أكتوبر الأخضر (دوما) بحول الله.
هذه رسالة سبق لي ايرادها في الأسافير بين يدي يوم ميلادي الموافق للثاني من اكتوبر والذي مافتئ اخضرا وأسأل ربي أن لايكتنفه يبس ولا ذبول. ..
...
لقد قدر لي بأن أعيش جل حياتي في هذه الديار الطيبة اذ جئتها طالبا (دريفين) والتحقت بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في معية زملاء أخيار من بني وطني لا أزكيهم على الله فهو حسيبهم...
وبالطبع أثق بأنكم تعلمون حياة مكة المكرمة وما يكتنفها من قدسية التحاكم الى النصوص الواردة في حقها يضاف الى ذلك زخم الحياة الأكاديمية في جامعة أم القرى ومرجعيات القناعات الفكرية وما تمليه على طالب يافع مثلي -حينها-من مسلمات التدين واستدراكات المنهج...
ف عطفا على كل ذلك فان الاحتفال بعيد الميلاد قد نأى عن حياتي نأيا بعيدا وهي التي اتسع ماعونها لاحقا ليشمل زوجة ثم أبناء وذلك بدءا منذ عامي الثاني الجامعي...
لكنني -والحق أقول- ظللت أحتفل (في دواخلي) بعيد ميلادي كلما مرّ عليّ اليوم الثاني من أكتوبر من كل عام وكثيراً ما كنت أوشك بأن أعلن ذلك على الملأ لولا ماء في فمي وثمة ملامات أثق بأني لن اقو على مجابهتها ممن هم حولي ممن يعلمون بأنني أحد طلبة جامعة في مكة المكرمة وقد لخص ذلك أبي رحمه الله يوما حينما قال لي مازحا والله ياعادل ياولدي كيمية يقروها في مكة المكرمة دا ماها لافقة 😄
لكن اختلف الحال بعد أن قُدِّرَ لأسرتي الانتقال والاستقرار في السودان اذ قد تكالب علينا بنات وأبناء الاخوة والاخوات وهم كثر بحمد الله فكان الابتدارُ احتفالٌ بعيد ميلاد ابنتي الصغيرى رنا الطالبة حينها في الصف الرابع الابتدائي...
ولعل أمها واخوتها لم يروا بأسا في ذلك لاعتبارات عديدة منها صغر سن البنية وعدم كسر خاطر بنات الأهل...المهم في الأمر أن رنا كتر خيرا قد كسرت الحاجز وساهمت مشكورة في ادخال ادبيات جديدة الى بيتي الكائن في شرق النيل في بحري ومالبث الحال أن اتصل ليجسر الهوة الى المآل الذي اود (فته) لكم فاذا ببنيات الأخوة والاخوات يتكالبن زرافات ووحدانا على (أم رنا) التي لم تكن تدري بأن يوم عيد ميلادها على الأبواب فاذا بها تتفاجأ بالبيت -بُعيد عودتها من مشوار برفقة الابن محمد- مزدانٌ بأضواء الزينة وقصاصات القصدير الملونة تُجَمِّل كل ركن من أركانه وبالطبع فاني كنت قد أنبئتُ (مسبقا) بعد أن تلمس الشباب والصبايا استحساني لما فعلوه يوم الاحتفال بعيد ميلاد رنا من قبل فاذا بأم محمد تعترض في البدء وتنفرد بأبنائها جانبا لتعنفهم على مافعلوه فما كان من ابنتي الكبرى طالبة الطب (اروى) الاّ أن أقنعتها بديبلوماسيتها الراقية قائلة لها:
-ياماما معقولة تكسفي بنات أهلنا الجايات من الخرطوم وامدرمان ديل عشان يعبِّرَن عن فَرَحِن وحبَّهِن وتقديرن ليكي؟!
فلم تملك (أم محمد) الاّ الصمت ...
ثم انها ما ان حانت منها التفاتة تجاهي -وكنت حينها أطالع صحيفة أداري بها ضحكة مكتومة- اذا بها تنفجر وتقول لي:
-أنا عاااارفة الكلام دا كلللو من تحت راسك انتا دا...
فما كان مني الاّ أن مثلت دور الغاضب ورسمت على وجهي تكشيرة البعول الصناديد وقلت:
-انتي الدكتورة بتقول ليكي ديل البنات تجي تقولي لي دا أنتا؟!
فلم تلبث الاّ أن فاجأتني قائلة:
-التورتة دي بالذات أنا شفتا صندوكا في العربية وانتا جاي من برة لكن أبدا ما افتكرتها للموضوع دا!
فلم أملك الاّ (الاعتراف) بعد أن تبينت ضبطي متلبسا بالجرم الكبير...
ولكن...
الذي يهمني في الأمر هو أن (بقية اللبقة) قد ماصتها أمواه فرحة الاحتفال بعيد ميلاد (أم محمد) فما كان مني الاّ أن رفعتُ كفيّ الى السماء شاكرا الله الذي هيأ لي الفرصة لان يحتفل الناس من حولي بعيد ميلادي الذي كان قد بقي له شهر واحد قبل أن أعود الى مقر عملي هنا في السعودية وتركي للاسرة التي استقر بها المقام هناك...
ومضى الشهر وبذغت شمس أول يوم من أكتوبر الأخضر الجميل فاذا بي أشرع بالدندنة منذ الصباح:
لما الليل الداجي الطوّل
فجر النور من عينا إتحول
كنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزمو الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
***
وفي ليلة وكنا حشود بتصارع
عهد الظلم الشبّ حواجز
شبّ موانع ..
وجانا هتاف من عند الشارع
قسماً قسماً لن ننهار
طريق الثورة هـُدي الأحرار
والشارع ثار
وغضب الأمة إتمدد نار
والكل ياوطني حشود ثوار
وهزمنا الليل
والنور في الآخر طل الدار
والعزة إخضرت للأحرار
***
يا أكتوبر نحن العشنا
ثواني زماااااااان
في قيود ومظالم وويل وهوان
كان في صدورنا غضب بركان
وكنا بنحلم بالأوطان
نسطـِّر إسمك ياسودان
Adil Assoom
|