بداية القصيدة الأولى، "الوعد والمسغبة"
في زمانِ الخُروجِ العَظيمْ
حينَ جلسْتُ إلى صُحْبَتي
نَتساقَى المحَبَّةَ مَوْفورةً
مِن شَرابٍ حَميمْ
خَتنَتْ كأسَهُ قِرْفتانِ تَفُوحانْ
قَرَنفُلةٌ شَعْشعَتْ في المكانْ
قطوفٌ منَ الزَّهْرِ
قد فَوّضَتْ أمرَها للأَريجِ
وهْيَ تَجولُ أَقاصِي الأحاسيسِ
ثمّ تَؤُولُ إلى رُشدِها
عندَ حَدِّ الشَّذَى والبَهارْ
تَرَكتْ فِكرَتي تَتقلّبُ
مِثْلَ أَحاويلِ إِبْريلِ
صَرْعَى تُكابدُ أنفاسَها تارَةً
أَوْ تُجالِدُ كيْما تُخَلِّدَ بَصْمتَها
في كتابِ الأساطِيرْ
وفِى مَتنِ مَوْسُوعةِ الوَرْدِ والآسِ والأُقحُوانْ
دَغْدغتْ جَسدِي
ثمّ رَمَتْ رَشَدِي في قيودِ الإِسارْ
وقد أشْعَلتْ في عُروقي طُمأنِينةً غَفلَتْ
عنْ حقيقةِ حُبّي القديمْ
في المكانِ الوَخِيمْ:
أَنَّ ذا العِشقَ أُسُّ بَلائِي
والعشقُ، يا سيّداتي
لا يَسْتوِي في جميعِ القُلوبْ
أو لدَى كُلِّ جمهَرةِ العاشِقينْ
والعاشِقونَ - كَما قِيلَ -
أنفُسُهُم أُمَمٌ وشُعوبْ
قد يَؤُوبُ لَهُم رُشدُهُم ساعةً
أو رُبّما لا يَؤُوبْ
قِيْلَ لي أنّهُم في الهوَى
يذهبُونَ مَذاهِبَ شَتّى
يُفتِي أساتِيذُهُم عكْسَ ما أَجْمعَ الفُقَهاءُ
وبِما ليْسَ يُفْتَى
تَكادُ الحَياةُ عَلى كَوكبِ العِشْقِ
لا تَستَقِيم
أو تَستقِيمُ بِما يَتأَتّى
وقد يَنزِلونَ، إذا اْمتُحِنُوا
مَنْزِلاً بينَ مَنْزِلتَينْ
وتَعْصِفُ رِيْحُ البَلاءِ بفِكرتِهمْ
تَتَخَطّفُ طَيرُ المَحاذِيرِ أرواحَهُمْ
مَرّتَينْ
ثمّ تُلْقِي بأَجْسادِهِم في الفَراغِ الرّهِيبْ
الذِي قد دَوَى صَمْتُه
في السّكونِ المُهِيبْ
وَعَوَى وَحْشةً في مَسائي
كنتُ عَليماً بأَنّ الذي يَتَراءى بَعيداً
بَدا مثلَما قدْ يَكونُ إِزائي
لكِنّني كنتُ بينَ المنامِ
وحُلْمٍ جَميلٍ
بلَيْلٍ تَعِيسْ
بَدا يَتزَيّا بزِيِّ الكَوابيسِ
كانَتْ تُخومُ المدينةِ قد هَجَعَتْ
أسْلَمَتْ يَوْمَها لِغبارِ الدُرُوبْ
وعادَ صَدَى اللّيْلِ في أُذُنِي
كالهَسِيسْ
كنتُ فقِيراً
لكنّني لا أَخافُ وَرائي
غنيّاً بحُرّيّتي واْصدقائي
وحِينَ تَجاوَزتُ بابَ الهواجسِ
أوْ لا أَكادْ
وانْصَرَفْتُ أُطَمئِنُ نَفْسِي
بأَنْ لا غَضاضَةَ في الجَمْعِ
بَيْن شُؤونِ العِبادِ وشأْنِ الفُؤادْ
فجأةً قَفَزَتْ في الظّلامِ جَحافِلُهُ
ثمَّ دّبتْ حَبائِلُهُ فوقَ جِسمي
فوقَ جسْمِ البِلادْ
القِرادُ القِرادْ
يا لَهَذا القِرادْ
القِرادِ الذي كالجَرادْ
القِرادِ / الجَرادْ
مِنْ أَيّ أَدْغالِ هَذا الزّمانِ البَهِيمِيّ
مِنْ أَيّ مُسْتنقَعٍ في الظّلامِ السّدِيمِيّ
جاءَ هَذا القِرادْ؟
........
|