ماذا سنفعل حين تضع الحرب أوزارها؟ !!! حسيــــن عبد الجليل

دعوة لمشاهدة فلمي ( إبرة و خيط ) !!! ناصر يوسف

قصص من الدنيا؛ وبعض حكاوي !!! عبد المنعم الطيب

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-08-2018, 11:12 PM   #[1]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي 4 أغسطس 1984م الرحيل المر / عبدالعزيز محمد داؤود


عبد العزيز محمد داؤود
(1 يناير/ كانون الثاني 1927 - 4 اغسطس/ آب 1984م) ،
مغني سوداني بارز .

تعليمه :
كانت بدايات تعليمه في إحدى الخلاوي القريبة من منزل أسرته في مسقط رأسه ، بربر، ومن ثم التحق بالمدارس النظامية.
العمل :
توفي والدهـ وهو صغيرا فعمل في التجارة لفترة ثم التحق بعد ذلك للعمل بمصلحة السكة حديد بالسودان ، وتنقل في اقسامها المختلفة إلى أن غادر في بداية أربعينات القرن الماضي إلى مدينة الخرطوم ليستقر فيها حيث عمل في مطبعة ماكروكوديل هناك.
مسيرته الفنية :
كان الغناء وأداء الأناشيد يستهوي عبدالعزيز منذ ايام دراسته في الخلوة حيث كان يجيد تلاوة القرآن والإنشاد الديني على نحو نال اعجاب معلميه في الخلوة لكنهم لم يستحسنوا قيامه بتأدية الغناء ولذلك تم فصله من الخلوة عندما اكتشف شيخ الخلوة بأنه كان يغني في حفل ختان أحد اصدقائه . وكانت تلك بداية مشوارهـ في دنيا الطرب والغناء حيث انه اتجه الي مجال فن الغناء وكان يستمع الي كبار الفنانيين والمطربين في ذلك الوقت آنذاك مثل كرومة و سرور و زنقار حتي تأثر بإسلوبهم الغنائي.
إنتاجه الغنائي :
غني عبد العزيز لأول مرة في الإذاعة السودانية في عام 1949م ، وكانت أغنية «زرعوك في قلبي» من كلمات محمد علي عبد الله وألحان الموسيقار برعي محمد دفع الله أولى أعماله الغنائية [1] وقد بلغ عدد الأغاني والأناشيد والمدائح النبوية المسجلة له رسمياً بمكتبة الاذاعة السودانية 186 اغنية ، منها 31 أغنية من أغاني الحقيبة و35 من الأناشيد الوطنية . كما أجرت له الإذاعة السودانية حوالي 20 مقابلة ولقاء اذاعياً مختلفا ، بالاضافة الي عدة تسجيلات في ترتيل القران الكريم . وكان الشاعر الطاهر محمد عثمان وهو من مدينة عطبرة السودانية أكثر شاعر تغنى له عبد العزيز محمد داؤود. [2]
النص الغنائي :
كان عبدالعزيز يحرص على اختيار النص الغنائي الجميل الذي يكون له وقع كبير على المستمع السوداني المعروف بحبه للنصوص الجميلة والمميزة . ويتنوع النص الغنائي عندهـ من قصائد مكتوبة باللهجة العربية السودانية إلى أشعار باللغة العربية الفصحى بعضها لشعراء عرب خارج السودان مثل قصيدة «هل أنت معي» للشاعر محمد علي أحمد و قصيدة «عروس الروض» للشاعر المهجري اللبناني إلياس فرحات .
كما تعامل مع عدد من كبار الشعراء الغنائيين السودانيين من بينهم عبد المنعم عبد الحي (قصيدة لحن العذاري). و حسين بازرعة ( صبابة) وحسين عثمان منصور (أجراس المعبد) و إسماعيل حسن وإسحاق الحلنقي وغيرهم كما تعاون معه عدد من كبار الملحنين في السودان مثل الموسيقار برعي محمد دفع الله والفنان بشير عباس. [3] ففي قصيدة بلادي للشاعر أحمد التني يغني عبدالعزيز :
بلادي يا سنا الفجر وينبوع الشذى العطر
وملهمتي أغاريدي وآيات من الشعر
سلام أنت ألحاني وحلمي في الهوى العذري
وفي قصيدة صغيرتي للشاعر عوض أحمد خليفة ، يغني :
ما زلت أقرأ في السطور فأستبين البعض أو لا أستبين
والعطر والآنسام تغمرني بفيض الياسمين
منديلك المنقوش جانبه أو تذكرين ؟ وتذكرين
ما كان قصدي أن أبوح وربما قد تصفحين.
وتقول قصيدة هل أنت معي :
همسات من ضمير الغيب تشجى مسمعي
وخيالات الأمانى رفرفت في مضجعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
كان لى في عالم الماضي غرام وانطوى
كان لى بالأمس أحلام وشوق وحبيب
كان لى للجرح طبيب لا يجاريه طبيب
سكر السمّار والخمّار في حان الغرام
وإنا الصّاحي أرى في النور أشباح الظلام
وبدت كأسي على راحي بقايا من حطام
وسعير الحب يشقينى ويشقي مضجعي
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معي؟

موسيقاه :
يُصنّف عبدالعزيز ضمن فناني الحقيبة ويعتمد السلم الخماسي في أعماله الموسيقية وهو السلم الموسيقي التي تقوم عليه الإغنية السودانية . ويستخدم عبدالعزيز العود كآلة اساسية إلى جانب الطنبور والأكورديون وغيرها من الآلات المستخدمة في الغناء السوداني الحديث . وتعتمد موسيقاهـ بشكل كبير على صوته الجهوري (جواب القرار).

أسلوب أدائه الغنائي :
إلى جانب أختيارهـ النص الغنائي المبني على بلاغة الكلام والبيان والألحان المطربة اعتمادا على طبقات صوته ، عرف عنه ولعه بالدعابة والطرافة فهو عادة ما يستهل حفلاته الغنائية بإلقاء بعض النكات والطرائف على الجمهور . كما يشاهد وهو يحمل علبة كبريت وقود صغيرة ينقر عليها بأصابعه أثناء أداء الغناء على نحو اشبه باستخدام المطربة المصرية أم كلثوم للمنديل.

دورهـ في تطوير الأغنية السودانية :
أثرى الفنان عبد العزيز محمد داؤود الحياة الفنية في السودان بإعادة تجديد موسيقى الحقيبة التقليدية في السودان من خلال ترديد أغاني كبار فناني الحقيبة بطرق آداء جديدة وبمساعدة الآلات الموسيقية الحديثة بالإضافة إلى أغانيه الخاصة والتي لم تخرج كثيرا عن خط الحقيبة.

حفلاته الغنائية الخارجية :
سافر عبد العزيز محمد داؤود إلى عدة دول لإحياء حفلات موسيقية وغنائية من بينها الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا ودولة الكويت الذي زارها في عام 1971م حيث شارك في حفل غنائي بمناسبة اسبوع السودان هناك حضرهـ الشيخ عبدالرحمن العتيقي وزير المالية والنفط الكويتي آنذاك والذي يقال أنه أعجب بإغنيات عبدالعزيز وآدائه الجيد وصوته الجهور حتى خلع من يدهـ ساعة معصمه أثناء الحفل وقدمها هدية لعبدالعزيز .

وفاته :
توفي عبدالعزيز محمد داؤود في الخرطوم بحري في 4 اغسطس / آب 1984م. وقامت بلدية مدينة الخرطوم بحري بإطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة تخليدا لذكراهـ .

أغنياته:
تشمل قائمة أغنياته:
1 - جاهل وديع مغرور
2 - اوتذكرين صغيرتي
3 - يلا يا سايـــق
4 - بلادي
5 - زرعوك في قلبي
6 - طولتا ما رديت
7 - غصن الريــاض
8 - مساء الخيــر يا الأمير
9 - هل أنت معي
10 - من غير اسباب
11- عروس الروض
12 - بعيد الــدار
13 - نعيم الدنيــا
14 - بدر الحسن فــاح
15 - يا عيني وين تلاقى المنام



نقلا عن الويكبيدا








التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-08-2018, 08:47 PM   #[2]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

نجوم متناثرة في ذكري الفنان عبدالعزيز محمد داؤود

في مثل هذا اليوم الرابع من اغسطس عام 1984م إنتقل إلى جوار ربه الفنان الكبير ذو القلب الأكبر عبدالعزيز محمد داؤود – وعندها سطر المرحوم علي المك ( أن بحري قد دخلت بيت الحبس) . لهم جميعاً الرحمة من رب كريم – أبوداؤود – برعي – علي المك .
عندما يتهاوى جدار الصمتْ
وتَخْرجْ الكلمات
وتصيرُ أشعاراً ،
تهبط على أوتار
يعزفها برعى محمد دفع الله
عندما تصير الأشعار ألحاناً
تجرى لمستقرِّ لها
عند حنجرةِ أبو داؤود
يمتلئُ الكونُ غناءً
وتخضرُّ الصحارى اليابساتْ
وتهبط فى روابينا الأفراحْ
ويتمدَّدُ الوقتُ فى شراييننا
عندها ندركُ
أن أبو داؤود يغنِّى .
وإن برعي يعزف
الزمان : مايو 1971م.
المكان : الكويت ،
المناسبة : إسبوع السودان فى الكويت..
صعد أبو داؤود على المسرح أكبر من الحقيقة , مهيباً شامخاً يحمل رسالة السودان الفنية فى ذلك الاسبوع وهو يبدأ الغناء ويفرض سيطرة كاملة على وجدان الحضور برائعة شاعر الاجيال حسين بازرعة :
قل لي بربِّك كيف تنسَى الموعدا
والليلُ احلاٌم وشوقٌ غردا
والجدولُ الهيمانُ حولنا عَرْبدا
كانتْ ذراعاكَ لرأْسى مَرْقَدَا
عَجَباً.. أََتنساها وتَنْسَى المشهدَا ؟
ويقفز الشيخ عبد الرحمن العتيقي وزير المالية والنفط الكويتي فى ذلك الوقت ويلقى بغترته وعقاله على أبو داؤود ويخلع ساعته الذهبية ويلبسها له ثم يقدم له "كبريتته".
وقتها سرت فينا نحن السودانيين قشعريرة جعلت شعرة جلدنا "تكلب " وقد ظلت "مكلبة" الى يومنا هذا عندما يغنى أبو داؤود . هذا فى زمان غير زمان المأمون أو الأمين أو ابراهيم بن المهدي بل فى زمن يمكن أن يوصف بأنه زمن أبوداؤود. أليس معنا الحق أن نطالب بأمارته للغناء فى زمن الخليفة هارون الرشيد وأهل صناعة الغناء فى عصر الموصليين بأثر رجعى؟.
أليس معنا الحق أن ننبه أبا الفرج الأصفهانى أن يفرد فصلاً كاملاً فى كتابه " الأغانى" لأبوداؤود بشئ لم يألفه المجتمع الأموى أو المجتمع العباسى وهو يترنم بإنشاد ومديح ومواجد القوم أهل الصلاح .

*****
فى كتاب الاْغانى "الجزء العاشر ص 100_101 "ذكر أبو الفرج الاْصفهانى قائلا "اخبرنى يحيى بن المنجم قال:ذكر لى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عن اسحاق بن عمر بن يزيع قال :كنت اْضرب على إبراهيم بن المهدى صوتاً ذكره فغناه على اْربع طبقات ,على الطبقه التى كان العود عليها, وعلى ضعفها، وعلى إسجاحها وعلى إسجاح الاسجاح . والإسجاح هو الغناء في النغمات قليلة التردد أي الغليظة.
قال أبو أحمد قال عبيد الله : وهذا شئ ماحُكِىَ لنا عن أحد غير إبراهيم ، وقد تعاطاه بعض الحذاق بهذا الشأن ، فوجده صعباً متعذراً لا يبلغ إلا بصوت قوى مائل إلى الرقة ولايكاد ما اتسع مخرجه يبلغ ذلك، فإذا رق حتى يبلغ الإضعاف لم يقدر على الإسجاح فضلاً عن اسجاح الإسجاح فإذا غلظ حتى يتمكن من هذين لم يقدر على الضعف"

تأمل بربك يا صاحبي أبو داؤود وهو يغنى رائعة الشاعر عبد المنعم عبد الحى :
لوموه اللاهى
فى الغرام باللهِ
قولوا ليهو الحبْ
شَئ طبيعى إلاهى
هذه المقاطع الصغيرة ترى كيف يصعد بها أبوداؤود ويهبط بها فى ميزان الأنغام؟ ولو تأملت المقطع "فى الغرام بالله " أو المقاطع الأخرى مثل :
الغرام مـا بخير
بين صـغير وكبير
لوجدت أنه يضع لكلمة "كبير " ثلاثة مستويات نغمية.. ثم يبدأ فى الارتفاع..
من زمان الحب
أمروُ فينا يحير
يا جميل يا نضيرْ
خلّى هجرك غير
بكرة تلقى الحب
عمرو فينا قصير
وكلمة "قصير " تنزل فى مستويين نغميين منهية بذلك القفلة التى يحط عليها صوت أبو داؤود أثناء المسار النغمى .
لو سمع هذه إبراهيم بن المهدى لتتلمذ عليها بقية عمره ولا أجد وصفاً لهذه أبلغ من وصف أبو الفرج الأصفهانى فى تحليل غناء إسحاق بن إبراهيم الموصلى حيث يقول :
" وكان حسن الطبع فى صياحه ، حسن التلطف ، فى تنزيله من الصياح الى الإسجاح على ترتيب بنغم ٍ يشاكله، حتى تعتدل وتتزن أعجاز الشعر فى القسمة بصدوره ، وكذلك أصواته كلها ، وأكثرها يبتدئ الصوت فيصيح فيه وذلك مذهبه فى جل غنائه ، حتى كان كثير من المغنين يلقبونه بالملسوع لأنه يبدأ بالصياح فى أحسن نغمة فتح بها أحد فاه ، ثم يرد نغمته فيرجحها ترجيحاً وينزلها تنزيلاً حتى يحطها من تلك الشدة الى ما يوازيها من اللين ثم يعود فيفعل مثل ذلك ، فيخرج من شدة الى لين ومن لين الى شدة وهذا أشد ما ياتى فى الغناء وأعز ما يعرف من الصنعة " –" الأغانى الجزء الخامس ص376".
******
ولكن ما حدث لنا يا صاحبي امر عجيب اذا حكيته لك ستظن أن مساً من الجن اصابنى , او أن حمى الملاريا قد صعدت إلى دماغى ولكن شيئاً من هذا أو ذاك لم يحدث ولكن الذى حدث هو رحلة فى أغوار التاريخ وأنا بصحبة أبو داؤود وبرعى محمد دفع الله .
وصلنا بغداد لثلاث بقين من شهر المحرم عام 227هـ الموافق 842م فى خلافة الخليفة العباسى الواثق بن المعتصم بن الرشيد واستقبلنا عالم علماء الموسيقى إسحاق بن إبراهيم الموصلى وجماعته .. فاستضافنا فى داره يومين ريثما يرتب لقاءنا بالخليفة الواثق فى قصره فى السامرا التى كان يطلق عليها "سُرَّ من رأى " وقد بناها الخليفة المعتصم على بعد 50 ميلاً من بغداد شرقي نهر دجلة . وكان وصول ركبنا فى السامرا فى الثالث من صفر ..
اجتزنا شوارعها وقبابها وقصورها حتى وقفنا أمام بوابة قصر الخليفة حيث أدخلنا مجلساً مفروشاً بالطنافس والرياش وقد أتو بالمجامر والمباخر فبخروا وطيبوا وقيل لنا أنزعوا أخفافكم وقلنسواتكم ثم أصيبوا شيئاً من الطعام ريثما يؤذن لكم بالدخول على الخليفة الواثق فى مجلسه .
وكل هذا الوقت واسحاق الموصلى وجماعته يحتفون بنا ويطيبون خاطرنا.
مجلس الخليفة تلك الليلة كان يعج بأهل الشعر والعلم والأدب والموسيقى منهم فيلسوف العرب الكندى مخلص الموسيقى العربية من الآثار اليونانية والهندية وواضع قوانين العزف على العود . ومنهم الطبيب حنين بن اسحاق واليعقوبى والبلاذرى وأبو حنيفة الدينورى وهؤلاء من المؤرخين وقد ضم أيضاً المغني مخارق بن يحيى وهو من موالي الرشيد وتعلم الغناء على إبراهيم الموصلي وأحمد بن يحيى بن مرزوق المكي وكان من الضراب الحاذقين المشهود لهم بحسن الصنعة ومن أقرب المقربين إلى إسحاق الموصلي وفليح بن العوراء وكان من أهل مكة وجاء إلى بغداد ليختار مع إسحاق الموصلى وإبن جامع المائة صوت للخليفة هارون الرشيد ومن المغنيات كانت هناك عريب وهى جارية من جوارى المامون وغنت من شعرها فى تلك الليلة :
وأنتم اناس فيكُم الغدر شيمةً
لكم أوجهٌ شتى وألسنةٌ عشرُ
عجبتُ لقلبى كيف يصبو إليكم
على عظم ما يلقى وليس له صَبْرُ
فسلبت العقول وحركت الأشجان وكانت هناك شارية التى تعلمت الغناء من إبراهيم بن المهدى ثم صارت إلى المعتصم وقد تغنت بصوت حسن وأداء جميل وشاركتها فى الغناء قلم الصالحية التى أخذت الغناء عن إبراهيم الموصلى فتغنت من الثقيل الاول :
فى إنقباضٍ وحشمةٍ فإذا
صادفتُ أهل الوفاء والكرمِ
أرسلتُ نفسى على سجيتها
وقلتُ ما قلت غير محتشمِ
تحدث إسحاق الموصلى مع الخليفة ثم أذن لى بالكلام فوقفت وقلت :
• أيّد الله مولاى وأعزه نحن قوم من أهل السودان قدمنا إلى حاضرة ملككم بعد أن وصلتنا أخباركم وسبقك إلينا صيتكم .
فيقول الخليفة :
• وماذا تقول أخبارنا لديكم ؟
أجبت :
• تقول يا مولاى .. إنك قد جمعت بين الملك والأدب والشعر وطيب الغناء .. فأما الملك فإن زان غيرك فإنك قد زنته , وإن شرف غيرك فإنك قد شرفته , وأما الأدب والشعر والغناء فهذا ميدانك الذى لا يجاريك فيه أحد إلا كبا كبوة لا قيام له بعدها .. تقدمت الذين قبلك وأتعبت الذين بعدك..
وتهلل وجه الخليفة الواثق فقال :
• احسنت .. ألكم حاجة نقضيها لكم ؟
قلت :
• أحسن الله أمر مولاى .. إن مثولنا بين يديكم أعظم ما توجبه النعمة ويفرضه شرح الحال من المقال .. فهذا أبو داؤود عبد العزيز بن محمد سيد أهل الطرب والصنعة فى ديارنا له من الترجيع والهديل والترعيد وقوة الصوت ورقته وعزوبته الكثير .. وهذا شيخ العازفين وأضربهم بالعود .. أتقن فنه والعزف عليه من الثقيل وخفيفه ومن الرمل والهزج ومن غليظه وعريضه إلى أشده حدة وضيقاً برعى بن محمد بن دفع الله . ونحن نعلم يا مولاى أنه ليس من هو اطيب صوتاً ولا أحكم صنعة منك وقد علمنا أنك صنعت أكثر من مائة صوت ليس فيها لحن ساقط فقدرنا إنك أصلح من يحكم علينا ويجيزنا .. فإن إستحسنت غناءنا كان ذلك تشريفاً لنا وتعظيماً لا يدانيه تشريف أو تعظيم وإن بخس فى نظرك وقل فى تقديرك .. هدانا الله الى خير منه .
فاستحسن الخليفة ردى ثم قال :
• وأنت ما شأنك ؟ أشاعر أنت ؟
• قلت : لا
• قال : ألك صنعة بهذا الضرب من الفن مثل صاحبيك؟
• قلت : لا
قال : إذن من تكون ؟
• قلت : أنا تابعهم يا مولاى .. مستغرق فى بديع صنائعهم وفنهم .. أجلو حلاوته وأبين غلاوته .. أعزف بلسانى على حواشى أفضالهم فأنال بعض الرضا
فالتفت الخليفة الى إسحاق الموصلى وقال :
• ما ترى عند هؤلاء ؟
• قال إسحاق : أصلح الله حال مولاى الأمير .. فإن كان فى صنعتهم ما يفيدنا أخذنا به وعلمناه لتلاميذنا .
وهنا أذن لنا الخليفة بإظهار ما عندنا ..
وبدأ الساحر برعى ينقر على العود من خفيف الثقيل وأخرج أبوداؤود كبريتةً وضعها بين أصابعه فإختفت ولم يظهر منها شئ سوى النقرشة التى تنبعث منها فاشرأبت أعناق القوم لذلك الأمر العجاب الذى لم يشاهدوه فى صناج أو ثلاث ..
ثم إنطلق أبوداؤود يغنى الشعر لعبيد عبد الرحمن
صفوة جمالك صافي
الماء على البلور
ينعم صباحك خير
ويسعد مساك النور
وقد بان على القوم أنهم لم يسمعوا صوتاً كهذا من قبل وظهر الإستحسان على وجه الخليفة الواثق ومضى أبو داؤود ليصدح :
نور من جبينكْ لآحْ
لا نور شموسْ لا بدور
فقْتَ المعاكْ فى الجيلْ
فقْتَ المعاكَ فى الدورْ
والأمر الذى أذهل القوم وأسكرهم أن صوت أبو داؤود كان يتموج ويرتفع وينخفض وهو ينقرش على الكبريتة إلا إنه كان ساكناً سكون جبل احد .. وكأنه يأتى على مجرى .
وتغـــــنى وكأنها لا تغنى
من سكون الأوصال وهى تجيدُ
وعندما وصل أبو داؤود الى :
وعذابي لو سراك طبعاً أكون مسرور ..
وصل الطرب بإسحاق الموصلي قمته فقال مخاطباً الخليفة الواثق :
_ بلى يا مولاى .. احسن فأوفى .. يسرنا ما يسرك ويغضبنا ما يغضبك حتى ولو كان فى ذلك عذابنا فقال الخليفة :
• وأيم الله إننا لم نسمع مثل هذا فى هذه الأرجاء ..
وإننى أعلم الناس بالشعر وببحوره وبفنونه .. ما فاتنى منه حسن إلا وقفت عنده وما عرض على جزل إلا تمعنت فيه ولكن مثل هذا الغناء ما ظننت أننى ملاقيه .. واصل .. واصل ..
وبنقرشة من كبريتة أبو داؤود عبد العزيز بن محمد نقر برعى على العود فى مقام لم يسمعه أحد من أهل السامرا .. فغنى أبوداؤود من شعر عمر البنا :
يا زهرة الروض الظليـــل
جانى طيبِك مع النسيـــم العليلْ
زاد وجدِي ونوم عينى أصبح قليل ْ
يا زهــــرة طيبك جانــي ليل ْ
اقلــــق راحتي وحار بي الدليلْ
إمتــــى اراك مع الخــليلْ
أجلـس أمامكم خاضع ذلـيل
قال إسحاق :
ما سمعت هذا الصوت إلا وظننت أن الحيطان والابواب والسقوف وكل ما فى المجلس يجيبه ويغنى معه من حسن صوته حتى خلت أننى أسمع أعضائى وثيابى تجاوبه وبقيت مبهوتاً لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبى من اللذة التى غيبتنى عن الوجود .. هل فى هذه الدنيا غناء مثل هذا ونحن لم نسمع به ولم نعرفه ؟
وإستمر أبو داؤود يصدح ويغنى برائعة الشاعر حسين عثمان منصور وبرعى يعزف .. والقوم قد سكروا طرباً وهم يتمايلون مع:

أيُّها العشَّــــاق دارت كأسكُم
يَوْم جئنا نصطلى مـن ناركُــمْ
وصدَىَ الناى وضفاف الغدير تترنم
حُمْرة فى الخدِّ آذاها العبيرْ تتظلم
قصةٌ فى العين والصمت المثير يتكلم
تلك ليلة يا صاحبي لو جلست أحكى وقائعها لما إنتهيت فلم يكن قبلها قبل ولا بعدها بعد .. أذهل فيها أبو داؤود عبدالعزيز بن محمد جميع من كان فى مجلس الخليفة الواثق بن المعتصم الذى أمر أن يبقينا عنده أياماً بل شهوراً وهو يستزيد من ذلك الغناء والطرب الأصيل وأبو داؤود لا يبخل عليه فأقام رواقاً باسمه ظل باقياً حتى دخول هولاكو إلى بغداد عام 1257م وهزيمته للخليفة المستعصم آخر خلفاء الدولة العباسية ..

******

ابوداؤود... كيف الحياة غير ليمك؟

جات بالليل... نسايم الليل
شايلة طيوبا زي قصبة مدالق السيل
تحرك جوة في الوجدان
حكاية أصيلة من فنان
بيجلس فوق نجيلتو يغني
زي فلق الصباح أو أنة المجروح
ولما يشوف عذارى الحي
بيفرش ليهن الغصن الرطيب
ويزيد جمال ونضار وطيب
ويقدل فوق ضفاف أم در
ويرجع تاني ويعودا
وعاد كيفين غزال البر بيرحل ونحنا في الساحل؟
ونحنا الكنا بنادي
حليلو الخدو كان نادي
***
يجيك من داخل الأعماق
هدير شلال
وصوت مطراً بروقو تبدد العتمة
وبكا الدوبيت في نص الليل
بيتوشح هموم الناس
يقدم للصبر مفتاح
عشان بكرة الصباح قال ليها ألف فرج
بينزل في الصباح صوتو
أكان أذكار .. أكان ترتيل
ويمسح من صدور الناس هموم بحالها مطوية
ونحنا الفينا مشهودة ونحنا الفينا محرية
محل ما يمشي يزرع خلفه زهر الروض
ومن نفس البسوح نديان
فريع البان الف سلام
بيشرق في القلوب أفراح
نغم سواح علي الساحة
البتتراخى وتضوي سماح

يا صاحبي .. هذا حديث لا ينتهى .. رحم الله أبوداؤود عبد العزيز بن محمد أشهر مغنيى الدولة الأموية والعباسية ودولة الأندلس والفاطميين والتركية والمهدية والاستقلال وعصر الانترنت ..
الأكبر من أبو داؤود .. هو قلبه ألم يسعنا كلنا ؟
المتطفل على مائدة أبوداؤود
محمد بن عبدالله ودالريح - عفا الله عنه
السبت 4 اغسطس 2018



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 06:37 AM   #[3]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عكــود مشاهدة المشاركة
يا صاحبي .. هذا حديث لا ينتهى .. رحم الله أبوداؤود عبد العزيز بن محمد أشهر مغنيى الدولة الأموية والعباسية ودولة الأندلس والفاطميين والتركية والمهدية والاستقلال وعصر الانترنت ..
الأكبر من أبو داؤود .. هو قلبه ألم يسعنا كلنا ؟
المتطفل على مائدة أبوداؤود
محمد بن عبدالله ودالريح - عفا الله عنه
السبت
4 اغسطس 2018

لا ينتهي .......



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-08-2018, 01:17 PM   #[4]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

سلام يا المحسي،

أرسل لي أحد الأصدقاء أغنية بعزف برعي وغناء أبو داؤود فرديت عليه بالتالي:

النهر صاف، سطحه كالمرايا،
الشمس تودع آخر أشعتها ما وراء الأفق،
نسيم الأصيل يلفح وجهك ويتفضل عليك بخليط من رائحة نوار الليمون وطلع النخيل ولوبيا الجروف..
وأنت وحدك جالس على الشط..

أمسك يا صاحبي بقطعة يابسة مسطحة من طين الجروف،
لا هي بالصغيرة ولا الكبيرة،
ليست بسميكة فتغرق، ولا رقيقة فتتكسر قبل أن تؤدي غرضها...
انحني وأنت ممسك بيمناك ما خلقت منه،

أقذفه أفقيا على سطح النهر الصافي ..
ثم، استمتع بمنظر الدوائر التي يخلفها على سطح الماء وهو يتقافز من نقطة إلى أخرى ..

ستبدأ الدوائر صغيرة، لكنها تكبر كلما ابتعد مقذوفك ...
وعندما يكمل رحلته ويغوص في أعماق النهر ..
يكون قد اكتمل تمام الكيف عندك وأنت ما زلت تتأمل الدوائر المتداخلة،
ترى، هل أزعجنا النهر أم اسعدناه؟

لا تنتظر الإجابة، بل أنفض العراقي وتيمم مسجد القرية، فقد نادى المؤذن أن حي على الصلاة.

ياخي أبو داؤود وبرعي يفعلان أكثر مما تفعله تلك اللوحة.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-08-2019, 05:53 AM   #[5]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي




اقتباس:
هل أنت معي :
همسات من ضمير الغيب تشجى مسمعي
وخيالات الأمانى رفرفت في مضجعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
كان لى في عالم الماضي غرام وانطوى
كان لى بالأمس أحلام وشوق وحبيب
كان لى للجرح طبيب لا يجاريه طبيب
سكر السمّار والخمّار في حان الغرام
وإنا الصّاحي أرى في النور أشباح الظلام
وبدت كأسي على راحي بقايا من حطام
وسعير الحب يشقينى ويشقي مضجعي
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معي ؟



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-08-2020, 11:56 AM   #[6]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

كل عام والجميع بخير وصحة جيدة ...

جاءنا ذكري الرحيل المر هذا العام في رحاب العيد السعيد ..
فجمعنا بين الفرح والحزن وبين الضحك والبكاء وبين الشهد والدموع ...

وخرجنا من كل زادنا في الدنيا ...
برائعة ابوداؤود



مرحب بالعيـــــــــــــــــــــــــد
https://www.youtube.com/watch?v=N9t5Q5vgen4








اقتباس:

داؤود: اللوحة التي لم تكتمل من ابداعات حسين شريف ....
بقلم : د. ايمان حسين شريف
نشر في سودانيل يوم 26-02-2010م
"مازال العمل باقياً ، والاسباب مستمرة ، وتعيش الأمال ولا تموت الأحلام أبداً ." الراحل إدورد كيندي عضو مجلس الشيوخ الامريكي .
مقدمة :
في الذكري الخامسة لرحيل والدي الاستاذ حسين شريف ، الرسام التشكيلي المبدع والمخرج السينمائي الذى سخر الكاميرا لترسم ابدع اللوحات الفنية، والشاعر الذى اتحفنا بقصائد رائعة، وان كانت قليلة. كتب الوالد السفير جمال محمد ابراهيم مشكورا في جريدة الاحداث بتاريخ 21 /1 /2010م عن الراحل وتساءل عن مصير الفيلم الوثائقي داؤود الذي يوثق حياة احد عمالقة الفن السوداني الاستاذ عبد العزيز محمد داوؤد .
وبما أن هذا الفيلم يؤرخ فترة هامة للفن والغناء السوداني ، وشارك في إعدادهـ ثلاثي عبقري، قل أن يجود الزمان بمثلهم ، ألا وهم الراحل ابو داوؤد والبروفيسور الأديب علي المك، وحسين شريف ، رأيت ان أسرد سرداً تاريخياً عن الفيلم وفكرته ، من شارك فيه ومن ثمّ نقف علي وضعه الحالي .
قصة فيلم داؤود :
فيلم "داؤود" هو أحد مشاريع المخرج السينمائي حسين شريف الفنية ، التي لم يستطع إكمالها في حياته . و"داؤود" فيلم وثائقي يحكي عن السيرة الذاتية لأحد رواد الفن السوداني عبد العزيز محمد داؤود (المعروف بأبي داؤود). الفيلم عمل فني يجمع بين ثلاثة من أكبر الفنانين السودانيين في عالم الموسيقى والأدب والسينما : الاستاذ عبدالعزيز داؤود ، بروفيسور علي المك والأستاذ حسين شريف . ويروي علي المك في كتابه عن داؤود :
"جاءني عبد العزيز يوما في الجامعة كدأبه ، وقال لي أنه يريد أن يسجل شريط فيديو يقدم فيه بعض اغنياته، كان ذلك في مطالع عام 1984م ، قال إنه يريد أن يعطي للناس شيئا لم يألفوهـ إذ هم قد سئموا أن ينظروا إلى التلفزيون يستمعون إلى مغن تعزف خلفه الأوركسترا دونما تعبير أو حركة أو تغيير، حمدت له حماسته ، ثم قلت له إن الشخص الوحيد ، الذي يقدر على هذا الأمر هو حسين شريف ، كان حسين شريف يود عبد العزيز ودا كثيرا ، وحين مرض حسين مرة مرضا شديدا ألزمه الفراش زمانا ، كان عبد العزيز يصحبني إليه، ويصعد إلى غرفته ويغني له كل مرة أغنيته المفضلة (امتى أرجع لامدر وأعودا) ويطرب حسين كل حين يتقافز طربه بين آلامه الموجعة . وتحمس حسين للفكرة كأنه كان ينتظرها ، وكلفني أن أعد كلاما ، هو بالأساس رأي عبد العزيز في أمور الفن والغناء ، وجاء دور الكاميرا لتسجل له هذا الكلام ."
ويشرح علي المك في ذات الكتاب عن دورهـ في فيلم ابو داؤود قائلا :
"أشركني حسين في هذا المجد ، ماذا أقول ، ماذا أكتب إذن ؟ جاء الإلهام مرة واحدة شيدت كلامي كله الذي كتبته للفيلم الموعود من صلتي بعبد العزيز التي بلغت آنذاك بضعا وعشرين سنة."
فقد كان قلم علي المك من أرقى الاقلام ، فهو أديب عرف بابداعه في توصيل المعلومة ويوصف الكاتب والصحفي الاستاذ احمد ضحية اسلوب علي المك بأنه :
"اذ يجد نفسه لا يقرأها بقدر ما هو يعيشه ، فمن خلال نصوص علي المك ، بصياغاتها اللغوية ذات العالم الخاص ، والنظام اللغوي الاكثر خصوصية ، في ترابطاته وعلاقاته الخاصة . بسبب ان اللغة عند المك تختلف ، عن اللغة النمطية التي تجعل هدفها الاساسي التوصيل والابلاغ - فلقصة علي المك خصوصيتها."
ولم تكن هذهـ أول مرة يستعين فيها حسين شريف بصوت أبو داؤود فقد استخدم صوته في عملين من أعماله السينمائية السابقة : "إنتزاع الكهرمان" و"النمور أجمل". لذلك كان حسين متحمساً لخلق نمطٍ جديدٍ لتوثيق أعمال المطرب عبدالعزيز داؤود الذي كان يحبه ويقدرهـ كثيراً .
وفي بداية عام 1984م بدأت رحلة الثلاثي بهدف رسم لوحة تشكيلية يختار ألوانها أبو داوؤد بصوته الدافئ ، وينظم ايقاعها علي المك بكلماته السلسة ، وينسق ألوانها حسين شريف بإخراجه المبدع . كانت تجمع هذا الثلاثي ، رابطة قوية جداً مبنية علي الصداقة والاحترام والمحبة ، فهي روابط بلا شك أساس كل عمل مشترك وتسهم في انجاحه .
بدأ تصوير الفيلم في منزل أسرة حسين شريف بودنوباوي في أم درمان ، ويروي علي المك :
"كان عبد العزيز يحدث الكاميرا والمايكرفون بكلام هو خلاصة أحاديث رواها لي ، قد يكون قد نسيها ، ولكنها جعلت إليه تعود كلمة كلمة ، بصوته الدافئ في الحديث .. كان يحدث الكاميرا يقول (تعرف يا حسين أهلك من يوم ما ولدوك خاتين عينهم عليك ، عايزنك تبقى حاجة تقوم تطلع فنان ؟ بفتكروا الفن عمل صياع ، لكن تحت تحت بيطربوا ويرقصوا."
وكان عبدالعزيز داؤود يحكي قصص عن حياته وعن تجربته الفنية في الإذاعة والتلفزيون ، وطريقة سردهـ كانت فريدة فبالإضافة لصوته الجميل المتفرد ، فقد كان معروفاً عنه خفة الدم وسرعة البديهة . وكان يتخلل السرد بعض الأغاني التي يختارها أبوداؤود ، ويؤديها بصوته الرائع وبدون آلات موسيقية ، سوى صندوق كبريت .
وكان حسين شريف قائماً علي تصميم مكان التصوير ومعالجة السيناريو والإخراج ، فهذا لم يكن غريبا عنه فقد عرف عنه قدرته علي اخراج اروع الابداعات الفنية بأقل ميزانية ، وتصميم الأزياء الخاصة بافلامه عن طريق الاستفادة بالموجود بلمسة فنية مبتكرة . ففي فيلم "انتزاع الكهرمان" استعمل حسين شريف ملابس وحلي زوجته ، وهكذا كانت طريقته . ويصف الدكتور موسى خليفة أعمال حسين شريف السينمائية :
"حسين شريف السينمائي وظف قدراته في الكلمه وبناء الصورة وتجميع الصور وتوليف الصوت وتوظيف الضوء في أعمال إنتزاع الكهرمان إلى التراب والياقوت وما بينهما . همَ بالفيلم وإهتم به فناله إطراء وتقدير ننظر إليه كدلالة على القدرة على التواصل."
وكانت أيام التصوير طويلة وشاقة ، ولكنها بروح حسين شريف المرحة والمحبة للحياة أصبحت مناسبة اجتماعية يجتمع فيها الأصدقاء والأحبة ...
ورحل ابو داوؤد في يوم أغسطسى حار، أثناء اعداد حسين شريف لتصوير فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية ، وفجع بخبر وفاة الفنان ، الذي كان صدمة قوية له ولعلي المك ، فأبي داؤود كان صديقاً حميما لهما ، ويصف علي المك وقع الخبر عليهما :
"كان عبد العزيز ينتظرني بعد صلاة الفجر لنذهب إلى التصوير، لعله كان يحسّ دنو أجله ، كان يحثنا على العمل ، وسجل الأغنيات ، وحين انتهى التصوير اطمأنت نفسه ، وسافر حسين إلى واو وإلى كادوقلي بعدها ، يعّد فيلما آخر ، وفي أمسية السبت الرابع من أغسطس 1984م ، والمطر يحيط بكادوقلي ، ويضرب على سقف الاستراحة وجدرانها ، ما علموا ساعتئذ أن قطراته تنبئهم أنها دموع تذرف على العزيز الذي مات."
وبعد وفاة العزيز، همّ حسين شريف وعلي المك بتصوير لقطات أخري تشمل أصدقاء الراحل المقربين وزملائه يتحدثون عن تجربتهم ورحلتهم معه وعمله الفني . وأصبح هدفهم الأساسي هو تكملة وتحقيق ما تمناهـ أبوداؤود ، فكانوا يشاركونه روح الحماسة والهمة لإكمال هذا المشروع .
قطع التصوير بعد وفاة الراحل أبي داؤود شوطاً كبيراً ، ولكن شاءت الأقدار أن لا يتوفر التمويل اللازم لتكملة الفيلم كما تمنيا ، لتحقيق أمنية ذلك الرجل الجميل وتخليداً لذكراهـ . وانشغل الإثنان بمشاغل الحياة ، وسافر حسين شريف لعدة أعوام خارج السودان ، ولم يستقر في بلدٍ واحد ، ولكنهما لم ييأسا في اكمال حلمهما .
وفي عام 1991م اختار حسين شريف قاهرة المعز منفىً اختياريا ، ولم يمضِ عامان حتى فجع برحيل صديقه العزيز والقريب إلى قلبه ، علي المك في أكتوبر 1993م . وكأن الثلاثي الذي اتحد في مشروع فيلم "داؤود" ينسحبون الواحد تلو الأخر ، لكي لا يرى الفيلم النور .
وحمل حسين شريف عبء تكملة الفيلم ، وفقدان أعز اصدقائه ، ففي غربته زرف الدموع واصبح حلم داؤود سرابا يبعد يوما بعد يوم . واقرب وصف لما كان يمر به حسين شريف الأبيات التي نظمها الشاعر المرحوم عبدالرحيم أبو ذكرى ، وهو أحد الشعراء السبعة الذين اختارهم في فيلمه الذى لم يكمله : "التراب والياقوت":
يّها الراحل فى الليل وحيدا .. ضائعاً منفردا
أمس زارتنى بواكيرُ الخريف ..
غسلتنى فى الثلوج .. وبإشراق المروج
أيّها الراحل فى الليل وحيدا
حين زارتنى بواكير الخريف
كان طيفى جامداً وجبينى باردا
و سكوتى رابضاً فوق البيوت الخشبية
مخفياً حيرته فى الشجن .. وغروب الأنجم .. وانحسار البصر
لوّحتْ لى ساعةُ حين انصرفنا .. ثم عادتْ لى بواكيرُ الخريف
"

وفى يناير 2005م ، اجتمع شمل الثلاثي في الضفة الاخري برحيل الفنان حسين شريف . وهكذا اصبح الحلم سراباً ، حتى يحيا مرة أخرى ، فروح الراحلين ما زالت باقية ...
ماذا عن فيلم داؤود بعد الرحيل ؟
رحل عنا حسين شريف تاركا ورائه من يحبونه من أهل وأصدقاء وأعمال فنية لم تكتمل ، فقد اجتهد حسين شريف في حياته لإكمال هذهـ الأعمال ، إلا أن الماديات حالت دون ذلك .
ويتميزالراحل حسين شريف بأنه كان يعمل بصمت ، فلا أحد يعرف ما كان بداخله من أفكار وخططٍ فنية . ويوصف صديقه الفنان حسان علي أحمد أعماله السينمائية في جريدة الأحداث بتاريخ 24 نوفمبر 2009م ، واصفاً فيلم "التراب والياقوت" الذي شارك فيه كمساعد مخرج :
"سيناريو الفيلم استغرق ثلاث سنوات لينجز، فكر حسين خلال السيناريو بذات الطريقة التي يفكر بها إزاء لوحة ، طريقة صعبة ومعقدة ، بدليل أن موافقة محمود عبد السميع على الإشتراك في الفيلم ، وهو من أميز المصورين المصريين ، أتت بعد قراءة السيناريو الذي قال عنه (لم أرَ في حياتي سيناريو كالذي بين يدي) – أجزاء كثيرة من الفيلم ، الذي لم يكتمل ، كانت موجودة في ذهن حسين ، حتى أننا كنا نؤجل بعض الجزئيات لأن حسين يقول بأن معالجتها ستكون ضمن المنتاج ! لم يكن بإمكاننا أن نحول رؤياهـ المكتملة في ذهنه ، موسيقى وصورة ولغة ، لم نتحمل هذهـ المسئولية لأنها مستحيلة."
ويترك حسين شريف تفسير اعماله السينمائية دائما لخيال المشاهدين ، فيقول النقاد عن عمله بأنه يستخدم مزيج من الالوان ، والصوت والموسيقى بطريقة فنية رائعة .
عملنا منذ وفاته على إكمال وتجميع وتصنيف أعماله. وهي ليست بمهمة سهلة ، فإرث حسين شريف الفني بلغ أكثر من 500 لوحة فنية ، موزعة في انحاء المعمورة ، وعدداً كبيراً منها غير معروف موقعها . أما بالنسبة لأفلامه التي لم تكتمل فهي : فيلم "داؤود" وفيلم "التراب والياقوت" والفيلم الوثائقى "الواثق صباح الخير" . و"داؤود" و"التراب والياقوت" كانا في أخر مرحلة – أي مرحلة المونتاج ، والسبب الأساسي لعدم إكمالهما ، هو عدم وجود الدعم المادي .
وتم انجاز بعض المشاريع بنجاح لتخليد ذكراهـ مثل :
اقامة ثلاث ليالٍ للتأبين في المدن الثلاثة التي ارتبط وعاش فيها حسين شريف : الخرطوم والقاهرة ولندن ، تحت شعار (حسين شريف – ذكرى حية) وكانت تشمل : كلمات من الأصدقاء والأحبة ، معرض للوحاته ، وعرض لفيلم "انتزاع الكهرمان".
اقامة ندوة لمناقشة فيلم "انتزاع الكهرمان" بمركز عبدالكريم ميرغني بالسودان
عمل معرض للوحاته بالسودان .
عرض فيلم مفكرة الهجرة بماسبة الاحتفاء بالذكرى الخامسة بعد وفاة حسين شريف ، بمعهد جوته بالخرطوم تحت شعار (خمسة اعوام من .... حنين ، أمسية في حضرته) وشمل اليوم : كلمات من الأصدقاء والأحبة وعرض فيلم مفكرة الهجرة .
وكذلك تم اعداد موقع الكتروني : www.shariffe.org يشمل السيرة الذاتية ونبذة عن أعماله في الفن التشكيلي، الفن السينمائي والشعر . وعمل صفحة الكترونية في شبكة الاتصال الاجتماعية فيس بوك (Facebook).
مشروع فيلم "داؤود" يجب أن يكتمل، فاهميته أنه يدوّن ويوثّق حياة أحد عمالقة الطرب السوداني، فالمادهـ التي تم حصرها لا تتجاوز ثلاثة ساعات ، ويقيننا أن تكملته لن تكون بالتأكيد مثل ما كان في مخيلة حسين شريف، ولكن علينا الاجتهاد والتعرّف عن قرب علي اسلوب الراحل حتي يري الفيلم النور ، لنكرّم هولاء الرجال العظماء الذين كان لهم دوراً رائدا في الفن السوداني . فمن الضروري أن نبذل قصاري جهدنا لإكمال الفيلم بصورة مبتكرة ومدروسة . فهذا حقهم وحق الوطن علينا .
ويبدو الأمر كما لو كان حلما آخر لم يتحقق لحسين شريف ، وكأنها لوحة لم تكتمل ....

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدرهـ .



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-08-2020, 12:21 PM   #[7]
imported_عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

الشكر أجزله لكم جميعا في الحفاوة بأبو داوود
إلا أن صوت القرار الذي اشتُهر به هو الصوت الغليظ ، وليس جواب القرار



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
imported_عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-08-2021, 10:06 PM   #[8]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

37 عاما علي الرحيل الابدي ...
علي رحيل قيثارة الفن السوداني ، وصاحب الصوت الرخيم .. وصاحب التطريب العالي ، الذي شق طريقه في درب الفن السوداني ، وخلق لنفسه مجسم كبير في خارطة الغناء السوداني ، وكان صاحب رقم مميز ..

اللهم ارحم عبدالعزيز محمد داؤود بقدر ما اعطي ..
اللهم ارحم عبدالعزيز محمد داؤود بقدر ما جبر الخواطر ..
اللهم ارحم عبدالعزيز محمد داؤود بقدر ما سر القلوب ...

واغفر له وسامحه ...
وصل الله علي محمد في الاولين والاخرين .......








التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-08-2021, 04:57 AM   #[9]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

كتب بروفيسور علي المك في رثاء ابوداؤود

الإهداء‎
إلى حليمة سليمان أمي‎
أنها كانت تنشد المديح النبوي‎
ترانيم في‎ ‎أشغال يومها‎

والى الشيخ محمد علي المك‎
أنه أدخلني في‎
فراديس لغتنا‎ ‎الجميلة‎....

ثم إلى خالي علي سليمان‎
فقد تعلمت منه‎
كيف يكون العيش‎
في أم درمان صبابة‎...

مولد زهرة الروض الظليل

مساء السبت الرابع من أغسطس 1984م مات عبدالعزيز‎ ‎محمد داؤد، كان بدأ رحلته في طريق ‏الأبد مساء الجمعة، وانطلق الموت يلهث إلى قلبه‎ ‎الكبير، فمصير القلب الكبير إلى لهاث، وارتاح ‏الموت حين أسكته، لم اصدق كل ما حصل،‎ ‎وبعضه قد شهدت، ولم اصدق، في يوم الجمعة التي ‏بدأت فيها رحلة الموت كنت مدعواً في‎ ‎بيت أحد الجيران، والدعوة غداء والنهار حار ومضجر، لا ‏اعلم، تباطأت شيئاً، ولكني‎ ‎ذهبت علي كل حال، وجدت خلقاً كثيرين، كان منهم أحد المغنين، ودأبه ‏كان تقليد أداء‎ ‎عبدالعزيز، ولكنه بون شاسع، قال يبدي تظرفاً امقت صنوفه (صاحبك صوته خف) ‏قلت بحدة‎ (‎صاحبي منو؟) قال (عبدالعزيز داؤد) قلت ساخراً (ما هو أنت موجود!) ضحك القوم ‏ضحكاً‎ ‎كثيراً، تشاءمت، أكلت في عجلة، عدت للبيت، وحدي كنت، وفي التلفزيون وجدت ألواناً من‎ ‎مسابقات الأولمبياد في لوس انجيلاس، لم تفد حالتي كثيراً، اعرف الاكتئاب النفسي‎ ‎يقيناً، كنت لا ‏اعلم من أمره، الاكتئاب، كبير شيء، ولكن الأزمنة الصعبة، والتمرس‎ ‎بمقابلة المكاذبين يبدون، ‏أول أمرهم، براءة أطفال، هد من صلابة النفس ونقائها‎ ‎كثيراً. عرفت الاكتئاب إذن. يقيناً. والجمعة ‏‏3 أغسطس كان يومه‏‎.

وحين بدأت شمس النهار بالإخفاق أبصره حيث كنت في‎ ‎البرندة، سمعت حركة أقدام، ثمة من ‏يصفق، نهضت من موقعي، فتحت الباب، أمامي كان‎ ‎عثمان محمد داؤد، أحييه في حماسة، ثوان ‏وتخال دهوراً، لعله كان يود يختزل مجاملات‎ ‎التحية الطويلات ليقول لي شيئاً أهم كثيرا من ‏مجاملات السلام. توقف السلام، قال‎ (‎صاحبك جه من الأبيض عيان جداً) تركت التلفزيون يحفل ‏بالعدو والملاكمة والسباحة‎ ‎وانطلقت معه نبحث عن طبيب، وعدنا صديق طبيب أن يتبعنا، ذهبنا ‏إلى الخرطوم بحري، ما‎ ‎أنكرنا حي الدناقلة، كان بي حفياً منذ أن جعلته وطن الوجدان يكون في دار ‏عبدالعزيز،‎ ‎ذلك كان في أخريات الخمسين، جسر مطمئن علي الخور يفضي إلى زقاق فيه دار ‏عبدالعزيز،‎ ‎لا اعلم لماذا تفرست في معالم الجسر الصغير في ذاك الموعد من ذاك اليوم ولأول ‏مرة‎! ‎فوقه حصى، وعليه مع الحصى تراب، وكان يضايق السيارة انه علي حافي الجسر تكون ‏دائماً‎ ‎مجموعة صبيان، أقدامهم تزيد ضيق الجسر ضيقاً تخال أحياناً، إن أقدامهم تدعو إطارات‎ ‎السيارات أن تدهسها، تارة ينهضون من مجالسهم برمين، وأحياناً بذوق حسن، في ذاك‎ ‎الموعد ‏من ذاك اليوم لا صبيان ولا أقدام صبيان، ليس هناك من شيء علي الجسر إلا‎ ‎الحصي وإلا التراب، ‏صرنا إلى البيت، ثوان وتخال دهوراً، بعد الباب المضياف، وجه‎ ‎عبدالعزيز، كان جالساً علي ‏كرسي، اسند ظهره علي وسادات، تعبن علي قليل من راحة‎ ‎يحتاجها قلب متعب مجهد، مرهف، ‏أنفاسه تجعل من جلابيته شراعا تعبث به الريح وتنفخ‎ ‎فيه، لا تسعفه الأنفاس المبهورات، لم يتعود ‏هذا الإنسان الرائع أن يصمت، هش لي وبش،‏‎ ‎وضعت اكتئابي بين يديه، دأبي منذ أن عرفته، ‏يعرف ما يضايقني قبل أن أبوح به، نظر‎ ‎إلي، ضحك ضحكاً صافياً هزم به الأنفاس المبهورات قال ‏‏(أنت لسع محافظ علي جلابيتي‎ ‎الجبتها ليك؟) ضحكت بصفاء جعل الاكتئاب المر يتساقط من خيوط ‏الجلابية، يغادر نفسي،‎ ‎جلست انظر إليه، تذكرت لحظتها زماناً في الستين وكنت اعد نفسي للسفر ‏للدراسة في‎ ‎أمريكا. جاءني عبد العزيز وأهداني جلابية زرقاء اللون وفصلتها وحملتها معي، وحين‎ ‎عدت إلى الوطن سألني؟ ماذا أحضرت معك، إن شاء الله جلابيتي رجعت معاك؟) ضحكت، قلت‎ ‎‎(‎والله يا أستاذ كل الجبته معاي اسطوانات وفونوغراف) قال (بس! مرحب الغاب وجاب‎)!

قبل عصر الجمعة ذاك، بأسبوع أو نحو أسبوع،‎ ‎زرته في البيت، أوان لمنيب، كانت الحمى قد ‏استقرت بجسده، ولحظت تورما في ركبته،‎ ‎جنته، كان يسال ملحفاً عن أغنية الحاج سرور (يجلي ‏النظر يا صاح)، جودت نصها، جعلت‎ ‎أغريه بالترنم، كان علمني شيئاً من مذهبه في الغناء، سنين ‏طويلات، كمفت مثل ظله‎ ‎اتبعه، أغني على استحياء امسك صوته المذهل أغنية سرور، يتحسس ‏مداخلها ومخارجها، كان‎ ‎الأغنية لديه محبوبة يغازلها، ثم تلين، ترق، تتداعى، تكون هو، ثم ‏يكونها صدح (في‎ ‎الضي جبينو النادي والبدر خلان يجمع لطافة ورقة ونفرة الغزلان‎).

جلست انظر إليه، لم أكن أعلم إني أشهد طرفاً‎ ‎من ساعاته الأخيرات، وهو جالس أمامي، صدره ‏يعلو سريعاً ويهبط سريعاً، أردت أن أقول‎ ‎له إنني لم اكن مقتنعا بسفره للأبيض، لأنه كان مريضاً ‏بحمى وبيلة، عرفت حدتها حين‎ ‎جعلت يدي على جبينه، أصرت عايدة عبدالعزيز ألا أترك أباها ‏يسافر للأبيض، كانت قلقة‎ ‎ليلتئذ وقد زايلها مرح معهود في أسرة ربها واتسم بالمرح، حدثتني ‏ماجدة عبدالعزيز‎ ‎مرة أن والدها قال لها نكتة يبدو انه ألفها في حينه قال يا ماجدة سمعتي بالجدادة‎ ‎الاستضافوها في الإذاعة، قالت ماجدة: (لا) قال (اكمل ليك القصة الجدادة دخلت‎ ‎الأستوديو، ‏وبعدين كالعادة شكرت الإذاعة على إتاحة الفرصة، واتكلمت عن مزارع‎ ‎الدواجن، والأوبئة، وحياة ‏الجداد في البيوت أيام زمان، واتكلمت كويس.. وبعدين‎ ‎المذيع كالعادة قال ليها تحبى تسمعي أغنية ‏شنو؟ الجدادة ما أتلفتت قالت احب استمع‏‎ ‎لأغنية: في الليلة ديك‎ !!).

ما توقفت لحظة، رفضت رجاء عايدة، لأني كنت‎ ‎أعلم أن عبدالعزيز إن قد قر رأيه على شئ استقر ‏عليه وفعله، إذن فرجائي ألا يسافر‎ ‎مرفوض سلفاً، بحثت في عينيّ لا أمل طأطأت رأسي وخرجت ‏مسرعاً اضرب في الليل لحين أن‎ ‎استدعاني عثمان داؤد عصر الجمعة تلك‎.

كنت‎ ‎انظر إليه إلى جلابيتي الدمورية، أحاط بها البلى كل جانب تتماسك جميلة في شيخوختها،‎ ‎تكون الدمورية جميلة الشأن رقيقة الملمس حين تدنو من الهلاك، كان كلام عبدالعزيز‎ ‎متقطعاً، ‏رجوته ألا يتكلم. شعرت بثقل المرض الذي احتمل، عاد الاكتئاب إلى نفسي، غمر‎ ‎جيوب الجلابية، ‏تقافز يعود إلى مواقعه. قلت إن الطبيب قادم، هز رأسه، مضيت لحالي‎.

أمسيات عدداً قبل ذلك كان بدأ يتدرب على ما اسميه (برنامج عتيق) وهو يشمل‎ ‎مختارات من ‏أغنيات للشاعر محمد البشير عتيق، وقد الفت حنجرة عبدالعزيز شعر عتيق منذ‎ ‎عهد ليس ‏بالقصير، غنى له (ما بنسى ليلة كنا)، بتفريغ نغمى على لحن كرومة، ثم تناول‎ ‎القصيدة الصعبة ‏‏(قم نرتشف خمر الهوى) وأخضعها لسلطانه، ومن بعد تلك (أول نظرة‎) ‎واذكر يوم كان تسجيلها ‏بالإذاعة، لم نكن نعرف النص تماماً، اتصلت في نحو الظهر‎ ‎بعتيق في المدبغة الحكومية حيث كان ‏يعمل عصرئذ، وعن طريق سيف النصر عمر عثمان عازف‎ ‎الكمان، وجاء صوت عتيق على ‏التليفون، أملى عليّ كلمات قصيدته، جاء صوته يزدان بوقار‎ ‎السنين، يملى دون خطأ، في ثبات، ‏قصيدة كان نظمها في مطالع الأربعين، عاد حين نشر‎ ‎ديوانه في هذا العام (1987) يثبت على ‏صدرها عام نظمها 1942، ويكتب يقول (رأيتها وهى‎ ‎جالسة على سباته العرس بين أترابها فكانت ‏أول نظرة)، صوته جاء عبر التليفون (الحيا‎ ‎والنضرة والتيه والجبره هم مصدر شوقى، ومصيبتى ‏الكبرى، بالحب ابلانى، وكمان خلاني‎)‎،‎ ‎دخل الموسيقيون إلى الاستديو، الساعة الثالثة بعد الظهر، ‏ينتظرون الاشارة كيف‎ ‎لحنها: أول نظرة، بدأ عبدالعزيز يدندن بشىء ليس من تلك الاغنية في ‏شئ، اضطربت‎ ‎شيئاً، جريت الى مكتبة الاذاعة جئت باللحن عل صوت أولاد الموردة، عطا ‏ومحمود‎ ‎عبدالكريم استمعنا اليه مرة واحدة، رسخ في أوتار الكمنجات، التقطه عبدالعزيز، وجعل‎ ‎يستعمره شيئاً فشيئاً وتم التسجيل بالصورة التي تعرفون الآن‎.

وأنا أنظر إليه: أيمكن أن يخرس المرض هذا‎ ‎الصوت، أو هذا الرجل الذي ما عهدت نفسه صمتاً ‏طوال حياته فهو إما يتكلم أو يغنى،‎ ‎كانت نظراته بعيدا سابحات، والجلابية خلتها شراع مركب ‏تستبد به الريح، تعلو وتهبط‎ ‎مسرعة: الحالتين كلتيهما.. هل يعقل أن يصمت هذا الصوت المذهل ‏عن الغناء لحظة؟‎

وأنا إليه انظر: كنا نذهب إلى المنطقة الصناعية‎ ‎أي واحدة من المدن الثلاث تكون، بسبب أو بلا ‏سبب، كان الحرفيون والصنايعية صناع‎ ‎الحياة يتجمعون حين يبصرون بسيارة عبدالعزيز، ‏يصيحون به جماعات، على ملابسهم الزيت‎ ‎والشحوم والغبار، وحر الأسقف الزنك يلوذون منه ‏بظلال النيم إذ يبدو انه لا شجر ينبت‎ ‎مواقع الحديد والشدة سوى النيم، تتوقف سيارته وينطلقون ‏إليه وإليها، جماعة تطلب‎ ‎نكتة، وأخري حكاية وثالثة تطلب (زهرة الروض الظليل). ويغنى ويؤلف ‏نكتة على الفور،‎ ‎ويترك في المناطق الصناعية سعادة كبيرة. وما قصة زهرة الروض الظليل؟ في ‏بدايات‎ ‎الستين مات على أبو الجود رحمه الله، وكان الرجل من أساطين الغناء، في عهده (طابق‎) ‎كرومة عهدا ليس باليسير ثم استقل بغنائه، كان له صوت قوى عريض المساحة، وكان له في‎ ‎مجال تشجيع فريق المريخ باع طويل، وقرر معجبوه الأوفياء أن يقيموا له حفل تأبين على‎ ‎مسرح ‏النادي الذي احب. روى الرواة أن على أبو الجود وجماعته كانوا يشهدون مباراة‎ ‎حامية بين فريق ‏المريخ وفريق الشاطئ. جاء فريق الشاطئ قوياً، متحمساً، وبرز من‎ ‎لاعبيه حارس المرمى ‏بصورة. رائعة، وامسك بكل الكرات التي صوبت نحوه. نذكر أبو الجود‎ ‎أن هذا الحارس من اكثر ‏خلق الله حبا لكرومة ولفنه يتبعه أنى ذهب، رجل طربي من‎ ‎الطراز الأول. انتهى شوط المباراة ‏الأول، هتف على أبو الجود بالناس (يا عالم ما في‎ ‎زول في الهاشماب عنده رق)؟ بين الهاشماب ‏ودار الرياضة شارع الموردة لا سواه، كان‎ ‎المريخ مهزوما بثلاث إصابات، انطلق مريخابي ‏كالقذيفة إلى حي الهاشماب واحضر رقا،‎ ‎بدأ الشوط الثاني، مضى أبو الجود وجماعته وجلسوا ‏خلف شباك حارس مرمى الشاطئ، وصدحوا‎ ‎بالغناء (الرشيم الأخضر، زهرة الروض الظليل، نسيم ‏سحرك، جوهر صدر المحافل) الخ هذا‎ ‎الغناء العذب، ثم جعل الرجل يتداعى، يفقد توازنه طربا الله ‏‏! الله ! ورماة المريخ‎ ‎يسجلون، عصمت معنى، طلب مدني، أبو زيد العبد، وانتصر المريخ آخر ‏الأمر. لم يكن‎ ‎عبدالعزيز يعلم شيئاً عن حفل التأبين، كنا نزور صديقنا الحميم حسن يحي الكوارتى ‏في‎ ‎داره بحي العرب، منطقة ونصيبها من الشعر والغناء حق وفير، قلت له بعد أن هبط الظلام‎ (‎يا ‏أستاذ نمشى نادى المريخ لحضور حفل تابين على أبو الجود) وافق على الفور، ذهبنا،‎ ‎ؤ الطريق ‏عجبت لهذا الرجل، دائماً للغناء مستعد، ولإسعاد الآخرين يتأهب، قلت لنفسي‎: ‎من يعزف له؟ ماذا ‏يتوقع أن يكون بانتظاره في نادى المريخ؟ أشرفنا على الموقع، كان‎ ‎محتشداً بالناس، مجموعة من ‏أهل غناء الحقيبة، قدامى ومحدثين، قدموا خير مالديهم في‎ ‎ذكرى زميل وعزيز، جاء دور ‏عبدالعزيز، صعد خفيفاً إلى المسرح، دأبه، صمت الجمهور‎ ‎يحتشد بالأذان، لم يقل إنه سيقدم أغنية ‏بعينها، ولا أغنيات بأعيانهن، أخذ الرق من‎ ‎أحد المغنين بيد، ثلاثة أو أربعة من الكورس وقفوا ‏خلفه، ما درى أولئك إنهم،‎ ‎وللتاريخ، أمسوا على مشارف مولد أغنية لدى عبدالعزيز، ما كان قد ‏حدثنا عنها قط، ما‎ ‎ترنم بها قط، نكون في سيارته نجوب الطرقات، كثير أحيان، بلا هدف ولا هدى، ‏إذ ذاك‎ ‎يكون الغناء والطرب ونكون محاولات التنغيم التي لم يبلغ علياءها من معاصريه أحد‎. ‎الرمية أولاً، طال صمت الأذان تحتشد: هيا (الجرحو نوسر بى، غور في الضمير، فوق قلبي‎ ‎خلف ‏الكى، يا ناس الله لى): صياح مذهل أمطار مثجمة من الطرب يعب منها الجمهور لحين‎ ‎يثمل ‏نشوان، ثم (يا زهرة طيبك جانى ليل، أقلق راحتي حار بى الدليل، زاد وجدي) هناك‎ ‎جاء مولد ‏زهرة الروض الظليل، (كرومة الأصلي) كما يقولون، إحدى أغنياته الخالدات،‎ ‎كرومة الأصلي، كما ‏أتصور مع كلمات صالح عبدالسيد أبو صلاح، وكلمات عمر البنا وأشعار‎ ‎عتيق. خرجنا من الحفل ‏والجمهور المحتشد يصفق لنا في حماسة كأنه يظاهر فريق المريخ،‎ ‎برعى وابراهومة وجقدول‎.

وأنا انظر إليه: كيف يصمت هذا الصوت الذي هطل‎ ‎سعادة على كل شبر في الوطن على مد بضع ‏وأربعين سنة، مرة كنا في اتحاد الفنانين، في‎ ‎الدار كانوا يحتفلون بثورة أكتوبر، كل الفنانين الكبار ‏اشتركوا في الحفل، جاءنا حيث‎ ‎كنا نجلس آخر الصفوف، عبدالله حامد العربى عازف الكمان ‏المجيد. قال لعبدالعزيز‎ (‎سمعت انك مريض ولن تستطيع الغناء) رد عبدالعزيز (المرض بحمى ‏الغنا؟).. ضحكنا قام‎ ‎قال (سأغنى لكم ثنائي مع الكابي) اتفق المطربان، صعد عبدالعزيز إلى ‏المسرح، كان‎ ‎الزعيم إسماعيل الأزهري يشهد الحفل، كان سعيداً جداً، تقدم عبدالعزيز إلى‏‎ ‎المايكرفون، قال يخاطب الزعيم (حيغني ليكم اثنين من أولاد بحري، ثنائي، الكابي‎ ‎وأنا، بلاك آند ‏وايت)! كان بشير عباس في مقدمة الأوركسترا، والخليل، وتم دور‎ ‎واتدور. وأنا انظر إليه: في ذلك ‏المغيب الكئيب، هل يمنع المرض الغناء؟ والكلام‎ ‎هكذا؟ في مثل هذا الوقت منذ بدايات عام 1984 م ‏كنت اختلف إليه، قررنا أن نعالج‎ ‎قصائد عتيق المشهورة، اختلفنا حول بعضهن، كان عبدالعزيز لا ‏يحب أغنية (كلما اتاملت‎ ‎حسنك يا رشيق) بينما كنت أودها وداً شديداً، وكان يريد أن يغني (بدر لي ‏حسنك سحر‏‎) ‎وكنت لا أودها وأخيراً حذفنا الاثنتين، وكان بدأ يتدرب على أغنية (يا نسيم بالله‎ ‎اشكي له) وجعل يؤديها بصورة مدهشة جداً، وقرر أن يزحف بكنوز عتيق إلى الإذاعة، كان‎ ‎عبدالعزيز لا يفعل ما يفعله كثير من المطربين، لم يكن يطلب أجورا عالية من أجهزة‎ ‎الإعلام، كان ‏يريد أن يغني بما يسعد الناس في هذا البلد الرحيب. ولما سجل مجموعة من‎ ‎أغنيات الحقيبة في ‏مطلع السبعين تقاض عن كل أغنية بضعة وثلاثين جنيها، فاعجب‎ ! ‎ومثلما قال سامي ديفز حين ‏مات نات كنج كول انهم كانوا لا يقربون أغنية غناها، قال‎ ‎ديفز إن كول كان يضع بصمته الفريدة ‏وأداءه. الأسر على كل الأغنيات. قال لي عبدالله‎ ‎عربي انه يظن أن في ظهر عبدالعزيز مكبرات ‏صوت حبته بها الطبيعة، قال صديقي عاشق‎ ‎اللحون معقبا (عينو حارة ود القطينة!!) لم اكن اعلم ‏مدق ما ذهب إليه سامي ديفز إلا‎ ‎حينما اختطف عبدالعزيز أغنية (ذكرتني) من عثمان حسين، ‏وعثمان جالس إليه ينظر في‎ ‎سعادة، ثم جعل يغنيها بما اطرب صاحبها غاية الطرب، و غير هذا‎ ‎كثير‎.

صباح السبت 4 أغسطس 984ام كان ذاك العام بما‎ ‎فيه وما انقضى منه ثقيلاً بأحداثه، بطوارئه، ‏وقضاة طوارئه، وقد استحال بذلك إلى قرن‎ ‎من الزمان كان حكمه الواحد هو كاليجولا وجنكيزخان، ‏وسوموزا، آه صباح ذاك السبت طرت‎ ‎إلى الخرطوم بحري لحين أن بلغت دار عبدالعزيز كان ‏الطبيب قد عاده في المساء، ووصف‎ ‎له دواء، أفاده شيئاً حين اطل الصباح، لعل أنفاسه هدأت ‏بعض شئ حين رأيته قلت (الحمد‎ ‎لله) ثم عدت إلى طاحونة الحياة اليومية. في العصر أيضاً جلست ‏وحدي أشاهد الألعاب‎ ‎الأولمبية، تتفجر معها ذكريات لوس انجيلاس عهود الصبا، اخفق الضوء ‏الأصيلي فصار إلى‎ ‎ضوء باهت وأطبق المساء عل روحي، هذا اكثر لحظات اليوم كآبة عندي، وقع ‏أقدام،. ثمة‎ ‎من يصفق، وثب قلبي إلى فمي، أهذا طعم الفجيعة؟ جاء إلي.محمد احمد حمد زميل ‏دراستي،‎ ‎وجار عبدالعزيز، أهناك وقت للتحية؟ نظرت في وجهه، لحظ في وجهي، لا ريب، أثر ‏الفجيعة‎ ‎يوشك هو أن يطلق عنانها خبرا. قال إن عبدالعزيز حالته خطيرة، ذهبنا إلى الطبيب ما‎ ‎وجدناه، وقال لي انهم حملوه إلى المستشفي في بحري، قلت له (انطلق بي) حين وصلنا إلى‎ ‎المستشفي لم يكن على أبوابها جمع حاشد، أوقفنا السيارة قبل أن نسأل، سمعنا رجلاً‎ ‎فقيراً ما ستر ‏الليل فقره يحدث بائساً مثله في أول ليل بحري يقول له (أبو داؤود‎ ‎مات) ! انفجرت السيارة، نحن ‏بداخلها، تبكى ! أعدت الطبيعة عدتها، زمجرت الريح في‎ ‎الأشجار مكتئبة الأغصان، تبكي، صعد ‏الغبار يبكى، قالت الطبيعة: إن هذا نصيبي من‎ ‎الحزن، تكون الفجيعة الرؤية مدببة الأطراف وذات ‏أبعاد، انطلق الأسى على شاشة‎ ‎التليفزيون يبلغ الناس الخبر الذي (جل حتى دق فيه الأجل) لقيت ‏عبدالله العربي أمامي‎ ‎جالساً، يتيم الكمان، على الأرض يبكى، والفاتح الهادي يبكى، وجل أهل ‏الموسيقى، برعي‎ ‎دفع الله كان بعيداً عن ليل الفجيعة في تونس، بشير عباس في جدة، وبقيت ‏وحدي. وجاء‎ ‎كل أهل الموسيقى يبكون، وكل الوتريات تبكى، ورق كرومة يبكى، والخرطوم بحري ‏دخلت‎ (‎بيت الحبس). هل يموت عبدالعزيز، سذاجة سمها أو جهالة فلتكن، كنت أظن أنه لن يموت‎ ‎وأنه دائماً هناك كل مساء قبيل إخفاق ضوء الأصيل في داره بالدناقلة في الخرطوم‎ ‎بحري، وأنه ‏بانتظاري، للونسة أو نخرج لمجاملة الأصدقاء، آه لقد ذهب في نفس الوقت من‎ ‎المساء، يلبي نداء ‏ليس يقدر أن يتمرد عليه أحد. نبهنا الطيب محمد الطيب مرة بمقالة‎ ‎في يوميات الأيام كتبها عن ‏عبدالعزبز، كأنه كان يحس أن هبة الله لهذا الوطن توشك أن‎ ‎تعود إلى من وهبها لنا، وما سمعنا ‏كلام الطيب. وقال لي حسن عطية بعدها (هل قرأت‎ ‎كلمة الطيب؟ ما عجبتنى، بصراحة زي الكتب ‏تأبين لعبدالعزيز) ولم نصدق هذا كله، وفي‎ ‎المساء الموعود، مساء السبت الرابع من أغسطس ‏عام 984ام حمل روحه الرائعة وغناءه‎ ‎العذب، ولم‎ ‎ينتظر‎.

علي المك ..



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-08-2021, 05:02 AM   #[10]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

سلطان الطرب أبو داؤود ورحلة خاصة لمحبيه

رحم الله أبو داؤود رحمة واسعة وأحسن إليه وجعل الجنة مستقره ومتقلبه.

تحياتي يا المحسي



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-08-2021, 09:25 PM   #[11]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عكــود مشاهدة المشاركة
رحم الله أبو داؤود رحمة واسعة وأحسن إليه وجعل الجنة مستقرهـ ومتقلبه.

تحياتي يا المحسي
سلام وتحياتي عكود
ولك الشكر الجزيل
علي الاضافات الجميلة



اقتباس:

الحديث للراحل الدكتور علي المك

سأل ابو داؤود الفلاتية عن اصل سمسم القضارف فقالت انها سمعتها فى بيت سماية فى العباسية يغنيها واحد اسمه حسن جبر الدار وكان ينقر على طبلية صغيرة كما الدلوكة وقد استحسنتها فحفظتها عنه بكوبليهاتها المشهورة عنها فى الاذاعة

ياسمسم القضارف
الزول صغير ماعارف
ياقليب الريد كلما هديتك شارف

حبيب تعال نتقادم
نسير سوى ونتكالم
اطير حدى واختفو من العالم

شديتو فوق الهولو
وندهت ليهو رسولو
حبيب الروح محل مايروح بنزورو

حبيب بريدك ريدة
ريدة الحمام لى وليدها
حبيب تعال خلى النتم الريدة

يايمة مانى وحيدى
شايلة الصغير فوق ايدى
مابى الفراش وداير الرقاد فى ايدى


ذلك ماسجلته الفلاتية على مااذكر ثم ان ابوداؤود والذى لم يعثر لحسن جبر الدار هذا على اثر (تلك قصة اخرى ربما نجئ اليها يوما ما) قال انه استمع لترزى فى حى الداخلة بعطبرة يغنيها بالعود وفى كوبليهات مختلفة
تماما عما سجلته الفلاتية

حبيب بخاف العقبة
وبسدر معاك العتبة
عقد السوميت يالدلدلوك فى الرقبة

السمسم الداقنو
تحت السرير داسنو
يالله هوى وينو الحبيب دايرنو

الاصفر الهنودى
حاربت ليك بلودى
الله الكريم يتم لى مرودى

امانة ياغزيل
فى فرعك المميل
حبيب الروح محل مايميل بنميل

طلعت فوق التمر
بشوف جلابة التمر
حبيب الروح المال فداية العمر


وغيرها مما ارتخت معه اوتار الزاكرة

فى ليلة راس السنة (ديسمبر1990م) كنا رهط من المعتقلين السياسيين فوق سطح عمارة الامن اياها انتحينا ركنا قصيا ورحنا ندندن بغناء خافت فاقترب منا رجل مهيب كان معتقلا فى قضية تهريب اسلحة وراح يدندن هو الاخر مواصلا فى سمسم القضارف والتى كنا قد شرعنا فى غنائها فاضاف الى حصيلتى منها هذهـ الكوبليهات

السرتى اب حباكة
التحتو الناس تتباكى
ان جانى الموت ما بكفنونى بلاك

السمسم الفى الغابة
العرفة فينا اتغابى
يمكن جفا ويمكن عليهو رقابة


فى القاهرة اضاف الصديق العامر بالالفة التشكيلى الباقر موسى الى حصيلتى الكوبليه

توب الكرب المتنى
دايراك حزام لى بطنى
الله الكريم من نارك الشوتنى


تلك هى سمسم القضارف والله وحدهـ اعلم وارشحها لكم ضمن المئة المسنونات والتى كان قد افترحها من قبل الصديق الدافئ بشرى الفاضل .
*انتهي كلام الراحل دكتور علي المك*



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-08-2021, 07:08 PM   #[12]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

في ذكري ابوداؤد … حديث معتق ..

بقلم : صلاح الباشا
رئيس التحرير: طارق الجزولي
رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي5 أغسطس, 2021م


كلمات …. وكلمات
*****
وبرغم الا ستراحة عن الكتابة إلا اننا تذكرنا رحيل ملك الطرب عبدالعزيز محمد داؤد والذي تمر الان الذكري ٣٧ لرحيله التي كانت في ٤ أغسطس ١٩٨٤م بطواريء مستشفي الخرطوم بحري .
وقد جدت المقال في قوووقل ونعيد نشرهـ تارة اخري .
فهو مقال قديم ومعتق كتبناهـ في زمان مضي :-
مساء الخير انت يا الامير .
يدندن بها أبوداؤد وهو لا يزال (ينقر) بانامله علي علبة الكبريت أبومفتاح ، تلك العلبة التي لا تفارق جيبه مطلقاً ، فهي – كما يقول – يستطيع أن يسد بها مكان أوركسترا كاملة إذا إضطرته الظروف للغناء ذات لحظة بدون فرقة موسيقية لأي سبب من الأسباب ، فلقد عاشت معه علبة الكبريت تلك أحلي السنوات ، وله معها أجمل الذكريات ، ليس ذلك فحسب .. بل لأهل السودان كلهم أجمل الذكريات .. مع تلك الكبريتة التي لا زالت هي أيضاً تفتقد أنامل أبوداؤد ونقراته اللطيفة عليها (عليه الرحمة).
يقول الراحل المقيم والصديق الصدوق لأبوداؤد .. وهو البروفيسور علي المك حين يحكي لنا في ذلك الكتيب الراقي الذي أصدرهـ عقب وفاة حبيبه أبوداؤد حيث يذكر لنا علي المك بقلمه المتمكن الظريف ، كيف تلقي خبر صدمة هبوط قلب عبدالعزيز قبل يوم من وفاته ، فيقول علي المك - طيب الله ثراهـ - بأسلوبه الممتع الراقي الجاذب بحق :-
((في يوم الجمعة التي بدأت فيها رحلة الموت ، كنت مدعواً في بيت أحد الجيران ، والدعوة كانت – غداء - والنهار حار ومضجر، لا أعلم ، تباطأت شيئاً ، ولكني ذهبتُ علي كل حال ، وجدت خلقاً كثيرين ، كان أحد المغنين ، ودأبه كان تقليد أداء عبدالعزيز ، ولكنه بون شاسع ، قال يبدي تظرفاً أمقت صنوفه : صاحبك صوته خفّ ، قلت بحدة : صاحبي منو؟ قال : عبدالعزيز داؤد ، قلت ساخراً : ماهو إنت موجود !! .. ضحك القوم ضحكاُ كثيراً ، تشاءمت ، أكلت في عجلة ، عدت للبيت ، وحدي كنت ، وفي التلفزيون وجدت ألواناً من مسابقات الأولمبياد في لوس أنجلوس ، لم تفد حالتي كثيراً ، أعرف الإكتئاب النفسي يقيناً ، كنت لا أعلم من أمرهـ ، الأكتئاب ، كبير شيء ، ولكن الأزمنة صعبة ، والتمرس بمقابلة المكاذبين يبدو أول أمرهم ، براءة الأطفال ، هدّ من صلابة النفس ونقائها كثيراً ، عرفتُ الإكتئاب إذن ، يقيناً والجمعة 3 أغسطس كان يومه .
وحين بدأت شمس النهار بالإخفاق ، أبصرهـ حيث كنت في البرندة ، سمعت حركة اقدام ، ثمة من يصفق ، نهضت من موقعي ، فتحت الباب ، أمامي كان عثمان محمد داؤد ، أحييه في حماسة ، ثوان وتخال دهوراً لعله كان يود يختزل مجاملات التحية الطويلات ليقول لي شيئاً أهم كثيراً من مجاملات السلام ، توقف السلام ، قال : صاحبك جاء من الأبيض عيان جداً ، تركت التلفزيون يحفل بالعدو والملاكمه والسباحة وإنطلقت معه نبحث عن طبيب ، وعدنا طبيب صديق يتبعنا ذهبنا إلي الخرطوم بحري ، ما أنكرنا حي الدناقلة ، كان بي حفياً منذ أن جعلته وطن الوجدان يكون في دار عبدالعزيز . ذلك كان في أخريات الخمسين ، جسر مطمئن علي الخور يفضي إلي زقاق فيه دار عبدالعزيز ، لا أعلم لماذا تفرست في معالم الجسر الصغير في ذاك الموعد من ذاك اليوم ولأول مرة ‍فوقه حصي ، وعليه مع الحصي تراب ، وكان يضايق السيارة إنه في حافتي الجسر تكون دائماً مجموعة صبيان ، أقدامهم تزيد ضيق الجسر ضيقاً تخال أحيانا أن أقدامهم تدعو إطارات السيارات أن تدهسها . تارة ينهضون من مجالسهم مبرمين ، وأحياناً بذوق حسن ، في ذاك الموعد من ذاك اليوم لا صبيان ولا أقدام صبيان ، ليس هناك من شيء علي الجسر إلا الحصي وإلا التراب ، صرنا إلي البيت ، ثوان وتخال دهوراً ، بعد الباب المضياف ، وجه عبدالعزيز ، كان جالسا علي كرسي ، أسند ظهرهـ علي وسادات ، تعين علي قليل من راحة يحتاجها قلب متعب مجهد ، مرهف ، أنفاسه تجعل من جلابيته شراعاً تعبث به الريح وتنفخ فيه ، لا تسعفه الأنفاس المبهورات ، لم يتعود هذا الإنسان الرائع أن يصمت ، هش لي وبش ، وضعت أكتئابي بين يديه ، دأبي منذ عرفته ، يعرف ما يضايقني قبل ان أبوح به ، نظر إليّ ، ضحك ضحكاً صافياً هزم به الأنفاس المبهورات ، قال : إنت لسع محافظ علي جلابيتي الجبتها ليك ؟ ضحكتُ بصفاء جعل الإكتئاب المر يتساقط من خيوط الجلابية ، يغادر نفسي ، جلست أنظر إليه ، تذكرت لحظتها زماناً في الستين وكنت أعد نفسي للسفر للدراسة في أمريكا ، جاءني عبدالعزيز وأهداني جلابية زرقاء اللون وفصلتها وحملتها معي ، وحين عدت إلي الوطن سألني ؟ ماذا أحضرت لي معك ، إن شاء الله جلابيتي رجعت معاك ؟ ضحكت ، قلت : والله يا أستاذ كل الجبتو معاي أسطوانات وفونوغراف ، قال : بس ‍‍؟؟ مرحب بالغاب .. وجاب ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! (إنتهي جانب من حديث علي المك وسنعود له لاحقاً) .
كان أبوداؤد رجلاً معطافاً .. يحب فعل الخير ، بل ويموت فيه كما يقول المثل ، يفعله دون رياء ، يفعله كما يقول أصحابه دون أن يدري المعطوف عليه انه قد أتته خدمة لوجه الله من أبوداؤد .. وذلك ديدن العظماء من الناس ، فالبعض يعتقد – من فرط الفقر الذي ضرب أهل السودان مؤخراً - أن فعل الخير والصدقات لا تكتمل إلا حيث يتواجد المال .. صحيح أن المال السائل هو (حلال المشاكل) الحياتية المعقدة ، لكن هنالك أشياء لا يستطيع مال الدنيا حلها ، لأن حلها هو ربما يكون في فعل صغير بسيط يذيل الهم ويذيب الفوارق ويقرب القلوب من بعضها وهو أكبر صدقة وأكثرتأثيراً وأطول أثراً وصدي من المال وهو الذي ينطبق عليه قول المصطفي الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام  تبسُّمك في وجه أخيك صدقة).. يا سبحان الله ، فلك أن تتخيل مدي العمق والأثر الذي تتركه البسمة الخالصة لدي الإنسان.. لذلك نقول أن أبودؤاد كان هو المتصدق كثيراً بماله وبتبسمه في وجه الناس.. وهو محظوظ أن عرفه الناس بهذه الخصال .
كان أبوداؤد حين يغني فإنه يغني لنفسه أولاً قبل أن يغني للآخرين ، كان حين يمدح أو يرتل القرآن تجده يذوب وجداً ورهافة في قدرة الخالق جل وعلا.. كان عبدالعزيز كل هذا وذاك . لذلك تظل ذكراه دائماً خالدة وجميلة في نفوس ابناء شعبه. وفي الواقع لقد ترك أناس كثر أجمل الذكريات في خواطر الشعوب وأيضاً في سجلات التاريخ الإجتماعي ، وبنفس المستوي نجد العكس تماماً .. حيث يظل يرحل أناس آخرين ولكنهم لا يتركون أثراً إيجابياً خلفهم يستطيع الناس في مجتمعهم أن يذكرونهم به ، وتلك الأخيرة أصبح بعض الناس كثير قيمة ، لكنها – علي أية حال- ضئيلة الحدوث في مجتمع أهل السودان ، فالغالب الأعم عند أهل السودان هو (تبسمك في وجه أخيك صدقة) .. وليذهب عابسو الوجوهـ إلي مصيرهم غير مأسوف عليهم.
كنت ذات مساء .. والدعوة كانت مفتوحة للمعلمين في ذلك الزمان بدار الإتحاد الإشتراكي (العملاق) كما يصفه دائماً (أب عاج) في خطبه العديدات .. كنت حاضراً في شتاء عام 1973م تحديداً ليلة فنية ثقافية بمناسبة إنتهاء فعاليات عيد العلم في تلك الدار ، كنا طلاباً بالمساء بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، وكانت مهنة التدريس الراقية هي الملاذ الذي لذنا به كي نقدم خدمة جميلة لوطننا ولكي نقوم بتأمين مصاريف السكن والإعاشة والدراسة الجامعية (نحن أبناء الأقاليم) ، فكانت أجمل أربع سنوات من عمري عملت فيها معلماً في عدة مدارس بأم درمان ، وتـأتي بيت المال الإبتدائية في مقدمتها ، كنا شلة طلاب ومعلمين ظريفة ومتوثبة ، في عز شبابنا ، وكان السودان عملاقاً ومتوثباً أيضاً ، كان الإقتصاد متوازناً بالقدر الذي كنا نستمتع فيه بالراتب الذي لا يتجاوز الثمانية والعشرين جنيهاً في الشهر فقط .. كنا نستمتع بكل مباهج التسلية والترفيه ، نشاهد مباريات هلال جكسا وعلي قاقارين والدحيش وفوزي وزغبير من المساطب الجانبية ، ونلتقي بأهداف كمال عبدالوهاب وبشارة وبشري والفاضل سانتو . كنا بتلك الماهية الكبيرة نرسل للأهل في بركات بودمدني ما يعين علي مشاكل الحياة المتواضعة ، ولا ننسي ليلاً متابعة كل أفلام سعاد حسني (أخت القمر) وفي مقدمتها (خلي بالك من زوزو) في كوليزيوم الخرطوم وسينما البلو نايل .. حيث لم يكن للشماشة وجود بعد في قلب العاصمة . كانت تلك الأمسية بدار الإتحاد الإشتراكي وأب عاج (قاعد) أمام الخلق ولا زلت أذكر طاقم من الوزراء والمسوؤلين وهم يصطفون في مقاعدهم ، منهم من كان يرتدي الزي القومي كمنصورخالد وأحمد عبدالحليم ، ومنهم من كان يرتدي السفاري كالمرحوم جعفر بخيت ومنهم من إكتفي بالقميص والبنطال كزين العابدين وابوالقاسم محمد إبراهيم ، غير ان اللواء الباقر – وقد كان النائب الأول - يرتدي (الفل سوت) . كان المطربون الذين يؤدون الحفل هم المعلمون الفنانون ، حيث أن المناسبة هي تعليمية بحتة ، كان هناك محمد ميرغني .. عبدالقادر سالم .. صديق عباس .. علي ميرغني .. أبو داؤد الذي كان قد إنضم إلي قسم المسرح المدرسي بوزارة التربية وقتذاك ، صعد عبدالعزيز علي خشبة المسرح والأوركسترا تستعد للوصلة ، هنا طلب أب عاج من عبدالعزيز أن يقول نكتة قبل الغناء ، ضحك عبدالعزيز و (مسح بالمنديل علي صلعة رأسه) ثم قال حاضر يا ريس : كان في واحد قلبو رهيف جداً ، عندو حنية أكثر من اللزوم ، يبكي لأي سبب يؤثر عليه ، يحزن إذا شاهد أحد أقربائه أو أصحابه مريضاً ، وفي مرة تم نقله للعمل في منطقة بعيدة ، فودع أهله وسافر ، وكان يزورهم في الأعياد دائماً مثل عادة السودانيين ، وأثناء غيابه بعيداً عن أهله ، توفي والدهـ ، فإحتار الناس كيف يوصلون له هذا الخبر ، وكانوا يخافون عليه من أن تحدث له كارثة إذا سمع بالوفاة ، وبدأ الناس يتشاورن خلال أيام المأتم ، فإتفقوا علي أن يرسلوا له تلغراف بالعودة فوراً إلي الخرطوم بقطار السبت القادم مثلاً ، وإتفقوا أيضاً أن يخبروهـ في محطة السكة الحديد بعد وصوله ، ولكن كيفية توصيل الخبر كانت أيضاً مشكلة قائمة ، فرصدوا جائزة قدرها خمسة جنهيات لمن يوصل له خبر الوفاة دون أن يتأثر أو تحدث له صدمة مميتة بمحطة السكة الحديد . وهنا كل الناس قد (زاغوا) إلا شخص واحد كان خفيف الدم فإلتزم بتوصيل خبر الوفاة له في المحطة وبعدها يقبض الحافز، وفعلاً ذهب في إنتظارهـ ، وفور نزوله من القطر قال له : جاييي مالك من عملك إن شاء الله خير ؟؟ فرد عليه : والله ناس البيت ديل رسلوا لي إشارة عاجلة للحضور وأنا الآن في قلق شديد علي الحاصل ، وهنا سأله : إنت آخر مرة شفت فيها أبوك متين ؟؟ فرد عليه : في عيد الضحية ، فقال له : تاني كان شفتو .. أحلق دقني دي !! ففهم الشاب الرسالة ولم يتاثر … وهنا إنفجر النميري من الضحك المتواصل وهو يدير وجهه ناحية جعفر بخيت … الله يرحمك يا أبوداؤد .
وعبد العزيز في فن الغناء قد طرق معظم ألوانه ، فقد تغني لحقيبة الفن باغان ظلت مرتبطة به إرتباطاً وثيقاً حتي ظن الناس أنها صنعت خصيصاً لأبوداؤد وليست بأغان حقيبة ، وقد كان يؤديها بدرجة عالية من التطريب : مثل ، زهرة الروض الظليل .. غصن الرياض المايل.. فلق الصباح .. ياليل صباحك مالو … من أول نظرة .. لي زمان بنادي أنا للخديدو نادي .
تغني عبدالعزيز لعدة شعراء ، تغني وكان ذلك الراحل المقيم الموسيقار برعي محمد دفع الله يخرج له الألحان الرائعات بتلك الموسيقي الجميلة التي تستنشق فيها عبير أنغام برعي ، برعي دفع الله كانت له طريقته الخاصة في تأليف اللحن ، وقد إرتبط عبدالعزيز مع برعي إرتباطاً فنياً وإبداعياً منذ منتصف الخمسينيات وحتي وفاته ، مثلما إرتبط به بشير عباس طويلاً أيضا قبل إلتقائه بالبلابل .
تغني عبدالعزيز بالروائع الخالدات : هل أنت معي .. أنت لي .. أجراس المعبد .. تلك كانت بفصيح اللغة وكيف ننسي في مقدمة كل ذلك تلك المشهورة عربياً ويؤديها عدة مطربين عرب بطريقتهم ، إنها عروس الروض يا ذات الجناح ياحمامه ، وكيف ننسي (من عمايل الحب) ثم تلك الخفيفة التي طلبها عبدالعزيز بواسطة برعي دفع الله من شاعرها الأستاذ فضل الله محمد وهي (في حب يا أخوانا أكتر من كدهـ ؟ وفي كلمة غير أحبك أرددا؟) برغم أن الفنان محمد مسكين سبق أن تغني بها مسبقا ، غير أن برعي أقنع الطرفين فضل الله ومسكين ونجح في ذلك فسجلها أبوداؤد للإذاعة .
اما الغناء الدارجي فكانت له درر غوالي: مساء الخير.. انا من شجوني..في حب يا أخوانا أجمل من كده ثم تلك الصامدة الجميلة (نعيم الدنيا) التي يغرد بها المبدع علي اللحو.
كان أبوداؤد يجيد غناء التواشيح ، بمثل إجادته للمدائح النبوية والترانيم الدينية التي تأتينا من وقت لآخر في صباحات السودان التي كانت مشرقة من راديو أم درمان . وهل ننسي تلك الرمية التراثية التي كم كان يبتدر بها الغناء في الأفراح :
الطابق البوخه
قام نداهـ يهتف .. نام من الدوخة
إيدو عاقباهـ .. جدله مملوخه
لمعالق الجوف .. موسو مجلوخه
ياناس الله لي

أما كيف كانت تلك العلاقة التي أصبحت كالتوأمة بين البروفيسور الراحل علي المك وبين عبدالعزيز ، فلنترك علي المك بنفسه يحكيها لنا برشاقة قلمه العجيب كما ذكرنا :
((عرفت عبدالعزيز داؤد أول مرة عام 1958م ، ذهبنا إلي دارهـ في الدناقلة شمال ، عبدالماجد بشير الأحمدي وأنا ، كان الوقت عصراً ، وفي إتحاد طلاب جامعة الخرطوم حفل في ذات المساء ، وللرجل سمعة مدوية في – التعليق - وعدم الظهور في الموعد المضروب (أي شرّار) ، قال الأحمدي أنه يثق في بلدياته عبدالعزيز وفي كلمته ، الأحمدي من ناس بربر ، وكان بمدينته يفاخر ، كنت في شك من الأمر وكبير ، أطل عبدالعزيز من الباب ، رحب بنا ، قال : سأحضر لحفل الجامعة ، وبر بوعدهـ وغني ، ومنذ ذاك المساء توطدت صلتي به ، وصادقته بضعاً وعشرين سنة ، لم نكن نفترق أثناءها إلا قليلاً ، عرفت زوجته وأبناءهـ واهله ، وكأني بعض أهله ، وحين ماتت – فـٌلة – وهي كلبة الأسرة ، حزنت عليها زوجته حزناً شديداً ، خاصة أن فلة قد ألفت دار عبدالعزيز جرواً صغيراً لحين أن أسنت وماتت ، وكان عبدالعزيز قد أحس بحزن زوجته فناداها وقد إستبدت به روح الدعابة فقال لها : يافوزية شدي حيلك أنا شايف الجيران جايين يعزوك.)) .. إنتهي .
من دعابات عبدالعزيزأن قابلته ذات مرة وهو خارج من الإذاعة إمرأتان وقد كانتا من المعجبات بفنه جداً وهو يعرف إحداهما دون أن يتذكر إسمها ، فأقبلت نحوه وحيته وقالت له أنا ما دار النعيم .. نسيتني وللا شنو يا عبدالعزيز ؟ وكانت الأخري ضخمة الجسم وتأخرت قليلاً إلي ان وصلت عبدالعزيز وسلمت عليه ، وأرادت دار النعيم أن تعرف أبوداؤد علي صاحبتها ، فأسرع عبدالعزيز قائلاً : عرفتها .. دي دار الرياضة.
أبوداؤد كان زعيم المجاملات ، لا يكسف احداً ، يلبي طلب أصغر طفل عندما يطلب منه نكته أو مزحة أو حتي اغنية في أي موقع كان هو . ذات مرة كان المريخاب يقيمون حفل تأبين للقطب المريخي الكبير الفنان (علي أبو الجود) ، وبالطبع كان علي المك علي رأس هؤلاء .. فهو كما نعرف.. مريخابي علي السكين ، فهو أم درماني الإنتماء والوجدان و له في المريخيات باع طويل ، فقد كان معه ذات مساء في عربته عبدالعزيز ، فقال له نمشي نادي المريخ ، فاليوم حفل تأبين لعلي أبو الجود ، فوافق عبدالعزيز ، ليس للغناء ، ولكن متفرجاً علي الحفل ، وكان النادي يعج بكواكب فن غناء الحقيبة ، ولكن عندما رأي الجمهور جلوس أبوداؤد مع الحاضرين فقد طلبوا منه المشاركة رغم عدم إستعدادهـ الفني من حيث الأوركسترا ، فلم يرفض ، بل نهض وصعد علي المسرح وطلب تـزويدهـ (بالرق) وببعض كوراس الشيالين ، ففعلوا ، فإبتدر الغناء بتلك الرمية :
الجرحو .. نوسر .. بي
غوّر .. في الضمير ..
فوق قلبي .. زاد الكي
ياناس .. الله .. لي

ثم بدا يشدو برائعة كرومة وأبو صلاح والجمهور يكاد ينفلت من الفرحة والهياج ، فكان ظهور تلك الأغنية علي طريقة أبوداؤد :
يازهرة .. طيبك … جاني ليل
أقلق راحتي .. حار بي الدليل
زاد وجدي .. نوم عينين اصبح قليل
لو مرّ نسيمك علي الف ميل
تخلي العالم طربا يميل
زاد وجدي .. ونوم عيني أصبح قليل

فخرجت من وقتذاك (زهرة الروض الظليل) من سباتها العميق لتبدأ تنتشر من جديد مع صوت أبوداؤد الذي كم حلق بها كثيراً بخيالاتنا ، وخيال أهل السودان المحب للفن والطرب الأصيل لعقود طويلة من الزمان … ولأننا في حضرة ذكري أعظم مبدعينا ابو داؤد وعلي المك ، فإنني أختتم بكلمات الأخير ، كيف يصف لنا الرحيل ، رحيل عبدالعزيز ، فقال علي المك في كتابه العجيب ذاك عن أبوداؤد :
((في اليوم التالي .. السبت 4 أغسطس .. جاء إليّ في البيت بأم درمان محمد أحمد حمد زميل دراستي ، وجار عبدالعزيز، أهناك وقت للتحية ؟ نظرت في وجهه ، لحظ في وجهي ، لا ريب ، أثر الفجيعة يوشك هو أن يطلق عنانها خبراً ، قال إن عبدالعزيز حالته خطيرة ، ذهبنا إلي الطبيب ما وجدناهـ ، أخذناهـ إلي مستشفي الخرطوم بحري، قلت له إنطلق بي ، حين وصلنا إلي المستشفي لم يكن علي أبوابها جمع حاشد ، أوقفنا السيارة قبل ان نسأل ، سمعنا رجلاً فقيراً ما ستر الليل فقره يحدث بائساً مثله في ليل بحري يقول له : أبو داؤد مات ! ! أنفجرت السيارة ، نحن بداخلها، تبكي! .. أعدت الطبيعة عدتها ، زمجر الريح في الأشجار مكتئبة الأغصان، تبكي ، صعد الغبار يبكي ، قالت الطبيعة : إن هذا نصيبي من الحزن تكون الفجيعة ليلة عدم الرؤية مدببة الأطراف وذات أبعاد ، إنطلق الأسي علي شاشة التلفزيون يبلغ الناس الخبر الذي - جلّ حتي دقّ فيه الأجل – لقيت عبدالله عربي أمامي جالساً ، يتيم الكمان ، علي الأرض يبكي ، والفاتح الهادي يبكي ، وجل أهل الموسيقي ، برعي دفع الله كان بعيداً في تونس ليلة الفاجعة ، بشير عباس في جدة ، وبقيت وحدي ، وجاء كل اهل الموسيقي يبكون ، وكل الوتريات تبكي ، ورق كرومة يبكي ، والخرطوم بحري دخلت بيت الحبس ..))
رحم الله علي المك .. فقد كان علامة متألقة من علامات مجتمع أهل أم درمان ومحيط الجامعة وبرامج التلفزيون .. يزداد ضوء تلك العلامة ويتلألأ في كل ذكري لأبوداؤد ..و رحم الله عبدالعزيز محمد داؤد ، فقد كان حيياً ، خفيف الدم .. عفيف اليد واللسان ، يتغني حتي لعمال المنطقة الصناعية بمختلف تخصصاتهم المهنية دون تعالي ..وفي عز النهار الساخن والعرق يتصبب منه..عندما تكون سيارته قيد الإصلاح بيد أياديهم في الورشة .
رحل عبدالعزيز في ذلك المساء الحزين بالسبت الحزين في الرابع من أغسطس عام 1984م ، وبرحيله نكون قد ودعنا أعظم ظرفاء اهل السودان وأروعهم فناً وجمال نكات .. فله الرحمة بإذن الله جلت قدرته ..
ونقول له قبل الوداع .. أنك يا عبدالعزيز كنت تبعث فينا حزمة أفراح لا حدود لها.. تجعلنا نتمسك بتراث كل السودان وقفشات أهله الرائعات .. والتي بدأت في التداعي وبدأ يخبو ضؤها الفريد….. مؤخراً جداً ..
فنقول لك قبل الوداع:..(غار الصيد منك عيون .. أهدي ليك البانه لون .. ياملاك هي والله … غيرك ما لي سمير … مساء الخير إنت يا الأمير … يا الحبك سكن الضمير ).. وإلي اللقاء.

E.Mail





التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-08-2022, 04:51 AM   #[13]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

مر ذكري رحيل الفنان المبدع عبدالعزيز محمد داؤود 4 اغسطس 1984م - 4 اغسطس 2022م - الذكري الـ38 من الرحيل الابدي ...
وكان العام 2022م - عام التيه والودار ...
فلك الله يا وطن ...
ولك الله عبدالعزيز محمد داؤود - بقدر ما قدمت لهذا الوطن ...



اقتباس:
قل
لي بربك كيف تنسي الموعدا
والليل احلام وشوق غردا
و الجدول الهيمان حولنا عربدا
كانت ذراعك لراسي مرقدا
عجبا اتنساها وتنسي الموعدا



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-08-2022, 06:34 AM   #[14]
Hassan Farah
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية Hassan Farah
 
افتراضي

الاخوان المحسى وعكود سلام
الرحمة والمغفرة للفنان المبدع عبدالعزيز محمد داوود ربنا يتقبله قبولا حسنا
رحل الرجل مبكرا وترك خلفه الكثير من المحبين


25 سنة على رحيل .. عبدالعزيز محمد داؤود
https://sudaneseonline.com/board/419...255411099.html



Hassan Farah غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 01:48 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.