01-11-2005, 01:09 AM
|
#[1]
|
:: كــاتب نشــط::
|
« وثيقة ادبية»: حوار الطيب صالح مع نزار قباني
هذا
الحوار « الوثيقة» اجراه الاستاذ الروائي الطيب صالح مع الشاعر نزار قباني باذاعة الـ«بي.بي.سي» بلندن في ابريل 1973عندما كان الطيب صالح محررا ادبياً بالاذاعة اللندنية الـ« بي. بي.سي» ومسؤولاً عن القسم الادبي العربي وقتذاك.. والحوار نشرت مقتطفات منه مجلة « هنا لندن» التابعة للـ«بي.بي.سي» ونحن هنا ننشره بعد مضي 32 عاما من نشره واذاعته لاول مرة... اذ نعتبره وثيقة ادبية تؤرخ لذلك العصر الادبي العربي.
اخ نزار ، انت تقول في موضع ما انك تريد ان تحول الشعر الى خبز يومي لجميع الناس، واعتقد انه اذا كان هناك شاعر معاصر فعل ذلك فهو انت.. وهذا واضح حينما تلقى الشعر، يهرع آلاف الناس لسماعك- تفتكر ليه حصل كدة بالنسبة لك؟
القضية بسيطة جداً.. انني انزلت الشعر من سماء النخبة الى ارض البشر.. فانا منذ بداياتي الشعرية، كنت اؤمن ايمانا مطلقا ان الشعر المكتوب للناس، وان الناس هم البداية والنهاية في كل عمل شعري ، ان اسطورة الشعر المكتوب للطبقات الخاصة، للامراء والنبلاء سقط. نحن في عصر يجب ان يكون المستفيدون من الشعر هم الناس.. قاتلت في الاصل لاصل هذ النتيجة. وقد تنبأت بذلك عام 1948 في ديواني « طفولة نهد» وتوصلت الى معادلة شعرية يكون فيها الناس جزءاً لا يتجزأ من الشعر.
هل هذا الادراك حدث فجأة ام انه ادراك نما بمعايشتك لافكار، ويمكن لشعر انت رفضته.. شعر لشعراء عرب آخرين؟
منذ البداية شعرت ان هناك هوة كبيرة بين الشاعر والجمهور، كان هناك نوع من الجدار اللغوي المنيع الذي يحول دون ان يتذوق الناس الشعر، وشعرنا القديم الذي استمر من العصر الجاهلي وحتى مطلع القرن العشرين كان شعراً صعباً لانه كان يعتمد على التراكيب اللغوية، وعلى النقش وعلى الزخرفة فانا اردت من الشعر ان يخرج من جدران الاكاديميات وينطلق في الحدائق العامة، ويعايش الناس ويتكلم معهم..
متى أصدرت أول ديوان؟
اول ديوان لي « قالت لي السمراء» وقد صدر في دمشق عام 1944م
في هذا الديوان بالذات لك قصيدة عنوانها « ورقة الى القارئ» اعتقد انك تعلن فيها نوعا من الـ«ٍفَىنمُان» عن تجربتك وعما تريد ان تقدمه للقارئ «اما زلت متمسكا بهذا الـ«ٍفَىنمُرب» بينك وبين قارئك؟
انا لا اؤمن بالاشياء الثابتة، انا لا استطيع ان اقول ما قلته قبل ثلاثين سنة مثلاً ..« قانون» انا اتطور مع الحياة واسمح لي ان استعمل تعبير «اغير جلدي» في كل لحظة الا ان هناك عموميات اعتقد ان الانسان يظل مرتبطا بها مثلا نظريتي التي بدأنا بها الحديث عن تعميم الشعر او تأميمه هي نظرية لا تزال بالنسبة لي صحيحة وانا في كل يوم احاول ان اكسر جدرانا جديداً وادخل بيوت الناس من النوافذ ومن الابواب.
تقصد ماذا- على وجه التحديد انك «تغير جلدك»؟
انا لا أومن بوجود اشياء مطلقة ولا اشكال مطلقة، ربما ازمة شعرنا العربي في عصور الانحطاط انه كانت القصائد عبارة عن قصيدة واحدة منسوخة على ورق كاربون، يعني ان الشاعر لم يكن ليفهم عصره او ليفهم قضية الانسان.. العملية كلها بالنسبة للشعر العربي خلال الالف سنة الاخيرة، كانت عبارة عن نوع من الاكتشاف .. اكتشاف ماهو مكتشف كانت عبارة عن كيمياء لغوية نحن الآن لانفكر بالشعر كلغة قاموس لا يستطيع ان ينظم قصيدة وانما الانسان هو الذي ينظم القصيدة لهذا فان القاموس سقط.. سقط بكل محدوديته القديمة.. كمجموعة من الالفاظ والتراكيب والقوانين الصارمة التي لا تحتمل المخالفة.. نحن اليوم نخالف لانه يجب ان نكون مع الحياة لا مع النصوص الميتة..
لكن يخيل لي اخ نزار انك اكثر الشعراء المعاصرين اهتماما باللغة انت « صحيح» تستعمل لغة حديثة بمفاهيم حديثة لكن واضح في شعرك اهتمامك بالمادة الخام التي هي اللغة التي تعبر بها عن احاسيسك؟
استاذ الطيب يجب ان نتفق اولاً على مفهوم اللغة... انا اعنى اللغة التي حاصرتنا زمنا طويلا في جامعاتنا وفي مدارسنا وفي دروس اللغة العربية وفي دروس الفقه .
محاطة بقداسة؟
محاطة بنوع من القداسة.. وكانوا يقولون لنا ان هذه اللغة كصندوق سحري يجب الا تلمسها او لا تفتح الصندوق المخبأة فيه والا افترسنا المارد المخبوء في العلبة، اللغة التي افهمها انا هي اللغة التي يتنفس بها الناس اعود بك الى فكرة نزع الجلد..
اعود بك ايضا الى فكرة نزع الجلد.. هل يعني هذا ان القصيدة حين تكتمل تصبح بالنسبة لك لا تعني شيئا تصبح عالما خارجاً عنك تكتبها وتنساها؟
القصيدة تنتمي.. حين اكتبها الى مرحلة تاريخية واعتقد ان بقاء الشاعر في المرحلة التاريخية التي كتب عندها القصيدة تجمده وتوقفه عن الحركة، انا احب دائما ان اتجاوز قديمي طبعا هذا ليس نوعا من قلة الوفاء ولكنني شديد الوفاء الفني.. الوفاء للفن يكون دائما بالتجاوز والتخطي، هناك اناس كثيرون مثلا يستطيعون ان يستعيدوا قصائد كتبوها قبل عشرين سنة بدقة آلة التسجيل انا عاجز عن القيام بمثل هذه المغامرة.
نشأت في منزل دمشقي قديم.. هي عبارة عن فراديس مختبئة خلف ابواب خشبية صغيرة قد تدخل في زقاق صغير قد لا يوحي لك بشئ الا انك فتحت بابا من الابواب الخشبية الواطئة فتحت امامك فراديس فاذا بك تدخل جنة من جنان الوهم فالشجر والورد والياسمين والمياه الجارية والاسماك والعصافير كلها تتابع امامك مرة واحدة، هذه الخلفية لعبت دورا مهما في حياتي وفي تكوين لغتي الشعرية.. في دواويني الاولى « قالت لي السمراء» طفولة نهد» «انت لي» تلاحظ ان ابجديتي التي اكتب بها ابجدية دمشقية واستعملت كثيرا من الالفاظ الفولكلورية السورية في قصيدة «خمس قصائد الى امي» استعملت اسماء نباتات سورية غير معروفة في بقية العالم العربي كالشمشير والنفشة.. الارتباط بالارض هو الاساس اشعر ان الارض هي مسرح الشاعر هذه الواقعية جعلتني حادا واقرب الى قضايا البشر من غيري من الشعراء.
هذه الطفولة الجميلة كما رسمتها هل كانت توجد ارهاصات انك ستكون شاعراً؟
احب ان اشير الى ناحية مهمة، ان هذه اللوثة الفنية جاءتني عن طريق « جد» لي لعب لعبة خطيرة في تأريخ المسرح العربي هو ابو خليل القباني... كان فنانا من طراز رفيع واستطيع ان اشبهه بشارلي شابلن كان هذا في نهاية القرن التاسع عشر قاتل المستحيل في بيئة دمشقية محافظة ، كي يضيع لاول مرة في الشرق مسرحا طليعياً وقد جاوز في مسرحه كل الموروثات، وكان نصيب أبي خليل النفي الى خارج اسوار دمشق ذهب الى مصر وفي مصر استطاع ان يكون رائداً من رواد الحركة المسرحية التي عرفناها في مصر بعد ذلك.
الا تحس برابطة زمالة تربطك بشعراء عاشوا قبلك بالف عام او اكثر؟
ارتبط بمن يلتقون معي في التفكير خذ مثلا شعر عمر بن ابي ربيعة انا ارتبط معه بخيوط الواقعية الارضية والبشرية انت تعرف ان عمر بن ابي ربيعة اخرج الحب كما اخرجته انا من سراديب الكتب والحرمان الى الهواء الطلق.. انا اؤمن بالحقيقة.. بشاعر يقول بما يريد الناس ان يقولوه، لو كنت شاعراً منافقاً لوفرت على نفسي كثيرا من الهجمات والمشاكل واللعنات الا انني اعتقد ان لهفة الشاعر هي وسام لان مهمة الشاعر هي ان يضع قنبلة موقوتة تحت عجلة القطار الخشبي المتهالك الذي لم يعد منسجما مع العصر.
في علاقة الشاعر بالمرأة « في دواوينك» تدهشني الى حد ما هو ان الشاعر في مشاركة مستمرة مع المرأة، علاقة فيها نزاع وصراع يكاد يكون حميماً أكثر مما يجب؟
شوف يا استاذ الطيب.. لقد اثرت نقطة احب ان اوضحها. ان الخصومة مع المرأة هي المصادر الشعرية الحقيقية، نهايات الحب جعلتني اكتب شعراً احسن من بداياته.
حينما ينقطع الخيط، وتثور العاصفة مع حبيبتك فانت تبدأ بكتابة الشعر هذا يدعوني لان اقول ان الدراما في الحب هي الشعر الحقيقي.. والفرح في الحب لا يعني شيئا ان الفرح عملية مسطحة جدا فحينما تكون سعيدا مع حبيبتك تكتفي بسعادتك.. ان الفرح والسعادة عملية انانية جدا، أما حينما يقطع الخيط او يدخل الحبيبان في منطقة الدراما.. فهنا يبدأ الشعر.
من اكثر قصائدك دراما وعنفا. قصيدتك « الرسم بالكلمات»؟
هذه القصيدة تعبر تعبيرا عنيفا عن الازمة، الازمة التي يصل اليها الشاعر حينما يصل الى مكان مسدود، يعني طريق باتجاه واحد.. هذ القصيدة اسيئ فهمها جدا وانا آسف لذلك، اعتبرها البعض ممن يقرأون قراءة مسطحة او من يقرأ المكتوب من عنوانه .. اعتبروها قصيدة غير اخلاقية انا اؤمن بأن هذه القصيدة هي من احسن شعري: اولاً ومن اطهر شعري، لاني أحاول بهذه القصيدة ان اوجد التناقضات «كَُْف.قصيد» بين ما كان عليه الشاعر وما انتهى اليه، في هذه القصيدة خيبة امل رهيبة جداً وبهذه القصيدة نوع من السأم والعبثية كما يسمونها الآن.
القصيدة مليئة بما يعرف بعنصر الـ«وىكفٌ » «ذفوٌُ »؟ وانا اتفق معك انها نقطة تحول في شعرك يا حبذا لو قلت منها شيئاً:
لا تطلبي مني حساب حياتي
ان الحديث يطول يا مولاتي
كل العصور انا بها فكأنما
عمري ملايين من السنوات
تعبت من السفر الطويل حقائبي
وتعبت من خيلي ومن غزواتي
«عن مجلة هنا لندن» ابريل 1973م
http://www.rayaam.net/22005/10/17/art/art1.htm
|
|
|
|