:: كــاتب نشــط::
|
أضغاث ( السانسميليا)
تاج السر الملك
حطت الطائرة فى مطار ( الدوينيب) الدولى , بعد رحلة تخللتها بعض المنغصات الطفيفة ,و التى حاولت تجاوزها بمتابعة وقائع جوائز الأوسكارلهذا العام على شاشة الطائرة. غادرنا مطار ( الشبارقة) الفضائى فى سماء صحو , أعتكر قبالة مصيف و منتجع ( ابو حراز) الكونى الذى تزدهى شطآنه بالأف من السواح كل المواسم , و كان جليا خلو السطح المائى للنيل الأزرق من المتزلجين الذين اعتصموا أمن الفنادق الباذخة فى خيلاءها و فسيفساءها. فاز فيلم ( الرمال الفضية) بالجائزة الأولى , لم افاجأ بذلك الفوز , فقد تعودنا هذا النوع من الأخراج السينمائى المتقدم من (شركة الكاملين العالمية لأنتاج الأفلام) , و لكننى تمنيت فى قرارة نفسى , و يشاركنى الكثيرون هذه الأمنية , فوز فيلم (جبارة العظيم) و هو انتاج لمخرج سينمائى صاعد من نواحى ولاية كردقيل , تناول فى طرحه دستور بلادنا العظيم, و كل الأضافات العبقرية التى ناضل اسلافنا فى تأصيلها و الذود عنها بشرف و نكران ذات نادرين.هبطنا مطار ( الدوينيب) الدولى , و مشينا عبر ردهاته المحصنة ضد الأشعاعات الكونية كل الى وجهته , فى تسارع حضارى متناسق , و قبل ان تتخطفنى ضوضاء الحياة فى طرقات ( الدوينيب) المضاءة بالطاقة السولارية , وقفت اسلى نفسى بمشاهدة العمال من اطواف اللاجئين الأمريكيين, و هم عاكفين على اداء واجباتهم المطارية بصبر و جلد, حقيبتى على كتفى الأيمن, و فى اليد اليسرى , كتاب (طبقات ولد ديزنى) و الذى توقفت عند حديثه عن الشيخ ( سوبرمان) ذو اليد اللاحقة و الطائر دوما فى الفضاء!! و كم تمنيت ان ( يندهه ) هؤلاء الغلابة عل و عسى أن يفك كربة بلادهم التى طحنتها الحرب الأهلية, مرارا و تكرارا, حتى اصبحوا حديث (الذين يسووا و الذين لا يسووا) ,هه..كما نقول هنا فى الولايات السودانية المتحدة , كم تدخلنا فى شئون هؤلاء التعساء رفقا بهم , حمدت الله فى سرى و انا ارنو هذه الأفواج بعطف اصيل , الذى جعلنى سودانيا متحدا , و باغتنى شعور بالشفقة على وقوفهم الساعات الطوال امام صفوف مكاتب الهجرة و الجوازات , املين الحصول على الأقامة , و انتهاز فرص العمل , ثم انجاب اطفال يحملون الجنسية السودانية المتحدة , يرمقونهم بأعجاب و هموا يختالون بالأكسنت السودانى (شىء يفهمونه و اشياء لا), لا يقدرون على انتهارهم بله ضربهم بالبسطونة, حتى يحل عليهم شرطينا المدجج ليجلس معهم متفرجا على نجوم ( الضهرية) , بأبعادها الثلاثية!! و تحسرت فى خاطرى على العنت الذى يكابده القوم فى رحلة اندماجهم و انصهارهم فى جذر حضارتنا التى اقامت الصروح و قدمت الأطروحات فى القرن الذى كان قادتهم فيه يقررون مصائر الناس بادعاء انهم (حلموا بالرسول) يحضهم على الجمع بين البنت و اختها ,ثم عنت اللغة , وانتهاء بعنت التنولوجيا الرقمية و التى تطورت بفضل جهود علماءنا الى كسورية . و قد قدر لى فى فرص متناوبة تعلم بعض العبارات الأمريكية ( بالأضافة الى الشتائم طبعا) تلك التى يستخدمها جل جمهور الوافدين الأمريكيين , تلك التى تمثل الثقافة الموغلة فى الأصالة السوداوية , كوصفهم للعمل المتواصل ( 2 فولتايم جوب) , بالجكة و التى تقابل فى لغتنا السودانية المتحدة ( العدو تحت طائلة الرعب) , و استمعت الى كثير من قصصهم المثير , بصبر محامى جوازات , عن تدنى الأحوال نتيجة للحروب الأهلية التى لا يتقاتل فيها الأهل بالضرورة , و انما اناس بالأنابة الغير منتخبة , الفساد و اقتباس المال العام الى الجيب الخاص , و سطو الجنود على مقاعد الحكم كلما ادرك الحاكم الشرعى النعاس , و تغليب مصلح فئات على فئات , و اشياء أخرى يقشعر لها ضميرى الحضارى العريق , كحوادث اغتصاب الأطفال التى تمر دون تحقيق و لا عقوبة ناجزة , و التحرش الجنسى بالنساء المغلوب على امرهن , فى مكاتب العمل و طرقات الله اكبر , و ظاهرة اخرى يسمونها فيما يقابل من لغتنا السودانية المتحدة ( الخطف)!!! و هى سيارات مفخخة للأستيلاء على النساء فى رابعة النهار للتفاوض معهن على المعاشرة دون مأذون, و ازدادت دهشتى و عظمت , حين اعلمنى بعضهم , بأن قيمة جنيهنا تساوى تلا من فئات دولاراتهم , يقاس على ضوء هذه الفتلة منسوب الأقتصاد , الا ان المحير فى الأمر ان السوق لا يهبط اذا هبط الجنيه و لكنه حتما صاعد اذا صعد الجنيه!! ثم ان الصلات بينى و بين بعض الأسر تعمقت , فأعجبنى حسن سلوكهم , و بعدهم عن الأسفاف و امانتهم و ظرفهم , و روحيتهم الأصيلة و تدينهم الذى يعصمهم عن اكل الخنزير و يحل لهم شرب الويسكى وليس قليل من السباب المقذع , و تدريب ابناءهم على تعكير صفاء الحفلات و المناشط العامة و الخاصة ,واهتمامهم بالتعبير السريالى بألوان الكريون الدائمة الأشراق على حوائط الأمكنة التى تحتويهم , و أطلاق عقائرهم بالصياح و الزعيق مصحوبين بالقدرات التدميرية الشاملة , لكل ما هو حضارى و عريق و انيق , و لكننا كما تعلمون شعب متحضر , و جهاز شرطتنا متحضر و حاضر , لا يتوانى لحظة عن تفريق حفلاتهم و احتفالاتهم ببأس شديد , فينصرفون بهدوء عاتبين على الأطفال الأبرياء الذين ( قطعوا من شجرة ) , و عيونهم تشى بأنهم فاعليها مرة ثانية و ثالثة , حتى يرث الله الأرض و ما عليها , وانهم ( سيترسون) احواض السباحة الصافية ( خيرسان) , و سيحطمون اجهزة التلفونات العامة , و سيغرقون سجاد فندق ( مريديان) بماء المراحيض , و ( سيمعطون ) اشجار الزينة البريئة , و لسوف يحولون مقاعد البهو الوثيرة الى مزابل لأيداع اطباق بقايا الطعام , تلك التى تحوى ولا تقف عند, ملاح ام نعيمية , و فئات ( اللواييق) بأصنافها , و الفول و زيت الولد , و غير ذلك من اللغاويس التى يصعب حصرها و مصرها.و قد تبين لى بجلاء ان اعظم فضائلنا ...الصبر..فقد اعلمتنا اجهزة مخابراتنا الساهرة , ان هؤلاء القوم يدعوننا الكفار , و انهم يتمنون علينا الكارثة , و يعضدون ذلك بالدعاء عقب كل صلاة ( خمس مرات فى اليوم) عدا النوافل , بأيديهم المرفوعة و عيونهم الممتلئة بشغف الحسادة و المضرة , و تعجبت لذلك كثيرا , أذ كيف تدعو على مركب بالغرق و انت فى صدره جالس متكىء , تقتات من سمكه المقلى و تتلمظ بايسكريمه العذب؟؟ و تتقلب فى جنيهه المطاط , اين لك ان تذهب بعد ضاقت بك طرقات الخليج و المحيط, و الصين و بخارستان و ساوث افريكا و حتى سجون اسرائيل؟؟ خرجت الى هواء ( الدوينيب) الرطب ممنيا نفسى بسهرة ( هيب هوبية) صاخبة , و قلت لنفسى..هه.
تاج السر الملك
|