهم الجديد، كنا نراها بعيوننا، تلك الصغيرة و هي شامخة في الأفق تهز في فروعها مع كل هبة ريح و كأنها تلوح للسالمين بالسلام ، كبرنا قليلا و كبرت حكاوي حبوبة معنا و لكن إعتقادها في الشجرة المباركة ظل قابعا فى جوف الأقاصيص التي تحجينها حتي جفت الشجرة و تهاوي جذعها ذات يوم و ماتت.

تقول حبوبة في حكايتها الأخيرة أن (شيخ الجن) نزع بركته عن المكان بعد موت شجرته المحبوبة و أرسل علينا غضبه وحلت منه اللعنة علي الناس فما عاد ينفعهم ما يأكلون و ما عادت تنجب لهم نساؤهم الفرسان وما عادت تحلب أبقارهم اللبن، غضب شيخ الجن علي البشر جميعهم و فرق عياله المشوطنين في السهول و الحقول و التلال ينصبون الفخاخ للبشر و يضلونهم عن الطريق و تقول حبوبة أن الجان المعروف في كل بقاع السودان ب: (أب لمبة) هو إبن شيخ الجن (البِكري)، و هو (ذات الجان أب لمبة) الذي يمارس هوايته المحببة فيتبين للعابرين و المسافرين و سالكي الطريق فيتبدي لهم كالرهاب و يشلع لمبته و تنير أضواءها مثل كهارب الحواضر حتي تتأمم شطرها وجوه المسافرين فيضل القوم عن مقصدهم، و لذلك ظلت حبوبة توصينا بعدم السفر بالليل حتي لا يلعب بنا (الجان أب لمبة) و يمرقنا في (سقط لقط).

#الخال_أبو_بكري
دبي 25/07/2020



التوقيع: [moveo=left]A PERSON WITH ONE DREAM IS MORE POWERFUL THAN OTHERS WITH ALL FACTS[/moveo]
الوليد عمر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 12:00 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.