الحقيقة
كان عمر كضابات شديد السُمرة... ذو جسم رياضي ممشوق مفتول العضلات، وعلى الرغم من انه يسكن في المنزل المقابل لمنزلنا مباشرة الا انني كنت نادرا ما اراه، الحقيقة انا كنت من النوع الذي لايسترعي انتباهه امثال عمر كضابات هذا، فهو شاب صغير السن شبه امي وليس له عمل معين.. وانا بحكم عملي في المباحث الجنائية اعرف الكثير من المجرمين بنفس مواصفاته.
اثار عمر كضابات اهتمامي لاول مرة حين كنت انتظر سيارة العمل امام البيت.. سمعته يحكي لمجموعة من اصدقائه طرف حكاية.. كان يقول : (بس يازول عمك بعد دفنوهو بي يومين قام من القبر وجا لي مرتو في البيت .. قال داير الرادي بتاعو.. المرة يازول دقت ليهو جرس وابت تديهو الرادي و....) وصلت السيارة التي كنت انتظرها ولم استطع تكملة الحكاية.. فكرت بيني وبين نفسي.. حسنا لا استبعد ان تكون هذه الحكاية حقيقية فأمثال كضابات هذا لايدهشهم اي شيء في هذه الدنيا.. هم لايدرون اصلا ان هنالك اشياء مستحيلة ولايمكن ان تحصل.. رأيت احدهم يوما يصطاد سمكة من زيلها.. ولم تبدو عليه اي دهشة فقط اخرج منها السنارة ورماها مع بقية الاسماك.. فقلت له مندهشا.. السمكة دي انت قبضتها من ضنبها؟!! فنظر الي وهز كتفيه بلا مبالاة
تابعت انا بعناد .. لكن مستحيل تقبض سمكة من ضنبها!! لانو اصلا... فقاطعني بزهج.. ما ياهو ده اسي قبضتها قدامك من ضنبها مستحيل كيف يعني؟! ... صدمني منطقه العنيف، فما دريت ماذا اقول.
بعد يومين ذهبت وطرقت باب منزل عمر كضابات.. جاءني نصف عاري.. قال مُرحبا..
- اوووووو وين يا جنابو، اتفضل
- بتعمل في شنو، معاك زول؟
- لالا .. ولا شي
- خلاص تعال انا عايزك... خرجنا وجلسنا في الشارع .. فقلت
- احكي لي القصة بتاعة يوم داك.
- ياتو قصة دي؟
- قصة الزول القام من القبر ومشى لي مرتو قال عايز الرادي بتاعو
- ايوااااا.. ده راجل جيرانّا في البلد بعد مامات ودفنوهو جا لي مرتو قال ليها عايز الرادي بتاعي.. المرة ابت تديهو ليهو وجات كلمت جدي... اها بعد يومين لقينا المرة مقتولة في البيت والرادي مافي.. جدي حكى لي ناس المباحث القصة قاموا مشوا حفروا القبر فلقوا الرادي قاعد جوة القبر.. كانوا عايزين يشيلوهو لكن الشيخ قال ليهم خلوهو لو شلتوهو الزول ده تاني بقوم.
اصبحت كثير التردد على عمر كضابات وكنت اطلب منه ان يحكي لي الكثير من مثل هذه القصص.. وكنت استمع باهتمام حتى اصبح منظرا عاديا رؤيتي مع عمر كضابات نجلس ونتسامر لساعات طويلة في الشارع.
دخلت الى مكتب المباحث وسمعت صوت فتاة تصرخ.. وتبكي واصوات ضرب.. كان امرا عاديا افراد المباحث هذا اسلوبهم في الاستجواب.. فتحت الباب ودخلت و... سمسمة؟! .. رأتني الفتاة وازداد نحيبها.. انها سمسمة تسكن في حيّنا
وقبل ان انطق باي كلمة امسكني النقيب من يدي وجرني الى الخارج..
- بتعرف البت دي؟
- ايوة دي جارتنا
- ممتاز جدا.. يلا اسمعني كويس.. البلاغ بتاع البت الرايحة من اهلها داك متذكرو ؟
- ايوة
- اها التحريات وصلتنا لغاية البنت دي وعرفنا انها اخر زول شافوها مع البنت المفقودة.. اسي عايزك تمشي تمثل قدامها انك الكل في الكل هنا وتخليها تثق فيك وتوريك الحاصل كلو
- حاضر سعادتك
ذهبت وفتحت باب الغرفة الموجوده بها سمسمة وصرخت بعنف في زملائي... القال ليكم تضربو البنت دي منو؟؟ والله واحد فيكم يلمسها اضربو رصاص اسي دي... امشوا اطلعوا برة يلا بلاش كلام فارغ معاكم.
هدأت من روع سمسمة وطلبت لها مشروب
- معليش ياسمسمة جماعة المباحث ديل اصلهم كده..
- والله انا ماعملت حاجة ماعارفة لييه بيضربوني
- طيب انتي احكي لي الحاصل كلو وانا مابخلي زول يضربك واسي برجعك بيتكم
- انا بوريك بس عليك الله ماتخلي عمر كضابات يعرف اني قلت ليك حاجة
- عمر كضابات؟!
- ايوة البنت البتفتشو ليها قاعدة معاهو في بيتو
وعلى الفور تذكرت يوم جاءني نصف عاري..
- احكي لي اي حاجة ياسمسمة وانا اوعدك مافي زول يجيب سيرتك ابدا
استمعت الى سمسمة وهي تحكي القصة بكل تفاصيلها واستشعرت الصدق في حديثها واختبرتها بعدة اسئلة حتى تأكدت تماما من صدق الرواية.
ذهبت الى النقيب واخبرته بكل شيء واستأذنته في اطلاق سراح سمسمة فأذن لي
- سمسمة هاك دي قروش المواصلات انتي امشي البيت خلاص.. انتي ماجيتي هنا وانا ماشفتك ولا لاقيتك.. اتفقنا؟
- اتفقنا ياجنابو.
ذهبت الى النقيب ودار نقاش طويل حول القضية.. اخبرني النقيب بكل التفاصيل واخبرته بانني على صداقة حديثة مع عمر كضابات واستطيع الحصول على المعلومات منه بسهولة... كلفني النقيب بالمهمة بالكامل واوصاني بأخذ حذري وان اكون على اتصال دائم معه.
عند المساء ذهبت الى عمر كضابات .. طرقت الباب طرقا خفيفا ودخلت.. قابلني عمر خارجا من الغرفة الوحيدة بالمنزل رآني وابتسم ابتسامة خاصة..
- عمر وين انت الليلة؟ مالك ماجيت طالع؟
- اسي كنت جايي عليك ياجنابو
خرجنا وجلسنا في الشارع.. كيف سأبدأ هذا الحوار الصعب؟ هل تراه سينكر، سيغضب، سيهرب ؟ لا استطيع توقع ردة فعله.. لكن مهما يكن علي مواجهته بهذا الامر.
- تعرف ياجنابو.. انا كنت متوقعك حاتنتظر يومين تلاتة كمان... لكن شكلك كده مستعجل
حسنا انه يسبقني بخطوة.. لقد ادرك لماذا انا هنا اليوم..
- ياعمر ما اظنك تصدقني لكن انا عرفت بالموضوع ده اليوم بس.. وونستي الفاتت معاك دي كلها هي ونسة اصحاب وانا ماكنت عارف حاجة بالجد.. واسي انا جاييك بحكم الصحبة البينّا عشان نحل المشكلة دي بي هدوء وباقل خسائر.
ابتسم كضابات بسخرية وقال
- شوف ياجنابو طالما ده كلامك كده واذا كنت فعلا عايز الموضوع ينتهي بي سهولة وبدون مشاكل.. خليني امشي اسي عندي حاجات لازم ارتبها لانو بعد نتكلم في الموضوع ده ماحايكون عندي اي وقت لاي حاجة
نظرت في عينيه ووجدت الصدق
- اوكى ياعمر.. امشي رتب امورك.. لكن اوعدني ماتتصرف تصرف تندم انت عليهو او اندم انا على ثقتي فيك
- اوعدك ياجنابو اني الليلة حا اجيك راجع واوريك كل حاجة.
انصرف عمر وجلست وحيدا افكر.. هل تراني اخطأت؟ عمر كضابات كان هادئا ولايبدو عليه انه مجرم او ينوي ان يغدر بي.. نظرته صادقة لكنها حزينة.. ربما سيهرب؟
قطع حبل افكاري صوت الهاتف.. اهلا ياسعادتك... لالا مافي اي تطور عمر كضابات غير موجود في البيت لكن انا مراقب البيت كويس وماحا اتحرك اي مكان... اطمئن خالص سعادتك اي حاجة بتحصل بكلمك بيها اول بي اول
لن اخبر النقيب بما حصل.. لن يفهم.. واذا هرب عمر كضابات ستتم محاسبتي رسميا اذا اخبرتهم اني سمحت له بالذهاب
مكثت في مكاني انتظر حتى منتصف الليل ولم يظهر كضابات.. ياللوغد الكاذب.. انه خطأي كيف بالله اثق في مختطف ومجرم مثل عمر؟ حسنا سأجدك وان دخلت تحت الارض وحينها سيكون لي معك شأن آخر.
حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمعت صوت طرقات عنيفة على باب منزلي... هرعت وفتحت الباب
- عمر؟؟ كنت وين؟ ومالك عامل كده؟
كانت ملابس عمر مبتلة تماما بالماء ووجهه شاحب
- تعال معاي ياجنابو.
- طيب لحظة خليني اغيّر ملابسي
تركت عمر عند الباب ودخلت الى الغرفة مسرعا.. اتصلت على النقيب واخبرته بالقصة باختصار وطلبت منه ان يرسل قوة وسيارة الى حيث اسكن... ثم اخذت سلاحي وخبأته جيدا تحت ملابسي وخرجت
تقدمني عمر بخطوات سريعة ناحية النيل بمحازاة منزلي
- عمر انت ماشي وين؟ الحاصل شنو؟
لم يجبني ولم يبدو عليه انه يسمعني من اساسه.. اخرجت هاتفي وكتبت رسالة الى النقيب فيها كلمة واحدة فقط (النيل)
وصل عمر الى شجرة قصيرة عند طرف النيل.. كان بالقرب من الشجرة مايبدو انه جسد شخص ممد.. يا الهى .. ماذا فعلت ياعمر! اقتربت بحذر.. نعم لابد انها الفتاة المفقودة... الجمت المفاجأة لساني.. فوقفت انظر.. كان المشهد مهيبا.. جسد الفتاة ممد بلا حراك ويبدو انه فارق الحياة.. عمر جالس عند راسها يداعب خديها ويرتب خصلات شعرها بحنان بالغ.. كان منظرهما جميلا.. اضاءة النجوم الخافتة وماتلقيه على المشهد من ظلال.. النيل في الخلف هاديء وجميل.. وهيبة الموت ترفرف على المشهد ككل.. وعمر كضابات يجلس عند رأس الفتاة مداعبا خديها وفي عينيه نظرة لا استطيع سبر غورها... كان كل شيء جميلا ومثاليا.. تشعر كأنك داخل لوحة من عالم آخر.
انتبهت فجأة للواقع.. فصرخت بصوت اخرق مبحوح
- عمر ده شنو العملتو ده؟ قتلتها لييه؟؟
انتبه عمر الى وجودي.. فنظر الي نظرة احتقار هائلة واشار الى الفتاة قائلا
- موش ياها دي البنت البتفتش عليها؟
- ايوة لكن.. الحصل شنو؟ قتلتها كيف؟ عملت ليها شنو؟
اجابني بنفاذ صبر
- موش دي ياها البنت البتفتش عليها؟ عايز مني شنو تاني؟
- كيف عايز منك شنو ياعمر.. الحصل شنو.. احكي لي ماتت كيف؟ وريني الحقيقة!
تحوّلت نظرة الاحتقار في وجه عمر الى غضب هائل.. ونظر الى نظرة ارتعدت لها اوصالي
- الحقيقة؟!! عايز تسمع الحقيقة... انت بتقدر تتحمل الحقيقة؟ الحقيقة ياها دي قدامك.. فتاة في بداية عمرها انتحرت على بعد خطوات من منزلك.. عاين ليها في وشها لو كنت بتقدر تواجه الحقيقة.. انت وامثالك كلكم مابتهمكم الحقيقة ولا بتستحملوا تعاينو في وشها.. انت ومجتمعك كلو.. ناس نضيفين.. بدل وكرفتات ورتب.. ماعندكم غير الكذب عشان تغطو عورة مجتمعكم وقذارتو... لغاية ماطفح وريحتو ازكمت الانوف.. حاتفضلو لمتين مغمضين عيونكم من الحقيقة.. حاتجيكم الشجاعة متين؟ حاتتوقفو متين من المشي على جثثنا واحلامنا ومستقبلنا عشان توهموا نفسكم بطهر مجتمعكم؟ عايز تعرف الحقيقة؟ عايز تعرف البنت دي ابوها اغتصبها كم مرة؟ عايز تعرف اول مرة اغتصبها كان عمرها كم؟ عايز تعرف ..
شعرت بكلمات عمر تنزل على جسدي كالسياط.. شعرت بروحي تدمي وقلبي يتفطّر.. ياربي متى سيصمت.. متى سيرحمني.. توسلت اليه
- عمر ارجوك خلاص كفاية ...
- عايز تعرف لييه البنت دي مالجأت ليكم انتو وانتو المفروض حماة القانون؟ عايز تعرف مقدار الالم والوحدة واليأس الحست بيهو واحدة في العمر ده لغاية ما قررت بملء ارادتها انها تنهي حياتها وتترك ليكم دنياكم القذرة...
كان الوضع يبدو غريبا.. عمر كضابات منفعلا صارخا في وجهي في حين من المفترض انا من يصرخ في وجهه بل يجب ان اضربه واقيده... ولكن لسبب ما كان يبدو مسيطرا على الوضع سيطرة كاملة فكنت اقف امامه ذليلا واشعر بعار عظيم لا ادري لماذا ... رفعت راسي ونظرت اليه فشعرت برعشة خفيفة وانتابني شعور غريب ان ثمة مصير ما يربطني بهذا الشاب...
شعرت بالارض تميد تحت اقدامي فجثوت على ركبتيّ وتوسلت اليه مجددا بصوت باكي
- عمر.. ارجوك .. خلاص كفاية.. عليك الله ارحمني ياعمر..
وعمر لايرحم ولايلين...
- عايز تعرف الحقيقة.. هل بتقدر تستحمل الحقيقة... الحقيقة انو الطفل الفي بطنها ده طفل ابوها... ولدها واخوها في نفس الوقت.. الحقيقة ..
وقبل ان يكمل عمر جملته وضعت يدي على اذني واغلقتهما وانكفأت على نفسي منتحبا.. كنت ابكي كطفل صغير ولا ادري عن نفسي شيئا .. ولا ادري كم استمريت على هذا الحال.
رأيت افراد المباحث يركضون ناحيتنا.. قيدو عمر كضابات واقتادوه الى السيارة .. عاينوا جثة الفتاة والتقطوا لها صورا كثيرة ثم حملوها الى السيارة .. وانا قابع في مكاني لا اشعر بشيء.. وصوت عمر كضابات يرن في رأسي.. الحقيقة ... انت لاتحتمل الحقيقة..
ايقظني صوت النقيب
- يازول مالك؟ انت اول مرة تشوف ليك جثة ولا شنو؟ يلا ارح خلاص نحن منتظرنك
- معليش ياسعادتك انا تعبان شوية.. خليني امشي البيت وبكرة الصباح بدري بكون معاكم
نظر الي النقيب باشفاق وربت على كتفي بتفهّم
- اوكى تمام.. امشي انت البيت ارتاح شوية وتعال بكرة بدري المكتب عشان تكتب التقرير النهائي.
انصرف الجميع وظللت جالسا وحدي لا ادري ماذا افعل.. ياالله كيف لي ان اتحمل هذا الحمل الثقيل.. تمددت على الارض ووضعت خدي على العشب الندي.. شعرت بنسمات الصباح محملة برائحة ورطوبة النيل تمر على جبيني المحترق فتلطفه قليلا.. شعرت بالحمى وكنت اهذي.. غدا سوف اقف امام القاضي ووكيل النيابة واخبرهم بالحقيقة
عمر كضابات لم يقتل تلك الفتاة.. نحن قتلناها بصمتنا.. نعم انتم وانا والجميع.. نحن سبب كل هذه البلاوي.. نصر على تغطية الجروح دون تنظيف حتى تقيحت وتعفنت.. يالله كيف سمحنا لمجتمعنا النظيف بان يفرز مثل هذا الوالد الذي لايتوانى على اغتصاب طفلته.. جاءني صوت عمر كضابات.. لاتكذب.. مثل هذا الوالد موجود في مجتمعكم المتعفن منذ الامد.. كذبكم وتغطيتكم على امثاله هو ما اوصلكم لهذه النتيجة
نعم ياعمر.. هنالك الكثير الكثير من مثل هذا الوالد.. اشقاء وجيران وقرائب.. ونحن نغطي عليهم ونصمت لاعتبارات كثيرة .. حتما ليس من بينها الحق ولا الامانة ولا الضمير.. وطأنا ونطأ يوميا على الاجساد والاحلام الغضة ونصمت .. لا لشيء الا لستر شرف قذر اصلا والمحافظة على بريق زائف.
تداخلت صور كثيرة امامي.. ذكريات طفولة وشباب ماجن.. احاديث وضحكات.. اختلط الحاضر بالماضي بالمستقبل وصوت عمر يتردد في رأسي .. ومنظره وهو يجلس هناك يداعب خد الفتاة.. اجهشت ببكاء ممض محرق وردد النيل صوت بكائي ونحيبي حتى غبت تماما عن الوعي.
ايقظني صوت هاتفي.. وشعرت باشعة الشمس تداعب وجهي.. كنت اشعر بثقل وصداع عنيف.. اجبت بصوت واهن
- ايوة سعادتك
- انت وين ياخي؟ ضربت ليك الف مرة.. تعال بسرعة.. عمر كضابات مات..
- مااااااااااات؟!!
- ايوة لقيناهو الصباح ميت في...
وقبل ان يكمل النقيب جملته وضعت كلتا يداي على اذناي واغلقتهما بقوة.
وصلت الى المكتب بآخر رمق.. كنت مشوشا تماما واحداث الليلة الماضية لازالت آثارها واضحة في وجهي وثيابي.. ذهبت مباشرة الى مكتب النقيب.. ودون تحية انهرت على الكرسي امامه ..
- يازول! مالو شكلك عامل كده؟ انا ماقادر اصدق انك بعد سنين خبرتك دي كلها منظر جثة ممكن يعمل فيك كده
حاولت ان ابتسم فلم افلح.. يظن اني مابي نتيجة مشاهدة جثة الفتاة
- الحصل شنو ياسعادتك.. عمر مات كيف؟
- والله بس الصباح لقيناهو ميت في الزنزانة.. قطع اوردة يدينو الاتنين!
ومرة اخرى شعرت بالدموع تنحدر على وجهي.. واصل النقيب بصوت اكثر جدية
- لقينا مع عمر الظرف ده معنون بي اسمك.. انا كنت عايز افتحو لانو ممكن يكون فيهو حاجة توضح اسباب الانتحار وموضوع الاختطاف.. لكن فضّلت انك تفتحو براك لكن كمان عايزك توريني بالظبط فيهو شنو
وبيد مرتجفة تناولت الظرف من النقيب.. ونظرت اليه بخوف
- معليش سعادتك انا اسي تعبان والفيني مكفيني.. مابقدر افتح الظرف اسي.. خليني امشي ارتاح في البيت وبوريك بعدين فيهو شنو
- طيب كويس.. انا ماشي اسي المستشفى لانو تقرير الطبيب الشرعي طلع.. بالمناسبة البنت المقتولة طلعت حامل.. غالبا بيكون ده طفل عمر كضابات
اردت ان اخبره بالحقيقة ولكني اكتفيت بالمزيد من الدموع وطعم كالعلقم في حلقي
واصل النقيب
- يلا اوصلك بيتك في طريقي لكن لازم تجي راجع وتوريني في الظرف في شنو قبل نهاية اليوم.. عايزين نخلص من القضية دي الليلة باي طريقة.. انا مرهق جدا ولي يومين مانمت
وقبل ان نخرج من مكتب النقيب دخل احد العساكر وضرب رجله بالارض قائلا
- سعادتك ام عمر كضابات وصلت.. واقفة برّة
خرجنا.. وامام باب المكتب رأيت الام الثكلى.. وشعرت بأن قلبي سقط بين اقدامي
- حنان؟؟! انتي ام عمر؟
و على الفور مرت ذكريات كثيرة من شبابي الماجن امام عيني.. وجه حنان الجميل وضحكتها الطفولية.. شعرها منسدل على صدرها العاري.. لحظات النشوة في فراشها.. وكيف حطمت قلبها فيما بعد.. ثم اختفاءها المفاجيء
- حنان؟؟! عمر ولدك.. لكن كيف؟ متين .. انتي ماكنتي متزوجة ..
سمعت صوت حنان يأتي كانه من عالم آخر
- يعني انت ماعارف؟!.. عمر ماكلمك؟
- عمر؟؟ ماكلمني .. يكلمني بي شنو؟؟
ثم نظرت الى الظرف في يدي برعب .. وادركت كل شيء .. يا الهي .. الطف بي يارب ..
جثوت عند اقدام حنان ونظرت اليها بضراعة..
- حنان .... لا .. ارجوك ..
دوى صوت عمر كضابات مزلزلا اركان الدنيا (الحقيقة؟!.. انت لاتستطيع ان تحتمل الحقيقة)
ثم اعقبه صوت حنان باردا كالموت
- ايوة.. عمر ولدك ... ولدنا ال...
وقبل ان تكمل حنان كلامها وضعت اصابعي على اذناي واغلقتهما باحكام .. واغمضت عيناي بقوة ولا ارغب في فتحهم مرة اخرى.
تمت