ماذا سنفعل حين تضع الحرب أوزارها؟ !!! حسيــــن عبد الجليل

دعوة لمشاهدة فلمي ( إبرة و خيط ) !!! ناصر يوسف

قصص من الدنيا؛ وبعض حكاوي !!! عبد المنعم الطيب

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > أوراق

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-09-2007, 04:54 AM   #[1]
تاج السر الملك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تاج السر الملك
 
افتراضي أضغاث السانسميليا-3- ابطال الخرافة الحديثة

أضغاث السانسميليا-3-
أبطال الخرافة الحديثة



أتطلع الى عينيه ابى، كان يمشى الى جانبى، صغيرا يخوض فى سنواته الخمس وجلا، الاعبه خشية من بأس غضبه ، كان يدندن بالأهازيج طربا بدخوله الصف الأول ، ذهبنا جميعا الى المدرسة برفقته المرحة الشقية ، و فى طريقنا مررنا على الحياة تنفض عن ثقل اليأس اجفانها ، مررنا بالشرطى يرفل فى بزته الأنيقة ،مستندا بثقة على جانب سيارته ذات الخطوط البيضاء و الزرقاء على صفحتيها ، و الأضواء المنصوبة على سقفها تتناوب الوهج..ازرق..احمر ...بلا انقطاع ، تنبىء بالحذر ، يوجه السيارات من موقعه الى طريق دائرى يطوق المدرسة مثل حزام منطبق على بطن ممتلئة ، و الصغار يحملون حقائبهم على ظهورهم مزينة بصور ابطال الخرافة الحديثة.
اصطف المدرسون و طاقم العاملين بالمدرسة ، يلوحون بالبالونات و الأمل ، ينثرون ابتسامات الترحيب كيفما اتفق ، بفرح متقن الصياغة ، قدموا لنا القهوة المجانية و الفطائر ، و الناس زمر...زمر ، فى ملابسهم النظيفة ، نشطون ، يبتدرونك عنوة بتحية الصباح مثل الات مبرمجة ، و انت مجهد ، قلق، فى رحاب حضرة الناظر ، و طابور الصباح ، و مشهد سياط الحناء ، تجب الفرح و انطلاقة الصبا ، حال ان تقع عيناك عليها ، ( باردة مثل كلمة القضاء لا تنم عن غضب) ، وراءها يقف سادن سعى لجلبها من حوش مأمور السكة حديد ، يخبىء دفتر العيادة خلف ظهره . كم تمنينا المرض فى يوم امتحان الحساب ، و موت ذوى القربى يمنحك ثلاثة ايام للراحة دون مساءلة و بعض عطف فوق ذلك ، قتل ابن خالى فى سبيل ذلك كل اهلنا و ساح فى طرقات المدينة هزجا ، حتى اتى الدور على امى ..فقتلها ، و بعد ان اتم عدته قفل راجعا الى حوش المدرسة ، يرزح تحت ثقل اسى وهمى ، سأله ابو الفصل ، و كان يعرف اهلنا جميعا مدفوعا بخوف من اللوم ( الماتت دى منى من عماتك؟؟) فذكر اسم امى ، قال ابو الفصل ( عمتك دى كان ما اخاف الكضب ..الصباح ده شفتها شايلا قفتا و ماشة على سوق الخدار..ياربى قامت بعاتية؟؟؟).. فأسقط فى يده...
ضرب ضربا مبرحا ، سعدنا لأذلاله ، أعلمت المدرسة امى و ابيه بالأمر ، فكادا ان يدقان عنقه ، لم يعد للمدرسة بعد ذلك ابدا ، مثل به امامنا و ذكرت المنطقة الصناعية و نفارة البوليس مرارا ، ثم سكنت العاصفة تماما مثلما بدأت ، و لم يعر احد الأمر أهتماما بعد ذلك ، حتى اصاب ثراء فى مقبل ايامه ، فضحك القوم مليا و هزوا رؤوسهم اعجابا بشقوته و كادت امى ان تزوجه احدى بناتها!!! سار ابى حذاء الحوائط التى تشى هيئتها الراسخة بالأمن و الطمأنينة ، الماء البارد النظيف فى ردهاتها يصعد من نوافير لامعة ، و حين التقت عينى بعينه ، احسست بعجزه عن النطق ، و ادركت قوله ( عمتى وين يا ولد) (دايرين تورثونى و انا حى يا أولاد الكلب؟؟) ..
كان يأخذنا الى جنينة ( كعكاتى) قبالة مبنى المديرية ، نشهد الأستعراض العسكرى فى اعياد الأستقلال ، الأستعراض الذى ما انقطع حى الان ،و فوق اشجار اللبخ ، علقت الميكرفونات تصدح ( عربا نحن حملناها و نوبة) ، اسمينا النشيد ( هاهاهاهاها) . بائع الترمس كان يتجول بين الناس و مقاعد الحديد ، يزين الترمس بقطع من الثلج ، يحمل كل ذلك داخل جردل ازرق انيق ، مؤطر الحافة بزيق ابيض رفيع و على فمه غطاء من قماش شفاف يزيحه الى الجانب متحديا شغف الأطفال و الكبار الذين اصابهم سأم الأنتظار لخطبة الحاكم ، أشتهيت فى سرى ذلك الترمس ، و حين اشتد على الوحى جاهرت بدعوتى فأشتهيت العصير الأحمر و الليمون البارد ، تمنع ابى عن الشراء بحزم و اسى شع من عينيه ، و ادعى بأن هذه الاشياء تصيبك بمرض فى الأمعاء ، لم اكن قد التقيت بعد بهيئة الفقر ، و حينما تبينت ملامحه ذات يوم فى ظهيرة عمرى تذكرت اين رأيته أول مرة فى حدائق الأستقلال ، و هذا الصباح شهدت ابى و هو ينتعل حذاءه الرياضى ( نايكى) ، و يترجل بثقة عن سيارة اقودها لحمله الى المدرسة ، كان يحمل اوراق عملة عليها صورة ( بنيامين فرانكلين) ووجوه رئاسية عديدة ، داخل غرفة الدرس كان الطقس معدل ، و كمبيوترات و أقلام و ملصقات ضخمة لأبطال الخرافة الحديثة يطالعون الأطفال بحنو و ثقة ، و معلمة حسناء احن وارق و اعظم عطفا منى عليه و من كل تاريخ مودتى الزائفة و لؤمى الذى يتقمص هيئة الحنان و يتدثر بغطاء الطيبة!!
كم سولت لى نفسى ان اصفعه بالكف حتى يكف عن ( خمجه) ، فأرعويت خوفا من قبائل حلف الأطلسى و فريق البنتاغون أن يهبوا لحمايته فأقعد ملوما حسيرا ، كان الناظر يلهبنا بشواظ نظراته حتى حسبناه كاره لنا مثل ذوينا ( شيل اللحم و ادينا العضم) ، كنا صغارا نرتعد فرقا حين ( يقدل) فى الطابور مرددا- الضرب ينفعهم و العلم يرفعهم- و ما عاد للعلم نفع حين تضاءلت مقادير الثقة بالنفس و ضمرت ثم تلاشت فى زمن استعراض عسكرى لاحق!!!
و قبيل اداء نشيد العلم ، تصايحنا كل على حده ...فندى... حين تليت اسماؤنا للتمام ، و أجبرنا على رفع مقدمات جلابيبنا حتى يتأكد المشرف من نظافة سراويلنا ، وقفنا كالخيام الصغيرة البيضاء لا تحركها الريح ان هبت ، و صدرنا مثل الضفادع نردد..نحن جند الله ..جند الوطن ، و كان الوطن فى مخيلاتنا الغضة صورة حيزبون تضطجع على صفحتها فى عنقريب متهالك مهتك ، تتوسد ثنى الساعد، محدقة فى ( قرعة) فارغة ام انها ( قربة) مقدودة!!
درنا الى اليمين و تارة الى اليسار و تارة بلا اتجاه محدد، سعينا الى حجرات شاحبة شهباء ، نوافذها خضراء بالية الخضرة ، و مقاعدها فى صلابة الحجر نتزاحم عليها بأكثر مما تقوى سعتها على حمله ، كومة مهملة كنا ، يتغشانا الغبار فى مسيره ، و الأغنام الضالة ترعى فى نجيلة ميدان كرة القدم ، و الذباب و صيحات المارة و حتى لعناتهم البذيئة التى يتبادلونها دون حياء ، ننمو فى مجلسنا مثل النباتات البرية، خضرة مبكرة ثم ( ترتوس) ، ثم عذق صلب يؤذى اكثر مما يفيد ، ابى يسخر من قصتى و هو يستعد لدروس التهجئة ( اى بي سي دي اي اف جي)، يتراكض مع ( اليس) فى بلاد العجائب ، كل ابطال خرافته يطيرون فى الهواء و على ظهورهم عباءات ملونة ، فما عدت قادرا على تسميتهم ( بالكفار حطب النار) .
اخرج ابى غذاؤه ، المغلف بعناية ، المحدد السعرات و القيم الغذائية ، و تهيأت انا للأصطراع ورفاقى حيال ( قفاف) بت المنى ( ست الفطور) ، نصرخ بصوت واحد متصل مثل قطط جائعة، او مثل كلاب ( خرم شهر) ساعة حصار جيوش العراق لمداخلها و مخارجها حينما همت بأكل الجنود احياء من فرط جوعها ، و الجنود يصدونها غير عابئين بالقادسيين الجدد الذين يطرقون على ابوابهم دون ملل، ظلت الكلاب تنهش فى الذاكرة حين و ضعت الحرب اوزارها حينما اعيتها الحيلة من نهش لحم البشر ، و بعد ان اعيا المحاصرون الشوق الى ( ذو الفقار) يهبط من السماء فما انفكوا عن النداء ( على...على...على) و ظلت الأنعام تنهق ( ريغان...ريغان...ريغان) ، فما علم على الى اى جانب ينحاز...


تاج السر الملك



تاج السر الملك غير متصل   رد مع اقتباس
 

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 02:48 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.