القوة والضعف فى شخصيات الطيب صالح الروائية !!! عايد عبد الحفيظ

هايكو لا للحرب - للشاعر عبدالله جعفر !!! نصار الحاج

مصطلحات عامية سودانية !!! المرحوم فيصل سعد

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-11-2005, 02:11 AM   #[16]
imported_Osman Hamad
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_Osman Hamad
 
افتراضي

إن شاء الله بعد تعبى دا ، إنتِ واُستاذ على الرفاعى ترضوا تقعدوا معاى تحت شجرة وعند ست شاى ، وياحلاة الشجرة لو ما كانت ظليلة، عشان كل مرة مرة نجرجر بنابرنا ونتزاوغ من الشمس.



التوقيع: عثمـان حمــد عثمـان حمــد
alhasahisa@hotmail.com
imported_Osman Hamad غير متصل  
قديم 30-11-2005, 10:41 AM   #[17]
imported_غيداء
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ishrag Dirar
الإِهداء :



إِلَى الَّتِى لَمْ أَقُلْ فِيْهَا حَرْفَاً ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا قَدْ بَثَّتْ فِى رَوْحِى كُلَّ مَعَانِى كَلِمَاتِى المُعَبِّرَة .. إِلَى الَّتِى أَرْضَعَتْنِى ـ لِفَرْطِ حُبِّهَا لِلَّهِ ـ الحُبَّ ... حُبَّ الإِنْسانِ وَحَبَّ الوَطَنِ... إِلَى وَالِدَتِى :


زينب محمَّدخير شَنَّان



أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَهَا فِى طَاعَتِهِ .
استوقفني الاهداء بعض احاسيسنا لاتحملها الحروف
التحية للاستاذ علي الرفاعي
ولك من قبل ايتها الاشراق.

حضور
غيداء



imported_غيداء غير متصل  
قديم 30-11-2005, 02:17 PM   #[18]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

العزيزة إشراق
حياك الله
سأقرأ الرواية هذا وعد محب فما يسطره المبدع علي الرفاعي متعة قبل أن يكون مجال للنقد بالنسبة لي
ولست بناقد فأنا مجرد هاوي يسعده أن توسمت فيه الخير.

سؤال: بعض الناس لا يملكون تقنية التعامل مع الفايلات المضغوطة، وبعضهم يتكاسل عن الخطوات التي يتطلبها فتح الملفات ثم حفظها.
ما رأيك أن نفك الضغط عنها وننشرها هنا في هذا البوست؟
هل يوافق أستاذنا علي علي ذلك؟

معزتي التي تعرفين



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 30-11-2005, 03:57 PM   #[19]
imported_Ishrag Dirar
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_Ishrag Dirar
 
افتراضي



عثمان حمد ..
شكرا كثيفا جدا ..
انتظر معك الاستاذ علي الرفاعي
ولكن ليس تحت الشجرة بل فوقها ....
ودي
أشراق



التوقيع: [align=center]
"فبأي قلبٍ فيّك تصلُبني مسيحاً في صليب الأنتظار ...؟"
"عالم عباس"
[/align]
imported_Ishrag Dirar غير متصل  
قديم 01-12-2005, 07:02 AM   #[20]
imported_Aboremaz
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

[انا ضغطته وكرفسته ممكن ياحماعة توروناا طريقة نفرده كيف؟
فكرة حلوة حكاية ارفاق الكتاب وانا كنت بفكر في الكلمات اللازمة عشان اقول : ناس اصدقاء الكتاب يشوفو فينا طريقة نتحصل بها على التحفة دي (لاكين) زي ما بقول الاخ حمدي سكتتوني .



imported_Aboremaz غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:18 AM   #[21]
imported_Ishrag Dirar
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_Ishrag Dirar
 
افتراضي


غيداء..
ياحدائق للقرنفل يضوع عطرها هنا وهنا وهناك
اتبعك كالفراشات انا اينما حللت

اهداء الكاتب الحروف لنبع الحنان حرّك فيّ اشياء كثيرة كامنة..

سلمت حروفك المعافاة

ودي
اشراق



التوقيع: [align=center]
"فبأي قلبٍ فيّك تصلُبني مسيحاً في صليب الأنتظار ...؟"
"عالم عباس"
[/align]
imported_Ishrag Dirar غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:32 AM   #[22]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

[align=center]كي لا يستيقظ النمل - رواية -الأستاذ على الرفاعي
(1)
[/align]


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
(1)
أَصْوَاتُ الكُعُوْبِ العَالِيَةِ فِى مَطَارِ (هِيثْرُو) : كَعْ .. طَقْ .. طَرَقْ .. كَعْ ؛ وكَأَنَّهَا تَقُوْلُ لَهُ إِنَّكَ غَرِيْبٌ ؛ وَإنَّ صَاحِبَاتِ هَذِهِ الكُعُوْبِ لايَشْعُرْنَ بِوُجُوْدِكَ ؛ لأَنَّكَ لاتُؤَثِّرُ فِى مَسِيْرَةِ الكَوْنِ .. تَمَاماً كَمَا لاتُغَيِّرُ قِطْعَةُ قُمَاشٍ مُتَّسِخَةً مَصِيْرَ الكَوْنِ ؛ حَتَّى وَإِنْ صَارَتْ نَظِيْفَةً) . وَلَكِنَّ القُمَاشَ فِى حَدِّ ذَاتِهِ كَانَ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ فِى حَيَاةِ النَّاسِ ؛ وَلَوِ انْعَدَمَ القُمَاشُ الآنَ لَتَغَيَّرَتْ مَعَالِمُ الكَوْنِ . لَكِنَّهُ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ لَمْ يَكُنْ يَأْبَهُ بِالكَوْنِ وَلابِمَصِيْرِهِ ؛ وَهُوَ الَّذِى يَكْرَهُ الزِّحَامَ وَيَقُوْلُ لأَصْدِقَائِهِ أَنَا لاأَخَافُ مِنْ أَعْمَالِى الدُّنْيَوِيَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ ـ وإِنَّ ذُنُوْبِى فِى الدُّنْيَا لَكَثِيْرَةٌ خَطِيْرَةٌ ـ بِقَدْرِ مَا أَخْشَى الزِّحَامَ الَّذِى يَكُوْنُ فِى ذَاْكَ اليَوْمِ ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّنِى عَائِبٌ أَمَامَ اللَّهِ ؛ إِذْ أَعْلَمُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ ؛ وَأَنَا جُزْءٌ مِنْ شَىْءٍ) . لَكِنَّهُ السَّفَرُ الَّذِى يُعَلِّمُ الإِنْسَانَ كُلَّ شَىْءٍ ؛ حَتَّى عَدَمَ الخَوْفِ مِنَ الأَمَاكِنِ المُزْدَحِمَةِ . فَهَاهُوَ الَّذِى وُلِدَ فِى الشِّتَاءِ ؛ وَأَهْلُ (قُوْزْ قُرَافِى)(1) يَقُوْلُوْنَ إِنَّ الَّذِى يُوْلَدُ والرِّيْحُ تَهُبُّ مِنَ الشِّمَالِ ؛ يَنْشَأُ كَثِيْرَ الأَسْفَارِ مُحِبّاً لَهَا ؛ هَاهُوَ قَدْ بَلَغَ أَقْصَى الشِّمَالِ فِى زَعْمِ ـــــــــــــ
(1) تُنْطَقُ القَافُ جِيْماً مِصْرِيَّةً ؛ كَنُطْقِ الحَرْفِ G فِى كَلِمَةِ Goat الإِنْجِلِيْزِيَّة . (المُؤَلِّف)
أَهْلِ (قُوْزْ قُرَافِى) ؛ حَيْثُ لِلكَعْبِ العَالِى أَعْلَى مَقَامٍ . أَكَانَتْ (كَاترِيْن دِى موتيشى) عِنْدَمَا اخْتَرَعَتِ الكَعْبَ العَالِى ؛ تَرْمِى إِلَى غَايَةٍ أَسْمَى مِنْ صَوْتِهِ؟ أَتُرَاهَا كَانَتْ تَرْمِى إِلَى المَعَانِى الَّتِى تُوَدِِّيْهَا كَلِمَاتٌ عَالِيَةٌ تُحْدِثُ ذَاْكَ الصَّوْتَ؟ بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُنَا يُفَكِّرُ فِى شَىْءٍ مِنْ هَذَا القَبِيْلِ ؛ حِيْنَ قَدَّمَ أَوْرَاقَ سَفَرِهِ إِلَى مُوَظَّفَةِ الجَوَازَاتِ .وَلَمَّا رَآهَا امْرَأَةً طَوِيْلَهً كَانْطِلاقَةِ صَوْتِ صَفَّارَةِ (1) الإِنْذَارِ ؛ أَدْرَكَ أَنَّ حَيَاتَهُ العَزِيْزَة فِى خَطَر . لَكِنَّهَا حِيْنَ تَحَدَّثَتِ الإِنْجِلِيْزِيَّةَ بِطَرِيْقَةٍ تُرَطِّبُ الأَعْصَابَ المُجْهَدَةَ ؛ قَالَ فِى نَفْسِهِ : "لُغَتُنَا لُغَةٌ لَعَّانَةٌ .. لُغَتُنَا تَلْعَنُ أَبْنَاءَهَا النَّاطِقِيْنَ بَغَيْرِهَا ؛ وتَلْعَنُ النَّاطِقِيْنَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَبْنَائِهَا . لَقَدْ فَرَّقْتَ العَرَبَ يَاأَيُّهَا الظَّرِبَانُ ؛ لأَنَّكَ حَيَوَانٌ عَرَبِى .. اللَّهُ مِنْ بِلادِ غُرْبَةٍ لايُوْجَدُ فِيْهَا ظَرِبَانٌ وَاحِدٌ .. آهـ .. المَأْسَاةُ فِى الوَطَنِ العَرَبِىِّ أَكْبَرُ مِنَ الإِنْسَانِ العَرَبِى .. آهـ .. مَا هَذَا التَّنَاقُضُ فِى حَيَاةِ المُوَاطِنِ العَرَبِىِّ؟ فَالتِّرْحَالُ مَكْتُوْبٌ عَلَى جِبَاهِ العَرَبِ مُنْذُ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ الحَيَاةَ ؛ وَالحَيَاةُ مَخْلُوْقَةٌ قَبْلَ التِّرْحَالِ!"
ـــــــــــ
(1) كَلِمَةُ (صَفَّارَة) بِفَتْحِ الصَّادِ والفَاءِ المَفْتُوْحَةِ المُشَدَّدَةِ ولَيْسَ صَافِرَة ؛ هِىَ الأَصْوَبُ ؛ خِلافاً لِمَا شَاعَ فِى هَذِهِ الأَيَّام . رَاجِعْ مَادَّةَ (صَفَر) بِالمُعْجَمِ الوَسِيْطِ والمُنْجِدِ فِى اللُّغَةِ والأَعْلام ؛ ومَادَّةَ (الصُّفْرَة) بِالقَامُوْسِ المُحِيْط . (المُؤَلِّف) .
يَاإِلَهِى! هَاهُنَا عَالَمٌ يُصَفِّقُ لِلجَمَالِ ؛ والأَشْيَاءُ الجَمِيْلَةُ لاتَصِيْرُ قَبِيْحَةً إِلاَّ إِذَا نُظِرَ إِلَى أَجْمَلَ مِنْهَا ؛ أَوْ تَمَكَّنَ القُبْحُ مِنْ نَفْسِ نَاظِرِهَا . هَلْ صَارَتْ حَقَائِبُ سَفَرِهِ قَبِيْحَةً؟ عِنْدَمَا نَظَرَ إِلَى حَقَائِبِ سَفَرِهِ ؛ خُيِّلَ إِلِيْهِ أَنَّهَا تَفْغَرُ أَفْوَاهَهَا بِبَلَهٍ ، بَلْ بِسُخْرِيَّة ؛ وَكَأَنَّهَا فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ تَسْخَرُ مِنْ كُلِّ مَطَارَاتِ الأَرْضِ ... كَأَنَّهَا تَسْخَرُ مِنَ السَّفَرِ ، بَلْ تَسْخَرُ مِنْهُ ؛ فَقَدْ أَصْبَحَ هُوَ نَفْسُهُ جُزْءاً مِنَ السَّفَرِ ؛ أَوْ كَمَا خُيِّلَ إِلَيْهِ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ ؛ أَصْبَحَ السَّفَرُ جُزْءاً مِنْهُ ... كَأَنَّ كِلَيْهِمَا قَدْ أَصْبَحَ جُزْءاً مِنَ الآخَرِ ... كَأَنَّ السَّفَرَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ يَسْتَغِيْثُ بِكُلِّ أَجْدَادِهِ ـ الصَّالِحِيْنَ مِنْهُمْ وَالطَّالِحِيْنَ ـ لِيُمَنْطِقَ وُجُوْدَهُ فِى مَطَارِ (هِيثْرُو) ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ طِيْبَةِ أَهْلِهِ فِى قُوْزْ قُرَافِى . آهـ .. لِمَاذَا تَذَكَّرَ قُوْزْ قُرَافِى فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ بِالذَّاتِ ؛ وَهُوَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِىٍّ وَثِيْرٍ بِصَالَةِ المَطَارِ؟ وَلِمَاذَا تَذَكَّرَ عَمَّهُ (تَبيْقَ)(1) بِالتَّحْدِيْدِ سَاعَةَ وَدَاعِهِ لَهُ ، عِنْدَ سَفَرِهِ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى؟ لَقَدْ كَانَ عَمُّهُ (تَبيْقُ) يَضَعُ فِى تِلْكَ السَّاعَةِ عَلَى عَيْنَيْهِ نَظَّارَةً سَوْدَاءَ ؛ وفِى كُرْسِيِّهِ الوَثِيْرِ بِصَالَةِ مَطَارِ هِيثْرُو قَالَ صَاحِبُنَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :"لَعَلَّ عَمِّى تَبيْقَ قَدْ أَرادَ بِذَلِكَ أَنْ يُخْفِىَ العَيْنَ ـ وهِىَ السَّلِيْمَة ـ الَّتِى رَأَتْ فِى الدُّنْيَا وَمِنْ أَهْلِهَا ؛ أَكْثَرَ مِنْ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ .. لَعَلَّهُ قَدْ أَشْفَقَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا أَنْ يَنْظُرُوا فِيْهَا قَرْناً وَزِيَادَةً مِنَ الحَوَادِثِ . أَوْ رُبَّمَا ـــــــــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1) .
قَدْ أَرَادَ أَنْ يُقْنِعَ هَذِهِ العَيْنَ بِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ مَايَكْفِى ؛ ولاتَحْتَاجُ إِلَى مَزِيْدٍ؛ وَأَنَّ فِى الدُّنْيَا أَعْيُناً سِوَاهَا تُرِيْدُ أَنْ تَرَى بَعْضَ مَارَأَتْ . آهـ .. رُبَّمَا أَرَادَ عَمِّى تَبيْقُ أَنْ يَقُوْلَ لِلنَّاسِ ؛ إِنَّهُ لَمْ يَعُدْ يُوْجَدُ فِى الدُّنْيَا مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرَى" . مَرَّةً أُخْرَى ؛ لِمَاذَا تَذَكَّرَ صَاحِبُنَا ـ وَهُوَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِىٍّ وَثِيْرٍ بِصَالَةِ مَطَارِ هِيثْرُو ـ قُوْزْ قُرَافِى فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ بِالذَّاتِ؟ لعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحِكَايَةِ الَّتِى حَكَاهَا لَهُ المَنُوْفَلِى ؛ فَقَدْ كَانَ ـ كَمَا ذَكَرَ لَهُ ـ يَسْتَلْطِفُ الخَوَاجَةَ (بَاتْرِيْك) الَّذِى جَاءَ لِيَقِفَ عَلَى سِرِّ مَقَابِرِ قُوْزْ قُرَافِى (جَبَّانَة تُوْر القُوْز)(1) ؛ بَعْدَ المَعْرَكَةِ الَّتِى دَارَتْ بَيْنَ قَبْرِ(عَوَض وَدْ كُرَاع الفَرْوَة) وَبَعْضِ المَقَابِرِ وَسُلطَاتِ (مَرَوِىْ) . لَقَدْ كَانَ (بَاتْرِيْك) عَالِماً فِى الآثَارِ؛ وَكَانَا يَشْرَبَانِ مَعاً (المَرِيْسَةَ) ؛ ذَاْكَ المَشْرُوْبَ المُسْكِرَ المُتَّخَذَ مِنَ التَّمْر . وَفِى لَيْلَةٍ مُتْرَعَةٍ بِالقَمَرِ جَلَسَا مَعاً عَلَى الرِّمَالِ النَّاصَعَةِ وَبَيْنَهُمَا جَرَّةٌ كَبِيْرَةٌ مِنَ الفَخَّارِ لَهَا كَرْشٌ كَبِيْرَةٌ وَفَمٌ وَاسِعٌ ؛ تَفْخَرُ بِِمَا فِى دَاخِلِهَا مِنَ (المَرِيْسَة) ؛ وَقَدْ خَطَرَ النَّسِيْمُ تِيْهاً . فَمَا كَانَ مِنْ بَاتْرِيْك إِلاَّ أَنْ أَحْضَرَ غِطَاءَ جُمْجُمَةٍ بَشَرِيَّةٍ يُشْبِهُ قَرْعَةً صَغِيْرَةً ؛ قَالَ إِنَّ عُمُرَهُ يَزِيْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلافِ عَامٍ ؛ وَأَخَذَا يَشْرَبَانِ بِهِ المَرِيْسَةَ وَيَضَعَانَهُ لِيَعُوْمَ عَلَى سَطْحِهَا ؛ ثُمَّ ذهَبَا ـ وَهُمَا يَتَرَنَّحَانِ مِنَ السُّكْرِ ـ وَبَالا بِإِسْهَابٍ وَمُتْعَةٍ عَلَى بَعْضِ مَقَابِرِ جَبَّانَةِ (تُورْ القُوْز) . وَفِى ـــــــــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1)
نَفْسِهِ قَالَ صَاحِبُنَا حِيْنَ حَكَى لَهُ المَنُوْفَلِى الحِكَايَةَ: "لَنْ يَغْفِرَاللَّهُ لَكَ يَاالمَنُوْفَلِى" ؛ لَكِنَّ العَبْرَةَ خَنَقَتْهُ فِى مَطَارِ هِيثْرُو ؛ وَوَجَدَ نَفْسَهُ يََقُوْلُ بِصَوْتٍ مَسْمُوْعٍ : "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَلِلمَنُوْفَلِى ؛ فَكُلُّنَا ذُنُوْبٌ يَخْجَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ .. تُرَى أَيْنَ هُوَ بَاتْرِيْك ذَاْكَ الآن؟ .. آهـ .. أَسَفِى عَلِيْكَ يَاحَسُّوْن وَدّ النُّعْمَان ؛ فَلا أَحَدَ يَعْرِفُ هَؤُلاءِ القَوْمَ أَكْثَرَ مِنْكَ ؛ وَلاشَىْءَ يَعْرِفُ الوَرَقَ مِثْلُ الحِبْرِ" .
لَقَدْ جَاءَ حَسُّوْنٌ إِلَى (لنْدنَ) قَبْلَ سَنَوَاتٍ طَوِيْلَةٍ ؛ أَصْبَحَتْ ضَبَاباً مِثْلَ ضَبَابِ (لنْدن) ... جَاءَهَا حِيْنَ كَانَ يَافِعاً كَشَجَرَةِ لَيْمُوْنٍ شَابَّةٍ عَلَى جُرْفِ النِّيْلِ ؛ وَثِمَارُ اللَّيْمُوْنِ أَبَداً مُرَّة .. إِنَّهَا مَرَارَةٌ تَسْكُنُ وِجْدَانَهُ .. مَرَارَةٌ يُحِسُّهَا هُوَ وَلايَلْحَظُهَا الآخَرُوْنَ . وَلَعَلَّهُ ـ حَسُّوْن ـ وَهُوَ السَّاخِرُ مِثْلُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ قَدْ تَسَاءَلَ مَرَّةً :"هَلْ ذَاقَتْ شَجَرَةُ اللَّيْمُوْنِ يَوْماً ثِمَارَهَا؟" وَلَعَلَّهُ أَجَابَ نَفْسَهُ :"لَوْ فَعَلَتْ شَجَرَةُ اللَّيْمُوْنِ ذَلِكَ ؛ لَشَمِتَتْ بِالنَّاسِ ، وَلأَكْثَرَتْ مِنْ ثِمَارِهَا" . حَسُّوْنٌ حَكَى لِصَاحِبِنَا هَذَا عَنْ أَوَّلِ سَفَرٍ لَهُ إِلَى لنْدن ؛ فَقَالَ لَهُ :
ـ (حِيْنَ وَقَفْتُ أَمَامَ مُوَظَّفِ الجَمَارِكِ سَأَلَنِى عَمَّا بِدَاخِلِ حَقَائِبِى ؛ فَقُلْتُ لَهُ : ـ (حَقَائِبُنَا يَاضَابِطَ الجَمَارِكِ لَيْسَتْ فِيْهَا مَمْنُوْعَات .. المَمْنُوْعَاتُ الوَحِيْدَةُ ـ بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ ـ هِىَ المُصْحَفُ ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ الحُسْنَى؛ الَّتِى لَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا ـ كَمَا حَفَّظُوْنَا فِى المَدَارِسِ ـ اسْمُ المُنْعِمِ) .
نَظَرَ إِلَىَّ مُوَظَّفُ الجَمَارِكِ مَلِيّاً ؛ ثُمَّ خَاطَبَنِى بِخُبْثٍ :
ـ (يَبْدُو أَنَّكَ عَبْدٌ فَصِيْح ) .
ضَحِكْتُ ؛ وَقُلْتُ لَهُ :
ـ (لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِيْمَا مَضَى . لَقَدْ كُنْتُ عَبْداً ؛ لأَنَّنِى لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ مَعْنَى السِّيَادَة ) .
فَنَظَرَ فِى وَجْهِى بِحَذَقٍ ؛ وَسَأَلَنِى :
ـ (أَتَقْصِدُ أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ مَعْنَى العُبُوْدِيَّةِ ؛ بَعْدَ أَنْ ذُقْتَ وَيْلَهَا؟)
فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ :
ـ (بَلْ أَقْصِدُ المَعْنَيَيْنِ مَعاً) .
وَفِى سِرِّى قُلْتُ لَهُ : " لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الوَاقِفِ أَمَامكَ يَعْتَبِرُوْنَ فِئَةً مِنْ مُوَاطِنِيْهِمْ عَبِيْداً لَهُمْ ؛ بَلْ يَزْعَمُوْنَ مِلْكِيَّتَهُمْ لَهُمْ ؛ لَعِشْتَ الشِّقَّ الآخَرَ مِنْ مَأْسَاتِى ؛ وَلَصِرْتَ سَاخِراً مِثْلِى" .
كُنْتُ أَقُوْلُ ذَلِكَ فِى سِرِّى ؛ وَفَجْأَةً وَجَدْتُ نَفْسِى أَقُوْلُ لَهُ بِصْوَتٍ وَاثِقٍ : ـ (يَا سَيِّدِى : كُلُّ شَىْءٍ ـ حَتَّى العُبُوْدِيَّة ـ نِسْبِىٌّ ) .
وَكَأَنَّ المَلْعُوْنَ قَدْ حَدَسَ مَاكُنْتُ أُفَكِّرُ فِيْهِ ؛ فَضَحِكَ وهُوَ يَضَعُ العَلامَاتِ عَلَى حَقَائِبِى ؛ دُوْنَ أَنْ يُفَتِّشَ مَابِدَاخِلِهَا . لَقَدْ كَانَ أَظْرَفَ أَبْيَضَ قَابَلْتُهُ ؛ وَلاشَكَّ أَنَّهُمْ يَضَعُوْنَ أَمْثَالَهُ فِى نِقَاطِ الدُّخُوْلِ لِيُعْطُوا الانْطِبَاعَ لِمَا بِالدَّاخِلِ . وَحِيْنَ أَوْلَيْتُهُ حُفْرَةَ قَفَائِى ؛ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لِزَمِيْلٍ لَهٍ :
ـ (يَاإِلَهِى! أَيُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ هَذَا العَبْدُ كُلَّ هَذَا القَدْرِ مِنَ الذَّكَاءِ؟)
فَيَرُدَّ عَلَيْهِ زَمِيْلُهُ :
ـ (لَوْ كَانَ كُلُّ العَبِيْدِ فِى ذَكَاءِ هَذَا العَبْدِ ؛ لَكَانُوا اسْتَعْمَرُوا بِرِيْطَانيَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَعْمِرَهُمْ ) .
فَحَمِدْتُ اللَّهَ فِى سِرِّى عَلَى أَنَّنِى قَدْ أَرْغَمْتُهُمَا عَلَى الاعْتِرَافِ بِأَنَّ العَبْدَ قَدْ يَمْلِكُ شَيْئاً ثَمِيْناً كَالذَّكَاءِ . ثُمَّ أَرْدَفَ حَسُّوْن وَدّ النُّعْمَان :
ـ(لَقَدْ بَكَيْتُ عِنْدَمَا فَارَقْتُ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَعِنْدَمَا وَصَلْتُ لنْدن لَمْ أَفْرَحْ . بَيْنَ لنْدَن وَقُوْزْ قُرَافِى تَعِيْشُ خَلائِقُ أَكْثَرُ فَقْراً فِى عُقُوْلِهَا وَفِى عَوَاطِفِهَا مَنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ إِلاَّ أَنَّنِى لَمْ أَرَ فِى حَيَاتِى أَفْقَرَ مِنْ إِنْسَانِ لنْدن ؛ فَجُمْجُمَتُهُ أَفْرَغُ مِنْ جَيْبِ أَفْقَرِ إِنْسَانٍ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى .. مَزَارِعٌ بَسِيْط ٌ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى يَسْتَوْعِبُ الحَيَاةَ ؛ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَوْعِبُهَا عَالِمٌ فِى لنْدنَ مُنْقَطِعٌ فِى مَعْمَلِهِ) . هَكَذاجَاءَ حَسُّوْن وَدّ النُّعْمَان إِلَى لنْدنَ ؛ وَبَعْدهُ بِسَنَوَاتٍ جَاءَ عِبيْد وَدّ النُّوْر إِلَى مَطَارِ هِيثْرُو . لَقَدْ سَافَرَ عِبيْدٌ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى فِى زَمَنِ الشِّتَاءِ .. فِى الفَصْلِ الَّذِى يَضَعُ فِيْهِ الوِزُّ فِى قُوْزْ قُرَافِى بَيْضَهُ



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:44 AM   #[23]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

..فَصْلِ الخِصْبِ وَالتَّكَاثُرِ . لَقَدْ كَانَ عِبيْدٌ كَثِيْراً مَايُرَدِّدُ أَمَامَ أَصْدِقَائِهِ القَلِيْلِيْنَ أَصلاً : (فَصْلُ الشِّتَاءِ هُوَ الفَصْلُ الَّذِى يُوْلَدُ فِيْهِ العَبَاقِرَةُ ؛ وَلَكِنْ لِسُوْءِ حَظِّ البَشَرِيَّةِ فَقَدْ وُلِدْتُ فِى عِزِّ الصَّيْفِ .. فِى الشَّهْرِ الَّذِى قَتَلَ فِيْهِ السُّحَائِى جَدِّى) .
لَقَدْ مَاتَ حَسُّوْنٌ وَمَاتَ عِبيْدٌ ؛ وَفِى كُرْسِىٍّ وَثِيْرٍ بِصَالَةِ مَطَارِ هِيثْرُو ؛ مَاتَتْ فِى صَاحِبِنَا كُلُّ رَغْبَةٍ فِى اسْتِدْعَاءِ المَاضِى جَمِيْعِهِ ؛ فَنَظَرَ إِلَى الحَاضِرِ .. نَظَرَ إِلَى الخَوَاجَةِ الجَالِسِ فِى مُوَاجَهَتِهِ وَقَالَ مُخَاطِباً إِيَّاهُ ؛ وَلَكِنْ فِى سِرِّهِ :"آآآهـ ... مَأْسَاتِى أَكْبَرُ مِنْ مِسَاحَةِ أَفْرِيْقيَا .. مِحْنَتِى أَضْعَافُ حَجْمِ الوَطَنِ العَرَبِى .. آآهـ ... لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَيُّهَا الخَوَاجَةُ ؛ لَكِنَّكَ كَتِمْثَالٍ مِنَ الشَّمْعِ مِثْلُ كُلِّ بَنِى جِلْدَتِكَ ...أَنْتَ مِثْلُهُمْ ؛ لاتَتَفَاعَلُ وَلاتُحِسُّ ولاتَنْفَعِل" . سَهَا صَاحِبُنَا بَعِيْداً صَارِفاً نَظَرَهُ عَنِ الخَوَاجَة ؛ وَتَثَاءَبَ حِيْنَ هَجَمَ عَلَيْهِ التَّثَاؤُبُ . وَحِيْنَ خَطَفَ نَظْرَةً إِلَى الخَوَاجَةِ المُوَاجِهِ لَهُ ؛ رَآهُ يَتَثَاءَبُ وَقَدْ غَارَتْ مِنَ التَّثَاؤُبِ عَيْنَاهُ فِى رَأْسِهِ .. لَقَدْ تَثَاءَبَ الخَوَاجَةُ حَتَّى بَانَتْ لَهَاتُهُ . حِيْنَذَاكَ ضَحِكَ صَاحِبُنَا حَتَّى تَشَقَّقَ وَجْهُهُ ؛ وَقَدْ أَدْرَكَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنَّ أَصْلَ الإِنْسَانِ وَاحِدٌ ؛ وَفِى نَفْسِهِ قَالَ :"يَاأَهْلَ لنْدن : دُعَاءٌ مِنْ أَهْلِى ؛ أَنْفَعُ لِى مِنْ حَجَّةٍ فِى دِيَارِكُمْ" . وَحِيْنَ أَطْرَقَ قَلِيْلاً إِلَى الأَرْضِ ؛ سَمِعَ نَفْسَهُ تُخَاطِبُ ذَاْكَ الخَوَاجَةَ المُوَاجِهَ لَهُ بِصَمْتٍ صَادِقٍ : "آآهـ .. يَاجَلِيْسِى : أَنَا مِنْ أَفْرِيْقيَا .. أَنَا مِنْ غَابَةٍ أُخْرَى ؛ وَالآبَنُوْسُ فِى غَابَتِهِ عَزِيْز .. الآبَنُوْسُ ـ لأَنَّهُ فِى مَنَابِتِهِ مَنِيْع ـ يُبَاهِى بِلَوْنِهِ بَقِيَّةَ أَشْجَارِ الغَابَة . يَاجَلِيْسِى : أَنَا أَنْبُتُ فِى بَلَدِى كَأَشْجَارِ الآبَنُوْس ؛ أَنَا مِنْ أَرْضِ الضَّحِكِ وَالرَّقْصِ والكُجُوْر. يَاجَلِيْسِى :جُرْحِى كَبِيْر .. أَكْبَرُ مِنْ أَىِّ سِكِّيْن.. جُرْحِى عَمِيْق ... أَعْمَقُ مِنْ نَهْرِ السِّيْن .. جُرْحِى قَدِيْم .. أَقْدَمُ مِنْ طُوْرِ سِيْنِيْن . لَكِنَّنِى يَاجَلِيْسِى ؛ مَازِلْتُ أَعْطِفُ كَثِيْراً عَلَى كُلِّ السَّكَاكِيْن .. يَاجَلِيْسِى : أَنَا لاأَخْشَى أَمْوَاجَ نَهْرِ السِّيْن .. أَنَا مَازِلْتُ أَجِدُ فِى حَلْقِى دَوْماً طَعْمَ التِّيْن . ذَلِكَ لأَنَّنِى قَدْ تَصَالَحْتُ مَعَ جُرْحِى .. عَامَلْتُهُ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَن . أَهْلِى يَاجَلِيْسِى يَقُوْلُوْنَ إِنَّ مُعَامَلَةَ الأَسَدِ بِالحُسْنَى ؛ تَجْعَلُكَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَقْلَعَ شَعَرَاتٍ مِنْ شَارِبِه ؛ وهُوَ لَكَ مُسْتَكِيْن .. تَمَاماً كَمَا قَلَعَ أَجْدَادُكَ مِنْ بَلَدِى أَشْجَارَ الآبَنُوْس ، وأَحْرَقُوا غَابَاتِه ؛ ولَكِنْ لَيْسَ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَن .. بِالَّتِى هِىَ أَسْوَأ . وهَذَا هُوَ سِرُّ كَرَاهِيَّتِنَا لَكُمْ ؛ أوْ هُوَ عَلَى الأَقَلِّ سِرُّ كَرَاهِيَّةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرافِى لَكُمْ فَرْداً فَرْداً . آآهـ .. يَاجَلِيْسِى ؛ يَاخَوَاجَةَ السُّوْء : أَنَا لَسْتُ مِنْ غَابَتِكُم ... أَنَا مِنْ غَابَةٍ بَعِيْدَة ... غَابَةٍ أُخْرَى" .
أَتُرَى مَنْظَرَ فَأْرٍ فِى لنْدنَ مِنَ المَنَاظِرِ الجَمِيْلَةِ المُحَبَّبَةِ إِلَى النُّفُوْس؟ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ مَالَمْ يَكُنْ يُفَكِّرُ فِيْهِ صَاحِبُنَا ؛ لَكِنَّهُ حِيْنَ رَأْى فَأْراً يَجْلِسُ فِى صَالَةِ مَطَارِ هِيثْرُو هَادِئاً مُطْمَئِنّاً رَغْمَ الحَرَكَةِ وَالضَّجِيْجِ ؛ أَدْرَكَ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ قَدْ وَصَلَ إِلَى نِهَايَتِهِ . إِلاَّ أَنَّ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَنَّ يَقُوْلَ فِى نَفْسِهِ :"هَذَا الفَأْرُ مَعْذُوْرٌ ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِانْهِيَارِ سَدِّ مَأْرِب .. لأَنَّهُ بِبَسَاطَةٍ لَمْ يَقْرَأْ تَارِيْخَ أَجْدَادِهِ .. الإِنْسَانُ وَحْدُهُ هُوَ الَّذِى يَعْرِفُ تَارِيْخَ أَسْلافِهِ . عُمُوْماً ؛ لَقَدْ تَسَبَّبَ انْهِيَارُ سَدِّ مَأْرِبٍ فِى هَدْمِ ثَوَابِتَ كَثِيْرَةٍ فِى نَفْسِ الإِنْسَانِ العَرَبِى . يَاإِلَهِى! أَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ الإِنْسَانُ العَرَبِىُّ المُعَاصِرُ مَعْذُوْراً مِثْلَ هَذَا الفَأْر؟ هَلْ هُنَالِكَ فَرْقٌ فِى التَّفْكِيْرِ ؛ بَيْنَ فَأْرٍ عَرَبِىٍّ وَآخَرَ إنْجِلِيْزِى؟ أَمْ أَنَّ كِلَيْهِمَا لايُفَكِّرُ؟ لَوْ أَنْطَقَ اللَّهُ ـ عَظُمَتْ قُدْرَتُهُ ـ هَذَا الفَأْرَ وَسَأَلْتَهُ عَنْ جِنْسِيَّتِهِ ؛ لَقَالَ لَكَ بِلا تَرَدُّدٍ : ( أَنَا عَرَبِىٌّ ؛ إِلاَّ أَنَّ فِى فَمِى لِسَاناً غَيْرَ لِسَانَ العَرَبِ ) . وَلأَضَافَ قَائِلاً وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ مَابَقِىَ مِنْ عُمُرِ الدُّنْيَا يُمَكِّنُنَا مِنَ الرُّجُوْعِ إِلَى أَجْحَارِنَا ؛ وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ بِشَرِّهِ المُسْتَطِيْرِ يَحُوْلُ بَيْنَنَا وبَيْنَ الزَّمَنِ المُتَبَقِى مِنْ عُمْرِ الدُّنْيَا .. الإِنْسَانُ يَغْتَالُ الزَّمَنَ المُتَبَقِى مِنْ عُمْرِ الدُّنْيَا ؛ فَيَحُوْلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَجْحَارِنَا ) . أَتُرَى أَهْلَ لنْدنَ كُلَّهُمْ ؛ أوْ بَعْضَهُمْ عَلَى الأَقَلِّ ؛ عَلَى شَاكِلَةِ هَذَا الفَأْر؟ عَلَى كُلٍّ ؛ فَإِنَّ فَأْرَ اليَوْمِ يُمْكِنُ أَنْ يُصَادَ بِنَفْسِ الوَسَائِلِ الَّتِى صِيْدَ بِهَا أَجْدَادُهُ قَبْلَ آلافِ السِّنِيْنَ . أَتُرَى أَصْبَحَ عَقْلُ الإِنْسَانِ مِثْلَ عَقْلِ الفَأْر؟ عَلَى كُلٍّ ؛ لَوْ شَاهَدَ أَحَدُ مُوَظَّفِى هَذِهِ الصَّالَةِ هَذَا الفَأْرَ ؛ لأََقْسَمَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَمْتِعَةِ أَحَدِ القَادِمِيْنَ مِنْ دَوْلَةٍ مِنْ دُوَلِ العَالَمِ المُتَخَلِّفِ . فَهَذَا الفَأْرُ ـ فِى رَأْيِهِ ـ يُشْبِهُ فِئْرَانَ البِلادِ الَّتِى تَمُوْتُ شُعُوْبُهَا بِأَمْرَاضِ سُوْءِ التَّغْذِيَةِ؛ بَيْنَمَا يَبْنِى حُكَّامُهَا وَبِطَانَاتُهُمْ كَنَائِفَ بُيُوْتِهِمْ بِالمَرْمَرِ والمَرْجَانِ!" كَانَ صَاحِبُنَا يَبْدُو فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَظُفْرٍ مَخْلُوْعٍ وَسْطَ أَظْفَارِ يَدٍ كَامِلَةِ نُمُوِّ الأَظْفَارِ .. كَانَ يَبْدُو كَإِنْسَانٍ غَادَرَهُ الزَّمَنُ .. كَإِنْسَانٍ قَدْ أُفْرِغَ مِنَ الزَّمَنِ تَمَاماً .. إِحْسَاسُهُ كَانَ إِحْسَاسَ شُرْطِىِّ مُرُوْرٍ يُؤَدِّى وَاجِبَهُ لَيْلاً ؛ عِنْدَ مَدْخَلِ مَدِيْنَةٍ عَدِيْمَةِ الأَخْلاقِ . وَحِيْنَ كَانَ يَمُرُّ بِشَوَارِعِ لنْدنَ ؛ كَانَ يَقُوْلُ فِى سِرِّهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى بُيُوْتِ المَدِيْنَةِ :"مَا أَكْلَحَ أَلْوَانَ نَوَافِذِ هَذِهِ البُيُوْت! أَلْوَانُ هَذِهِ النَّوَافِذِ كَالِحَة ؛ تَمَاماً كَحَيَاةِ سَاكِنِى هَذِهِ البُيُوْتِ . حَسَنَاتُ أَهْلِ هَذِهِ المَدِيْنَةِ مُجْتَمِعِيْنَ ؛ تَقِلُّ كَثِيْراً عَنْ حَسَنَاتِ أَفْسَقِ رَجُلٍ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى . آهـ .. المَوْجَةُ الَّتِى صَعَدَتْ بِحَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان إِلَى السَّطْحِ هِىَ نَفْسُ المَوْجَةِ الَّتِى نَزَلَتْ بِأَهْلِ أُوْرُوْبَا إِلَى القَاعِ ؛ حَتَّى غَدَا الفَأْرُ يَجْلِسُ مُطْمَئِنّاً فِى صَالَةِ اسْتِقْبَالِ مَطَارٍ مِنْ أَكْبَرِ مَطَارَاتِهَا" . لَقَدْ أَحَسَّ صَاحِبُنَا أَنَّهُ قَدْ بَدَأَ يَتَجَمَّدُ شَيْئاً فَشَيْئاً مِنْ شِدَّةِ البَرْدِ ؛ بَلْ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ (البَنْزِيْنَ) قَدْ تَجَمَّدَ بِالفِعْلِ فِى خَزَّانَاتِ وَقُوْدِ السَّيَّارَاتِ ؛ وَأَنَّ النَّاسَ لايَبْدُوْنَ فِى الشَّوَارِعِ كَبَشَرٍ ؛ بَلْ كَحَالَةٍ مُنَاخِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ .. كَجُزْءٍ مِنْ طَبِيْعَةِ بِلادِهِمْ . هَذَا ؛ فِيْمَا يَظَلُّ خَطُّ الاسْتِوَاءِ لاكَشَىْءٍ يَرْتَجِفُ مِنَ البَرْدِ فَحَسْب ؛ بَلْ أيْضاً ؛ كَكَلِمَةٍ شَاذَّةٍ وَسْطَ كَلِمَاتٍ مُتَشَابِهَةِ المَعْنَى فِى قَائِمَةٍ وَاحِدَةٍ . وحِيْنَ دَخَلَ بَيْتَ ؛ أَوْ قُلْ قَصْرَ؛ الخَوَاجِيَّة (جُوْهَانَا رِيْد Johana Raid) ؛ الَّتِى هِىَ أَيْضاً (لَيْلَى عِبيْد) ؛ فِى قَلْبِ لنْدنَ ؛ تَذَكَّرَ قَوْلَهُ لِنَفْسِهِ يَوْمَ مَقْدَمِ الخَوَاجِيَّةِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَوَاتٍ كَثِيْرَةٍ ؛ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى زُنْبُوْرٍ يَبْنِى بَيْتاً لَهُ فِى مَنْزِلِ عَمِّهِ النُّعْمَان :"هَذَا الزُّنْبُوْرُ يَمْلِكُ فِى الدُّنْيَا مَالاتَمْلِكُ هَذِهِ الخَوَاجِيَّة .. هَذِهِ امْرَأَةٌ لابَيْتَ لَهَا فِى الدُّنْيَا ؛ جَاءَتْ تَبْحَثُ عَنْ بَيْتٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى" . لَعَلَّهُ الآنَ قَدْ ضَحِكَ مِنْ أَفْكَارِهِ الفَطِيْرَةِ تِلْكَ ؛ وَقَالَ فِى نَفْسِهِ :"النَّاسُ يَبْنُوْنَ بُيُوْتَهُمْ فِى الدُّنْيَا ؛ وَلَيْلَى عِبيْد بَنَتِ الدُّنْيَا فِى بَيْتِهَا" . وَحِيْنَ هَدَأَتْ نَفْسُهُ قَلِيْلاً مِنْ عَنَاءِ السَّفَرِ ؛ تَذَكَّرَ صَاحِبُنَا ذَاكَ الزُّنْبُوْرَ مَرَّةً أُخْرَى ؛ فَقَالَ فِى نَفْسِهِ :"عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ بَعْضُ أَهْلِ الدُّنْيَا مِثْلُ ذَاكَ الزُّنْبُوْرِ ؛ يَبْنِى أَحَدُهُمْ بَيْتَهُ فِى الدُّنْيَا فَلايَسْكُنُهُ ؛ أَوْ هُوَ يَسْكُنُ سِوَاهُ ؛ وَلَكِنْ فِى غَيْرِ الدُّنْيَا!" ثُمِّ أَخَذَ يُفَكِّرُ مُتَسَائِلاً :"يَاإلَهِى! هَلْ هُنَالِكَ مَخْلُوْقٌ غَيْرُ الزُّنْبُوْرِ لايَسْكُنُ بَيْتَهُ؟ هَلْ هُنَالِكَ مَخْلُوْقٌ مِثْلُ الزُّنْبُوْرِالَّذِى يَضَعُ فِى بَيْتِهِ بَيْضَهُ وَغِذَاءَ صِغَارِهِ عِندَمَا يَفْقِسُ عَنْهُمُ البَيْضُ؟" وَفَجْأَةً قَالَ فِى نَفْسِهِ :"اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْكُنُوْنَ بُيُوْتَهُمْ فِىالدُّنْيَا". وَلَكِنْ أَتُرَى إِنْ قَدِّرَ لِذَاكَ الزُّنْبُوْرِ أَنْ يَكُوْنَ حَيّاً ؛ أَيَجِدُ ـ أَوْ أَحَدُ أَحْفَادِهِ ـ حَائِطاً يَبْنِى عَلَيْهِ فِى لنْدنَ بَيْتاً؟ تِلْكَ قِصًّةٌ أُخْرَى .
وَلَكِنْ مَاالَّذِى جَاءَ بِصَاحِبِنَا (المَأْمُوْن) إِلَى لنْدنَ عَبْرَ مَطَارِ هِيثْرُو (Heathrow)؟ تِلْكَ رِوَايَةٌ (دِرَامِيَّةٌ) طَوِيْلَةٌ ؛ يُمَثِّلُ المَامُوْنُ دَوْراً فِى فَصْلٍ مِنْ فُصُوْلِهَا .
(2)
مَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ ؛ فَإِنَّ خَالِد وَدّ البَاشْكَاتِب لَمْ يَنْسَ مََاقَالَهُ لأَصْدِقَائِهِ ؛ حِيْنَ اجْتَمَعُوا يَحُثُّوْنَهُ عَلَى الزَّوَاجِ ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهِ العُمُرُ مَأْسَاتُنَا يَاسَادَة ؛ أَنَّ بَنَاتِ قُوْزْ قُرَافِى أَقْبَحُ كَثِيْراً مِنْ آبَائِهِنَّ) . فَتَرَكُوْهُ ؛ لإِيْمَانِهِمْ أَنَّ عَيْنَ مَنْ يَبْحَثُ عَنِ الجَمَالِ لَنْ تَمْتَلِىءَ أَبَداً ؛ وَأَنَّ جَمَالَ الصُّوْرَةِ لَيْسَ هُوَ الغَايَة ؛ وَأَنَّ هُنَالِكَ جَمَالاً فِى المَرْأَةِ يَفُوْقُ كَثِيْراً جَمَالَ الصُّوْرَةِ . كَمَا ـ أَيْضاً ـ لَمْ يَنْسَ وَدّالبَاشْكَاتِب سُؤَالَ عَمِّهِ تَبيْقَ لَهُ :
ـ (لِمَ لاتَتَزَوَّجُ يَاابْنِى وَقَدْ بَلَغْتَ هَذَا العُمُرَ ؛ وَأَعْطَاكَ اللَّهُ الصِّحَّةَ والمَالَ؟ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكَ ابْناً يَنْفَعُكَ) .
فَسَأَلَهُ وَدّالبَاشْكَاتِب بِدَوْرِهِ سُؤَالاً ؛ لَمْ يَجِدْ عَمُّهُ تَبيْقُ خَيْراً مِنَ السُّكُوْتِ إِجَابَةً عَنْهُ :
ـ (وهَلْ نَفَعْتُ أَنَا أَبِى؟)
غَيْرَ أَنَّ سُكُوْتَ عَمِّهِ تَبيْقَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَى نَفْسِهِ :"وَدّالبَاشْكَاتِب صَدَق .. وَدّالبَاشْكَاتِب لاأَحَدَ يَسْتَفِيْدُ مِنْهُ .. وَدّالبَاشْكَاتِب كَالبَقَرَةِ الَّتِى تَرْضَعُ نَفْسَهَا .. مِثْلُ هَذِهِ البَقَرَةِ الَّتِى لاتَنْفَعُ مَعَهَا حِيْلَةٌ ولايُصْلِحُهَا أَىُّ عِلاجٍ ؛ لاأَحَدَ يَسْتَفِيْدُ مِنْ لَبَنِهَا .. حَقِيْقَة لا يُوْجَدُ إِنْسَانٌ يَسْتَفِيْدُ مِنْ وَدّالبَاشْكَاتِب" . هَكَذَا تَحَدَّثَ تَبيْقُ مَعَ نَفْسِهِ عَنْ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى كَانَ دَائِمَ القَوْلِ لأَصْدِقَائِهِ لَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حَتَّى أَسْتَأْصِلَ رِحِمَهَا ؛ ومَعَ ذَلِكَ أَخَافُ أَنْ تَحْبَلَ) . ولَكِنْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَزوَّجَ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى سَأَلَهُ أَصْدِقَاؤُهُ فِيْمَا بَعْدُ :
ـ (كَيْفَ وَجَدْتَ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّة؟)
هُوَ : (لَيْتَنِى كُنْتُ تُرَابا) .
هُمْ : (أَتَقْصِدُ أَنَّكَ قَدْ كَفَرْتَ بِالحَيَاةِ الزَّوْجِيَّة؟)
هُوَ : (كُنْتُ فِيْمَا مَضَى ـ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَ ـ أَشُمُّ رَائِحَةَ عُزُوْبَتِى تَنْبَعِثُ مِنْ نَظْرَاتِ النَّاسِ إِلَىَّ ؛ حِيْنَ أَرَى المَأْذُوْنَ يَحْمِلُ حَقِيْبَةَ أَوْرَاقِهِ لِعَقْدِ قِرَانِ أَحَدِهِمْ ؛ أَمَّا الآنَ فَقَدْ صِرْتُ حِيْنَ أَرَى المَأْذُوْنَ ؛ أَجِدُ فِى حَلْقِى عَلْقَمَ حَسْرَتِى . مُصِيْبَتِى أَنَّنِى قَدْ ظَلَلْتُ طِوَالَ عُمْرِى قَبْلَ الزَّوَاجِ ؛ أَبْحَثُ عَنْ مَوَاطِنِ الجَمَالِ فِى الإِنْسَانِ ؛ لَكِنَّ امْرَأَتِى هَذِهِ ـ لابَارَكَ اللَّهُ فِيْهَا ، وَلافِى وَالِدَيْهَا ، وَلافِى مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْهَا ـ أَرَتْنِى أَقْبَحَ مَايُمْكِنُ أَنْ يُوْجَدَ فِى الإِنْسَانِ) .
هُمْ : (اِحْمَدِ اللَّهَ ؛ فَأَنْتَ الآنَ أَبٌ) .
هُوَ : (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لايُحْمَدُ عَلَى مَكْرُوْهٍ سِوَاهُ . حَقِيْقَة الزَّوَاجُ وَرْطَة .. الزَّوَاجُ شَرٌّ لابُدَّ مِنْهِ) .
لَمْ يَنْسَ وَدّالبَاشْكَاتِب كُلَّ ذَلِكَ ؛ وَقَدْ جَاءَ كَعَادَتِهِ وَرَأْسُهُ حَاسِرٌ ؛ فِيْمَا تَرَكَ ـ كَعَادَتِهِ أَيْضاً ـ عِمَامَتَهُ تَتَدَلَّى عَلَى كَتِفَيْهِ ؛ وَتَرَكَ لِلنَّاسِ أَنْ يَفْهَمُوا أَمْرَيْنِ لاثَالِثَ لَهُمَا : أَنَّهُ يَمْلِكُ عِمَامَةً ؛ وَأَنَّهُ لايَطِيْقُ لَفَّ العِمَامَةِ حَوْلَ رَأْسِهِ ؛ أَوْ عَلَى الأَقْلِّ لايَعْتَبِرُهُ مَظْهَراً حَضَارِيّاً . لَقَدْ جَاءَ وَدّالبَاشْكَاتِب بِعِمَامَتِهِ المَرْمِيَّةِ عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَوْتِهِ الغَلِيْظِ كَصَوْتِ ذَكَرِ الذُّبَابِ ؛ إِلَى المَدْرَسَةِ الأَوَّلِيَّةِ ؛ إِذِ اسْتَدْعَتْهُ نَاظِرَتُهَا بِسَبَبِ ضَعْفِ تَحْصِيْلِ ابْنَتِهِ لِلدُّرُوْسِ . وَقَدْ حَيَّرَهُ السُّكُوْنُ الكَثِيْفُ المُخَيِّمُ عَلَى المَدْرَسَةِ ؛ وَزَادَ عَجَبُهُ أَكْثَرَ حِيْنَ دَلَفَ إِلَى دَاخِلِ أَحَدِ الفُصُوْلِ ؛ الَّذِى جَلَسَ عَلَى كُرْسِىٍّ فِى آخِرِهِ مُفَتِّشُ التَّعْلِيْمِ نَائِماً ؛ وَقَدْ سَقَطَ رَأْسُهُ عَلَى كَرْشِهِ الضَّخْمَةِ ؛ وَشَفَتَاهُ تَبْدُوَانِ وَكَأَنَّ بَسْمَةً كَانَ مِنَ المُفْتَرَضِ أَنْ تَرْتَسِمَ عَلَيْهِمَا ؛ قَدْ غَيَّرَتْ رَأْيَهَا فِى آخِرِ لَحْظَةٍ دُوْنَ أَنْ تُخْطِرَهُمَا . وَعَلَى مِنْضَدَةٍ أَمَامَ الفَصْلِ وَجَدَ كُرَّاسَةَ تَحْضِيْرِ إِحْدَى المُعَلِّمَاتِ ؛ مَفْتُوْحَةً عَلَى إِحْدَى الصَّفَحَاتِ المَمْلُؤَةِ بِخَطٍّ كَنَمْلٍ عَلَى عَظْمٍ ؛ بَيْنَمَا الصَّغِيْرَاتُ قَدْ نُمْنَ عَلَى أَدْرَاجِهِنَّ . هَذَا ؛ فِى حِيْنِ هَرْوَلَتِ المُعَلِّمَةُ فِى بِدَايَةِ هَذِهِ الحَالَةِ خَارِجَ الفَصْلِ ؛ الأَمْرُ الَّذِى يُفَسِّرُهُ عُثُوْرُ وَدّالبَاشْكَاتِب عَلَى إِحْدَى المُعِلِّمَاتِ مَلْقِيَّةً



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:45 AM   #[24]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

فِى حَوْشِ المَدْرَسَةِ . وعَلَى غَيْرِ عَادَتِهَا تَمَلْمَلَتِ البَسْمَةُ عَلَى ثَغْرِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ وَازْدَادَ المَوْقِفُ (كُوْمِيْدِيَّةً) حِيْنَ اقْتَرَبَ مِنَ المُعَلِّمَةِ فَوَجَدَهَا مَرْمِيَّةً رَمْيَةً غَيْرَ مُمَنْهَجَةٍ ؛ شَأْنُهَا شَأْنُ أَىِّ إِصْبَعِ (طَبَاشِيْرٍ) قَدْ غُمِسِ فِى دَوَاةِ حِبْرٍ . بَيْنَمَا تَحْتَ شَجَرَةِ (نِيْمٍ) فِى حَوْشِ المَدْرَسَةِ تَقِفُ جَمَاعَةٌ مِنَ العَصَافِيْرِ سَاكِنَةً ؛ وَهِىَ تَنْظُرُ بَاسْتِغْرَابٍ إِلَى مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ وبَنَاتِ جِنْسِهَا ؛ وَقَدِ اسْتَغْرَقَتْ فِى نَوْمٍ طَيْرِىٍّ لايُبْقِى ولايَذَرُ . هَذَا ؛ فِيْمَا يَبْدُو جَرَسُ المَدْرَسَةِ نَفْسُهُ نَائِماً فِى مَكْتَبِ النَّاظِرَةِ ؛ الَّذِى نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى مَابِدَاخِلِهِ مِنْ بَعِيْدٍ مِنْ خِلالِ شِبَّاكِهِ المَفْتُوْحِ . أَمَّا خَفِيْرُ المَدْرَسَةِ المُسِنُّ؛ فَقَدْ رَقَدَ قَرِيْباً مِنَ المَزْيِرَةِ ؛ وَقَدْ بَلَّلَ جِسْمَهُ العَرَقُ المُخْتَلِطُ بِلُعَابِهِ السَّائِلِ مِنْ فَمِهِ المُفْعَمِ بِـ (التُّنْبَاكِ) وَقَدْ تَدَلَّتْ كَثِيْراً شَفَتُهُ السُّفْلَى ؛ وَهِىَ نُوْعٌ مِنَ الشِّفَاهِ يَلْعَنُ (التُّنْبَاكُ) اليَوْمَ الأَسْوَدَ الَّذِى يُدْخِلُهُ فِيْهِ . وَفِيْمَا كَانَ وَدّالبَاشْكَاتِب يَجْلِسُ عَلَى أَرِيْكَةٍ بَمَرْكَزِ صِحِىِّ الإِمَامِ انْتِظَاراً لِلطَّبِيْبِ ؛ وَقَدْ أَرْقَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ ابْنَتَهُ الَّتِى حَمَلَهَا مِنَ المَدْرَسَةِ؛ حَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ شَفُوْقَةٌ إِلَى ابْنَتِهِ .. نَظْرَةٌ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَهَا بَصَرَهُ ؛ فَقَدِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ العَدْوَى! وَلَوْلاأَنَّ أَحَدَ الأَعْرَابِ الجَالِسَ فِى مُوَاجَهَتِهِ كَانَ مَشْغُوْلاً بِعِلَّتِهِ الشَّخْصِيَّةِ؛ لَقَالَ فِى نَفْسِهِ: "سُبْحَان اللَّه! نَائِمٌ يَحْمِلُ نَائِماً؟!" لَقَدِ اسْتَعْصَتِ اليَقِظَةُ عَلَى وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى قَالَ عَنْهُ وَدّالعَالْيَابِى ذَاتَ يَوْمٍ وَدّالبَاشْكَاتِب لايَسْتَعْصَى عَلَيْهِ شَىْءٌ ..
وَدّالبَاشْكَاتـِب شِعَارُهُ المَرْفُوْعُ فِـى الحَيَاةِ : < دائِماً فِى الإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا
كَانَ >) .. لَقَدْ نَامَ وَدّالبَاشْكَاتِب نَوْمَةً أفْظَعَ مِنْ نَوْمَةِ مُفَتِّشِ التَّعْلِيْمِ . وَلَكِنْ هَلْ قُلْنَا إِنَّ كَرْشَ مُفَتِّشِ التَّعْلِيْمِ كَانَتْ حِيْنَ نَظَرَ إِلَيْهِ وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ كَزِيْرِ فَخَّارٍ جَدِيْدٍ يَنِزُّ مِنْهُ المَاءُ؟ حَسَناً.. تُرَى لَوْأَنَّ مُفَتِّشَ التَّعْلِيْمِ ذَاْكَ كَانَ نَحِيْفاً.. لَوْكَانَ أَنْحَفَ كَثِيْراً مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ الآن ؛ وَلَكِنَّ كَرْشَهُ فِى نَفْسِ حَجْمِ كَرْشِهِ الآن ؛ كَيْفَ سَيَبْدُو مَنْظَرُهُ؟ مِنْ غَيْرِ أَنْ نُبَالِغَ أَوْ نَسْخَرَ ؛ كُنَّا سَنَقُوْلُ إِنَّ كَرْشَهُ فِى ذَاْكَ الجِسْمِ ؛ سَتَبْدُو كَعُقْدَةٍ كَبِيْرةٍ فِى حَبْلٍ رَقِيْقٍ .. كَعُقْدَةٍ فِى حَبْلِ الغَسِيْلِ مَثَلاً) . وَلَكِنْ لِحُسْنِ الحَظِّ فَإِنَّ مُفَتِّشَ التَّعْلِيْمِ ذَاْكَ ؛ كَانَ يَجْلِسُ بِجِسْمِهِ المُكْتَنِزِ شَحْماً وَلَحْماً ؛ وكَرْشِهِ الضَّخْمَةِ الَّتِى تَنِزُّ مَاءً وَدُهْناً وَمَوَادَ أُخْرَى .. طَيَّارَةً وَغَيْرَ طَيَّارَةٍ ؛ كَزِيْرٍ جَدِيْدٍ مِنَ الفَخَّارِ .
عَلَى كُلٍّ ؛ فَقَدْ كَانَ مَوْقِفُ مُفَتِّشِ التَّعْلِيْمِ ذَاْكَ ؛ أَفْضَلَ مِنْ مَوْقِفِ زَمِيْلٍ لَهُ فِى مَدْرَسَةٍ أُخْرَى بِمَرْحَلَةٍ تَعْلِيْمِيَّةٍ أُخْرَى . فَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ الأُسْتَاذُ مِنْ تَدْرِيْسِ بَابِ الفَاعِلِ وَالمَفْعُوْلِ ؛ طَلَبَ إِنْ كَانَ لأَحَدٍ سُؤَالٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِهِ . فَرَفَعَ أَحَدُ التَّلامِيْذِ إِصْبَعَهُ وَسَأَلَ الأُسْتَاذَ ؛ وَمُفَتِّشُ التَّعْلِيْمِ يُصْغِى :
ـ يَاأُسْتَاذ : إِذَا قُلْتُ : < لَمْ أَشْرَبِ اللَّبَنَ > ؛ مَاهُوَ مَوْقِعُ كَلِمَةِ < اللَّبَن > مِنَ الإِعْرَاب؟
الأُسْتَاذ : مَفْعُوْلٌ بِهِ مَنْصُوْبٌ .
التِّلْمِيْذ : لَكِنَّكَ قُلْتَ لَنَا قَبْلَ لَحَظَاتٍ إِنَّ المَفْعُوْلَ بِهِ مَاوَقَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ الفَاعِلِ ؛ وَاللَّبَنُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الشُّرْبُ ؛ فَكَيْفَ يَكُوْنُ مَفْعُوْلاً بِهِ؟
ـ (اجْلِسْ) .
كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهَا الأُسْتَاذُ بِصَوْتٍ مُتَخَاذِلٍ ؛ وَقَدْ فَرْقَعَ سَبَّابَةَ يَدِهِ اليُسْرَى بِعَصَبِيَّةٍ ؛ بَيْنَمَا اخْتَلَسَ نَظْرَةً إِلَى المُفَتِّشِ الَّذِى رَمَقَهُ بِطَرَفِ عَيْنِهِ . وَمِنْ طَرَفِ المَدْرَسَةِ دُقَّ الجَرَسُ لِيُعْلِنَ انْتِهَاءَ الحِصَّةِ ؛ وَلِيَنْفَلِتَ المُفَتِّشُ خَارِجاً مِنَ الفَصْلِ وَعَلَى إِثْرِهِ الأُسْتَاذُ ؛ وَلِيَبْقَى السُّؤَالُ مِنْ غَيْرِ إِجَابَةٍ ؛ وَالتِّلْمِيْذُ الشَّقِىُّ الَّذِى أَلْقَاهُ يَقُوْلُ لِجَارِهِ فِى الفَصْلِ وَهُوَ يَضْحَكُ هَذَا مُدَرِّسٌ وَلَيْسَ أُسْتَاذاً) . وَمَاهِىَ سِوَى دَقَائِقَ حَتَّى أُسْتُدْعِىَ التِّلْمِيْذُ إِلَى المَكْتَبِ ؛ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِدْعَاءَهُ حِوَارٌ قَصِيْرٌ :
المُفَتِّش : يَاأُسْتَاذ : كَيْفَ يَكُوْنُ إِعْرَابُ كَلِمَةِ (اللَّبَن) مَفْعُوْلاً بِهِ ؛ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فِعْلُ الفَاعِلِ؟
الأُسْتَاذ : بِأَمَانَة لاأَدْرِى . وَهَذَا التِّلْمِيْذُ مَعْرُوْفٌ بِإِثَارَةِ الشَّغْبِ .
المُفَتِّش : وَحَتَّى أَنَا لاأَدْرِى لِمَاذَا تُعْرَبُ كَلِمَةُ (اللَّبَن) مَفْعُوْلاً بِهِ ؛ ولَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فِعْلُ الفَاعِلِ؟ فَلْنُنَادِ هَذَا التِّلْمِيْذَ وَنَسْتَمِعْ مِنْهُ .
وَحِيْنَ وَقَفَ التِّلْمِيْذُ بِالمَكْتَبِ سَأَلَهُ المُفَتِّش :
ـ مَااسْمُكَ؟
التِّلْمِيْذ : حَاتِم عِبيْد النُّوْر .
المُفَتِّش : كَيْفَ تُجِيْبُ عَنِ السُّؤَالِ الَّذِى سَأَلْتَهُ الأُسْتَاذَ بِالفَصْلِ؟
حَاتِم : لاأَسْتَطِيْعُ الإِجَابَةَ عَنْهُ .
المُفَتِّش : وَلِمَاذَا تَسْأَلُ سُؤَالاً لاتَسْتَطِيْعُ الإِجَابَةَ عَنْهُ؟
حَاتِم : لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ إِجَابَتَهُ لَمَاسَأَلْتُهُ .
المُفَتِّش : حَسَناً .. انْصَرِفْ .
وَمَا أَنْ وَصَلَ حَاتِمٌ إِلَى عَتَبَةِ بَابِ المَكْتَبِ ؛ حَتَّى كَرَّ رَاجِعاً وَهُوَ يَقُوْلُ للِمُفَتِّش :
ـ الحَقِيْقَةُ أَنَّنِى أَعْرِفُ الإِجَابَةَ .
المُفَتِّش : وَمَاهِىَ؟
حَاتِم : المَفْعُوْلُ بِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ فِعْلُ الفَاعِلِ نَفْياً أَوْ إِثْبَاتاً .
هُنَا وَضَعَ المُفَتِّشُ يَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا عَلَى رَأْسِهِ ؛ وَسَأَلَهُ :
ـ إِذَنْ لِمَ سَأَلْتَ هَذَا السُّؤَالَ؟
حَاتِم : لِسَبَبٍ سَأُخْبِرُكَ بِهِ عِنْدَمَا تَكُوْنُ وَحْدَكَ .
المُفَتِّشُ ؛ وَقَدْ صَرَفَ الأُسْتَاذَ : حَسَناً .. هَاتْ مَا عِنْدَكَ .
حَاتِم : ولِىَ الأَمَانُ؟
المُفَتِّش : بِكُلِّ تَأْكِيْدٍ نَعَمْ .
حَاتِم : هَذَا الأُسْتَاذُ يَتَعَمَّدُ إِحْرَاجِى أَمَامَ زُمَلائِى بِالفَصْلِ . فَقَدْ ظَلَّ يُنَادِيْنِى بِاسْمِى مَنْسُوْباً إِلَى أُمِّى لاإِلَى أَبِى ؛ وَقَدْ تَعَمَّدْتُ إِحْرَاجَهُ أَمَامَكَ وأَمَامَ الفَصْلِ ؛ انْتِقَاماً لأَبِى وَبِرّاً بِأُمِّى .
نَظَرَ المُفَتِّشُ إِلَى حَاتِمٍ ؛ وَهُوَ يُحِسُّ بِأَنَّ كُلَّ سِجِلاَّتِ وِزَارَةِ التَّعْلِيْمِ قَدْ سَقَطَتْ عَلَى الأَرْضِ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ ؛ وَبِأَنَّ كُلَّ لِجَانِ المَنَاهِجِ بِجَمِيْعِ مَرَاحِلِ التَّعْلِيْمِ قَدْ حُلَّتْ وَأُلْغِيَتْ مُهِمَّتُهَا إِلَى الأَبَدِ ؛ بَعْدَ مُوَاجَهَةٍ قَصِيْرَةٍ مَعَ تِلْمِيْذٍ صَغِيْرٍ . لَكِنَّهُ رَغْمَ ذَلِكَ تَمَاسَكَ وَسَأَلَ حَاتِماً :
ـ لَقَدْ قُلْتَ قَبْلَ لَحَظَاتٍ إِنَّكَ لاتَعْرِفُ إِجَابَةَ السُّؤَاْلِ ؛ فَلِمَاذَا كَذَبْتَ؟
حَاتِم : لَمْ أَكْذِبْ ؛ فَأَنَا لَمْ أَجِدِ الإِجَابَةَ إِلاَّ عِنْدَ عَتَبَةِ البَابِ ؛ فَعُدْتُ وأَخْبَرْتُكَ بِهَا .
المُفَتِّش : وَمَتَى فَكَّرْتَ فِى السُّؤَاْلِ أَصْلاً؟
حَاتِم : فِى الفَصْلِ .. أَثْنَاءَ شَرْحِ الأُسْتَاذِ لِلدَّرْسِ .
وَفِى مَكْتَبِ النَّاظِرِ جَلَسَ المُفَتِّشُ يُدَوِّنُ تَقْرِيْراً طَوِيْلاً ؛ وَالأُسْتَاذُ يَسْرِقُ نَظْرَةً إِلَيْهِ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالأُخْرَى . وَفَجْأَةً الْتَقَتْ عَيْنَاهُ بِعَيْنَىِّ الأُسْتَاذِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تَقُوْلانِ لَهُ يَاحَضْرَةَ المُفَتِّش: انْقُلْنِى مِنْ قُوْزْ قُرَافِى إِلَى بَلَدٍ لَمْ يَسْمَعْ بِهِ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَلَمْ يَسْمَعْ أَهْلُهُ بِاسْمِ قُوْزْ قُرَافِى . انْقُلْنِى مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ ؛ فَتَلامِيْذُهَا أَذْكَى مِنِّى وَمِنْكَ ، وَمِنْ وَزِيْرِ التَّعْلِيْمِ) . وَقَبْلَ أَنْ يَخْتِمَ المُفَتِّشُ تَقَرِيْرَهُ بِقَرَارٍ يَنْقُلُ الأُسْتَاذَ فَوْراً مِنْ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَقَعَ شَىْءٌ رَهِيْبٌ ؛ فَقَدْ سقَطَ الأُسْتَاذُ فَجْأَةً عَلَى الأَرْضِ .. كَشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ وَاقِفاً أَصْلاً .. لَقَدْ نَامَ نَوْمَةً يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا النَّوْمُ نَفْسُهُ . وحِيْنَ نَظَرَ حَاتِمٌ مِنْ شِبَاكِ المَكْتَبِ إِلَى مَابِدَاخِلِهِ ، تَمَلَّكَتْهُ الدَّهْشََةُ وَالحَيْرَةُ ؛ فَقَدْ رَأَى كَوْمَةً عَلَى الأَرْضِ هِىَ كُلُّ مَابَقِىَ للأُسْتَاذِ طَيِّبِ الذَّكْرِ مِنْ وُجُوْدٍ ؛ كَمَا رَأَى المُفَتِّشَ وَقَدْ جَرَى لُعَابُهُ مِنْ شِدَّةِ النَّوْمِ ؛ مُنْكَفِئاً عَلَى التَّقْرِيْرِ المَوْضُوْعِ أَمَامَهُ . لَقَدْ نَامَ المُفَتِّشُ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ فِى تَقْرِيْرِهِ إِنَّ العَلاقَةَ بَيْنَ المُدَرِّسِ وَالتِّلْمِيْذِ تَحْتَاجُ إِلَى مُرَاجَعَةٍ ؛ تَسْتَنِدُ إِلَى دِرَاسَةٍ عَمِيْقَةٍ) .
هَذَا ؛ وَلَمْ يُكْتَبْ لِحَاج الصَّافِى إِلاَّ أَنْ يَنَامَ نَوْمَةً ؛ أَسْوَأَ كَثِيْراً مِنْ نَوْمَةِ مُفَتِّشِ التَّعْلِيْمِ ذَاْكَ . فَبَعْدَ أَنْ رَمَى القَصَبَ النَّاشِفَ لِبَهَائِمِهِ عِنْدَ الضُّحَى ؛ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ سَاعَةَ مَعِدَتِهِ قَدْ أَعْلَنَتْ وَقْتَ الإِفْطَارِ ؛ إِلاَّ أَنَّهُ وَجَدَ مُتْعَةً فِى النَّظَرِ إِلَى بَهَائِمِهِ وَهِىَ تَلْتَهِمُ إِفْطَارَهَا جَذِلَةً . وَقَدْ لاحَظَ حَرَكَةً غَرِيْبَةً فِى فَكَّىِّ آثَرِ نِعَاجِهِ لَدَيْهِ وَهِىَ تَلُوْكُ القَصَبَ ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلاَّ أَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا وَأَمْسَكَهَا مِنْ إِحْدَى أُذُنَيْهَا ثُمَّ فَتَحَ فَمَهَا ؛ وَهُنَا ارْتَفَعَ حَاجِبَاهُ وَسَقَطَتِ الدَّهْشَةُ عَلَى حَالِبَيْهِ ؛ وَسَقَطَ فِى بَيْتِ البَهَائِمِ نَائِماً ؛ كَأَشَدَّ مَايَكُوْنُ نَوْمُ بَعْرَةٍ فِى زَرِيْبَةٍ قَدْ أُخْلِيَتْ مِنَ بَهَائِمِهَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ . وَمُنْذُ سَاعَةٍ كَانَ أَصْغَرُ أَبْنَائِهِ يَجْلِسُ قَرِيْباً مِنْ قَفَصِ الدَّجَاجِ ؛ وَهُوَ يُرَاقِبُ إِحْدَى الدَّجَاجَاتِ وَهِىَ تَضَعُ بَيْضَةً ؛ فَإِذَا هِىَ تُغْمِضُ عَيْنَيْهَا وَتَكْمُشُ جِسْمَهَا ، وَفَجْأَةً أَسْقَطَتْ بَيْضَةً ؛ فَسَقَطَتْ فِى نَفْسِهِ رَغَائِبُ كَثِيْرَةٌ . أَتُرَى الدَّجَاجَةَ قَدْ أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ ؛ أَمْ مِنْ فَرْطِ اللَّذَّةِ؟ أَمْ مِنْ مَزِيْجٍ مِنْهُمَا مَعاً؟ لَوْ كَانَ عِيْداللَّه وَدّ المُزَيِّن مَكَانَ ابْنِهِ ذَاْكَ ؛ لَقَالَ فِى نَفْسِهِ سَاخِراً :"كُلُّ نِسَاءِ قُوْزْ قُرَافِى يَلِدْنَ كَمَا يَبِيْضُ الدَّجَاجُ ؛ وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ يُصَلُّوْنَ بِرِقَابِهِمْ كَمَا يَشْرَبُ الدَّجَاجُ" . وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ ابْنُهُ ذَاْكَ عِيْداللَّه؛ فَقَدْ نَامَ كَمَا يَنَامُ الدَّجَاجُ ، عِنْدَ قَفَصِ الدَّجَاجِ. أَمَّا عِيْداللَّه الَّذِى يَرُوْقُ لَهُ أَنْ يُنَادِيَهُ أَصْدِقَاؤُهُ بِالاسْم ِالَّذِى اخْتَارُوْهُ لَهُ : (البِغِيْل)(1) ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الشُّبَّانِ نَائِمِيْنَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ .. بَعْضُهُمْ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَبَعْضُهُمْ يَرْقُدُ عَلَى جَنْبِهِ ؛ بَيْنَمَا جَلَسَ أَحَدُهُمْ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَوَضَعَ ذِرَاعَيْهِ مُتَعَاكِسَيْنِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ؛ وَقَدْ رَاحَ فِى نَوْمٍ عَمِيْقٍ وَهُوَ يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ ؛ لَمَّا رَأَى هَذِهِ الصُّوَرَ قَالَ فِى نَفْسِهِ :"هَذِهِ هِىَ السَّكْرَةُ الَّتِى ظَلَلْتُ أَبْحَثُ عَنْهَا طِيْلَةَ عُمْرِى ؛ وَظَلَّ يَبْحَثُ عَنْهَا أَبِى أَيْضاً" . لَكِنَّ دَهْشَةَ (البِغِيْل) كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ تَجْرِبَتِهِ فِى الحَيَاةِ ومِنْ أُمْنِيَتِهِ تِلْكَ ؛ حِيْنَ سَلَكَ الطَّرِيْقَ القَرِيْبَ مِنَ الجِسْرِ وَتَبَدَّتْ لَهُ المُؤَامَرَةُ كَامِلَةً . فَقَدْ رَأَى رِجَالاً وَنِسَاءً وَشُيُوْخاً وَشُبَّاناً وَأَطْفَالاً يَرْقُدُوْنَ قَرِيْباً مِنَ الجِسْرِ؛ بَيْنَمَا يَرْقُدُ بَعْضُهُمْ وَجُزْءٌ مِنْ جِسْمِهِ فِى المَاءِ وَجُزْءٌ مِنْهُ عَلَى اليَابِسَةِ . لَقَدْ أَقَامَ أَهْلُ القَرْيَةِ تِلْكَ الجُسُوْرَ قَرِيْباً مِنْ بُيُوْتِهِمْ ؛ بَعْدَ أَنْ تَحَطَّمَتِ الجُسُوْرُ ـ رُبَّمَا بِفِـعْلِ ــــــــــ
(1) يَقْصِدُوْنَ (البُغَيْلَ) ؛ تَصْغِيْرُ (البَغْلِ) .
فَاعِلٍ ـ المُقَامَةُ قَرِيْباً مِنْ جُرْفِ النِّيْلِ ؛ وغَمَرَ النِّيْلُ كُلَّ أَرَاضِيْهِمُ الزِّرَاعِيَّةِ؛ وَأَقْبَلَ نَحْوَ القَرْيَةِ مُسْرِعاً لايَلْوِى عَلَى شَىْءٍ . وبِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ أَقَامَ النَّاسُ الجُسُوْرَ قَرِيْباً مِنْ بُيُوْتِهِمْ مُسْتَمِيْتِيْنَ فِى تَقْوِيَتِهَا؛حَتَّى لايُفْقِدَهُمُ النِّيْلُ مَنَازِلَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَفْقَدَهُمْ حَدَائِقَهُمْ وَمَزَارِعَهُمْ . وَلَكِنْ .. يَاإِلَهِى! أَيُمْكِنُ أَنْ تَكُوْنَ قَرْيَةٌ
بِأَكْمَلِهَا فِى حَالَةِ سُكْرٍ بَيِّنٍ؟! لَوْنَزَلَ عِيْداللَّه مِنْ سَيَّارَتِهِ وَسَارَ خُطُوَاتٍ قَلِيْلَةً لَعَادَ إِلَيْهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ سَلَسِ البَوْلِ ؛ إِذْ لَيْسَ الأَمْرُ سُكْراً جَمَاعِيّاً كَمَا ظَنَّ ؛ وَلَكِنَّهُ نَوْمٌ جَمَاعِىٌّ كَمَا لَمْ يَظُنَّ . وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ دِقَّةِ المَوْقِفِ فَإِنَّ ضَحْكَةً عِفْرِيْتَةً كَانَتْ تَتَرَبَّصُ بِفَمِهِ ؛ لَمْ يَجِدِ البِغِيْلُ بُدّاً مِنْ مُسَامَحَتِهَا ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِيْلِ العَفْوِ عِنْدَ المَقْدِرَة .. لَقَدْ كَانَتْ ضَحْكَةً لاتَنْطِقُ إِلاَّ عَنْ كُلِّ هَوَىً . إِلاَّ أَنَّهُ حِيْنَ كَانَ يَمُرُّ عَلَى سَبِيْلِ مَاءٍ بِطَرَفِ القَرْيَةِ ؛ كَانَ يَبْدُو كَشَخْصٍ لَيْسَتْ لَهُ ذِكْريَاتٌ وَلاتَطَلُّعَاتٌ .. كَانَ يَبْدُو كَشَىْءٍ مُحَايِدٍ تَمَاماً . لَكِنَّهُ رَغْمَ ذَلِكَ حِيْنَ وَقَفَ أَمَامَ سَبِيْلِ المَاءِ ؛ ابْتَسَمَ لِصُوْرَتِهِ الَّتِى رَآهَا مَرْسُوْمَةً عَلَى المَاءِ بِزِيْرِ السَّبِيْلِ المَصْنُوْعِ مِنَ الفَخَّارِ ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ فَجْأَةً أَنَّهُ مَازَالَ مَوْجُوْداً رَغْمَ كُلِّ شَىء . وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِدْ ـ حِيْنَ سَاوَرَتْهُ نَفْسُهُ ـ غَضَاضَةً فِى أَنْ يُفْرِغَ فِى جَوْفِهِ كُوْباً مِنْ مَاءِ السَّبِيْلِ .. لَقَدْ كَانَ كُوْباً كَبِيْراً جَعَلَ البِغِيْلَ يُحِسُّ بَرْداً فِى مَنْخَرَيْهِ ورُطُوْبَةً .. لَقَدْ كَانَ الكُوْبُ عِبَارَةً عَنْ عُلْبَةِ حَدِيْدٍ أَصَابَ الجُدَرِىُّ أَنْحَاءَهَا ؛ وَالصَّدَأُ جُدَرِى أَكْوَابِ الأَسْبِلَةِ . وَفَجْأَةً أَحَسَّ البِغِيْلُ ظُلْمَةً طَفِيْفَةً فِى عَيْنَيْهِ وَطَنِيْناً حَادّاً فِى أُذُنَيْهِ ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَوْقَفَ مُحَرِّكَ السَّيَّارَةِ . وَحِيْنَ نَظَرَ مِنْ مَقْعَدِهِ فِى مِرْآةِ السَّيَّارَةِ المُثَبَّتَةِ أَمَامَهُ ؛ انْتَابَهُ الفَزَعُ ؛ فَقَدْ كَانَتْ عَيْنَاهُ أَصْغَرَ مِنْ عَيْنَىِّ دِيْكٍ بَلَدِىٍّ . وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ حَرَجِ المَوْقِفِ ؛ قَالَ فِى نَفْسِهِ :"هَذَا يَوْمُ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ" . وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الخُرُوْجِ مِنَ السَّيَّارَةِ لِيُمَارِسَ الهَرْوَلَةَ كَمُحْتَرِفٍ لَهَا ؛ هَوَى بِكُلِّ جِسْمِهِ لِيَتَلَقَّاهُ مِقْوَدُ السَّيَّارَةِ الَّذِى قَهْقَهَ قَهْقَهَةً عَالِيَةً لَمْ يَسْمَعْهَا البِغِيْلُ ؛ الَّذِى أَخَذَتْهُ السَّكْرَةُ الَّتِى تَمَنَّاهَا قَبْلَ لَحَظَاتٍ لَهُ وَلأَبِيْهِ . لَعَلَّهَا نَفْسُ السَّكْرَةِ الَّتِى تَجَرَّأَتْ عَلَى المَنُوْفَلِى أَوْ تَجَرَّأَ هُوَ عَلَيْهَا ؛ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى يَدْرِى . لَكِنَّ كَلْباً مِنْ قُوْزْ قُرَافِى شَهِدَهَا ؛ سَيَضْحَكُ مِلءَ شِدْقَيْهِ كُلَّمَا رَأَى المَنُوْفَلِى . فَقَدْ وَقَعَ المَنُوْفَلِى بِكُلِّ تَطَلُّعَاتِهِ الرَّدِيْئَةِ أَرْضاً مِنْ شِدَّةِ السُّكْرِ ؛ وتَقَيَّأَ قِيْئاً مِنْ لَحْمٍ وَبَصَلٍ وَخُبْزٍ وَخَمْرٍ ؛ فَمَا كَانَ مِنَ الكَلْبِ إلاَّ أَنْ رَاْحَ يَلَعَقُ قِيْىءَ المَنُوْفَلِى بِلِسَانِهِ ؛ وَهُوَ يَتَلَفَّتُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً وَإِلَى الخَلْفِ . وَحِيْنَ أَوْشَكَ عَلَى إِنْهَاءِ مُهِمَّتِهِ التَّارِيْخِيَّةِ لَحِسَ فَمَ المَنُوْفَلِى بِلِسَانِهِ ؛ ثُمَّ رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ الخَلْفِيَّتَيْنِ وَبَالَ عَلَيْهِ ؛ وَمَضَى فِى سَبِيْلِهِ وَهُوَ يَتَلَفَّتُ نَاحِيَةَ المَنُوْفَلِى بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالأُخْرَى . لَوْ رَأَى عِيْداللَّه وَدّ المُزَيِّن (البِغِيْل) حَالَ المَنُوْفَلِى الَّتِى رَآهَا ذَاْكَ الكَلْبُ؛ لَرَأَى بِالعَيْنِ المُجَرَّدَةِ ـ لابِعَيْنِ العَقْلِ ـ السَّكْرَةَ الَّتِى ظَلَّ يَبْحَثُ عَنْهَا طِيْلَةَ عُمُرِهِ ؛ وَيَبْحَثُ عَنْهَا أَبُوْهُ أَيْضاً . أَتُرَى حَاج عُثْمَان (عُسْمَان بِلِسَانِ العَامَّةِ) قَدْ صَدَقَ حِيْنَ قَالَ المَنُوْفَلِى إِنْسَانٌ نَجِسٌ ؛ دَخَلَ الدُّنْيَا وَعَلَيْهِ جَنَابَة .. المَنُوْفَلِى مَوْلُوْدٌ فِى عَامٍ بَالَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ؟) عَلَى كُلٍّ فَقَدْ وَاصَلَ حَاج عثْمَان (عُسْمَان) حَدِيْثَهُ عَنِ المَنُوْفَلِى: (المَنُوْفَلِى أَنْجَسُ مِنَ الكَلْبِ .. كَلْبُ أَهْلِ الكَهْفِ أَطْهَرُ مِنْهُ كَثِيْراً . المَنُوْفَلِى إِنْسَانٌ نَجِسٌ ؛ بَلَغَ مِنَ النَّجَاسَةِ أَنْ يَسْكَرَ فِى البُقْعَةِ مِنَ الأَرْضِ الَّتِى كَانَ أَبُوْهُ ـ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ ـ يُصَلِّى فِيْهَا قَائِماً اللَّيْلَ كُلَّهُ) . عَلَى الرَّغْمِ مِنْ حَالَ المَنُوْفَلِى الَّتِى وَصَفْنَا ؛ إلاَّ أَنَّ شَيْئاً بَعِيْداً دَاخِلَ نَفْسِهِ مَازَالَ يَقِظاً .. شَيْئاً يُذَكِّرُهُ بِوَقَائِعِ تِلْكَ السَّكْرَةِ ؛ فَيَقُوْلُ هَامِساً وَهُوَ فِى مَرْحَلَةِ اللاَّوَعْىِ: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى وَدّ العَالْيَابِى .. وَدّالعَالْيَابِى ذَبَحَ لَنَا نَعْجَةً أَكْبَرَ فِى سِنَّهَا مِنْ عَمِّى تَبيْق .. لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى النِّعَاج ، وَعَلَى عَمِّى تَبيْق نَفْسِهِ ، وَعَلَى قَوْزْ قُرَافِى كُلِّهِ حَجَراً حَجَراً وَرَجُلاً رَجُلاً وَامْرَأَةً امْرَأَةً) . وَلَكِنْ أَلَمْ يَقُلِ المَامُوْنُ بِمَطَارِ هِيثْرُو لُغَتُنَا لُغَةٌ لَعَّانَةٌ .. لُغَتُنَا تَلْعَنُ أَبْنَاءَهَا النَّاطِقِيْنَ بَغَيْرِهَا ؛ وَتَلْعَنُ النَّاطِقِيْنَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَبْنَائِهَا؟) لَعَلَّ المَامُوْنَ يُضِيْفُ ؛ إِنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَرَى المَنُوْفَلِى عَلَى حَالِهِ تِلْكَ : (لُغَتُنَا تَلْعَنُ حَتَّى النَّاطِقِيْنَ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَفْهُوْمَةٍ لِلإِنْسَانِ .. تَلْعَنُ حَتَّى النِّعَاج) . وَلَكِنْ مَهْلاً ؛ مَنْ مِنْكُمْ يَأْتِيْنِى بِأَىِّ لُغَةٍ بَشَرِيَّةٍ تَخْلُو تَمَاماً مِنْ أَلْفَاظِ اللَّعْنِ وَالشَّتْمِ؟ لُغَتُنَا لَيْسَتِ اسْتِثْنَاءً مِنْ بَيْنِ كُلِّ اللُّغَاتِ .. أَلفَاظُ الشَّتْمِ وَاللَّعْنِ فِى لُغَتِنَا ؛ لَيْسَتْ أَفْظَعَ مِنْهَا فِى بَاقِى اللُّغَاتِ الَّتِى يَعْتَبِرُوْنَهَا لُغَاتٍ رَاقِيَةً . وَنَحْنُ لَسْنَا بِفِطْرَتِنَا مَجْبُوْلِيْنَ عَلَى اللَّعْنِ وَعَلَى الشَّتْمِ .. وَلَكِنْ مَاذَا نَفْعَلُ مَعَ الَّذِيْنَ يَسْتَحِقُّوْنَ



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:48 AM   #[25]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

(اللَّعْنَ وَالشَّتْمَ ؛ بَلْ وَيُجْبِرُوْنَنَا عَلَيْهِمَا إِجْبَاراً؟ المُهِمُّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ شَائِكَةٌ .. بَحْرٌ ؛ ضَحْلُهُ لُجَجٌ تُضَيِّعُ العُمُرَ وَتُتْلِفُ العَقْلَ . وَلَكِنْ هَلْ صَدَقَ حاج عُثْمَان عُسْمَان) عِنْدَمَا رَمَى المَنُوْفَلِى بِتُهْمَةِ النَّجَاسَة؟ الَّذِى نَعْرِفُهُ أَنَّ حَاج عُسْمَان كَانَ يَتَحَاشَى الأَنْجَاسَ والنَّجَاسَاتِ وَأَمْكِنَتَهَا ؛ لِذَا فَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ كَعَادَتِهِ دَاخِلَ المَسْجِدِ بُعَيْدَ صَلاةِ العَصْرِ ؛ وَقَدْ وَضَعَ عِمَامَتَهُ أَمَامَهُ عَلَى البُسُطِ النَّاعِمَةِ . وَحِيْنَ نَظَرَ إِلَى المِحْرَابِ رَأَى عَلَيْهِ شُرُوْخاً كَثِيْرَةً .. كَيْفَ لَمْ يُلاحِظْ هَذِهِ الشُّرُوْخَ مِنْ قَبْلُ؟ فَرَكَ عَيْنَيْهِ بِِِشِدَّةٍ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى ؛ فَرَأَى شَرْخاً وَاحِداً عَمِيْقاً بِطُوْلِ المِحْرَابِ .. نَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ كَمَنْ جَلَسَ عَلَى جَمْرَةٍ ؛ وَحِيْنَ وَقَفَ أَمَامَ المِحْرَابِ تَمَاماً لَمْ يَجِدْ شَرْخاً البَتَّة . وَحِيْنَ رَجَعَ وَجَلَسَ وَرَاءَ عِمَامَتِهِِ وَتَحَسَّسَ رَأْسَهُ بِأَصَابِعَهِ (البُرُوْلِتَارِيَّةِ) فَوَجَدَهُ سَالِماً ؛ لَمْ يَعُدْ يَشُكُّ فِى أَنَّ الشَّرْخَ إِنَّمَا هُوَ فِى قَلْبِهِ . لَكِنَّهُ لَمْ يَدْرِ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ لِمْ طَافَ بِذِهْنِهِ مَنْظَرُ ذَاْكَ الأَعْرَابِىِّ؟ فَقَدْ وَقَفَ الأَعْرَابِىُّ بَعْدَ صَلاةِ أَحْدِ الجُمَعِ وَأَيْدِى المُصَلِّيْنَ قَدْ رُفِعَتْ بِالدُّعَاءِ ؛ لِيَقُوْلَ لَهُمْ بِنَبْرَةٍ جَهَدَ أَنْ يَحُدَّ فِيْهَا مِنْ جَلافَةِ أَهْلِ البَادِيَةِ يَاجَمَاعَة الخيْر: اسْأَلُوا لِى اللَّه أَنْ يَرُدَّ عَلَىَّ بَعِيْرِى الضَّائِع) . فَقَالَ لَهُ المُصَلُّوْنَ بِصَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ؛ لَعَلَّهُ الَّذِى أَحْدَثَ هَذَا الشَّرْخَ : (لارَدَّ اللَّه عَلَيْك بَعِيْرَك يَاأَعْرَابِى) . لَكِنَّ الَّذِى لَمْ يَكُنْ حَاج عُسْمَان يَعْلَمُهُ ؛ هُوَ أَنَّ ذَاْكَ الأَعْرَابِىَّ رُبَّمَا أَدْرَكَ فِى ذَاْكَ الوَقْتِ أَنَّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى مِمَّنْ لايُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ .. لَعَلَّهُ قَدْ ضَحِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ فَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ طِيْلَةَ حَيَاتِهِ شَاةً ؛ نَاهِيْكَ عَنْ جَمَلٍ! رُبَّمَا كَانَ الضَّائِعُ مِنْهُ شَيئاً فِى نَفْسِهِ غَيْرَ البَعِيْرِ .. رُبَّمَا كَانَ إِيْمَانُهُ مَثَلاً . فِى جِلْسَتِهِ فِى المَسْجِدِ تِلْكَ ؛ رُبَّمَا تَسَاءَلَ حاج عُسْمَان فِى نَفْسِهِ ؛ وَقَدْ تَذَكَّرَ قِصَّةَ الأَعْرَابِىِّ ذَاْكَ :" أَتُرَى دُعَائِىَ غَيْرَ مُسْتَجَابٍ أَيْضاً؟" رُبَّمَا اخْتَلَطَتْ فِى ذِهْنِهِ هَذِهِ الصُّوْرَةُ بِصُوْرَةٍ أُخْرَى ؛ حِيْنَ أَلْقَى الإِمَامُ بِنَفْسِ هَذَا المَسْجِدِ خُطْبَةً فِى أَحَدِ أَيَّامِ الجُمَعِ ؛ جَاءَ فِيْهَا : (أَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ رَسُوْلاً) ؛ فَضَجَّ المَسْجِدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) . وَوَاصَلَ الإِمَامُ فَلَمَّا رَأَى الرَّسُوْلُ عُمَرَ مُعْتَجِراً بِبُرْدَةٍ عِنْدَ سَاقِ شَجَرَةٍ) ؛ فَضَجَّ المَسْجِدُ مَرَّةً أُخْرَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) . فِى ذَاْكَ الوَقْتِ أَدْرَكَ حاج عُسْمَان أَنَّ قُلُوْبَ النَّاسِ لاهِيَةٌ عَنِ الصَّلاةِ ؛ وَازْدَادَتْ قَنَاعَتُهُ تِلْكَ رُسُوْخاً حِيْنَ قَرَأَ الإِمَامُ فِى الرَّكْعَةِ الأُوْلَى مِنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ تِلْكَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوْكَ قَائِماً) . لَقَدْ كَانَ حاج عُسْمَان قَائِماً فِى تِلْكَ الرَّكْعَةِ قَوْمَةً لايَحْتَجُّ عَلَيْهَا أَىُّ جُلُوْسٍ . وَلَكِنْ .. أَكَانَ الشَّرْخُ مَوْجُوْداً يَوْمَ صَلَّى أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى وَسَلَّمُوا عَلَى رَسُوْلِ كِسْرَى الفُرْسِ؟ حِيْنَ نَظَرَ حاج عُسْمَان إِلَى المِحْرَابِ مِنْ جَدِيْدٍ ؛ لَمْ يَرَ شَرْخاً وَاحِداً ؛ ذَلِكَ بِبَسَاطَةٍ شَدِيْدةٍ لأَنَّ مَسْجِدَ قُوْزْ قُرَافِى قَدْ بُنِىَ ـ عِنْدَ تَجْدِيْدِهِ ـ بِلا مِحْرَاب! لَكِنَّ حَاج عُسْمَان لَمْ يَصِلْ فِى شَأْنِ الشَّرْخِ إِلَى هَذَا التَّفْسِيْرِ الأَخِيْرِ ؛ فَقَدْ أَحَسَّ بِالصَّحْرَاءِ الكُبْرَى تَنْتَشِرُ فِى كُلِّ عُرُوْقِهِ؛ وَقَدْ سَقَطَ رَأْسُهُ عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَنِ؛ تَمَاماً كَمَا تَسْقُطُ البِذْرَةُ الفَاسِدَةُ عَلَى أَرْضٍ جَدِبَةٍ .
مِثْلَمَا سَقَطَ رَأْسُ حاج عُسْمَان عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَنِ ؛ فَقَدْ سَقَطَ الارْتِبَاكُ عَلَى النُّسْوَةِ المُجْتَمِعَاتِ فِى بَيْتِ عبدالعَاطِى.. لَقَدْ عَمَّتِ الفَوْضَى بَيْتَ عبدالعَاطِى؛ حِيْنَ سَقَطَتِ القَابِلَةُ جُثَّةً هَامِدَةً لاحَيَاةَ فِيْهَا سِوَى الشَّخِيْرِ الهَادِىءِ .. لَقَدْ سَقَطَتِ القَابِلَةُ جُثَّةً وَهِىَ تَطَّلِعُ بِمُهِمَّتِهَا ؛ مِمَّا فَرَطَ عِقْدَ النِّسَاءِ المُتَحَلِّقَاتِ حَوْلَهَا . لَكِنَّ رَبَاطَةَ جَأْشِ إِحْدَى النِّسَاءِ أَنْقَذَتِ المَوْقِفَ ؛ فَقَدْ وَاصَلَتْ تِلْكَ المَرْأَةُ ـ مِنْ غَيْرِ أَىِّ خِبْرَةٍ ـ عَمَلَ القَابِلَةِ ؛ وَأَوْلَدَتْ امْرَأَةَ عبدالعَاطِى الطَّوِيْلَةَ كَصَبْرِ الفَقِيْرِ المُعْدَمِ ؛ وَقَدِ اسْتَسْلَمَتْ عَلَى قَفَاهَا بِالسَّرِيْرِ ؛ بِنْتاً لالَبْسَ فِيْهَا ؛ تُصْدِرُ بِجَمِيْعِ أَنْحَاءِ لِسَانِهَا صُرَاخاً مُتَّصِلاً كَصُرَاخِ حَدْأَةٍ وَقَعَتْ فِى شَرَكٍ .. وَهَلْ هُنَالِكَ شَرَكٌ أَصْيَدُ مِنَ الدُّنْيَا؟!
لَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ البِنْتُ الحَدْأَةُ إِلَى الدُّنْيَا ؛ لاكَمَا جَاءَ بَشِيْر وَدّ الجُزُوْلِى إِلَى بَيْتِهِ ؛ بَعْدَ عَنَاءِ يَوْمٍ كَامِلٍ قَضَاهُ مَعَ أَهْلِ القَرْيَةِ المُجَاوِرَةِ لِمُسَاعَدَتِهِمْ فِى تَقْوِيَةِ جُسُوْرِهِمْ ؛ بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّ إِلَى مَتَانَةِ جُسُوْرِ قُوْزْ قُرَافِى . وَقَدْ ذَهِلَ حِيْنَ رَأَى ابْنَهُ الصَّغِيْرَ وَزَوْجَتَهُ مِسْك اليَمَن نَائِمَيْنِ فِى شَمْسِ الأَصِيْلِ . ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ بَهَائِمِهِ ؛ فَوَجَدَ حِمَارَتَهُ وَقَدِ ارْتَفَعَ غَطِيْطُهَا .. هِرَّتُهُ تَنَامُ عِنْدَ قَفَصِ الدَّجَاجِ ؛ الَّذِى تَدَلَّتْ رِقَابُهُ مِنْ شِدَّةِ النَّوْمِ .. كُلُّ شَىْءٍ فِى البَيْتِ نَائِمٌ. طَرَقَ بَابَ غُرْفَةِ ابْنِهِ مُبَارَك .. لاشَىْءَ سِِوَى الشَّخِيْر .. جَرَى كَالمَجْنُوْنِ فِى شَوَارِعِ القَرْيَةِ .. جَرَى مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ .. لاحَرَكَةَ .. لاصَوْتَ ؛ إِلاَّ الشَّخِيْر . هَذِهِ قَرْيَةٌ نَامَ إِنْسُهَا وَجِنُّهَا وَطَيْرُهَا وَحَيَوَانُهَا ؛ وفَقَط بَقِىَ صَوْتُ شَيْخِنَا وَدْ جَكُّوْم وَهُوَ يَتْلُوالقُرْآنَ بِنَبَرَاتِ صَوْتِهِ المُنَغَّمَةِ . جَرَى إِلَى بَيْتِ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ وَفِى طَرِيْقِهِ إِلَيْهِ لَقِيَهُ عَمُّهُ تَبيْقُ وَانْطَلَقَ فِى إِثْرِهِ . فِى دَاخِلِ البَيْتِ أَلْفَيَا حَاج النُّعْمَان نَائِماً عَلَى فَرْوَةِ الصَّلاةِ ؛ وَعَلَى عَنْقَرَيْبٍ(1) مُجَاوِرٍ
لَهُ تَرْقُدُ عَوَضِيَّة فِى حَالَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ النَّوْمِ. لَمْ يُضَيِّعَا دَقِيْقَةً وَاحِدَةً ؛ فَحَمَلا عَوَضِيَّة بِعَنْقَرَيْبِهَا إِلَى بَيْتِ بَشِيْرٍ ؛ ثُمَّ عَادَا وَوَضَعَا حَاج النُّعْمَان عَلَى عَنْقَرَيْبِهِ . وَحِيْنَ وَضَعَ بَشِيْرٌ رَاحَةَ يَدِهِ أَمَامَ مَنْخَرَىِّ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ دَاخَلَهُ السُّرُوْرُ لَمَّا أَحَسَّ بِالنَّفَسِ الحَارِّ المُنْتَظِمِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ؛ وَقَدْ أَحَسَّ بِالاطْمِئْنَانِ لَحْظَةَ وَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى رُسُغِهِ الأَيْمَنِ فَوَجَدَ نَبْضَهُ مُمْتَلِئاً . وحِيْنَ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَيْبِ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ عَثَرَ عَلَى حُزْمَةِ المَفَاتِيْحِ الكَبِيْرَةِ الَّتِى لاتُفَارِقُهُ ؛ فَأَخَذَهَا . لَقَدْ صَارَ بَشِيْرٌ كَالمَعْتُوْهِ وَهُوَ يُخْلِى البُيُوْتَ القَرِيْبَةَ مِنَ الجُسُوْرِ مِنْ أَهْلِهَا النَّائِمِيْنَ ؛ وَكَانَ عَمُّهُ النُّعْمَانُ وابْنَتُهُ عَوَضِيَّة أَوَّلَ مِنْ أُجْلِىَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ البُيُوْتِ ؛ حَيْثُ حُمِلا إِلَى بَيْتِ بَشِيْرٍ . لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ وَقْتٌ لِمَعْرِفَةِ السَّبَبِ ؛ فَالحَدَثُ أَكْبَرُ مِنَ السَّبَبِ مَهْمَا كَانَ ؛ وَالسَّمَاءُ قَدْ تَلَبَّدَتْ بِالسُّحُبِ فَجْأَةً وأَخَذَ الرَّعْدُ ـ مَعَ تَسْبِيْحِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ ـ يُزَمْجِرُ وَيَتَوَعَّدُ . لَقَدْ كَانَ المَوْقِفُ دَقِيْقاً حَقّاً ؛ فَلَوْ نَزَلَ المَطَرُ وَالنَّاسُ نَائِمُوْنَ ؛ لَهَدَمَ الجُسُوْرَ كُلَّهَا الوَاحِدَ تِلْوَ الآخَرِ ؛ وَلَهَدَمَ النِّيْلُ البُيُوْتَ القَرِيْبَةَ مِنْهَا . ـــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1) .
فِى البِدَايَةِ حَمَلَ بَشِيْرٌ وَعَمُّهُ تَبيْقُ عَلَى العَنْقَرَيْبِ النَّاسَ النَّائِمِيْنَ عِنْدَ الجُسُوْرِ ؛ حَيْثُ وَضَعَا كُلَّ شَخْصَيْنِ وَأَحْيَاناً ثَلاثَةٍ عَلَى العَنْقَرَيْبِ ؛ وَخَبَّا بِهِمْ إلَى تِلالِ الرَّمْلِ خَارِجَ القَرْيَةِ . وَقَدْ فَعَلا بَعْدَ ذَلِكَ الشَّىْءَ نَفْسَهَ بِأَهْلِ البُيُوْتِ القَرِيْبَةِ مِنَ الجُسُوْرِ . لَقَدْ كَانَ عَمُّهُ تَبيْقُ يَبْدُو ؛ وَكَأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ سَنَوَاتِ عُمُرِهِ المَدِيْدِ قَدْ صَارَتْ شَابّاً مُعَافاً فِى الثَّلاثِيْنَ . وَحيْنَ جَاءَ الدَّوْرُ عَلَى سِرَاجِ الدِّيْنِ ؛ قَالَ تَبيْقُ لِبَشِيْرٍ سَاخِراً عَمّك سُرَاج يَحْتَاج لِعَنْقَريبيْن لِحَمْله) . هَكَذَا حُمِلَ بَعْضُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى جَنَائِزَ إِلَى خَارِجِ القَرْيَةِ وَلَيْسَ وَرَاءَهُمْ عَوِيْلٌ ؛ لأَنَّ مِنْ كَانُوا مَنْبَعَ الوَلْوَلَةِ فِى هَذَا العَالَمِ الصَّاخِبِ ؛ هُمُ الآنَ أَصْمَت مِنْ حَجَرٍ! ولَكِنْ "أَيْنَ هُوَ المَامُوْن؟" سُؤَالٌ رَدَّدَهُ بَشِيْرٌ مَعَ نَفْسِهِ رَغْمَ المَوْقِفِ العَصِيْبِ ؛ وَأَجَابَ نَفْسَهُ :"رُبَّمَا كَانَ نَائِماً فِى بَيْتِ عَمِّى النُّعْمَان وَلَمْ أَنْتَبِهْ إِلَيْهِ" ؛ وَأَخَذَ يَعْدُو نَحْوَ بَيْتِ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ لَكِنَّ المَامُوْنَ لَمْ يَكُنْ بِهِ .. قَدْ يَكُوْنُ فِى أَىِّ مَكَانٍ ؛ لَكِنَّهُ قَطْعاً دَاخِلَ حُدُوْدِ قُوْزْ قُرَافِى . أَغْلَقَ بَشِيْرٌ أَبَوَابَ وَشَبَابِيْكَ غُرَفِ بَيْتِ عَمِّهِ النُّعْمَان الَّتِى وَجَدَهَا مُفَتَّحَةً ؛ وَتَمَدَّدَ بِجِسْمِهِ الفَارِهِ عَلَى عَنْقَرَيْبِ عَمِّهِ النُّعْمَان فِى سَقِيْفَةٍ مِنَ جَرِيْدِ النَّخْلِ وَأَعْوَادِ النِّيْمِ لِيَأْخُذَ هُنَيْهَاتٍ مِنَ الرَّاحَةِ ؛ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَكَبَ فِى جَوْفِهِ كُوْباً كَبِيْراً مِنْ مَاءِ قُلَّةِ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ البَارِدِ أَبَداً رَغْمَ هَجِيْرِ الصَّيْفِ . لَكِنْ مَاهِىَ سِوَى لَحَظَاتٍ حَتَّى أَحَسَّ ثِقَلاً فِى جِسْمِهِ وَنُعَاساً غَلاَّباً فِى عَيْنَيْهِ ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ أَخْرَجَ مِنْ جَيْبِهِِ ـ بِصُعُوْبَةٍ ـ حُزْمَةَ المَفَاتِيْحِ الَّتِى وَجَدَهَا فِى جَيْبِ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ وَمَدَّ يَدَيْهِ تَحْتَ العَنْقَرِيْبِ وَدَفَنَ الحُزْمَةَ . وَفِيْمَا هُوَ بَيْنَ الوَعْىِ وفُقْدَانِهِ ؛ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى الفَاضِل وَدّ البُر وَأَحَدَ الخَوَاجَاتِ يَدْخُلانِ بَيْتَ عَمِّهِ النُّعْمَان ؛ ثُمَّ يَخْرُجَانِ مُسْرِعَيْنِ لَحْظَةَ وُقُوْعِ أَعْيُنِهِمَا عَلَيْهِ . لَقَدْ غَلَبَهُ النَّوْمُ حَتَّى لَمْ يَجِدْ فُرْصَةً يَسْخَرُ فِيْهَا ؛ كَأَنْ يَقُوْلُ مَثَلاً قُوْزْ قُرَافِى بَلَدٌ عَجِيْب .. أَهْلُهُ جَمِيْعاً نَائِمُوْنَ ؛ وَالمُسْتَيْقِظُ مِنْهُمْ مَجْنُوْن!) لَكِنَّهُ حِيْنَ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ فِى نَهَارِ اليَوْمِ التَّالِى وَبَحَثَ بَيْنَ الأَجْسَادِ المُتَرَاصَّةِ عَنِ الفَاضِل وَدّالبُر ؛ وَوَجَدَهُ يَرْقُدُ كَعَتُوْدٍ مَيْتٍ وَهُوَ يُشَارِكُ القَرْيَةَ نَوْمَهَا العَظِيْمَ ؛ أّدْرَكَ أَنَّ مَارَآهُ قُبَيْلَ نَوْمِهِ إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَخَيُّلاتِ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُزْهِقْ رُوْحَ بَعُوْضَةٍ ظُلْماً . وَقَدْ أَزْهَقَ المَامُوْنُ رُوْحَهُ ؛ وَهُوَ يُحَاوِلُ العُثُوْرَ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ أَوْ هَدَفٍ مَعْقُوْلٍ لإِنَامَةِ قَرْيَةٍ بِأَكْمَلِهَا . لِذَا دَارَ حِوَارٌ مَنْطِقِىٌّ دَاخِلَ نَفْسِهِ؛ وَهُوَ الَّذِى حَاوَرَتْهُ الحَيَاةُ كَثِيْراً وَحَاوَرَهَا: ـ (تُرَى لِمَ لَمْ يَنَمْ عَمِّى تَبيْق؟)
ـ (عَمِّى تَبيْق يَشْرَبُ مَاءَ النِّيْلِ .. يَأْتِى بِهِ بِالخُرْجِ ؛ وَلايَشْرَبُ مَاءَ البِئْرِ الإِرْتِوَازِيَّةِ أَبَداً) .
ـ (وَشَيْخُنَا وَدْجَكُّوْم؟)
ـ (كَانَ صَائِماً كَعَادَتِهِ ؛ لِذَا لَمْ يَشْرَبْ مَاءَ البِئْرِ الإِرْتِوَازِيَّةِ . وَهُوَ قَدْ رَأَى أَثْنَاءَ صَوْمِهِ مَاحَلَّ بِأَهْلِ القَرْيَةِ ؛ فَأَدْرَكَ بِبَصِيْرَتِهِ النَّافِذَةِ سَبَبَ نَوْمِهِمْ ؛ فَنَأَى بِنَفْسِهِ عَنْ شُرْبِ مَاءِ البِئْرِ الإِرْتِوَازِيَّةِ) .
ـ (ثُمَّ مَاذَا؟)
ـ (انْظُرُوا إِلَى أَكْثَرِ النَّاسِ نَوْماً ؛ وَلنَأْخُذْ عَمِّى سُرَاج الدِّيْن مِثَالاً لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ المَاءَ ؛إِذْ أُصِيْبَ بِدَاءِ البَوْلِ السُّكَّرِى بَعْدَ سَرِقَةِ التَّازِى وَدّ الطُّوْكَرَاوِى لأَمْوَالِهِ . هَذَا هُوَ المَنْطِقُ المَقْبُوْلُ عَلَى الأَقَلِّ فِى الوَقْتِ الحَاضِرِ) .
وَمَاهِىَ سِوَى لَحَظَاتٍ حَتَّى سَمِعَ بَشِيْر وَدّالجُزُوْلِى صَوْتَ المَامُوْنِ يَنْطَلِقُ مِنْ مُكَبِّرَاتِ صَوْتِ الجَامِعِ : (يَاأَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى : كُفُّوا عَنْ شُرْبِ مَاءِ البِئْرِ الإِرْتِوَازِيَّةِ حَتَّى يَنْجَلِىَ هَذَا الأَمْرُ ؛ وَاكْتَفُوا بِشُرْبِ مَاءِ النِّيْلِ) . هَكَذَا اسْتَمَعَ بَشِيْروَدّ الجُزُوْلِى إِلَى صَوْتِ المَامُوْنِ يَنْطَلِقُ مِنْ مُكَبِّراتِ صَوْتِ الجَامِع ؛ وَهَكَذَا عَادَ إِلَى مُعْظَمِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى وَعْيُهُمْ . أَمَّا سِرَاجُ الدِّيْنِ فَقَدْ عَادَ إِلَيْهِ وَعْيُهُ ؛ أَوْعَادَ هُوَ إِلَى وَعْيِهِ ؛ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ قَضَاهَا وبَعْضُ نِساءِ قُوْزْ قُرَافِى العَجَائِزِ بِمُسْتَشْفَى (مَرَوِىْ) .
هَكَذَا كَانَتِ الأَوْضَاعُ فِى قَرْيَةِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ (قُوْت النُّفُوْس) تَسْتَمِعُ إِلَى أَصْوَاتِ الضَّفَادِعِ مِنْ دَاخِلِ بُيُوْتِ القَرْيَةِ ؛ كَأَصْوَاتِ أَرَامِلَ كَثِيْرَاتٍ يَنُحْنَ عَلَى وَحِيْدِهِنَّ الَّذِى مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ .. هَذَا زَمَنُ العَجْزِ وَالنُّوَاحِ . لَقَدْ كُنْتَ تَرَى قُوْت النُّفُوْس بِرأْسِهَا الضَّخْمِ وَضَفَائِرِهَا المَنْفُوْشَةِ المُتَطَايِرَةِ وَقَامَتِهَا الطَّوِيْلَةِ الغَلِيْظَةِ ؛ تَجْرِى مِنْ مَكَانٍ بِالجِسْرِ إِلَى مَكَانٍ . لَقَدْ قَالَتْ لَهَا الخَوَاجِيَّة لَيْلَى عِبيْد ذَاتَ مَرَّةٍ : (أَقْبَحُ شَىْءٍ فِى نِسَاءِ قُوْزْ قُرَافِى هُوَ الجَرْىُ ؛ وَمَاعَدَا ذَلِكَ فَكُلُّ شَىْءٍ فِيْهِنَّ جَمِيْلٌ) . كَانَتْ قُوْت النُّفُوْس تُمَارِسُ عَلَى الجِسْرِ أَقْبَحَ شَىْءٍ فِى نِسَاءِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ لِتَعُوْدَ وَتَقِفَ وَسْطَ النِّسَاءِ كَذَكَرِ النَّخْلِ . وَحِيْنَ رِآهَا المَامُوْنُ فِى ذَاْكَ اليَوْمِ المَشْؤُوْمِ تَجْلِسُ وَسَطَ حَلْقَةٍ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّئِى بِدَوْرِهِنَّ جَلَسَنَ أَرْضاً ؛ وَهِىَ تَبْدُو كَمِئْذَنَةِ السُّبْحَةِ وَالنِّسَاءُ يَبْدَوْنَ ـ لِقِصَرِهِنَّ عَنْهَا ـ كَبَقِيَّةِ حَبَّاتِ السُّبْحَةِ ؛ خَلَصَ إِلَى أَنَّ النِّيْلَ قَدْ حَلَفَ أَلاَّ يَدَعَ نَخلاً وَلامَآذِنَ مَسَاجِدَ فِى كُلِّ المَنْطِقَةِ .. لَقَدْ أَقْسَمَ النِّيْلُ أَنْ يُغْرِقَ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى السَّمَكَ . "مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ يَتَسَلَّى فِيْهِ الشُّبَّانُ بِصَيْدِ السَّمَكِ مِنْ بَيْتِ عَمِّى الفَكِى؟!" هَكَذَا سَأَلَ المَامُوْنُ نَفْسَهُ وَهُوَ يَرَى صِغَارَ السَّمَكِ يَتَغَافَزُ مِنَ المَاءِ ؛ وَعَمُّهُ تَبيْقُ يَقُوْلُ إِنَّ تَغَافُزَ السَّمَكِ مِنَ المَاءِ دَلِيْلٌ عَلَى عُتُوِّ الفَيْضَانِ . هَلْ قَرَأَ المَامُوْنُ ـ أَوْلَعَلَّ أَحَدَهُمْ حَدَّثَهُ ـ أَنَّ السَّمَكَ مِنَ المَخْلُوْقَاتِ الَّتِى تَتَنَبَأُ بِقُرْبِ وُقُوْعِ الزَّلازِلِ ؛ فَتَتَغَافَزُ مِنَ المَاءِ؟ مَهَمَا يَكُنْ مِنْ شَىْءٍ فَإِنَّ الزَّلازِلَ نُوْعٌ مُتَقَدِّمٌ مِنَ الهِزَّاتِ الأَرْضِيَّةِ ؛ وَالفَيَضَانَاتُ ضَرْبٌ مِنَ الهِزَّاتِ المَائِيَّةِ . لَقَدْ رَحِمَ اللَّهُ أَهْلَ هَذِهِ المَنْطِقَةِ ؛ إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ بِالزَّلازِلِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ سُفَهاَؤُهُمْ ؛ فَالفَيْضَانُ أَخَفُّ كَثِيْراً مِنَ الزِّلْزَالِ ويُمْكِنُ جَسْرُهُ وكَبْحُ جِمَاحِهِ ؛ أَمَّا الزِّلْزَالُ وَأَمَّا الصَّاعِقَةُ فَلايُعْرَفُ وَقْتُهُمَا ؛ وبِالتَّالِى لايُمْكِنُ تَفَادِيْهُمَا . فِى لَحْظَةٍ مُبَاغِتَةٍ كَالصَّاعِقَةِ ؛ أَحَسَّ المَامُوْنُ بِفَيْضَانَاتٍ وَزَلازِلَ وَصَوَاعِقَ قَدْ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وفِى وَقْتٍ وَاحِدٍ ؛ فِى نَفْسِ كُلِّ شَخْصٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى . وَفِى خَلْوَتِهِ (مَسِيْدِهِ) ظَلَّ شَيْخُنَا وَدْ جَكُّوْم يَرْفَعُ كَفَّيْهِ بِالدُّعَاءِ رَبَّنَا لاتُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا . رَبَّنَا وَلاتَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِنَا. رَبَّنَا وَلاتُحَمِّلْنَا مَالاطَاقَةَ لَنَا بِهِ ؛ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا . أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِيْنَ) . ولَكِنْ .. أَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ النِّيْلُ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِيْنَ؟
لَقَدْ تَعِبَ الرِّجَالُ مِنَ العَمَلِ المُضْنِى فِى إِقَامَةِ الجُسُوْرِ عِنْدَ حُدُوْدِ القَرْيَةِ وَمُرَاقَبَتِهَا ؛ فَاسْتَلَمَتِ النِّسَاءُ العَمَلَ مَكَانَ الرِّجَالِ حَتَّى يَسْتَرِيْحُوا بَعْضَ الشَّىْءِ وَيَعُوْدُوا ثَانِيَةً لِلعَمَلِ . وَلَكِنَّ النِّسَاءَ بِدَوْرِهِنَّ تَعِبْنَ وَجَلَسْنَ أَرْضاً ؛ وَلَمْ تَفْتُرْعَزِيْمَةُ قُوْت النُّفُوْس وَهِىَ تَبْدُو كَمِئْذَنَةِ السُّبْحَةِ ؛ تَحُثُّ النِّسَاءَ عَلَى العَمَلِ . لَكِنَّ قَدَرَ اللَّهِ فِى ذَاْكَ اليَوْمِ فَلَّ عَزِيْمَةَ قُوْت النُّفُوْس وَعَزَائِـمَ أَهْلِ القَرْيَـةِ جَمِيْعاً بِالنَّوْمِ ؛ فَتَضَاحَكَتْ أَمْوَاجُ النِّيْلِ فِـى شَوَارِعِ القَرْيَةِ القَرِيْبَةِ مِنَ الجُسُوْرِ ؛ بَلْ حَوَّلَتِ البُيُوْتَ المُطِلَّةَ عَلَى الجُسُوْرِ إِلَى شَوَارِعَ .
الآن اسْتَيْقَظَ كُلُّ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى مِنَ النَّوْمِ ؛ وَالبَرْقُ كَتَوْقِيْعِ رُؤَسَاءِ حُكُوْمَاتِ الانْقِلابَاتِ العَسْكَرِيَّةِ يَتَلَوَّى سَرِيْعاً فِى السَّمَاءِ ؛ ثُمَّ انْهَمَرَ المَطَرُ غَزِيْراً .. القَطْرَةُ الوَاحِدَةُ مِنْهُ تَمْلأُ فِنْجَانَ القَهْوَةِ حَتَّى يَسِيْلَ . لابَلِ القَطْرَةُ مِنْهُ فِى حَجْمِ دَرْبِ الجَمَلِ ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ البَادِيَةَ لَمْ تَرَالمَطَرَ مُنْذُ أَنْ رَحَلَ الإِمَامُ عَنْ قُوْزْ قُرَافِى ؛ إِلاَّ فِى هَذِهِ السَّنَةِ .. لَقَدْ فَقَدَتِ البَادِيَةُ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى دُرُوْبَ الجِمَالِ ؛ أَوْقُلْ إِنَّ الجِمَالَ قَدْ فَقَدَتْ فِى البَادِيَةِ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى دُرُوْبَهَا. لَكِنَّ المَطَرَ تَوَقَّفَ بَعْدَ دَقَائِقَ مَعْدُوْدَةٍ .. رُبَّمَا لِلإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الأَمْرَ يَحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ المَطَرِ .. يَحْتَاجُ إِلَى غَسْلِ النُّفُوْسِ .
(3)
هَلْ قُلْنَا إنَّ الأَمْرَ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى غَسْلِ النُّفُوْسِ؟ هَذَا لايُهِمُّ الآن ؛ الَّذِى يُهِمُّ أَنَّ حَاج الفَكِى لَمْ تَعُدْ لَهُ نَفْسٌ يَغْسِلُهَا ؛ وَقَدْ جَلَسَ وَعَلَى وَجْهِهِ انْكِسَارُ مِنْ ضَرَطَ فِى صَلاةِ الجَمَاعَةِ ؛ وَقَدْ فَرَغَ وَجَمَاعَتُهُ مِنَ صَلاةِ العَصْرِ ؛ وهُوَ يُحَدِّثُهُمْ :
ـ لَقَدْ أَقَامَ النِّيْلُ الحَدَّ عَلَى أَهْلِ المَنْطِقَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ . غَرِيْبٌ أَمْرُ النِّيْل ِ؛ فَقَدْ كَانَ الوَاحِدُ مِنَّا يَسْتَطِيْعُ مِنْ هَذِهِ الضَّفَّةِ ؛ رُؤْيَةَ عَيْنَىِّ الشَّخْصِ الوَاقِفِ عَلَى الضَّفَّةِ الأُخْرَى لِلنِّيْلِ . انْظُرُوا إِلَى النِّيْلِ الآن ..إِنَّهُ يَمْلأُ مَابَيْنَ مَشْرِقِ الأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا .. النِّيْلُ غَطَّى الجَنَائِنَ وَالشُّتُوْلَ ؛ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ النَّخْلُ الطِّوَالُ الَّذِى غَطَّاهُ حَتَّى مُنْتَصَفِ سِيْقَانِهِ وَأَكْثَرَ . ثُمَّ جَاءَ الجَرَادُ وَأَكْمَلَ البَاقِى ؛ وَنَحْنُ مَحْصُوْرُوْنَ هُنَا بَيْنَ النِّيْلِ الَّذِى لَيْسَ لَهُ حَدٌّ ، وَالصَّحْرَاءِ الَّتِى لَيْسَ مِنْهَا بُدٌّ .. لاعَمَلَ لَنَا وَلاأَمَلَ . اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ يَالَطِيْف .. قَدَمٌ زَلَّ وَعَبْدٌ ضَلَّ .
حاج الخَلِيْفَة : المُصِيْبَةُ الأَكْبَرُ حِيْنَ يَجِىءُ حَصَادُ التَّمْرِ الَّذِى نَضِجَ بِالفِعْلِ ؛ إِذْ لايُمْكِنُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالمَرَاكِبِ .. يَتَدَفَّقُ نِصْفُهُ فِى المَاءِ ؛ وَيُصِيْبُ النِّصْفَ الثَّانِى المَرَضُ وَالسُّوْسُ بِسَبَبِ البَلَلِ . هَذَا إِنْ قُدِّرَ لِلتَّمْرِ أَنْ يُحْصَدَ هَذَا العَامِ ؛ فَالدُّرُوْبُ مِنَ القُوْز إِلَى المَزَارِعِ لَنْ يَجِفَّ مِنْهَا مَاءُ النِّيْلِ إِلاَّ بَعْدَ شُهُوْرٍ مِنَ الآن ؛ وَسَيَظَلُّ المَاءُ تَحْتَ النَّخْلِ شُهُوْراً أُخْرَى .
حاج الصَّافِى : المُصِيْبَةُ الآن أَكْبَر ؛ حَقِيْقَة يَمُوْت (تُوْر) لِرِزق كَلب . الأَعْرَاب اسْتَفَادُوا مِنَ الفَيَضَان خَاصَّةً وَقَدْ نَزَلَ المَطَر عِنْدَهُمْ فِى الخَلاء ؛ فَأَخَذُوا الكَثِيْرَ مِنْ بَهَائِمِ القُوْز ؛ حَتَّى الحَمِيْر ـ أَعَزَّكُم اللَّه ـ إِلَى الخَلاء بِالأَجْر عَنْ كُلِّ بَهِيْمَة .
حاج الفَكِى : لِلَّهِ فِى خَلْقِهِ شُؤُوْن! وَلَكِن الحَمْدُ للَّه أَنَّ الخَرِيْف كَانَ نَاجِحاً فِى الخَلاء هَذِهِ السَّنَة ؛ وَلَوْلا ذَلِكَ لَجَاءَ إِلَيْنَا أَعْرَاب الخَلاء وَنَدَّمُوْنَا عَلَى اليَوْم الَّذِى وُلِدْنَا فِيْه .
حَاج الخَلِيْفَة : هَلْ سَمِعْتُمْ حِكَايَةَ النَّمْلَة مَعَ سَيِّدِنَا سُلَيْمَان؟
حَاج الفَكِى : نَعَمْ سَمِعْنَا حِكَايَةَ النَّمْلَة الَّتِى حَذَّرَتْ بَنِى جِنْسِهَا مِنْ جَيْش سَيِّدِنَا سُلَيْمَان .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:49 AM   #[26]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

حَاج الخَلِيْفَة : لاأَعْنِى هَذِهِ النَّمْلَة .. أَعْنِى نَمْلَةً أُخْرَى لَهَا قِصَّةٌ أُخْرَى . فَقَدْ سَأَلَ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ نَمْلَةً : (كَمْ يَكْفِيْكِ مَؤُوْنَةً لِعَامٍ؟) فَأَجَابَتْهُ ثَلاثُ حَبَّاتٍ مِنَ العَيْشِ) ؛ فَأَحْضَرَ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ ثَلاثَ حَبَّاتِ عَيْشٍ ؛ وَضَعَهُنَّ فِى عُلْبَةٍ وَوَضَعَ مَعَهُنَّ النَّمْلَةَ ؛ وَأَغْلَقَ العُلْبَةَ . وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عَامٍ فَتَحَ العُلْبَةَ ؛ فَوَجَدَ النَّمْلَةَ قَدْ أَكَلَتْ مِنْ حَبَّاتِ العَيْشِ الثَّلاثِ حَبَّةً ونِصْفَ الحَبَّة ؛ فَسَأَلَهَا أَلَمْ تَقُوْلِى إِنَّكِ تَأْكُلِيْنَ فِى العَامِ ثَلاثَ حَبَّاتِ عَيْشٍ؟) فَأَجَابَتْهُ النَّمْلَة أَجَل . وَلَكِنَّ ذَلِكِ لَمَّا كَانَ رِزْقِى عَلَى اللَّه . فَأَنَا مُوْقِنَةٌ أَنَّهُ لَنْ يَنْسَانِى وَلَنْ يَمُوْتَ ؛ أَمَّا أَنْتَ فَبَشَرٌ مَعَرَّضٌ لِلنَّسَيَانِ وَلِلمَوْتِ ؛ لَذَا وَفَّرْتُ قُوْتَ عَامٍ كَامِلٍ خَوْفاً مِنْ بَشَرِيَّتِكَ) . ثُمَّ وَاصَلَ حَاج الخَلِيْفَة :
ـ أَلَيْسَتْ تِلْكَ النَّمْلَةُ أَحْكَمَ وَأَحْوَطَ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؟ حِيْنَ دَاهَمَهُمُ الفَيْضَانُ لَمْ يَكُنْ فِى بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَّالُ قَمْحٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ فُوْلٍ . كَيْفَ يَكُوْنُ أَمْثَالُ هَؤُلاءِ مُزَارِعِيْنَ؟
حَاج الصَّافِى : سَيَتَبَدَّلُ الحَالُ إنْ شَاءَ اللَّه . أَتَتَذَكَّرُ يَاحاج الفَكِى الفَيْضَانَ الَّذِى وَصَلَ حَتَّى المَصـْرَف؟ بَعْدَ ذَلِكَ الفَيْضَانِ حَصَدْنَا مِنَ الفُوْلِ المِصْرِىِّ مَحْصُولاً لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ الطَّيْرُ شَيْئاً ؛ فَالحَبَّةُ مِنْهُ تَخْنُقُ الحَمَامَةَ ؛ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ حَبَّةُ الفُوْلِ أَصْغَرَ مِنْ قُرَادَةِ البَقَر .
هُنَا تَنَهَّدَ حَاج الفَكِى وَكَأَنَّ شَيْئاً قَدْ لَدَغَهُ فِى قَلْبِهِ ؛ وَقَالَ بِحَسْرَةٍ :
ـ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِيْمَا مَضَى ؛ أَمَّا الآنَ فَقَدْ نَزَعَ النَّاسُ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوْبِهِمْ ؛ فَنَزَعَ اللَّهُ البَرَكَةَ مِنْ أَيْدِيْهِمْ . قَالَ حاج الفَكِى ذَلِكَ بِحَسْرَةٍ تُحِسُهَا فِى صَوْتِهِ الَّذِى بَدَا نَحِيْلاً فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ .
وَلَكِنْ أَتُرَى يَدَ حاج عُسْمَان مِنَ الأَيْدِى الَّتِى نَزَعَ اللَّهُ البَرَكَةَ مِنْهَا؟ لَقَدْ كَانَ حَاج عُسْمَان يَجْلِسُ عَلَى فَمِ حُفْرَةِ المِرْحَاضِ وَعَيْنَاهُ تَبْدُوَانِ كَعَيْنَىِّ نَعْجَةٍ وَلَدَتْ لِتَوِّهَا ؛ وَفَجْأَةً ارْتَخَتْ قَبْضَةُ يَدِهِ المُمْسِكَةِ بِالإِبْرِيْقِ فَسَقَطَ دَاخِلَ الحُفْرَةِ ؛ مُحْدِثاً فِى قَاعِهَا بَعْضَ القَرْقَرَةِ الَّتِى انْتَهَتْ عَمَّا قَلِيْلٍ وَإِلَى الأَبَدِ . رُبَّمَا فَكَّرَ الإِبْرِيْقُ ؛ فَاهْتَدَى إِلَى أَنَّ قَاعَ الحُفْرَةِ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ صُحْبَةِ حَاج عُسْمَان! رُبَّمَا كَانَ حاج عُسْمَان يُفَكِّرُ ـ وَهُوَجَالِسٌ عَلَى فَتْحَةِ حُفْرَةِ المِرْحَاضِ ـ فِى الكَارِثَةِ الَّتِى حَلَّتْ بِهِ مِنْ جَرَّاءِ غَمْرِ النِّيْلِ لِشُتُوْلِهِ حَدِيْثَةِ الغَرْسِ ؛ فَارْتَخَتْ قَبْضَةُ يَدِهِ ؛ فَهَذِهِ فِى تَقْدِيْرِهِ مُصِيْبَةٌ تُسْقِطُ الأَبَارِيْقَ فِى المَرَاحِيْضِ ؛ بَلْ تُسْقِطُ حَتَّى أَصْحَابَ الأَبَارِيْقِ فِى المَرَاحِيْضِ . لَكِنَّ حاج عُسْمَان لَمْ يَسْقُطْ فِى المِرْحَاضِ ؛ وَإِنْ كَانَ يَبْدُو لَحْظَةَ خُرُوْجِهِ مِنْ غُرْفَةِ المِرْحَاضِ كَشَىْءٍ أَنْجَسَ مِنْ قَعْرِ الإِبْرِيْقِ ؛ وَهُوَ الَّذِى ـ كَما قُلْنَا ـ ظَلَّ يَتَحَاشَى الأَنْجَاسَ وَالنَّجَاسَاتِ وَأَمْكِنَتَهَا! وَحاج الخَبِيْر لَمْ يَمْنَعْهُ سُقُوْطُ إِبْرِيْقَ فِى مِرْحَاضٍ ؛ أَنْ يَقُوْلَ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ قَرِيْباً مِنْ أُذُنِ وَدّالعَالْيَابِى :
ـ لَقَدْ أَخْبَرَنِى المَامُوْن أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَيِّنَةً مِنْ مَاءِ الصِّهْرِيْجِ وَفَحَصُوْهَا فِى مُسْتَشْفَى مَرَوِىْ ؛ فَوَجَدُوا فِى المَاءِ مُنَوِّماً قَوِيّاً يُنِيْمُ الفَيْلَ فِى لَحَظَاتٍ . وَدّالعَالْيَابِى : الحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّ الَّذِى وَضَعَهُ لَمْ يَضَعْ بَدَلاً مِنْهُ هُرْمُوْنَ الأُنُوْثَة . حَاج الرَّضِى : هُرْمُوْن الأُنُوْثَة! وَمَاذَا يَفْعَلُ هُرْمُوْنُ الأُنُوْثَة؟
وَدّالعَالْيَابِى : يَجْعَلُ النِّسَاءَ أَكْثَرَ أُنُوْثَةً ؛ وَالرِّجَالَ أَقَلَّ رُجُوْلَةً .
المِيْجَر : مَاهُوَ أَثَرُهُ عَلَى الحَيَوَانَاتِ ؛ عَلَى الحِمَارِ الذَّكَرِ مَثَلاً .. عَلَى سُلُوْكِهِ كَحِمارٍ ذَكَرٍ وَعَلَى فُحُوْلَةِ نَهِيْقهِِ؟
وقَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ حاج الخَبِيْر إِجَابَةَ وَدّالعَالْيَابِى ؛ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ صَوْتَ إِسْحَاقَ قَدِ ارْتَطَمَ بأُذُنَيَهِ ؛ فَقَالَ فِى نَفْسِهِ : "يَاإِلَهِى! أَهَذَا هُوَ إسْحَاقُ أَمْ أُخْتُهُ! صَوْتُهُ أَرَقُّ مِنْ صَوْتِ النِّسَاءِ ؛ وَيَدُهُ لَيِّنَةٌ كَفَطِيْرَةٍ خُبِزَتْ لِتَوِّهَا! لَقَدْ أَصْبَحَ بَعْضُ شُبَّانِ قُوْزْ قُرَافِى يُقَلِّدُوْنَ النِّسَاءَ فِى كُلِّ شَىْءٍ ؛ حَتَّى فِى الوَحَمِ وَالعِيَاذُ بِاللَّه!" وَوَاصَلَ حاج الخَبِيْر حَدِيْثَهُ إِلَى نَفْسِهِ :"تَنْوِيْمُ القُوْز مِنْ أَلاعِيْبِ المَنُوْفَلِى .. المَنُوْفَلِى رَجُلٌ لاتَصِحُّ الصَّلاةُ قَرِيْباً مِنْهِ" . نَهَضَ حَاج الخَلِيْفَة كَمَنْ فَرَغَ لِتَوِّهِ مِنْ صَلاةٍ ؛وَقَالَ وَهُوَ يَمْشِى بَعِيْداً بِصَوْتٍ سَمِعَهُ الجَمِيْعُ: (اللَّهُمَّ جَمَعْتَنَا مُذْنِبِيْنَ ؛ فَلاتُفَرِّقْنَا إِلاَّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَتَرْحَمَنَا)
بِدَوْرِهِمُ اجْتَمَعُوا عِنْدَ الجِسْرِ قَرِيْباً مِنَ البُيُوْتِ ؛ وَقَدْ صَفَتِ السَّمَاءُ لَيْلاً وَالنِِّيْلُ قَدِ انْحَسَرَ قَلِيْلاً عَنِ الجُسُوْرِ . وَقَلِيْلاً قَلِيْلاً أَخْرَجَ المَنُوْفَلِى الزُّجَاجَاتِ مِنْ مِخْلاةِ الشَّعْرِ ؛ ثُمَّ خَنَقَ إِحْدَاهُنَّ مِنْ عُنُقِهَا وَنَزَعَ عَنْهَا غِطَاءَ (الفِلِّيْنِ) ؛ وَمَالَبِثَ أَنْ وَضَعَ أَنْفَهُ مَكَانَهُ وَصَاحَ فِى أَصْحَابِهِ :
ـ شُمُّوا رَائِحَةَ عَرَقِ أَهْلِ الجَنَّة .
ـ (عَجِيْبٌ أَمْرُكَ يَامَنُوْفَلِى ؛ مِنْ أَيْنَ لَكَ بِالخَمْرِ وَقَدْ هَدَمَ النِّيْلُ بُيُوْتَ كُلِّ صَانِعَاتِهَا؟)
سُؤَالٌ أَلْقَاهُ وِدَاعَة وَهُوَ لايَنْتَطِرُ إِجَابَةً عَنْهُ ؛ لَكِنَّ المَنُوْفَلِى خَذَلَهُ فِى عَدَمِ انْتِظَارِهِ هَذَا إِذْ قَالَ :

صَانِعَاتُ العَرَقِى(1) لَنْ يَعْجِزْنَ عَنْ صُنْعِهِ وَلَوْ عَلَى ظَهْرِ تِمْسَاح . لَقَدْ أَقْنَعَتْ إِجَابَةُ المََنُوْفَلِى تِلْكَ وِدَاعَةَ ؛ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ فَلْسَفَةَ المَنُوْفَلِى فِى الحَيَاةِ هِىَأَنَا سَكْرَانُ ؛ إِذَنْ أَنَا مَوْجُوْدٌ) . إِنَّهُ المَنُوْفَلِى الَّذِى قَالَ عَنْهُ مِنْ قَبْلُ عَمُّهُ الدُّسُوْقِى المَنُوْفَلِى يَعْمَلُ فِى الدُّنْيَا عملَ مَنْ أُدْخِلَ الجَنَّةَ فِى الآخِرَةِ ؛ فَهُوَ يَشْرَبُ الخَمْرَ وَلايُصَلِّى) . نَظَرَ حاج الفَكِى إِلَى المَنُوْفَلِى وَهُوَ يُقَبِّلُ زُجَاجَةَ الخَمْرِ ؛ فَتَنَحْنَحَ وَقَالَ :
ـ حَقِيْقَة الدُّنْيَا جَنَّة العَاصِيْن .
حَاج الصَّافِى بِشُرُوْدِ ذِهْنٍ : مَنْ عَرَفَ عَيْبَهُ هَانَ عَلَيْهِ عَيْبُ غَيْرِهِ .
لَكِنَّ وَدّالعَالْيَابِى لَمْ يَتْرُكْ لِلعَاصِيْنَ جَنَّتَهُمْ ؛ فَقَدْ قَالَ وَعَيْنَاهُ تَبْرُقَانِ :
ـ ابْنُ آدَمَ المَخْلُوْقُ الوَحِيْدُ ـ غَيْرُ الشَّيْطَانِ ـ الَّذِى يَعْصِى خَالِقَهُ .
ضَمْرَة : وَلِمَاذَا يَعْصِى الإِنْسَانُ خَالِقَهُ؟
وَدّالعَالْيَابِى : لأَنَّ اللَّهَ زَوَّدَهُ بِالعَقْلِ المُدْرِكِ .
ضَمْرَة : وَبِالعَقْلِ المُدْرِكِ أَيْضاً يُطِيْعُ الإِنْسَانُ خَالِقَهُ .
لَمْ يَفْهَمْ قَاسِمٌ كُلَّ مَاأَرَادَ وَدّالعَالْيَابِى قَوْلَهُ ؛ لَكِنَّهُ حِيْنَ نَظَرَ إِلَىالمَنُوْفَلِى وَرآهُ يَجْلِسُ وَالكََأْسُ فِى يَدِهُ يُدِيْرُهَا عَلَى نُدَمائِهِ ؛ أَدْرَكَ بَعْضَ قَوْلِ وَدّالعَالْيَابِى . لَقَدْ كَانَ المَنُوْفَلِى يَجْلِسُ كَمُبْتَدَإٍ بِلا خَبَرٍ .. كَشَىْءٍ غَيْرِ مُفِيْدٍ إِطْلاقاً . هَذَا ؛ ـــــــــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1) .
فِيْمَا كَانَتْ أَعْمَاقُ صِبيْرٍ تُرَدِّدُ ؛ وَقَدْ مَدَّ إِلَيْهِ المَنُوْفَلِى كَأْسَهُ الَّتِى أَفْرَغَهَا فِى جَوْفِهِ :"لا أَحَدَ كَالمَنُوْفَلِى يَعْرِفُ دَاءَهُ ..المَنُوْفَلِى مَرِيْضٌ يَرَى بِعَيْنَىِّ طَبِيْبٍ". لَعَلَّ المَنُوْفَلِى فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَدْ تَذَكَّرَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِىالمَاضِى السَّحِيْقِ ؛ حِيْنَ سَكِرُوا بِجَزِيْرَةِ (السَّابْلاب) وَحَمَلَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان عَلَى ظَهْرِهِ البُلُكَ مِثْلَ سَلَى النَّاقَة . وَلِعَظِيْمِ دَهْشَتِهِ خُيِّلَ إِلَى المَنُوْفَلِى أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ المَامُوْنِ يَنْبَعِثُ مِنْ أَعْمَاقِهِ هُوَ: "ذَاْكَ زَمَنٌ طَيِّبٌ قَدْ مَضَى ؛ وَأَظَلَّنَا بَعْدُهُ زَمَنٌ خَدِيْجٌ خَدِيْحٌ" . وَحِيْنَ نَظَرَ المَنُوْفَلِى إِلَى وَدّ الصَّايِم ؛ رَآهُ يَتَلَفَّتُ كَكَلِبٍ فِى فَمِهِ عَظْمٌ وَيَسْأَلُ :
ـ أَيْنَ قِنْدِيْل؟ قِنْدِيْل(1) يَتأَخَّرُ فِى كُلِّ شَىْءٍ ؛ حَتَّى يَوْمَ القِيَامَة سَيَقُوْمُ مُتَأَخِّراً عَنِ النَّاسِ .
العَوَّام : قِنْدِيْل إِنْسَانٌ ضَاعَتْ مِنْهُ نَفْسُهُ .
وَدّ السَّخِى : بَلْ هُوَ الَّذِى ضَاعَ مِنْ نَفْسِهِ .
وَدّالعَالْيَابِى : نَحْنُ جَمِيْعاً ضَاعَتْ مِنَّا أَنْفُسُنَا . الإِنْسَانُ قَدْ يُنْفِقُ أَلْفَ جُنَيْهٍ فِيْمَا لايَعُوْدُ عَلَيْهِ بِنَفْعٍ فَلايَنْدَمُ وَلايَحْزَنُ لِفَقْدِهَا ؛ لَكِنَّهُ إنْ ضَاعَ مِنْهُ رِيَالٌ وَاحِدٌ فِى التُّرَابِ ؛ قَلَّبَ الأَرْضَ حَتَّى يَجِدَهُ . نَحْنُ يَجِبُ أَنْ نَبْحَثَ عَنْ أَنْفُسِنَا ـــــــــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1) .

حَتَّى نَجِدَهَا .
فَرَح : كُلُّ شَىْءٍ لَمْ يَعُدْ لَهُ طَعْمٌ ؛ حَتَّى العَرَقِى فَقَدَ طَعْمَهُ .
وَدّالعَالْيَابِى : لَقَدْ فَقَدْنَا طَعْمَ الأَشْيَاءِ لَيْسَ لأَنَّ الأَشْيَاءَ تَغَيَّرَتْ ؛ وَلَكِنْ لأَنَّ تَذَوُّقَنَا لِلأَشْيَاءِ تَغَيَّرَ .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَحَسَّ المِيْجَر بِسُخُوْنَةٍ شَدِيْدَةٍ دَاخِلَ أُذُنَيْهِ فَأَدْرَكَ أَنَّهُ قَدْ سَكِرَ؛ فَقَالَ فِى نَفْسِهِ :"هَذَا عَرَقِى يُصِيْبُ شَارِبَهُ بِالزُّكَام .. عَرَقِى يُفَتِّشُ الرِّجَال ويَكْشِفُ الأَسْرَار" . لَكِنَّهُ رَغْمَ ذَلِكَ كَانَ يُتَابِعُ سَمَاعَ الأُنْسِ ..
رُضْوَان : شَىْءٌ غَرِيْبٌ أَنْ تَسْقُطَ طَائِرَةُ الخُطُوْطِ الجَوِيَّةِ البِرِيْطَانِيَّةِ فِى قُوْزْ قُرَافِى ؛ فِىالوَقْتِ الَّذِى يَنَامُ فِيْهِ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى ويَعِيْثُ النِّيْلُ فِى القَرْيَةِ فَسَاداً!
قَاسِم : لَقَدْ وَقَفْتُ اليَوْمَ أَمَامَ حُطَامِ الطَّائِرَةِ ؛ فَوَجَدْتُهَا تَرْقُدُ كَجَرَادَةٍ أَكَلَتْهَا هَوَامُ الأَرْضِ ؛ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ صَدْرِهَا وَغَيْرُ رَأْسِهَا .
وِدَاعَة : جَمِيْعُ أَشْكَالِ الطَّائِرَاتِ إِمَّا تُشْبِهُ طَائِراً أَوْ سَمَكَةً .. الإِنْسَانُ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْلِيْدِ خَلْقِ اللَّهِ .
وَد ّالعَالْيَابِى : صَدَقْت .. الإِنْسَانُ يُقَلِّدُ خَالِقَهُ ؛ فَالطَّائِرَةُ مَحْكُوْمَةٌ بِقَانُوْنِ الإِزَاحَةِ ؛ تَمَاماً كَالسَّمَكَةِ وَكَالطَّائِرِ .
العَوَّام : فِعلاً شَىْءٌ عَجِيْبٌ أَلاَّ يَهْتَمَّ أَحَدٌ بِسُقُوْطِ تِلْكَ الطَّائِرَةِ ؛ فَحَتَّى إِذَاعَةُ لنْدن كُلُّ مَاقَالَتْهُ عَنْهَا إِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلخُطُوْطِ الجَوِيَّةِ البِرِيْطَانِيَّةِ ؛ وَإِنَّها سَقَطَتْ فِى قَرْيَةٍ مَغْمُوْرَةٍ فِى أَقْصَى شِمَالِ السُّوْدَانِ ؛ وَإِنَّ أَحَداً مِنْ رُكَّابِهَا لَمْ يَنْجُ . وِدَاعَة : إِذَاعَة لنْدن صَدَقَتْ ؛ فَقُوْزْ قُرَافِى بَلَدٌ فِى قَعْرِ الدُّنْيَا .. المَسِيْحُ الدَّجَّالُ نَفْسُهُ لايَسْتَطِيْعُ الوُصُوْلَ إِلَيْهِ إِلاَّ بِمَعُوْنَةِ دَلِيْلٍ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى . وَدّالسَّخِى : حَقِيْقَة قُوْزْ قُرَافِى قَرْيَةٌ لاتَكْتَرِثُ لَهَا الدُّنْيَا ؛ وَهِىَ لاتُحِسُّ بِوُجُوْدِ الدُّنْيَا .
صِبيْر : وَأَيْنَ هِىَ الدُّنْيَا الَّتِى تتَحَدَّثُوْنَ عَنْهَا؟ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ لَنَا صَارَتْ مِثْلَ حُجْرَةِ المِرْحَاض ِ؛ نَكْتُبُ عَلَى جُدْرَانِهَا عِبَارَاتِنَا غَيْرَ المُهَذَّبَةِ ؛ ومَازَالَ فِى الجُدْرَانِ مُتَّسَعٌ لآخَرِيْنَ لِيَكْتُبُوا عِبَارَاتٍ أَسْوَأَ مِنْ عِبَارَاتِنَا .
قَاسِم : أَنَا فَكَّرْتُ فِى حَدِيْدِ الطَّائِرَةِ ؛ فَوَجَدْتُهُ لايَصْلُحُ لأَىِّ شَىْءٍ حَتَّى لِلمَنَاجِلِ أَوِ (الجَرَادِل) .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَوْرَى قَاسِمٌ النَّارَ فِى زَنْدِهِ لإِشْعَالِ سِيْجَارَةٍ ؛ فَأَحْرَقَتْ أَحَدَ حَاجِبَيْهِ وَأَهْدَابَ عَيْنِ ذَاْكَ الحَاجِبِ ؛ وَتَصَاعَدَتْ رَائِحَةُ الدُّخَانِ قَابِضَةً لِلأَمْعَاءِ الدَّقِيْقَةِ وَالغَلِيْظَةِ مَعاً ؛ مِمَّا يُؤَكِّدُ وَحْدَةَ النَّوْعِ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الدَّرَجَةُ . لَكِنَّ قَاسِماً رَغْمَ ذَلِكَ كَانَ يُتَابِعُ الأُنْسَ ..
ضَمْرَة : هَذِهِ هِىَ المَرَّةُ الأُوْلَى الَّتِى أَرَى فِيْهَا حَبَّ الشَّبَابِ فِى شَيْخٍ فِى عُمْرِ عَمِّى النُّعْمَان .
المِيْجَر : ظَاهِرَةُ المُرَاهَقَةِ تُعِيْدُ نَفْسَهَا فِى عَمِّى النُّعْمَان .
وَدّالعَالْيَابِى : حَقِيْقَة عَمِّى النُّعْمَان يَعِيْشُ مَرْحَلَةَ مُرَاهَقَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ .. عَمِّى النُّعْمَان وَالمُرَاهَقَةُ ظَاهِرَتَانِ كِلْتَاهُمَا تَوَادُّ الأُخْرَى .
العَوَّام : عَمِّى النُّعْمَان أَصْبَحَ لايَسِيْرُ خُطْوَةً إِلَى الأَمَامِ؛ إِلاَّ إِذَا رَجَعَ خُطْوَتَيْنِ إِلَى الوَرَاءِ .
وَدّالصَّايِم : حَاج النُّعْمَان ورَغْمَ كُلِّ شَىْءٍ ؛ أَصْبَحَ يُحِبُّ سَمَاعَ أَخْبَارِ النِّسَاءِ وَقِصَصِهِنَّ .
وِدَاعَة : عَمِّى النُّعْمَان لَمْ تَعُدْ بِهِ مَقْدِرَةٌ عَلَى النِّسَاءِ .
قَاسِم : وَإِنْ كَانَتْ بِهِ الرَّغْبَةُ .
وَدّالسَّخِى وَهُوَ يَضْحَكُ : وَإِنْ كَانَتْ بِهِ الرَّغْبَةُ . عَمِّى النُّعْمَان أَصْبَحَ مِثْلَ حِمَارِ عَمِّى الرَّضِى ؛ الَّذى بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ أَنَّهُ أَصْبَحَ يَأْكُلُ وَهُوَ رَاقِدٌ ، ويَشْرَبُ وَهُوَ رَاقِدٌ ، وَيُبَعِّرُ وَهُوَ رَاقِدٌ ؛ وَلَكِنَّهُ مَاأَنْ يَرَى حِمَارَةً حَتَّى يَنْهَقَ وَهُوَ رَاقِدٌ أَيْضاً .
"أَدِرِ الكَأْسَ عَلَى القَمَرِ وَدَعْهُ يَسْكَرُ وَيُسْكِرُ مَنْ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ ؛ فَقَدْ مَجَجْنَا نُدَمَاءَ الدُّنْيَا .. أَدِرْ خَمْرَ الصَّفَاءِ عَلَى القَمَرِ ؛ فَقَدْ مَلَلْنَا نُفُوْسَنَا المُتَّسِخَةَ . هَا قَدْ سَكِرَ القَمَرُ .. دَعُوْنَا أَحِبَّتِى نَتَوَضَّأُ فَقَدْ نَقَضَ القَمَرُ وُضُوْءَنَا ؛ بَعْدَ أَنْ نَقََضَ وُضُوءَهُ . لاعُذْرَ لَنَا أَحِبَّتِى ؛ إِذْ أَنَّنَا نَحْنُ العُذْرُ .. وَهَلْ سَمِعْتُمْ بِعُذْرِ العُذْرِ؟!" هَكَذَا تَحَدَّثَتْ أَعْمَاقُ وَدّالعَالْيَابِى إِلَيْهِ؛ وَهَكَذَا جَاءَ قِنْدِيْل ـ كَعَادَتِهِ ـ مُتَأَخِّراً ؛وَأَخَذَ يَنْظُرُ إِلَى البُلُكِ الرَّاقِدِ ـ بِسَبَبِ السُّكْرِ ـ كَإِنَاءِ لَبَنٍ فَارِغٍ . وَبَعْدَ أَنْ أفْرَغَ عَلَى طُحَالِهِ كُؤُوْساً مُتَتَالِيَاتٍ وَأَشْعَلَ سِيْجَارَةً ؛ صَاحَ :
ـ هَلْ سَمِعْتُمُ الخَبَرَ الجَدِيْدَ؟
وَدّالسَّخِى : أَىُّ خَبَرٍ يَاأَسْوَأَ خَبَرٍ؟
قِنْدِيْل : الحُكُوْمَة أَصْدَرَتْ قَرَاراً مَنَعَتْ بِمُوْجِبِهِ الضَّحِك .
هُنَا أَطْلَقَ عبدالعَاطِى ضَحْكَةً عَالِيَةً طَوِيْلَةً ؛ أَعْقَبَهَا وِدَاعَة قَائِلاً :
ـ لَنْ نَتْرُكَ الضَّحِكَ .. سَنَضْحَكُ وَلَكِنْ بِغَيْرِ صَوْتٍ .
وَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى كَانَ صَامِتاً طِيْلَةَ الوَقْتِ : وَهَلْ مَنَعَتِ الحُكُوْمَةُ التَّفْكِيْرَ أَيْضاً؟ أَىُّ حُكُوْمَةٍ تِلْكَ الَّتِى تتَحَدَّثُ عَنْهَا يَاقِنْدِيْل؟
قِنْدِيْل : حُكُوْمَة عَمِّى النُّعْمَان . لَقَدْ قَرَّرَ عَمِّى النُّعْمَان الزَّوَاجَ .. قَرَارُ عَمِّى النُّعْمَان هَذَا يُعَادِلُ قَرَارَ الحُكُوْمِةِ بِمَنْعِ الضَّحِكِ ؛ فَكِلاهُمَا بَعِيْدٌ بُعْدَ أَنْفِ الجَمَلِ عَنْ ذَيْلِهِ .
قَاَلَ قِنْدِيْل ذَلِكَ ؛ وَقَدْ مَدَّ أَمَامَهُ سَاقَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى بِحَيْثُ الْتَقَتَا قَرِيْبَاً مِنْ قَدَمَيْهِمَا ؛ تَمَاماً كَمَا قَدْ يَلْتَقِى أَنْفُ الجَمَلِ بِذَيْلِهِ إِنْ حَنَى الجَمَلُ عُنُقَهُ إِلَى آخِرِهَا ؛ وَمَدَّ فِى نَفْسِ اللَّحْظَةِ ذَيْلَهُ إِلَى آخِرِهِ نَحْوَ عُنُقِهِ . وَفِى جِلْسَةِ قِنْدِيْلٍ المُرِيْحَةِ فِى تَقْدِيْرِهِ تِلْكَ ؛ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ العَوَّامَ قَدْ فَرَغَ مِنْ تَحْلِيْلِ ضَحْكَةِ عبدالعاطِى العَالِيْةِ الطَّوِيْلَةِ . فَهُوَ ـ أَى عبدالعاطِى ـ ضِدَّ كُلِّ حُكُوْمَةٍ .. سَاقَطَةٍ ؛ أَوْ قَائِمَةٍ الآنَ ؛ أَوْسَتَقُوْمُ فِيْمَا بَعْدُ. هُنَا قَالَ ضَمْرَةُ الَّذِى لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ الخَمْرَ ؛ وَلَكِنْ يُحِبُّ أُنْسَ شَارِبِيْهَا ؛ قَالَ فِى نَفْسِهِ :"لَوْقَالَ قِنْدِيْل إِنَّ الحُكُوْمَةَ قَدْ مَنَعَتِ العَطْسَ ؛ لاخْتَلَفَ الأَمْرُ ؛ فَالضَّحْكَةُ يُمْكِنُ كَبْحُهَا وَكَتْمُهَا وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا ؛ لَكِنَّ العَطْسَةَ تَتَغَلَّبُ عَلَى الإِنْسَانِ .. العَطْسَةُ لاتَسْتَأْذِنُ وَلاتُرَدُّ . لَوْمَنَعَتِ الحُكُوْمَةُ العَطْسَ؛ لَكَانَتِ الحُجْرَةُ بِنْتُ محمَّدصَالِح أَوَّلَ مِنْ يُخَالِفُ هَذَا الأَمْرَ .. لَكَانَتْ أَقْوَى مُعَارِضٍ لِلحُكُوْمَةِ . لَقَدْ عَادَ إِلَى الحُجْرَةِ عَطْسُهَا .. عَطْسُهَا تَحَوَّلَ مِنْ مَوْسِمِ تَلْقِيْحِ النَّخْلِ إِلَى مَوْسِمِ فَيَضَانِ النِّيْلِ . لَقَدْ صَدَقَ عَمِّى الرَّضِى .. قَلْبُ عَمِّى النُّعْمَان أَصْبَحَ مِثْلَ كُرْسِىِّ الحَلاَّقِ ؛ فِى كُلِّ مَرَّةٍ يَشْغَلُهُ زَبُوْنٌ جَدِيْدٌ" . هَكَذَا قَالَ ضَمْرَةُ فِى نَفْسِه ؛ لَكِنَّ المَنُوْفَلِى لَمْ يَتْرُكْهُ يَسْتَرْسِلُ فِى أَفْكَارِهِ تِلْكَ ؛ فَقَدْ وقَفَ فِى نُوْرِ القَمَرِ وَهُوَ يَرْقُصُ عَلَى أَنْغَامِ طُنْبُوْرِ صِبيْرٍ ؛ وَالكَأْسُ مُتْرَعَة يَحْمِلُهَا عَلَى جَبِيْنِهِ ـ وَقَدْ أَمَالَ رَقَبَتَهُ إِلَى الخَلْفِ ـ دُوْنَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهَا شَىْءٌ عَلَى الأَرْضِ ؛ بَيْنَمَا المِيْجَرُ يَنَامُ نَوْماً أَرْفَقَ مِنْهُ الأَرَقُ . أَمَّا وَدّالسَّخِى فَقَدْ كَانَ يَقُوْلُ فِى نَفْسِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى المِيْجَرِ النَّائِمِ :"الإِنْسَانُ هُوَالمَخْلُوْقُ الوَحِيْدُ الَّذِى يَنَامُ عَلَى ظَهْرِهِ؛ وَالَّذِى لاظَهْرَ لَهُ لابَطْنَ لَهُ" .
الآن سَرَى السُّكْرُ فِى أَكْثَرِ جَمَاعَةِ المَنُوْفَلِى ؛ الَّذِى رَفَعَ كَأْسَهُ الأَخِيْرَةَ وَشَارَكَهُمْ نَوْمَهُمْ وَغَطِيْطَهُمْ . وَلَكِنْ رَغْمَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ الأُنْسُ ..
وَدّالعَالْيَابِى : النَّاسُ فِى قُوْزْ قُرَافِى مَازَالُوا يَضْحَكُوْنَ ؛ وَلَكِنْ بِحُزْنٍ ؛ وَيَرْقُصُوْنَ وَفِى أَعْمَاقِهِمْ يَرْقُدُ كُلُّ خُمُوْلِ الجِنْسِ البَشَرِىِّ وَاسْتِكَانَتِهِ وَتَسَكُّعِهِ .
عبدالعَاطِى : النِّيْلُ لَمْ يَهْدِمْ بُيُوْتَ قُوْزْ قُرَافِى فَحَسْب ؛ بَلْ غِيَّرَ فِى نُفُوْسِ أَهْلِ القَرْيَةِ مَعَايِيْرَ كَثِيْرَةً . انْظُرُوا إِلَى هَؤُلاءِ الشُّبَان ِ؛ مَنْ مِنْهُمْ كَانَ يَجْرَؤُ قَبْلَ الفَيْضَانِ عَلَى السُّكْرِ هَكَذَا عَلَى مَسْمَعٍ وَمَرْأَى مِنَ النَّاسِ؟ الشُّبَّانُ أَصْبَحُوا يَشْرَبُوْنَ الخَمْرَ نَهَاراً جِهَاراً ؛ وَيَلْعَبُوْنَ القِمَارَ عَلَى عَيْنك يَاتَاجِر ؛ لأنَّ مِيَاهَ الفَيَضَانِ الَّتِى سَتَسْتَغْرِقُ وَقْتاً طَوِيْلاً حَتَّى تَجِفَّ ؛ قَدْ حَرَمَتْهُمْ مِنْ كلِّ عَمَلٍ كَانَ يَشْغَلَهُمْ فِيْمَا مَضَى . أمَّا كِبَارُ السِّنِّ فَيْتَفَجَّعُوْنَ عَلَى غَرْسِ سِنِيْنَ طِوَال ٍ؛ فَشَارَكُوا الشُّبَّانَ فِى كَثْرَةِ الكَلامِ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ وَالجِدَلِ بِلا نَتِيْجَةٍ ؛ كَمَا رَأَيْتُمْ فى هَذَا المَجْلِسِ . وَأَنَا وَإِدْرِيْس وَمِيْرْغَنِى وَعَمِّى الدُّسُوْقِى وَعَمِّـى الخَبِيْر وَعَمِّى الصَّافِى وَمَدَنِى وَدّالعَازَّة وَغَيْرُهُمْ وغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَجْلِسُوْنَ هُنَا ؛ مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أَنَّنَا فِى يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ ـ وَنَحْنُ الَّذِيْنَ لانَشْرَبُ الخَمْرَ ـ يُمْكِنُ أَنْ يَضُمَّنَا مَجْلِسُ خَمْرٍ؟! السَّنَوَاتُ صَارَتْ لاتَحْتَرِمُ المَكَانَ ؛ ومَاعَادَ المَكَانُ يَأْبَهُ لِلسِّنِيْنَ ؛ وَفَوْقَ كُلِّ ذَلِكَ أَصْبَحَ رِزْقُنَا ـ بِسَبَبِ الفَيَضَانِ ـ أَقَلَّ مِنْ زَادِ مُسَافِرٍ .
مِيْرْغَنِى : صـَدَقْتَ يَاعبدالعَاطِى ؛ لَمْ تَعُدْ لأَيَّامِ الأُسْبُوْعِ رَائِحَةُ الزَّمَنِ .. الزَّمَنُ فِيْهِ عِتَّة .
إِدْرِيْس : العِتَّةُ(1) دَاخِلَ نُفُوْسِنَا ؛ لأَنَّ الزَّمَنَ جُزْءٌ مِنْ نُفُوْسِنَا .
ابْتَسَمَ حاج الصَّافِى بَسْمَةً رَآهَا ضَمْرَةُ فِى نُوْرِ القَمَرِ .. ضَمْرَةُ الَّذِى يَقُوْلُ دَائِماً إِنَّ أَهْلَ قُوْزْ قُُرَافِى أَصْبَحُوا لايَبْتَسِمُوْنَ ـ بِسَبَبِ الفَيَضَانِ ـ إِلاَّ كَمَا تَتَنَاكَحُ الزَّوَاحِفُ ذَوَاتُ الدَّمِ البَارِدِ فِى كُهُوْفِهَا الرَّطْبَةِ فِى فَصْلِ الشِّتَاءِ .. أَمْرٌ يَتِمُّ بِحُكْمِ العَادَةِ مَقْهُوْرٌ بِالظُّرُوْفِ) . كَانَ ضَمْرَةُ يَرَى البَسْمَةَ عَلَى وَجْهِ
حاج الصَّافِى ؛ وَفِى نَفْسِ الوَقْتِ يَسْتَمِعُ إِلَى حَاج الخَلِيْفَة :
ـ الحَيَاةُ أَصْبَحَتْ كَاللَّبَنِ المَغْشُوْشِ بِالمَاءِ .. كُلُّ شَىْءٍ فِيْهَا لَيْسَ خَالِصاً . أَمْسِ دَخَلْتُ المَسْجِدَ مُتَأَخِّراً لِصَلاةِ العَصْرِ ؛ وَحِيْنَ رَأَيْتُ الأَطْفَالَ يَضْحَكُوْنَ فِى صَلاتِهِمْ فِى الصُّفُوْفِ الخَلْفِيَّةِ ؛ أَدْرَكْتُ أَنَّ آبَاءَهُمُ الَّذِيْنَ يُصَلُّوْنَ فِى الصُّفُوْفِ الأَمَامِيَّةِ لايَخْلُوْنَ مِنْ نِفَاق .
حاج الخَبِيْر : اسْتَغْفر اللَّه العَظِيْم .. كُلُّ شَىْءٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى مَعْدُوْم ؛ إِلاَّ الوُجُوْد الأَعْظَم.. كُلُّ الأَشْيَاء فِى القُوْز تَغَيَّرَتْ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : الأَشْيَاءُ وُجِدَتْ لِلبَقَاءِ الَّذِى يَكْتَنِفُهُ التَّغْيِيْرُ .
ضَمْرَة : أَتَعْنِى أَنَّ الَّذى لايَتَغَيَّرُ لايَبْقَى .
ــــــــــ
(1) يَقْصِدُ العُثُّة ؛ وَالعُثَّةُ : حَشَرَةٌ تَلْحَسُ بِيَرَقَاتِهَا الجُلُوْدَ وَالفِرَاءَ وَالأَلْبِسَةَ والبُسُطَ ؛ كَما جَاءَ بِالمُعْجَمِ الوَسِيْطِ . أَوْهِىَ سُوْسَةٌ تَلْحَسُ الصَّوْفَ وَتَأْكُلُهُ؛ كَمَا جَاءَ بِالمُنْجَدِ والقَامُوْسِ المُحِيْطِ . (المُؤَلِّف) .
وَدّالبَاشْكَاتِب : بِالضَّبْطِ هُوَ ذَاْكَ . أَوْبِعِبَارةٍ أَدَقَّ؛ الَّذِى يَبْقَى هُوَ الَّذِى يَتَغَيَّرُ . أَفَهِمْتَ؟
ضَمْرَة : أَجَل .
سَمِعَ وَدّالعَالْيَابِى هَذَا الحِوَارَ ؛ وَكَانَ يَجْلِسُ كَمَنْ تَنْظُرُ عَيْنَاهُ إِلَيْكَ وَفَمُهُ صَامِتٌ ؛ وَتَتحَدَّثُ أَعْمَاقُهُ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ ؛ وَقَالَ عَلَى غَيْرِ تَوَقُّعٍ :
ـ صَحِيْح كُلُّ شَىْءٍ فِى قُوْز قُرَافِى تَغَيَّرَ ؛ حَتَّى صَارَ آبَاؤُنَا يَأْكُلُوْنَ وَنَتَجَشَّأَ نَحْنُ .. مُعَادَلَةٌ أَحَدُ طَرَفَيْهَا أَكْبَرُ كَثِيْراً مِنَ الآخَرِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : بَلِ المُعَادَلَةُ مَوْزُوْنَةٌ ؛ لأَنَّنَا بِدَوْرِنَا سَنَأْكُلُ وَيَتَجَشَّأُ أَبْنَاؤُنَا ؛ وَمِنْ قَبْلُ أَكَلَ أَجْدَادُنَا وَتَجَشَّأَ أَبْنَاؤُهُمُ الَّذِيْنَ هُمْ آبَاؤُنَا .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:50 AM   #[27]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

رُضْوَان : صَدَقْتَ يَاوَدّالعَالْيَابِى . كُلُّ شَىْءٍ فِى القُوْز تَغَيَّر .. كُلُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الكَوْنِ غَيْرُ مُتَّزِنٍ ؛ حَتَّى خُطُوَاتُ البَشَرِ عَلَى الأَرْضِ غَيْرُ مُتَّزِنَةٍ ؛ لأَنَّ الأَرْضَ نَفْسَهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً تَمَاماً كَمَا يُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَحْيَاناً . مِحْنَتُنَا أَنَّ آثَارَنَا عَلَى الأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ أَقْدَامِنَا .
تَمَلْمَلَ فَرَحٌ الَّذِى كَانَ يَبْدُو كَطِفْلٍ لَبِسَ نَعْلَىَّ أَبِيْه ِ؛ وَعَلَى قَيْدِ خُطُوَاتٍ مِنْهُ تَبْدُو قَرْيَةُ قُوْزْ قُرَافِى كَعَذَابٍ مُؤَجَّلٍ . تَمَلْمَلَ فَرَحٌ ؛ وَعَمَّا قَلِيْلٍ قَالَ لِوَدّالعَالْيَابِى :
ـ أَنْتَ إِنْسَانٌ لَسْتَ رَاضِياً عَنْ شَىْءٍ .
وَدّالعَالْيَابِى : أَنَا رَاضٍ عَنْ نَفْسِى ؛ لَكِنَّ نَفْسِى لَيْسَتْ رَاضِيَةً عَنِّى .
حَاج الخَبِيْر: يَاوَدّ العَالْيَابِى أَنْتَ إِنْسَانٌ غَيْرُ مَفْهُوْم .. إِنْسَانٌ يُصَادِقُ الجَزَّارَ ويَرْعَى مَعَ الحَمَل .
ضَحِكَ حاج الصَّافِى ضَحْكَةً مُتَخَاذِلَةً لاتَحْظَى بِدَعْمٍ مِنْ مَخْزُوْنِهِ الضَّحِكِىِّ ؛ فأَدْرَكَ فَرَحٌ أَنَّ النِّفَاقَ قَدْ تَسَلَّلَ حَتَّى إِلَى ضَحِكِ النَّاسِ . لَكِنَّ وَدّالعَالْيَابِى مَالَبِثَ أَنْ قَالَ :
ـ يَافَرَح أَنَا لَسْتُ كَذَلِكَ ؛ أَنَا إِنْسَانٌ عَادِّىٌّ .. لَيْسَ فِى حَيَاتِى مَاأَخْجَلُ مِنْهُ ؛ وَلَيْسَ فِيْهَا مَاأَفْخَرُ بِهِ .
كَانَتْ كُلُّ القَرَائِنِ تُشِيْرُ إِلَى أَنَّ وَدّالعَالْيَابِى بِصَدَدِ أَنْ يُوَاصِلَ حَدِيْثَهُ ؛ لَكِنَّهُ قَطَعَهُ حِيْنَ تَنَاهَى إِلَى أُذُنَيْهِ تَثَاؤُبُ حَاج الخَبِيْر بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ . لَقَدْ تَمَادَى حَاج الخَبِيْر الَّذِى نَفَشَتْ فِى زَرْعِهِ غَنَمُ الدَّهْرِ فِى التَّثَاؤُبِ .. لَقَدْ تَثَاءَبَ مِثْلَمَا يَتَثَاءَبُ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بِالسُّوْقِ؛ وَمَاأَفْقَرَ مِنْ يَتَثَاءَبُ بِالسُّوْقِ! فَتَثُاؤُبُ الفَقِيْرِ بِالسُّوْقِ نَوْعٌ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالبَضَائِعِ الكَاسِدَةِ فِيْهِ ؛ كَمَا يَقُوْلُ بَعْضُ سَاخِرِى قُوْزْ قُرَافِى ؛ الَّذِيْنَ يُضِيْفُوْنَ أَنَّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى وَحَيْوَانَاتِهِمْ أَصْبَحُوا ـ لِتَبَرُّمِهِمْ بِالحَيَاةِ ـ يَتَثَاءَبُوْنَ مِنْ غَيْرِ نُعَاسٍ ؛ وَيَحْلُمُوْنَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ . تَثَاءَبَ حاج الخَبِيْر؛ وَمَالَبِثَ أَنْ قَالَ :
ـ النَّاسُ فِى قُوْزْ قُرَافِى أَصْبَحُوا يَنَامُوْنَ كَمَا تَنَامُ النِّعَاجُ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : لَقَدْ أَخْطَأْتَ؛ فَالنَّوْمُ نَوْمَانِ : نَوْمٌ حَقِيْقِىٌّ ؛وَهُوَ نَوْمُ المَخْلُوْقَاتِ الرَّاقِيَةِ الَّتِى لَهَا عُقُوْلٌ تُدْرِكُ ؛ وَهُوَ النَّوْمُ الَّذِى تَرَى فِيْهِ تِلْكَ المَخْلُوْقَاتُ مَنَامَاتٍ؛ وَنَوْمٌ مَجَازِىٌّ؛ وَهُوَ نَوْمُ المَخْلُوْقَاتِ الَّتِى لاتَرَى فِى نَوْمِهَا مَنَامَاتٍ.. فَهَلْ تَرَى النِّعَاجُ مَنَامَاتٍ؟
عبدالعَاطِى : لاأَدْرِى .. رُبَّمَا تَرَى . لَكِنَّنِى مُتَأَكِّدٌ مِنْ شَىْءٍ وَاحِدٍ ؛ وَهُوَ أَنَّ نَوْمَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى نَوْمٌ مَجَازِىٌّ؛ مَافِى ذَلِكَ أَدْنَى شَكٍّ .
هُنَا تَضَايَقَ فَرَحٌ مِنْ هَذِهِ التَّخْرِيْجَاتِ وَصَاحَ :
ـ يَاإِلَهِى! مَاالَّذِى يُرْجَى مِنْ أُمَّةٍ شُيُوْخُهَا مُصَابُوْنَ بِالحَصْبَةِ وَالسُّعَالِ الدِّيْكِىِّ وَبَقِيَّةِ أَمْرَاضِ الأَطْفَالِ؟ يَاسَادَتِى أَنْتُمْ شُيُوْخٌ أَطْفَالٌ . اللَّهُمَّ يَامَنْ تَأْخُذُ مَلائِكَتُكَ بِالنَّوَاصِى وَالأَقْدَامِ : فَلْتَأْخُذْنِى مَلائِكَتُكَ وَتَسْلُكْنِى فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُوْنَ ذِرَاعاً ؛ حَتَّى أَرْتَاحَ مِنْ هَذَا المَجْلِسِ وَأَمْثَالِهِ .
قَالَ فَرَحٌ ذَلِكَ وَنَهَضَ عَلَى الفَوْرِ ؛ وَهُوَ يَسْمَعُ عَلَى البُعْدِ نَهِيْقَ حِمَارٍ بِصَوْتٍ يَنُمُّ عَلَى أَنَّ طَرِيْقَتَهُ فِى النَّهِيْقِ قَدْ تَغَيَّرَتْ ؛ لِتَغَيُّرِ أَفْكَارِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى . لَكِنَّ صَوْتَهُ لَمْ يَعُدْ أَنْكَر مَافِى قُوْزْ قُرَافِى مِنَ الأَشْيَاءِ ؛ إِذْ مِنْ أَفْكَارِ أَهْلِ القَرْيَةِ مَاهُوَأَنْكَرُ مِنْ صَوْتِ الحَمِيْرِ . لَوْ سَمِعَ فَرَحٌ هَذَا النَّهِيْقَ قَبْلَ سَنَةٍ مِنَ الآنَ ؛ لَسَمِعَ نَفْسَ هَذا الحِمَارِ يَنْهَقُ بِتَجَرُّدٍ وَكَأَنَّهُ يَنْهَقُ إِنَابَةً عَنْ كُلِّ حَمِيْرِ قُوْزْ قُرَافِى .. مَاوُِلدَ مِنْهَا وَمَاسَيُوْلَدُ ؛ وَمَالَنْ يُوْلَدَ . عِنْدَ هَذَا الحَدِّ أَحَسَّ ضَمْرَةُ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَغْيِيْرَ مَجْرَى الحَدِيْثِ ؛ فََقَالَ سَائِلاً عَمَّهُ الدُّسُوْقِى(1) ــــــــ
(1) انْظُرْ (1) فِى هَامِشِ صَفْحَةِ (1) .
ـ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ سِنّاً ؛ عَمِّى الرَّضِى أَمْ عَمِّى النُّعْمَان؟
حاج الدُّسُوْقِى : عَمُّكَ النُّعْمَان وُلِدَ قَبْلَ أَنْ يُوْحِى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ .
حاج الفَكِى : لَكِنَّهُ مَازَالَ يَحْتَفِظُ بِنَشَاطِ النَّحْلِ وَعَزْمِهِ وَصَبْرِهِ ؛ خِلافاً لِحَدِيْثِ العَوَّامِ ذَاْكَ عَنْهُ .
حَاج الخَبِيْر : الأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَازَالَ يَحْتَفِظُ بِحَدِيْثِهِ الحُلْوِ..حَدِيْثِهِ الَّذِى يَفُوْقُ عَسَلَ النَّحْلِ حَلاوَةً .
ضَمْرَة : وَلَكِنَّ عَمِّى النُّعْمَان فِيْهِ نَحْسٌ شَدِيْدٌ .
حاج الفَكِى : صَدَقْتَ . وَهُوَ يَعْرِفُ فِى نَفْسِهِ هَذَا النَّحْسَ ؛ لَكِنَّهُ لايَهْتَمُّ بِهِ . فَقَدْ حَكَى لِى فِى أَحَدِ الأَيَّامِ قَائِلاً : ( كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَ المَرْحُوْمَةَ سِت
الجِيْل ؛ وَكَانَ السَّفَرُ فِى تِلْكَ الأَيَّامِ بِالجِمَالِ . وَفِى أَحَدِ الأَيَّامِ حَمَّلْتُ عَدَداً كَبِيْراً مِنَ الجِمَالِ بِجَوَّالاتِ التَّمْرِ وَجُلُوْدِ الضَّأْنِ لأَبِيْعَهَا بِسُوْقِ أُمْدُرْمَان ؛ وَأَنَا أَرْكَبُ عَلَى حِمَارَتِى وَيَتْبَعُهَا جَحْشٌ لَهَا . وَلَمَّا تَوَسَّطْنَا الخَلاءَ نَزَلَ لَيْلاً مَطَرٌغَزِيْرٌ ؛ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّنَا تَرَكْنَا الجِمَالَ وَاقِفَةً وَجَلَسْنَا تَحْتَهَا اتِّقَاءً لِلمَطَرِ ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الوَقْتَ كَانَ عِزَّ الشِّتَاءِ . وَفِى الصَّبَاحِ لَمْ يَبْقَ فِى جَوَّالاتِ التَّمْرِ إِلاَّ النَّوَى ؛ وَقَدْ مَاتَتِ الحِمَارَةُ مِنْ شِدَّةِ الإِعْيَاءِ . وعِنْدَمَا وَصَلْنَا أُمْدُرْمَان كَانَتْ رَائِحَةُ الجُلُوْدِ لاتُطَاقُ؛ فَحَجَزَهَا أَحَدُ رِجَالِ الصِّحَّةِ وَطَالَبَنِى بِقِيْمَةِ الجَازِ (الكِيْرُوْسِيْن) الَّذِى سَتُحْرَقُ بِهِ وَأَجْرِ مَنْ سَيَقُوْمُ بِحَرْقِهَا . وَلَمَّا كُنْتُ لاأَمْلِكُ ذَاْكَ المَبْلَغَ ؛ فَقَدْ أَعْطَيْتُ أَحَدَ الأَوْلادِ قِرْشاً وَهُوَ لَيْسَ بِالمَبْلَغِ الهَيِّنِ فِى ذَاْكَ الزَّمْنِ ؛ لِيُحْمِمَ الجَحْشَ فِى النِّيْلِ كَىْ أَبِيْعَهُ ؛ بَعْدَ أَنْ قَصَصْتُ شَعْرَهُ بِقِرْشٍ آخَرَ . وَمَا أَنْ أَدْخَلَ الوَلَدُ الجَحْشَ فِى النِّيْلِ حَتَّى وَقَعَ فِى حُفْرَةٍ وَغَرِقَ فِيْهَا ؛فَكَانَتْ قَبْرَهُ . مَاكَانَ مِنِّى بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ عَمِلْتُ فِى الطِّيْنِ .. أَبْنِى البُيُوْتَ بِالجَالُوْصِ؛ إِلَى أَنْ دَفَعْتُ لِرَجُلِ الصِّحَّةِ وَسَدَّدْتُ أُجْرَةَ الجِمَالِ .. لَقَدْ سَافَرْتُ تَاجِراً ؛ وَعُدْتُ طَيَّاناً!)
ضَحِكَ الجَمِيْعُ ؛ وَقَامَ وَدّالبَاشْكَاتِب وَفَتَّشَ فِى جُيُوْبِ المِيْجَر ؛ وَعَادَ وهُوَ يَحْمِلُ سِيْجَارَةً أَشْعَلَهَا وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى حاج الخَبِيْر :
ـ كَلامكُم صَحِيْح ؛ فَطُوْلُ العُمْرِ فِى هَذَا الزَّمَنِ هُوَ قِمَّةُ الشَّقَاءِ . تَقُوْلُ الأُسْطُوْرَةُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الحَيَوَانَاتِ ـ بِمَا فِيْهَا الإِنْسَان ـ وَقَدَّرَ لِكُلِّ حَيَوَانٍ مِنْهَا مِنَ العُمُرِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً ؛ غَيْرَ أَنَّ الحِمَارَ طَلَبَ أَنْ يَكُوْنَ عُمْرُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً فَقَط؛ لأَنَّهُ لايَحْتَمِلُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مِنَ الحَمْلِ الثَّقِيْلِ وَالضَّرْبِ وَاللَّكْزِ والغَمْزِ ؛ فَحُقِّقَ لَهُ طَلَبُهُ . وَلِطَمَعِ الإِنْسَانِ ـ وَالطَّمَعُ فَحْلُ العُيُوْبِ ـ طَلَبَ أَنْ تُضَافَ سَنَوَاتُ عُمُرِ الحِمَارِ المُتَنَازِلِ عَنْهَا إِلَى عُمْرِهِ ؛ فَأُجِيْبَ لَهُ طَلَبُهُ . ثُمَّ إِنَّ الكَلْبَ مِنْ جَانِبِهِ طَلَبَ أَنْ يَكُوْنَ عُمُرُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً ؛ لأَنَّهُ لايَطِيْقُ أَنْ يَعِيْشَ سَاهِراً نَابِحاً جَارِياً أَرْبَعِيْنَ سَنَةً ؛ فَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ . وَلِطَمَعِ الإِنْسَانِ ـ وَالطَّمَعُ فَحْلُ العُيُوْبِ ـ طَلَبَ أَنْ تُضَافَ سَنَوَاتُ عُمْرِ الكَلْبِ المُتَنَازِلِ عَنْهَا إِلَى عُمُرِهِ ؛ فَاسْتُجِيْبَ لَهُ . كَذَلِكَ تَنَازَلَ القِرْدُ عَنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ ؛ لأَنَّهُ لَنْ يَصْبِرَعَلَى أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مِنَ التَّعَلُّقِ بِفُرُوْعِ الأَشْجَارِ وَوَخْزِ الشَّوْكِ وَأَذَى الإِنْسَانِ ؛ فَلمْ يُرْفَضْ طَلَبُهُ . وَلِطَمَعِ الإِنْسَانِ ـ وَالطَّمَعُ فَحْلُ العُيُوْبِ ـ طَلَبَ أَنْ تُضَافَ سَنَوَاتُ عُمْرِ القِرْدِ المُتَنَازِلِ عَنْهَا إِلَى عُمُرِه ؛ فَقُبِلَ طَلَبُهُ . وَهَكَذَا نَرَى الإِنْسَانَ بَعْدَ أَنْ ينَْتَهِىَ أَجَلُهُ الَّذِى قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ ؛ وَهُوَ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً كَمَا تَقُوْلُ الأُسْطُوْرَةُ ؛ يَعْمَلُ حَتَّى السِّتِّيْنَ بِقُوَّةٍ لاوَهْنَ فِيْهَا ؛ لأَنَّهُ يَعْمَلُ بِسَنَوَاتِ عُمْرِ الحِمَارِ الَّتِى تَنَازَلَ عَنْهَا . وَمِنْ سِنِّ السِّتِّيْنَ حَتَّى سِنِّ الثَّمَانِيْنَ يَنْبَحُ الإِنْسَانُ مِثْلُ الكَلْبِ ؛ لأَنَّهُ يَعِيْشُ فِى سَنَوَاتِ عُمُرِ الكَلْبِ الَّتِى تَنَازَلَ عَنْهَا . وَمِنْ سِنِّ الثَّمَانِيْنَ حَتَّى سِنِّ المِائَةِ يَكُوْنُ الإِنْسَانُ عُرْضَةً لِتَسْلِيَةِ النَّاسِ وَالضَّحِكِ مِنْهُ وَمِنْ مَنْظَرِهِ ؛ لأَنَّهُ يَعِيْشُ فى سَنَوَاتِ عُمْرِ القِرْدِ الَّتِى تَنَازَلَ عَنْهَا . مِنْ ذَلِكَ نَرَى أَنَّ الحِمَارَ وَالكَلْبَ وَالقِرْدَ أَكْيَسُ مِنَ الإِنْسَانِ ؛ عِنْدَمَا تَنَازَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ نِصْفِ عُمُرِهِ .
رُضْوَان(1) : إِذَنْ أَنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّ عَمِّى النُّعْمَان يَعِيْشُ الآنَ فِى عُمْرِ القِرْدِ ؛ أَلَيْسَ كذَلِكَ؟
هُنَا تَصَدَّى لِلحَدِيْثِ الرَّشِيْد وَدّالتُّهَامِى المَعْرُوْفُ بِـ (وَدْ عُوْدالفَاس) ؛ الَّذِى خَرَجَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى مُعْدَماً وَعَادَ إِلَيْهِ وَفِى نَبَرَاتِهِ رَائِحَةُ البِتْرُوْلِ ؛ وَفِى مَلابِسِهِ إِنْسَانٌ آخَرُ :
ـ عَمِّى الخَبِيْر بِسَرْدِهِ لأُسْطُوْرَةِ الحِمَارِ وَالكَلْبِ وَالقِرْدِ وَالإِنْسَانِ ؛ يَقْصِدُ أَنَّ ــــــــــ
(1) العَامَّةُ يَنْطِقُوْنَ (رِضْوَانَ) بِالرَّاءِ مَضْمُوْمَةً بَدَلاً مِنْ كَسْرِهَا . المُؤَلِّف .
عَمِّى النُّعْمان رَجُلٌ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِهِ العُمْرُ . وَالرَّجُلُ يُهِمُّهُ أَنْ يَكُوْنَ سِرْوَالُهُ سَالِماً مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ ؛ وَلاشَىْءَ وَرَاءَ ذَلِكَ وَلاأَمَامَهُ .
حاج الرَّضِى : صَدَقْتَ . وَلأَنَّ حاج النُّعْمَان رَجُلٌ ؛ فَهُوَ لايَهْتَمُّ إِلاَّ بِالمَرْأَةِ . وَدّالعَالْيَابِى : أَتَعْنِى أَنَّهُ لايَهْتَمُّ إِلاَّ بِالزَّوَاجِ؟
حاج الرَّضِى: أَجَل .
عبدالعَاطِى : عَمِّى النُّعْمَان رَجُلٌ قَدَّتِ الأَيَّامُ سَرَاوِيْلَهُ مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ .. يَبْدَأُ الهَرَمُ فِى الرَّجُلِ مُنْذُ بُلُوْغِهِ سِنَّ الأَرْبَعِيْنَ .. يَهْرَمُ عَقْلُهُ ؛ ثُمَّ يَنْتَقِلُ الهَرَمُ إِلَى قَلْبِهِ فَسِرْوَالِهِ .
حاج الرَّضِى : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن .
قَالَ حاج الرَّضِى ذَلِكَ بِنَبْرَةِ مِنْ لايَتَدَبَّرُ كِتَابَ اللَّهِ العَزِيْزِ . إِنَّهُ نَفْسُ حاج الرَّضِى الَّذِى تَهَدَّلَتْ بِدَاخِلِهِ أَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ ؛ لَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا عِشْقُ الحَيَاةِ . حاج الخَبِيْر : المَرْأَةُ تَهْرَمُ مِنْ وَجْهِهَا وَالرَّجُلُ يَهْرَمُ مِنْ سِرْوَالِهِ ؛ وَبَعْضُ السَّرَاوِيْلِ أَجْمَلُ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ .
حاج الرَّضِى : صَدَقْتَ يَاحاج الخَبِيْر ؛ سَرَاوِيْلُنَا أَجْمَلُ كَثِيْراً مِنْ وُجُوْهِ نِسَائِنَا .. نِسَاؤُنَا صِرْنَ عَجَائِزَ ؛ وَحَالُنُا حَالُ مِنْ يَسْقِى التِّبْنَ عَلَى أَمَلِ أَنْ يَحْصِدَ مِنْهُ القَمْحَ .
حَاج الفَكِى : رَحِمَ اللَّهُ القَمْحَ .
عبدالعَاطِى : بَلْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَرَحِمَ نِسَاءَنَا وَرَحِمَ التِّبْنَ .
وَدّالعَالْيَابِى : بَلْ رَحِمَ اللَّهُ قُوْزْ قُرَافِى ؛ الَّذِى جَعَلَ الفَيْضَانُ أَهْلَهُ يَحْمِلُوْنَ فِى رُؤُوْسِهِمْ كُلَّ هَذِهِ الأَفْكَارِ المَسْمُوْمَةِ ؛ وَيُنَاقِشُوْنَ مَسَائِلَ مَاكَانُوا يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا مِنْ قَبْلُ . قَاتَلَ اللَّهُ الفَرَاغَ الَّذِى وَجَدَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى أَنْفُسَهُمْ فِيْهِ؛ فَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الجَدَلُ وَقَلَّ العَمَلُ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : بَلْ رَحِمَ اللَّهُ المَاءَ الَّذِى لايَسِيْرُ فِى جَدَاوِلِهِ ؛ أوِ الَّذِى تَكْرَهُهُ الجَدَاوِلُ .
مِيْرْغَنِى : رَحِمَنَا اللَّهُ جَمِيْعاً وَرَحِمَ الجَدَاوِلَ ؛ وَرَحِمَ مَعَنَا النِّيْلَ وَالمَطَرَ وَالسَّحَابَ وَأَبُورِغيْوَة . السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ .
قالَ مِيْرْغَنِى ذَلِكَ وَنَهَضَ مُسْرِعاً إِلَى بَيْتِهِ وَقَدْ بَدَأَتِ الأَنْسَامُ تَهُبُّ عَلِيْلَةً ؛ فَلَمْ يَسْمَعْ بَقِيَّةَ الأُنْسِ ..
حاج الخَبِيْر : يَاحاج الرَّضِى المَرْأَةُ مِثْلُ المِرْآة .. المِرْآةُ تَظْهَرُ عَلَيْهَا صُوْرَةَ مِنْ يَنْظُرُ فِيْهَا ؛ حَتَّى إِنْ كَانَ قَاتِلَ صَاحِبِهَا .
وَدّالبَاشْكَاتِب : وَحَتَّى فِى المِرْآةِ يُوْجَدُ مِنْ يُعَكِّرُ مِزَاجَكَ ؛ فَبَيْنَمَا تَكُوْنُ مُسْتَمْتِعاً بِتَأَمُّلِ صُوْرَتِكَ فِى المِرْآةِ وَقَدْ خَلا لَكَ المَكَانُ ؛ يَدِبُّ مِنْ وَرَائِكَ مَنْ تَكْرَهُ ؛ وَفَجْأَةً تَظْهَرُ صُوْرَتُهُ مَعَ صُوْرَتِكَ فِى المِرْآةِ ؛ فَلا تَمْلِكُ إِلاَّ أَنْ تُلْقِىَ بِالمِرْآةِ أَرْضاً وأَنْتَ تَلْعَنُ كُلَّ أَجْيَالِ المَرَايَا .
ضَمْرَة : الوَيْلُ لِلمَرْأَةِ وَالمِرْآةِ فِى قُوْزْ قُرَافِى .
رُضْوَان : صَدَقْتَ . المَرْأَةُ فِى قُوْزْ قُرَافِى مَقْهُوْرَة ؛ والمِرْآةُ مَظْلُوْمَة . وَدّالعَالْيَابِى : ادْخُلْ أَىَّ بَيْتٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى ..لا بُدَّ أَنْ تَجِدَ فِيْهِ مُصْحَفاً وَمِرْآةً ؛ لايَشُذُّ عَنْ ذَلِكَ بَيْتٌ وَاحِدٌ . هَكَذَا حَالُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. صَاحِبُ الوَجْهِ البَشِعِ يَمْلِكُ مِرْآةً ؛ وَيَحْتَفِظُ بِمُصْحَفٍ مَنْ لايَحْمِلُ قَلْباً جَمِيْلاً . عبدالعَاطِى : النِّفَاقُ مَوْجُوْدٌ فِى القُلُوْبِ قَبْلَ أَنْ تُوْجَدَ المَصَاحِفُ . لَيْتَ النُّفُوْسَ تَظْهَرُ عَلَى المَرَايَا ؛ إِذَنْ لَمَا نَظَرَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى فِى مِرْآةٍ .
حاج الصَّافِى : حَمَانَا اللَّهُ مِنَ القُبْحِ وَضَعْفِ الإِيْمَانِ .
وَدّالعَالْيَابِى : لاتُتْعِبْ نَفْسَكَ؛ فَهَذَا دُعَاءٌ لايُسْتَجَابُ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى. حاج الصَّافِى : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنْ غَيْرِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى وَأَجِبْ دُعَائِى .
ضَمْرَة : وَلَكِنْ هَلْ يَنْطَبِقُ حَدِيثُكُمْ عَنِ النِّسَاءِ عَلَى الخَوَاجِيَّة لَيْلَى عِبيْد؟ وَدّالعَالْيَابِى : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الخَوَاجَات .
حاج الدُّسُوقِى : مَالَنَا وَللِخَوَاجَات ؛ فَهَؤُلاءِ قُوْمٌ لَهُمْ دِيْنُهُمْ وَلَنَا دِيْن .
حاج الصَّافِى : الخَوَاجَات يَتَعَشَّوْنَ وَيَبِيْتُ ضَيْفُهُمْ مِنْ غَيْرِ عَشَاءٍ . وَدّالبَاشْكَاتِب : لَعَلَّ العَيْبَ لَيْسَ فِيْهِمْ بِقَدْرِمَاهُوَ فِى ضُيُوْفِهِمْ .ِ
حاج الدُّسُوْقِى : نَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّيْلِ الطَّوِيْلِ وَالضَّيْفِ الثَّقِيْلِ .
قَالَ حاج الدُّسُوْقِى ذَلِكَ بِطَرِيْقَةِ مَنْ لَوْكَانَ الوَقْتُ نَهَاراً ؛ لَهَشَّ بِيَدَيْهِ ذُبَابَةً سَمِيْنَةً مِنَ أَمَامِ عَيْنَيْهِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : أَنْتُمْ أُنَاسٌ لايَنْفَعُ فِيْكُمُ المَعْرُوفُ . هَلِ الحُكُوْمَةُ هِىَ الَّتِى تَعَشَّيْتُمْ مِنْ إِغَاثَتِهَا هَذَهِ اللَّيْلَة ؛ أَمِ الخَوَاجِيَّة؟ مَنْ غَيْرُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى يَأْكُلُ الوَجَبَاتِ الثَّلاثَ فِى هَذِهِ الأَيَّامِ؟ الطَّائِرَاتُ الضَّخْمَةُ تَأْتِى بِالأَغْذِيَةِ مِنْ لنْدنَ ومِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ العَالَمِ إِلَى الخُرْطُوْم ؛ وَمِنْهَا إِلَى مَرَوِىْ بِطَائِرَاتٍ أَصْغَرَ ؛ ثُمَّ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى بِالعَرَبَاتِ؛ مَنْ يَدْفَعُ أَجْرَ كُلِّ ذَلِكَ؟ هَلْ هِىَ الحُكُوْمَةُ أَمِ الخَوَاجِيَّة؟ مَنْ أَنْشَأَ بِقُوْزْ قُرَافِى مُسْتَشْفًى كَامِلاً ؛ لَمْ يَبْقَ سِوَى افْتِتَاحِهِ؟ مَنْ بَنَى بِقُوْزْ قُرَافِى مَدْرَسَتَيْنِ ثَانَوِيَّتَيْنِ وَزَوَّدَهُمَا بِكُلِّ شَىْءٍ ؛ حَتَّى بِالمُدَرِّسِيْنَ وَالكُتُبِ؟ أَهِىَ الحُكُوْمَةُ أَمِ الخَوَاجِيَّة؟ مَنْ سَيَبْنِى بِالحَجَرِ وَالأَسْمَنْتِ الرَّصِيْفَ بِطُوْلِ ِجُرُوْفِ قُوْزْ قُرَافِى؛ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ النِّيْلُ إِلَى مَجْرَاهُ الطَّبِيْعِىِّ؟ أَهِىَ الحُكُوْمَةُ أَمِ الخَوَاجِيَّة؟ مَنِ الَّذِى دَفَعَ التَّعْوِيْضَاتِ الَّتِى فَاقَتِ الوَصْفَ لِلمُتَضَرِّرِيْنَ فِى المَزَارِعِ وَالمَنَازِلِ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؟ هَلْ هِىَ الحُكُوْمَةُ أَمِ الخَوَاجِيَّة؟ هَلْ زَارَكُمْ مَسْؤُوْلٌ وَاحِدٌ فِى مِحْنَتِكُمْ هَذِهِ ؛ أَمْ أَنَّ الخَوَاجِيَّةَ هِىَ أَوَّلُ مَنْ وَصَلَ قُوْزْ قُرَافِى بَعْدَ أَنْ وَقَعَتِ الكَارِثَة؟ بَيْنَمَا أَبْنَاؤُكُمُ المِنْتَشِرُوْنَ فِى كُلِّ أَنْحَاءِ الوَطَنِ لَمْ يَسْأَلُوا حَتَّى عَنْ صِحَّتِكُمْ . ثُمَّ تأْتِى أَنْتَ يَاإِنْسَانَ قُوْزْ قُرَافِى يَاإِنْسَانَ القَرْنِ العِشْرِيْنَ ؛ وَلَكِنْ قَبْلَ المِيْلادِ ؛ لِتَسْأَلَ بِكلِّ هَزَائِمِ الإِنْسَانِ عَلَى مَرِّ الدُّهُوْرِ : (بَعْدَ مَاذَا تَجِىءُ الخَوَاجِيَّةُ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى؟ أَبَعْدَ أَنْ أَكَلَ الحَمَامُ القَمْحَ؟) قَلِيْلٌ مِنَ الحَيَاءِ يَاأَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى . وَإِنْ كُنْتُمْ لاتَسْتَطِيْعُوْنَ الحَيَاءَ؛ أَوْعَلَى الأَقَلِّ لاتَرْغَبُوْنَ فِيْهِ ؛ فَلِمَ لاتَتْرُكُوْنِى أَخْجَلُ إِنَابَةً عَنْكُمْ؟
سَمِعَ حاج الفَكِى قَوْلَ وَدّالبَاشْكَاتِب هَذا ؛ وفِى نَفْسِهِ قَالَ :"لَقَدْ صَدَقَ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى كُلِّ مَاقَالَ ؛ ولَكِنَّ هَذِهِ الكَافِرَةَ أَغْنَى مِنْ حُكُوْمَتِنَا" . وَلَكِنْ مِنْ يَدْرِى ؛ فَقَدْ يُغَيِّرُ حاج الفَكِى رَأْيَهُ فِى دِيْنِ الخَوَاجِيَّةِ لَوِاسْتَمَعَ إِلَى الحِوَارِ القَصِيْرِ بَيْنَ المَامُوْنِ وبَيْنَهَا :
المَامُوْن : لَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّكِ قَدْ حَجَجْتِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ .
الخَوَاجِيَّة : أَنَا أَحُجُّ فِى كُلِّ عَامٍ؛ مُنْذُ أَنْ غَادَرْتُ قُوْزْ قُرَافِى بَعْدَ أَنِ اعْتَنَقْتُ الإِسْلامَ . صَلَّى اللَّهُ عَلَى المُصْطَفَى وسَلَّم .. يَامَامُون : تِلْكَ أَمَاكِنُ طَاهِرَةٌ ؛ تُحِسُّ وَأَنْتَ فِيْهَا أَنَّكَ قَدْ تَرَكْتَ وَرَاءَكَ الدُّنْيَا وَمَافِيْهَا ، وَسَكَنْتَ مَكَاناً أَرْحَبَ كَثِيْراً مِنَ الدُّنْيَا ؛ وَأَلاَّمَكَانَ أَضْيَقَ وَأَقْذَرَ مِنَ الدُّنْيَا . أَسْأَلُ اللَّهَ يَامَامُوْن أَنْ يُوَفِّقَنِى لأَحُجَّ فِى كُلِّ عَامٍ إِلَى أَنْ أَلْقَى وَجْهَهُ الكَرِيْمَ ؛ وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنِى مِمَّنْ يُدْفَنُوْنَ فِى البَقِيْعِ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:54 AM   #[28]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

بَيْنَ وَدّالبَاشْكَاتِب وَبَقِيَّةِ مَنْ بِالمَجْلِس ِ. وَقَدْ بَدَأَ عبدالعَاطِى التَّصْدِّى لِتِلْكَ الحَرْبِ ؛ وَفِى أُذُنَيْهِ مَازَاْلَ يَرِنُّ صَوْتُ صِبيْرٍ نَهَاراً الخَوَاجِيَّة كَانَتْ فِيْمَا وَلأَنَّ حاج الفَكِى لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الحِوَارَ ؛ ولَوْسَمِعَهُ رُبَّمَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ عَقْلُهُ ؛ فَقَدِ اسْتَمَعَ إِلَىعبدالعَاطِى الَّذِى عَمِلَ عَلَى إِيْقَافِ حَرْبٍ عَلَى وَشْكِ الاشْتِعَالِ مَضَى وَحَتَّى الآن ؛ امْرَأَةً يَسْتَفِزُّ جَمَالُهَا الرُّجُوْلَةَ) ؛ بَدَأَ التَّصَدِّى لِتِلْكَ الحَرْبِ بِأَنْ سَأَلَ سُؤَالاً ؛ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُوْدُ إِلَى حِوَارٍ يُؤَدِّى إِلَى الابْتِعَادِ عَنْ أَجْوَاءِ الحَرْبِ :
ـ كَمْ تُرَى قَدِ انْقَضَى مُنْذُ سَفَرِ الخَوَاجِيَّةِ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى حَتَّى رُجُوْعِهَا إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى؟
رُضْوَان : بِحِسَابِ الحَوَادِثِ قُرُوْنٌ ؛ وَبِحِسَابِ الزَّمَنِ سَنَوَاتٌ مَعْدُوْدَةٌ . أَتَتَذَكَّرُ يَاوَدّالعَالْيَابِى شُعُوْرَ عَمِّى النُّعْمَان يَوْمَ سَفَرِ الخَوَاجِيَّة وَالخَوَاجة أَنْدَرْسُوْن؟
وَدّ العَالْيَابِى : نَعَمْ أَتَذَكَّرُهُ جَيِّداً ؛ كَانَ شُعُوْرُهُ شُعُوْرَ صَاحِبِ تَذِكِرَةِ سَفَرٍ انْتَهَتْ مُدَّةُ صَلاحِيَّتِهَا ؛ وَهُوَ يَتَأَهَبُّ لِلسَّفَرِ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : وَكَانَ شُعُوْرُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى شُعُوْرَ صَاحِبِ تَذْكِرَةِ سَفَرٍ سَارِيَةَ المَفْعُوْلِ ؛ فَقَدَهَا فِى آخِرِ لَحْظَةٍ وَهُوَ يَتَأَهَبُّ لِلسَّفَرِ بِهَا .
هُنَا ابْتَسَمَ عبدالعَاطِى الَّذِى نَجَحَ فِى إِيْقَافِ حَرْبٍ كَانَتْ عَلَى وَشْكِ الانْدِلاعِ ؛ فَقَدْ عَادَ إِلَى مَجْلسِهِمْ سَابِقُ انْسِيَابِ الحِوَارِ الهَادِىْءِ فِيْهِ . أَمَّا وَدّالبَاشْكَاتِب فَقَدْ تَذَكَّرَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ الحِوَارَ القَصِيْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الخَوَاجِيَّة :
هُوَ : لِمَاذَا عُدْتِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى مَرَّةً أُخْرَى؟
هِىَ : لأَنَّنِى مَا أَنْ تَقَعَ عَيَنَاىَ عَلَى مَوْقِعِ قُوْزْ قُرَافِى فِى الخَرِيْطَةِ ؛ حَتَّى أَشُمَّ فِى أَنْفِى رَائِحَةَ نُوَّارِ النِّيْمِ .. التَّحْدِيْقُ فِى نُجُوْمِ قُوْزْ قُرَافِى لَهُ فِى الحَلْقِ طَعْمُ الشَّهْدِ .
قَالَتِ الخَوَاجِيَّةُ ذَلِكَ ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى قَاسِمٍ ؛ وَفِى نَفْسِهَا قَالَتْ وَقَدْ لاحَظَتِ الشَّيْبَ فِى رَأْسِهِ :"قَاسِمٌ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى يَشِيْبُوْنَ وهُمْ صِغَارٌ ؛ لأَنَّ شَيْبَهُمْ نَابِعٌ مِنْ لَوْنِ قُلُوْبِهِمْ" .
وَلَكِنْ هَلْ يَشِيْبُ اللَّيْلُ فِى سِنٍّ صَغِيْرَةٍ أَيْضاً؟ أَجَل ؛ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ شَابَ كُلُّ شَىْءٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى ؛ حَتَّى اللَّيْلُ . وَأَخِيْراً صَاحَ دِيْكٌ مِنْ مَكَانٍ قَرِيْبٍ ؛ وَصِيْاحُ الدِّيْكِ لَيْسَ دَلِيْلاً عَلَى بُزُوْغِ الفَجْرِ فِى جَمِيْعِ الأَحْوَالِ ؛ بَلْ هُوَ تَأْكِيْدٌ أَحَيَاناً عَلَى أَنَّ الدَّيْكَ مَازَاْلَ مُسْتَيْقِظاً أَيْضاً . وَفِيْمَا بَعْدُ اسْتَيْقَظَتْ أَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ فِى نَفْسِ المَامُوْنِ .
(4)
نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى بَاطِنِ كَفِّ الخَوَاجِيَّةِ السَّمِيْنَةِ ؛ وَحَاوْرَ نَفْسَهُ :
ـ صَاحِبُ الكَفِّ المُكْتَنِزَةِ أَبَداً وَاسِعُ الرَّزْقِ .
ـ وَذُوْ الكَفِّ النَّحِيْفَةِ؟
ـ دَوْماً فَقِيْرٌ وَحَسَّاسٌ .
ـ وَمَاذَا عَنِ الأَقْدَامِ النَّحِيْفَةِ وَالأَقْدَامِ المُمْتَلِئَةِ؟
أَحَسَّ المَامُوْنُ بِإجَابَةِ السُّؤَالِ الأَخِيْرِ وَكَأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ؛ فِيْمَا انْحَنَتِ الخَوَاجِيَّةُ مَدْهُوشَةً عَلَى ابْنِهَا الَّذِى كَانَ يُنَقِّبُ بِشَوْكَةِ نَخْلٍ ؛ عَنْ شَوْكَةِ طَلْحٍ انْكَسَرَتْ فِى كَعْبِ قَدَمِهِ . رُبَّمَا تَذَكَّرَ المَامُوْنُ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَوْلَ عَمِّهِ تَبيْقَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: (الشَّوْكَةُ تُخْرِجُ الشَّوْكَةَ مِنَ القَدَمِ ؛ وَالمَرْأَةُ تُخْرِجُ المَرْأَةَ مِنَ البَيْتِ) . أَخَذَتِ الخَوَاجِيَّةُ شَوْكَةَ النَّخْلِ مِنِ ابْنِهَا لِتَتَوَلَّى عَنْهُ المُهِمَّةَ ؛ بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ رِجْلَهُ عَلَى فَخِذِهَا؛ وَقَدْ بَدَا لَوْنُ ابْنِهَا كَلَوْنِ عُرْجُوْنِ التَّمْرِ عِنْدَ اكْتِمَالِ نُضْجِهِ؛ كَمَا يَقُوْلُ عَنْهُ حاج الدُّسُوْقِى . لَكِنَّ ابْنَهَا أَبْعَدَ رِجْلَهُ فَجْأَةً عَنْ فَخِذِهَا وَهُوَ يَقُوْلُ لَهَا :
ـ الشَّوْكَةُ المَكْسُوْرَةُ لَيْسَتْ فِى قَدَمِى .. الشَّوْكَةُ المَكْسُوْرَةُ فِى عَقْلِى . صَغُرَتْ حَدَقَتَا عَيْنَىِّ الخَوَاجِيَّةِ وَهِىَ تَنْظُرُ إِلَى ابْنِهَا الَّذِى ثَنَى رِجْلَهُ تَحْتَهُ وَقَالَتْ لَهُ :
ـ مَادَامَتِ الشَّوْكَةُ فِى عَقْلِكَ لِمَ تَبْحَثُ عَنْهَا فِى رِجْلِكَ؟
هُو: لأَنَّ عَقْلِى فِى قَدَمِى .. رَأْسِى فِى هَذَا العَالَمِ المُضْطَّرِبِ لَمْ يَعُدْ إِلاَّ شَيْئاً لابُدَّ مِنْهُ؛ لِتَكْتَمِلَ صُوْرَةُ خَلْقِى لَيْسَ إِلاَّ ؛ هَكَذَا عَلَّمَتْنِى الحَيَاةُ فِى قُوْزْ قُرَافِى .
هِىَ : مَاذَا تَقُوْلُ؟ هَلْ فَقَدْتَ عَقْلَكَ؟
هُوَ : عَقْلِى أَكْثَرُ صَعْلَكَةً مِنِّى .
هِىَ : مَاهَذَا الَّذِى تَقُوْلُ ؛ أَيُعَلِّمُكَ قُوْزْ قُرَافِى الجُنُوْنَ؟
هُوَ : لَقَدْ عَلَّمَنِى قُوْزْ قُرَافِى أَشْيَاءَ كَثِيْرَةً .
لَعَلَّ الخَوَاجِيَّةَ قَدْ أَدْرَكَتْ فى تِلْكَ اللَّحْظَةِ ؛ أَنَّ قِصَّةَ حُبٍّ عَنِيْفَةً قَدِ اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا بَيْنَ ابْنِهَا وَقُوْزْ قُرَافِى . لَعَلَّهَا قَدْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ أَكْثَرَ حِيْنَ قَالَتْ لَهُ : ـ احْمَدِ اللَّهَ أَنَّكَ تَعِيْشُ الآنَ فِى قُوْزْ قُرَافِى .
فَأَجَابَهَا عَلَى الفَوْرِ :
ـ بَلْ قَرْيَةُ قُوْزْ قُرَافِى تَعِيْشُ فِىَّ قَبْلَ أَنْ تَلِدِيْنِى ؛ وَقَبْلَ أَنْ تَأْتِى إِلَيْهَا ؛ فَأَنَا قَدْ كُنْتُ خَاطِرَةً فِى وِجْدَانِ أَبِى قَبْلَ أَنْ تُحَرِّكِى فِى وِجْدَانِهِ شَيْئاً .
هِىَ : نَوْعُ كَلامِكَ هَذَا لايُعْجِبُ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى .
هُوَ : أَنَا لَمْ أَرَ حَتَّى الآنَ قُوْزْ قُرَافِى ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ يَعِيْشُ فِىَّ وأَعِيْشُ فِيْهِ .
حِيْنَذَاْكَ أَيْقَنَتِ الخَوَاجِيَّةُ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ صَارَ ـ بِسُخْرِيَّتِهِ ـ وَاحِداً مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛فَابْتَسَمَتْ رَغْماً عَنْ أَنْفِ لنْدنَ . لَكِنَّهَا وَكَأَنَّمَا اسْتَعْذَبَتِ الحَدِيْثَ مَعَهُ؛ قَالَتْ لَهُ مُعَانِدَةً :
ـ قُلْتُ لَكَ إنَّ نَوْعَ حَدِيْثِكِ هَذَا لايُعْجِبُ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى . إِنَّهُمْ يَخْتَلِفُوْنَ كُلِّيَّةً عَنِ الإِنْجِلِيْز ؛ فَفِيْهِمْ حَيَوِيَّةٌ شَدِيْدَةٌ .. مَيِّتُهُمْ يَسْتَطِيْعُ الذِّهَابَ بِرِجْلَيْهِ إِلَى جَبَّانَةِ تُوْر القُوْز ؛ لاسْتِقْبَالِ المُعَزِّيْنَ وَالمُشَيِّعِيْنَ وَحُضُوْرِ اجْرَاءَاتِ الدَّفْنِ .. أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى حَيَاتُهُمْ غَيْرُ مُعَقَّدَة .
ابْنُهَا : تَعْنِيْنَ بَسِيْطَة .
هِىَ : لَمْ أَقُلْ بَسِيْطَةً ؛ بَلْ قُلْتُ غَيْرَ مُعَقَّدَة .
هُوَ : فَهِمْتُ .
هِىَ ؛ وَكَأَنَّهَا أَرَادَتْ سَبْرَ أَغْوَارِهِ أَكْثَرَ : اِسْمَعْ يَاابْنِى : عِنْدَمَا تُنْهِى المَرْحَلَةَ الثَّانَوِيَّةَ سَتُسَافِرُ مَعِىَ إِلَى لنْدنَ لِلدِّرَاسَةِ الجَامِعِيَّةِ ؛ حَيْثُ سَتُقَابِلُ أَخَوَالَكَ هُنَاكَ .
ابْنُهَا (حَاتِم) : أَعَمَامِى هُمُ الأَصْلُ الَّذِى أُنْسَبُ إِلَيْهِ .
نَظَرَتِ الخَوَاجِيَّةُ إِلَى ابْنِهَا ؛ وَمِنَ البُعْدِ غَيْرِ المَنْظُوْرِ جَاءَهَا صَوْتُ عِبيْدٍ يَطْوِى الحِقَبَ طَيّا ؛ وَذَلِكَ فِى اليَوْمِ الَّذِى قَدِمَتْ فِيْهِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى لِلمَرَّةِ الأُوْلَى قَبْلَ سَنَوَاتٍ وَسَنَوَاتٍ أَبِى كَانَ شَاعِراً وَلَمْ يَكُنْ مَجْنُوْناً ؛ وَجَدِّى كَانَ مَجْنُوْناً وَلَمْ يَكُنْ شَاعِراً . وَأَهْلُ القَرْيَةِ يَزْعَمُوْنَ أَنَّنِى أُشْبِهُ أَبِى أَكْثَرَ مِنْ جَدِّى إِذا مَاطَرِبْتُ ؛ وَأُشْبِهُ جَدِّى أَكْثَرَ مِنْ أَبِى إِذا مَاغَضِبْتُ ؛ وَأَنَا فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ لاأُشْبِهُ أَبِى وَلاجَدِّى ... أَنَا فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ أُشْبِهُ نَفْسِى فَقَط) ؛ بَيْنَمَا وَاصَلَ ابْنُهَا :
ـ نَمْلَةٌ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى أَنْفَعُ لأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى مِنْ عَالِمٍ فِى لنْدن . اتْرُكِيْنِى يَاأُمِّى ؛ وَسَأَلْحَقُ بِكِ فِى لنْدن عِنْدَمَا لايَكُوْنُ نَمْلُ قُوْزْ قُرَافِى نَافِعاً لأَهْلِ القَرْيَةِ .
هُنَا نَظرَتِ الخَوَاجِيَّةُ إِلَى ابْنِهَا لاكَمَا تَنْظُرُ دَجَاجَةٌ إِلَى بَيْضَةِ غَيْرِهَا ؛ وَلَكِنْ كَمَا تَنْظُرُ دَجَاجَةٌ إِلَى بَيْضَتِهَا الَّتِى وَضَعَتْهَا لِتَوِّهَا . نَظَرَتْ إِلَى ابْنِهَا ؛ ثُمَّ قَالَتْ مُخَاطِبَةً المَامُوْن :
ـ أَنَا سَأَلْتُ أَبَاهُ مَرَّةً مَاذَا لَوْفَكَّرَ ابْنُكَ عِندَمَا يَكْبَرُ فِى السَّفَرِ إِلَى الخَارِجِ؟) فَأَجَابَنِى إِجَابَةَ مِنْ أَحسَّ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ إِذَا أَرَادَ ابْنِى السَّفَرَ إِلَى الخَارِجِ عِنْدَمَا يَكْبَرُ ؛ فَلاتَقِفِى فِى طَرِيْقِهِ ؛ فَأَبُوْهُ مِنْ نَسْلِ رَجُلٍ لَمَّا ضَاقَ ذَرْعاً بِأَرْضِ أَجْدَادِهِ جَرَّبَ أَنْ يَطِيْرَ ؛ فَلَقِىَ حَتْفَهُ . دَعِى ابْنِى يُسَافِرُ ؛ فَأَبُوْهُ مِنْ نَسْلِ عَبَّاس بْنِ فِرْنَاس .. نَسْلٌ صَبْرُهُ عَلَى الذُّلِّ أَقَلُّ مِنَ المَسَافَةِ بَيْنَ فَتَحَتَىِّ الأَنْفِ . دَعِى ابْنِى يُسَافِرُ ؛ فَهُوَ ابْنُ عِتْرَةٍ فِى الحَضَارَةِ عَرِيْقَةٍ) .
لَكِنَّ ابْنَهَا لَمْ يَتْرُكْ لِلمَامُوْنِ فُرْصَةَ التَّعْقِيْبِ ؛ وَخَاطَبَهَا :
ـ أَنْتِ لَمْ تَفْهَمِى وَصِيَّةَ أَبِى .. أَبِى طَلَبَ مِنْكِ أَنْ تَدَعِيْنِى إِذَا اغْتَرَبْتُ ؛ أَنْ أُسَافِرَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى .
الخَوَاجِيَّة : وَلَكِنَّكَ مَوْجُوْدٌ الآنَ بِقُوْزْ قُرَافِى! الآن فَقَط فَهِمْتُ تَفْسِيْرَكَ لِوَصِيَّةِ أَبِيْكَ .. فَهِمْتُ أَنَّكَ مَوْجُوْدٌ بِجَسَدِكَ فِى قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَبِفِكْرِكَ فِى مَكَانٍ قَصِىٍّ لَمْ يَسْمَعْ بِهِ قُرَافِى نَفْسُهُ .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 11:58 AM   #[29]
imported_خالد الحاج
Administrator
الصورة الرمزية imported_خالد الحاج
 
افتراضي

ابْنُهَا : لاتَخَافِى عَلَىَّ يَاأُمِّى ؛ فَأَنَا مُنْتَشِرٌ دَاخِلَ عَقْلِى ونَفْسِى كَالسَّرَطَان . هِىَ : وَمَاذَا عَنْ جِسْمِكَ؟
هُوَ : جِسْمِى خَارِجَ اللُّعْبَةِ .
هِىَ : لاتَمْزَحْ يَاابْنِى .
هُوَ : المِزَاحُ تَفْرِضُهُ ظُرُوْفٌ ؛ وَالجِدُّ يَفْرِضُ نَفْسَهُ .
هِىَ : أَأَنْتَ جَادٌّ؟
هُوَ : لَقَدْ أَجَبْتُ عَنِ السُّؤَالِ ؛ وَلَنْ أُسَافِرَ مَعَكِ إِلَى لنْدنَ مُطْلَقاً .
هِىَ : أُوْه .. مِنْ أَىِّ دُنْيَا تَتَكَلَّمُ يَاابْنِى؟
المَامُوْن : اخْجَلْ مِنْ نَفْسِكَ يَاحَاتِم ؛ كَيَفَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ عَلَى أُمِّكَ؟
هُوَ (حَاتِم) : يَاعَمِّى المَامُوْن : حَتَّى المَصَارِيْنُ فِى البَطْنِ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهَا عِنْدَمَا تَتَعَارَك ؛ فَمَابَالُكَ بِالبَشَرِ؟ ثُمَّ إِنَّنَا لَمْ نَكُنْ نَتَعَارَكُ ؛ بَلْ كُنَّا نَتَفَاهَمُ بِطَرِيْقَةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .
ضَحِكَتِ الخَوَاجِيَّةُ وَهِىَ تُرَبِّتُ عَلَى كَتِفِ ابْنِهَا ؛ ثُمَّ قَالَتْ لِلمَامُوْنِ :
رُوْحُ هَذَا لَنْ تَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ ؛ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُغَيِّرَ عَقْلُهُ عَلَى الأَرْضِ حَقَائِقَ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ .
وَفِى نَفْسِهِ قَالَ المَامُوْنُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الخَوَاجِيَّةِ وَهِىَ تَضْحَكُ :"سُبْحَانَ اللَّه .. غَنِىٌّ يَضْحَكُ ضَحِكَ الفُقَرَاءِ!) وَقَدْ تَدَحْرَجَتْ فِى نَفْسِ المَامُوْنِ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ وَهُوَ يَهُبُّ وَاقِفاً ؛ فَقَدْ خَشِىَ أَنْ تَسْأَلَهُ الخَوَاجِيَّةُ عَنِ الجِيْلِ الحَدِيْثِ بِقُوْزْ قُرَافِى .. خَشِىَ أَنْ يُجِيْبَهَا لَقَدْ تَغَيَّرَ قُوْزْ قُرَافِى كَثِيْراً . لَقَدْ نَبَتَ فِيْهِ جِيْلٌ حَدِيْثٌ .. جِيْلٌ جَاهِلٌ لايُحِبُّ التَّعْلِيْمَ .. جِيْلٌ يَبْحَثُ عَنِ المَشَاكِلِ والمَتَاعِبِ والمَصَاعِب .. وَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا افْتَعَلْهَا) . لَقَدْ خَشِىَ المَامُوْنُ ذَلِكَ ؛ لِذَا هَبَّ وَاقِفاً وَمَالَبِثَ أَنْ أَخَذَ يَسِيْرُ سَرِيْعاً ؛ وَالخَوَاجِيَّةُ تَرْمُقُهُ لَحْظَةً ؛ وَتَرْمُقُ ابْنَهَا أُخْرَى . لَقَدْ خَشِىَ المَامُوْنُ فِى الحَقِيْقَةِ أَنْ يُشَوِّهَ فِى نَفْسِ الخَوَاجِيَّةِ ؛ الصُّوْرَةَ المُشْرِقَةَ لِقُوْزْ قُرَافِى الَّتِى مَازَالَتْ تَحْتَفِظُ بِهَا عَنْهُ .
ابْتَعَدَ المَامُوْنُ عَنِ الخَوَاجِيَّةِ وَابْنِهَا بَعْدَ أَنْ شَهِدَ ذَاْكَ الحِوَارَ بَيْنَهُمَا ؛ لَكِنَّهُ بِالطَّبْعِ لَمْ يَشْهَدِ الحِوَارَ بَيْنَ حاج الدُّسُوْقِى إِسْمَاعِيْل وَبَرَكَات وَدّالنَّايِر . فَقَدْ وَقَفَ بَرَكَات وَدّالنَّايِرأَمَامَ حاج الدُّسُوْقِى كَسُوْءِ الخَاتِمَةِ حِيْنَ زَارَ المَقَابِرَ ؛ وَذَلِكَ فِى الوَقْتِ الَّذِى كَانَ حاج الدُّسُوْقِى يُخَاطِبُ فِيْهِ نَفْسَهُ :"سُبْحَانَ اللَّه .. أَصْحَابُ هَذِهِ القُبُوْرِأُنَاسٌ كَانُوا فِى الدُّنْيَا يَشْرَبُوْنَ بِجَدْوَلٍ وَاحِدٍ!" لَكِنَّ بَرَكَات وَدّالنَّايِر لَمْ يَتْرُكْهُ يَسْتَمْتِعُ بَحَدِيْثِهِ مَعَ نَفْسِهِ ؛ إِذْ فَاجَأَهُ وَسَطَ المَقَابِرِ ؛ وَهُوَالَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ مقَابِرَ تُوْر القُوْز عَالَمٌ زَاخِرٌ بِالحَيَاةِ ؛ فَاجَأَهُ قَائِلاً لَهُ :
ـ لَقَدْ ضَاعَ مِنِّى قَبْرُ أَبِى .. أَبِى مَاتَ قَبْلَ سِنِيْنَ قَلِيْلَةٍ لَكِنَّهَا طَوِيْلَةٌ ..هَلْ تَعْرِفُ قَبْرَ أَبِى يَاعَمِّى الدُّسُوْقِى؟
حاج الدُّسُوْقِى : أَبُوْكَ فِى حَيَاتِهِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ ؛ فَكَيْفَ يَعْرِفُ قَبْرَهُ أَحَدٌ وَهُوَ مَيِْتٌ؟
قَالَ حاج الدُّسُوْقِى ذَلِكَ وَضَحِكَ ضَحْكَةً طَوِيْلَةً ؛ وَحاج الدُّسُوْقِى إِنْسَانٌ تَحْرِصُ ضَحْكَتُهُ دَائِماً عَلَى أَنْ تَكَوْنَ أَكْبَرَ مِنَ المُنَاسَبَةِ الَّتِى فَجَّرَتْهَا .. كَانَتْ ضَحْكَتُهُ تُصِرُّ عَلَى إِحْرَاجِ فَمِهِ الَّذِى لايَتَّسِعُ لَهَا ؛ وَهُوَ الوَاسِعُ عَلَى عِلاَّتِهِ . نَظَرَ بَرَكَات وَدّالنَّايِر مَلِيّاً إِلَى حاج الدُّسُوْقِى بَعْدَ أَنْ أَنْهَى ضَحْكَتَهُ؛ وَقَالَ لَهُ : ـ كُنْتُ أُرِيْدُ زِيَارَةَ قَبْرَ أَبِى لأَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ لِمَنَامٍ رَأَيْتُهُ البَارِحَةَ .
حاج الدُّسُوْقِى : وَمَاذَا رَأَيْتَ؟
بَرَكَات : رَأَيْتُ أَبِى فِى المَنَامِ وَهُوَعَلَى أَحْسَنِ حَالٍ ؛ وَقَالَ لِى : (نَاس البَلَد هُنَا حَالَتهُمْ تَمَام التَّمَام ؛ إِلاَّ حاج إِسْمَاعِيْن فَهُوَ عُرْيَان) .
حاج الدُّسُوْقِى ؛ وَقَدْ وَضَعَ طَاقِيَّتَهُ عَلَى دَوْمَةِ رَأْسِهِ ؛ شَأْنُهُ حِيْنَ يُرِيْدُ أَنْ يَسْخَرَ : أَمَا تَرَكَ أَبُوْكَ الغِيْبَةَ وَهُوَ مَيْتٌ؟
وَفِى نَفْسِهِ قَالَ :"لَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ وَهُوَ فِى الدُّنْيَا يُبْصِرُ بِعَيْنَيْهِ فَقَط ؛ أَمَّاالآنَ فَقَدْ صَارَ يَرَى بِكُلِّهِ . آهـ .. المَيِّتُ لَهُ قَبْرٌ وَاحِدٌ ؛ وَالحَىُّ دُرُوْبُهُ كَثِيْرَةٌ وَبُيُوْتُهُ كَثِيْرَةٌ . وَلِكنْ هَلْ وَصَلَ الأَمْرُ إِلَى أَنْ يَغْتَابَ مَوْتَى قُوْزْ قُرَافِى بَعْضُهُمْ بَعْضاً؟" وَحِيْنَ نَظَرَ إِلَى القَرْيَةِ بَدَتْ لَهُ كَفَاجِرَةٍ اغْتَسَلَتْ لِتَوِّهَا غُسْلَ التَّوْبَةِ ؛ وَهُوَ مَازَاْلَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :"وَلَكِنْ يَاإِلَهِى! هَلْ صَحِيْحٌ أَنَّ أَبِى عُرْيَانُ فِى الآخِرَةِ دُوْنَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى جَمِيْعاً؟"
لَمْ يَشْهَدِ المَامُوْنُ هَذَا الحِوَارَ وَلَكِنْ شَهِدَتْهُ مَقَابِرُ تُوْر القُوْز؛ وَشَهِدَتْ مَنْظَراً آخَرَ لَمْ يَشْهَدْهُ المَامُوْنُ أَيْضاً. فَقَدْ كَانَ أَحَدُ الشُّبَّانِ يَشُقُّ جَبَّانَةَ تُوْر القُوْز عَصْراً وَنَعْلَيْهِ فِى قَدَمَيْهِ فِى طَرِيْقِهِ إِلَى مِيْدَانِ الكُرَةِ ؛ لِيَشْهَدَ مُبَارَاةً فِى كُرَةِ القَدَمِ قَتْلاً لِلوَقْتِ . وَبِالطَّبْعِ لَمْ يَتَرَحَّمْ عَلَى أَهْلِ الجَبَّانَةِ ؛ وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ لَهُمُ المَغْفِرَةَ . لَكِنَّهُ تَوَقَّفَ فَجْأَةً حِيْنَ رَأَى قُمْرِيَّتَيْنِ تَتَعَارَكَانِ عِنْدَ أَحَدِ القُبُوْرِ بِأَجْنِحَتِهِمَا وَأَرْجُلِهِمَا وَمِنْقَارَيْهِمَا عِرَاكاً ضَارِيًا ؛ ثُمَّ تَتَوَقَّفَانِ هُنَيْهَةً لِتَعُوْدَا إِلَى العِرَاكِ مَرَّةً أُخْرَى. أَتُرَى العِرَاكَ بِسَبَبِ الأُنْثَى بَيْنَ ذَكَرَىِّ قُمْرِى؟رُبَّمَا.. وَرُبَّمَا القُمْرِيَّتَانِ أُنْثَيَانِ.. رُبَّمَا عِرَاكُهُمَا بِسَبَبِ الغَيْرَةِ الَّتِى فَجَّرَهَا أَحَدُ ذُكُوْرِ القُمْرِى .. بَلْ رُبَّمَا القُمْرِيَّتَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى؛ وَعِرَاكُهُمَا لأَسْبَابٍ أُخْرَى. لَكِنَّ الشَّابَّ حِيْنَ رَكَّزَ بَصَرَهُ عَلَى القُمْرِيَّتَيْنِ تَكَشَّفَتْ لَهُ الحَقِيْقَةُ ؛ فَلَوْنُ إِحْدَى القُمْرِيَّتَيْنِ بُنِّىٌّ كَسَائِرِ لَوْنِ القُمْرِى ؛ وَلَوْنُ الأُخْرَى ـ لِدَهْشَتِهِ ـ كَانَ أَزْرَقَ كَأَعَيُنِ الخَوَاجَات! فَمَا كَانَ مِنَ الشَّابِّ إِلاَّ أَنْ طَرَدَ بِيَدَيْهِ القُمْرِيَّتَيْنِ ؛ فَطَارَتِ البُنِّيَّةُ مِنْهُمَا نَحْوَ القَرْيَةِ ؛ بَيْنَمَا حَطَّتِ الزَّرْقَاءُ ـ الخَضْرَاءُ بِلِسَانِ العَامَّةِ ـ عَلَى شَاهِدٍ مِنَ الأَسْمَنْتِ مُثَبَّتٍ عِنْدَ قَبْرٍ بَعِيْدٍ عَنْ مَكَانِ عِرَاكِهِمَا ؛ وَهِىَ تَنْظُرُ بَعِيْداً وَكَأَنَّهَا قَدْ قَرَّرَتْ مُغَادَرَةَ المَنْطِقَةِ ؛وَفِى نَظْرَتِهَا سُؤَالٌ وَاضِحٌ: (كَيْفَ يَكُوْنُ حَالُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَقَمَارِيُّهُ تُقَاتِلُ بِسَبَبِ اللَّوْنِ؟) حِيْنَذَاكَ رُبَّمَا أَدْرَكَ الشَّابُّ أَنَّ القُمْرِيَّةَ البُنِّيَّةَ لَمْ تَكُنْ تُقَاتِلُ كَقُمْرِيَّةٍ لِمَسْأَلَةٍ شَخْصِيَّةٍ بَحْتَةٍ ؛ وَإِنَّمَا فِى الحَقِيْقَةِ كَانَتْ تُقَاتِلُ اللَّوْنَ المُخْتَلِفَ عَنْ لَوْنِ قُمْرِى قُوْزْ قُرَافِى . هَذَا الأَمْرُ نَفْسُهُ يَنْسَحِبُ عَلَى أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى فِى كُلِّ مَايَشُذُّ عَمَّا تَوَاضَعُوا عَلَيْهِ ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشُّذُوْذُ هُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ وَمَاتَوَاضَعُوا عَلَيْهِ هُوَ عَيْنُ الخَطَأِ. لَوْكَانَ المَامُوْنُ مَكَانَ ذَاْكَ الشَّابِّ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ ؛ يَنْظُرُ إِلَى القُمْرِيَّةِ الوَاقِفَةِ عَلَى شَاهِدِ الأَسْمَنْتِ المُثَّبَتِ عِنْدَ أَحَدِ القُبُوْرِ؛ لَقَالَ بِعَفَوِيَّةٍ: (صَدَقَتِ الخَوَاجِيَّةُ حِيْنَ قَالَتْ: < لَوْكَانَتْ قَرْيَةُ قُوْزْ قُرَافِى إِحْدَى مُقَاطَعَاتِ بِرِيْطَانيَا؛ لَكَانَ سُكَّانُهَا جَمِيْعاً مِنْ أَعْضَاءِ حِزْبِ المُحَافِظِيْنَ المُلْتَزِمِيْنَ>). لَكِنَّ لأَنَّ ذَاْكَ الشَّابَّ لَمْ يَكُنِ المَامَوْنَ؛ فَلَمْ يُكَلِّفْ نَفْسَهُ حَتَّى عَنَاءَ قِرَاءَةِ لَوْحَةِ الحَدِيْدِ الَّتِى كَانَتِ القُمْرِيَّتَانِ تَتَعَارَكَانِ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا.. اللَّوْحَةِ الَّتِى تَحْمِلُ عِبَارَةَ هُنَا يَرْقُدُ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ الَّذِى أَنْصَفَ الحَيَاةَ وَلَمْ يُنْصِفْهُ المَوْت) . لَمْ يُكَلِّفِ الشَّابُّ نَفْسَهُ عَنَاءَ قِرَاءَةِ هَذِهِ العِبَارَةِ ؛ وَمَضَى يَشُقُّ طَرِيْقَهُ فَوْقَ قُبُوْرِِ جَبَّانَةِ تُوْر القُوْز ؛وَهُوَ يُغَنِّى وَيُصَفِّرُ بِشَفَتَيْهِ لَحْناً رَاقِصاً ؛ ثُمَّ بَالَ بِنَهْمٍ عَلَى أَحَدِ القُبُوْرِ وَهُوَ يَقِفُ عَلَى رُؤُوْسِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ بِدَاخِلِ نَعْلَيْهِ . لَمْ يَشْهَدِ المَامُوْنُ ذَاْكَ الشَّابَّ وَاقِفاً يَبُوْلُ عَلَى القَبْرِ كَالشَجَرَةِ المَلْعُوْنَةِ فِى القُرْآنِ .. كَشَىْءٍ لايُمْكِنُ وَصْفُهُ . لَوْقُدِّرِ لِلمَامُوْنِ أَنْ يَشْهَدَ ذَاْكَ المَنْظَرَ ؛ لَتَسَاءَلَ فِى نَفْسِهِ :"أَىُّ جِيْلٍ هَذَا الَّذِى نَبَتَ كَمَا تَنْبُتُ أَشْجَارُ الخَشْخَاشِ؟" غَيْرَ أَنَّ المَامُوْنَ لَمْ يَشْهَدِ المَنْظَرَ ؛ وَلَمْ يَشْهَدْ أَيْضاً عَمَّهُ النُّعْمَانَ فِى صَبَاحِ ذَاْكَ اليَوْمِ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ جَيْبِهِ كِيْساً صَغِيْراً مِنَ القُمَاشِ وَيَحِلُّ عُقْدَةَ فَمِهِ ؛ وَيَصُبُّ مِنْهُ عَلَى رَاحَةِ يَدِهِ العَرِيْضَةِ حُبُوْباً مِنَ الذُّرَةِ نَثَرَهَا عَلَى تُرَابِ القَبْرِ ؛ وَمِنْ إِبْرِيْقِهِ مَلأَ إِنَاءَ نُحَاسٍ صَغِيْراً مَاءً ؛ فَكَانَ مَاكَانَ مِنْ عِرَاكِ القُمْرِيَّتَيْنِ بِسَبَبِ اللَّوْنِ المُخْتَلِفِ ؛ إِذْ مَاجَمَعَهُمَا عِنْدَ قَبْرِ حَسُّوْنٍ إِلاَّ حُبُوْبُ الذُّرَةِ تِلْكَ . وَلَكِنْ أَتُرَى عِرَاكَ البَشَرِ فِى كُلِّ نَوَاحِى الدُّنْيَا ـ كَعِرَاكِ القُمْرِىـ هُوَ بَسَبَبِ اللَّوْنِ؟ أَمْ بِسَبَبِ لُقْمَةِ العَيْشِ؟ أَمْ بِسَبَبِ الاثْنَيْنِ مَعاً؟ أَمْ هُوَ ـ كَعِرَاكِ القُمْرِى أَيْضاً ـ لأَسْبَابٍ أُخْرَى ؛ إِضَافَةً إِلَى هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ؟
هَاقَدْ وَصَلَ الشَّابُّ إِلَى مِيْدَانِ الكُرَةِ ؛ وَقَدْ جَلَسَ النَّاسُ فِى فِنَاءِ الجَامِعِ يَتَآنَسُوْنَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ ..
حاج الصَّافِى : يَاجَمَاعَة كُلُّ شَىْءٍ فِى الدُّنْيَا تَغَيَّر .. فَقَدْ كُنْتُ أَجْلِسُ لِلغَدَاءِ فِى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الفِطْرِ ؛ فَقَفَزَتْ دَجَاجَةٌ وخَطَفَتِ اللُّقْمَةَ مِنْ يَدِى .
حاج الرَّضِى : هَذِهِ الدَّجَاجَةُ عَدِيْمَةُ حَيَاءٍ .
حاج الفَكِى : بَشَّرَكَ اللَّهُ بِالجَنَّة يَاحاج الصَّافِى ؛ الحَيَاءُ نُزِعَ مِنَ النَّاسِ فَكَيْفَ نُطَالِبُ بِهِ الدَّجَاجَ؟ الحَيَاءُ يَاجِيْلَ الحَيَاءِ رُفِعَ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ . لَوْ قُدِّرَ لِحاج الفَكِى أَنْ يَنْظُرَ فِى مِرْآةٍ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ ؛ لَبَدَا لَهُ وَجْهُهُ كَوَجْهِ مَنْ جُرِّدَ مِنْ مَلابِسِهِ قِطْعَةً قِطْعَةً أَمَامَ بَنَاتِهِ ؛ وَأُرْغِمَ عَلَى الوُقُوْفِ أَمَامَهُنَّ عُرْيَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .. وَإِنَّ بَنَاتِهُ جَمِيْعاً لَمُبْصِرَات ؛ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ عَمْيَاءُ وَلاحَتَّى حَوْصَاءُ وَاحِدَة . هَكَذَا كَانَ سَيَبْدُو وَجْهُ حَاج الفَكِى لَوْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِى مِرْآةٍ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ؛ وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ فَقَدِ اسْتَمَعَ بَعْدَ قَلِيْلٍ إِلَى حاج الخَبِيْر :
ـ حَقِيْقَة الجُوْعُ يُسْقِطُ الحَيَاءَ . عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذِهِ الدَّجَاجَةُ أَكْثَرُ حَيَاءً مِنْ بَعْضِ البَشَر .
حاج الخَلِيْفَة : بَلْ مِنْ أَغْلَبِ البَشَر .
حاج الرَّضِى : لَقَدْ ظَلَمْتُمُ البَشَر .
صِبيْر : بَلِ الدَّجَاجُ هُوَ المَظْلُوْم .
حاج الفَكِى كُلُّ شَىْءٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى تَغَيَّر؛ حَتَّى الدَّجَاجُ أَصْبَحَ لايَبِيْض . وِدَاعَة : يُكَاكِىءُ الدَّجَاجُ وَنَبِيْضُ نَحْنُ .
صِبيْر : الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى لَمْ يَخْلُقْنِى دَجَاجَة.. لَوْكُنْتُ دَجَاجَةً مَابِضْتُ بَعْدَ البَيْضَةِ الأُوْلَى؛ رَغْمَ أُنُوْفِ كُلِّ الدَّيَكَةِ .
وَدّ البَاشْكَاتِب : رُبَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِى عَدَمِ إِبَاضَةِ الدَّجَاجِ لَيْسَ لِعَيْبٍ فِيْهِ .. رُبَّمَا لِعَجْزٍ فِى الدَّيَكَةِ . لِمَاذَا تُحَمِّلُوْنَ الأُنْثَى كُلَّ عَجْزٍ؛ وَلاتَتَحَمَّلُوْنَ ـ مَعْشَر الرِّجَالِ ـ جُزْءاً مِنْهُ وَلَوْضَئِيلاً .
حاج الصَّافِى : الدَّيَكَةُ نَفْسُهَا فِى قُوْزْ قُرَافِى تَغَيَّرَت ؛ فالدِّيْكُ الَّذِى كُنَّا نَرَاهُ يُنَقِّبُ التُّرَابَ بِمِنْقَارِهِ ؛ وَحِيْنَ يَجِدُ الحَبَّ يُنَادِى عَلَى الدَّجَاجِ لِيَأْكُلَهُ وَلايُبْقِى لِنَفْسِهِ مِنْهُ شَيْئاً ؛ صِرْنَا نَرَاهُ الآنَ يَخْطَفُ الحَبَّةَ مِنْ مِنْقَارِ الدَّجَاجَة .
كَادَ صِبيْرٌ يَقُوْلُ لَهُمْ إِنَّ قَرْيَةَ قُوْزْ قُرَافِى قَدْ أَصْبَحَتِ الآنَ تَبْدُو كَأَرْضٍ لايَسْتَحِى أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ سَمَائِهَا.. أَهْلُ هَذِهِ القَرْيَةِ أَصْبَحُوا لايَسْتَحُوْنَ مِنْ بَعْضِهِمْ بَعْضاً؛ وَهُمْ يَرْتَكِبُوْنَ عَلَناً أَقْبَحَ المُنْكَرَاتِ) كَادَ صِبيْرٌ يَقُوْلُ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لَوْلا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُوْنَ أَنَّ الحَيَاءَ قَدْ أَصْبَحَ شَيْئاً لاوُجُوْدَ لَهُ فِى هَذَا الزَّمَنِ الأَرْعَنِ . كَادَ صِبيْرٌ يَقُوْلُ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى وَدّالعَالْيَابِى : ـ يَاعَمِّى الصَّافِى : أَنْتَ صِرْتَ لاتَرَى الدُّنْيَا ؛ إِلاَّ كَمَا يَرَاهَا دِيْكٌ مُعَلَّقٌ مِنْ رِجْلَيْهِ .
عِنْدَئِذٍ أَحَسَّ صِبيْرٌ وَكَأَنَّ دِيْكاً قَدْ نَقَرَهُ فِى إِنْسَانَىِّ عَيْنَيْهِ حَتَّى أَدْمَاهُمَا ؛ فَأَدْرَكَ قِيْمَةَ عَيْنَيْهِ ؛ وَفِى سِرِّهِ قَالَ :"سُبْحَانَ اللَّه .. تَفْكِيْرُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى أَصْبَحَ تَفْكِيْرَ دِيْكٍ مُعَلِّقٍ مِنْ رِجْلَيْهِ . أَنَا نَفْسِى صِرْتُ لاأُفَكِّرُ إِلاَّ كَمَا يُفَكِّرُ القَمْلُ؛ والقَمْلُ لاهَمَّ لَهُ سِوَى مَصِّ دِمَاءِ النَّاسِ ؛ لَكِنَّنِى لَمْ أَمُصَّ سِوَى دَمِى". قَاَلَ صِبيْرٌ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى حاج الخَلِيْفَة الَّذِى قَالَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ ؛ وَهُوَ يَنْظُرُ بِحِدَّةٍ إِلَى لِحْيَةِ بَرَكَات وَدّالنَّايِر:
ـ كُلُّ شَىْءٍ فِى الدُّنْيَا أَصْبَحَ مَقْلُوْباً . لَقَدْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَقْوَى جُنْدِهِ .. سَلَّطَ عَلَيْنَا الرِّيَاحَ السَّنَةَ كُلَّهَا .
عبدالعَاطِى : مَاذَا تَقْصِدُ يَاعَمِّى الخَلِيْفَة؟ هَلْ تَقْصِدُ أَنَّ الرِّيَاحَ لاتَأْتِى إِلاَّ عَلَى حَسَبِ مَافِى القُلُوْبِ مِنْ مَفَاسِدَ؟ هَلْ تَقْصِدُ أَنَّ قُلُوْبَ أهْلِ قُوْزْ قُرَافِى هِىَ أَقْذَرُ قُلُوْبِ أَهْلِ الأَرْضِ طُرّاً ؛ لِذَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيَاحَ؟
العَوَّام : عَمِّى الخَلِيْفَة يَعْنِى ذَلِكَ بِالضَّبْطِ .
حاج الرَّضِى : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا رَاجِعُوْن . إِنْ كَانَ حاج الخَلِيْفَة يَعْنِى ذَلِكَ فَقَدْ جَرَّدَ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى مِنْ أَىِّ قَدْرٍ مِنَ الإِيْمَانِ ؛ وَنَسَبَ إِلَى قُلُوْبِهِمْ كُلَّ القَاذُوْرَاتِ ؛ إِذْ مَاالَّذِى أَبْقَى لَهُمْ بِرَبِّكَ؟
فَرَح : مَاالفَرْقُ إِذَنْ بَيْنَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى السَّابِقِيْنَ وَأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى الحَالِيِّيْنَ؟
وَدّالعَالْيَابِى : كَانَ أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى فِيْمَا مَضَى يَضْحَكُوْنَ مِنْ قُلُوْبِهِمْ ؛ أَمَّاأَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى الحَالِيِّيْنَ فَيَضْحَكُوْنَ بِشِفَاهِهِمْ .
عبدالعَاطِى : وَهَلْ كَانَتْ قُلُوْبُ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى نَظِيْفَةً فِى زَمَنِ الإِمَامِ ؛ حَتَّى أَنَّ المَطَرَ كَانَ يَنْزِلُ مِدْرَاراً عَلَى القَرْيَةِ؟
حاج الخَبِيْر : المَطَرُ فِى ذَاْكَ الوَقْتِ كَانَ أَمْراً أَكْرَمَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى الإِمَامَ . حاج الصَّافِى : فِى الحَقِيْقَة الإِمَام اللَّهُ يَذْكُرُهُ بِالخَيْر ؛ رَجُلٌ قَذَفَ اللَّهُ مَحَبَّتَهُ فِى قُلُوْبِ النَّاسِ .. الإِمَامُ رَجُلٌ قَدَمُهُ لَيِّنَةٌ .
حاج الخَلِيْفَة : ذَلِكَ لأَنَّ قَلْبَهُ لَيْسَ كَقُلُوْبِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى . الإِمَامُ رَجُلٌ قَلْبُهُ أَبْيَضُ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ البِكْرِ .
صِبيْر : الشَّاةُ البِكْرُ! هَذِهِ أَوَّلُ مَرَّةٍ نَسْمَعُ فِيْهَا بِشَىْءٍ مِثْلِ هَذَا . وَهَلْ مِنَ اللَّبَنِ مَاهُوَعَكِرٌ؟
حاج الخَلِيْفَة ؛ وَهُوَ مَازَالَ يُدِيْمُ النَّظَرَ إِلَى لِحْيَةِ بَرَكَات وَدّالنَّايِر : بَلْ هُنَاكَ مِنَ القُلُوْبِ مَاهُوَ فِى لَوْنِ البُنِّ المَقْلِىِّ .
بَرَكَات وَدّالنَّايِر : زَمَنُ الإِمَامِ زَمَنٌ وَهَذَا زَمَنٌ آخَرُ . تِلْكَ أُمَّةٌ خَلَتْ ؛ لَهَا مَاكَسَبَتْ وَعَلَيْكُمْ مَااكْتَسَبْتُمْ . صَدَقَ اللَّهُ العَظِيْم .
وَدّالبَاشْكَاتِب عَلَى مَضَضٍ : صَدَقَ اللَّهُ العَظِيْم .
وَفِى نَفْسِهِ قَالَ :" لَيْسَ فِى القُرْآنِ كُلِّهِ آيَةٌ فِيْهَا : ( وَعَلَيْكُمْ مَااكْتَسَبْتُمْ )" . كَانَ وَدّالبَاشْكَاتِب يَتَحَدَّثُ مَعَ نَفْسِهِ ؛ لِذَا لَـمْ يَسْمَعْ وَدّالعَالْيَابِى يَقُوْلُ :
ـ يَاجَمَاعَة الرَّحْمَةُ لاتَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ .. الرَّحْمَةُ تصْعَدُ مِنَ القُلُوْبِ فَتَتَقَبَّلُهَا السَّمَاءُ .
عبدالعَاطِى : وَالعِقَاب؟
وَدّالعَالْيَابِى : العِقَابُ سَبَبُهُ جُرْمٌ يَرْتَكِبُهُ البَشَرُ ؛ فَيُجْزِى عَنْهُ خَالِقُ البَشَرِ . لَمْ يَتْرُكْ رِضْوانُ مَجْلِسَ الأُنْسِ ذَاْكَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ ؛ فَقَدْ جَاءَ يَبْحَثُ عَنْ مُسَاعِدِ الطَّبِيْبِ ؛ إِذْ أَنَّ عَقْرَباً قَدْ لَسَعَتِ المَنُوْفَلِى حَتَّى أَدْخَلَتْهُ فِى غَيْبُوْبَةٍ . نَظَرَ صِبيْرٌ إِلَى وَجْهِ رِضْوَانَ الَّذِى يَرْقُدُ عَلَيْهِ أَنْفٌ كَالضَّفْدِعَةِ ؛ وَسَأَلَ بِاسْتِغْرَابٍ :
ـ المَنُوْفَلِى لَدَغَتْهُ عَقْرَب؟!
رُضْوَان : نَعَمْ .
بَرَكَات وَدّالنَّايِر : هَذِهِ العَقْرَبُ سَيُؤْتِيْهَا اللَّهُ أَجْراً .
عبدالعَاطِى : وَهَلْ قَتَلُوْهَا؟



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
imported_خالد الحاج غير متصل  
قديم 01-12-2005, 12:56 PM   #[30]
imported_Ishrag Dirar
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_Ishrag Dirar
 
افتراضي


الله عليك
ياخالد .. ياعزيز ... ياحاج ..
سلمت كفك



التوقيع: [align=center]
"فبأي قلبٍ فيّك تصلُبني مسيحاً في صليب الأنتظار ...؟"
"عالم عباس"
[/align]
imported_Ishrag Dirar غير متصل  
 

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 11:40 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.