عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2021, 10:36 PM   #[656]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:


السبـت 22 ربيـع الاول 1424هـ 24 مايو 2003م العدد 8943

صلاح أحمد إبراهيم ... تراب وعرق .. ونسيان

مرور عشر سنوات على رحيل الشاعر والدبلوماسي السوداني صاحب «غابة الأبنوس»



د. صلاح آل بندر*
مرت عشر سنوات على رحيل الاديب صلاح احمد ابراهيم ، وبقيت في ذهني بعض كلماته وعفار مواقفه وتدثرت ببعضها لقاءات متقطعة في العاصمة الفرنسية . في كل مرة قابلته فيها كان يحدثني عن تصورهـ المختلف ورؤيته المتفردة لاحداث السودان وحوادثه منذ صباهـ . كان قد زاد من تأجيجها في ذلك الوقت رسالته المشهورة للجنرال البشير التي اشاد فيها بانتصارات الجيش والدفاع الشعبي على «حركة تحرير شعوب السودان» في منتصف عام 1992م . دافع صلاح وقتها عن فعله وعن تبرعه بخمسة آلاف فرنك دعما لجحافل الجهاد في جنوب السودان . لم استوعب تبريراته وتفسيراته ولماذا اقدم على ذلك ، ولعل اكثرها يبقى الى اليوم خارج احساسي بها وقدرتي على النفاذ الى معانيها المستترة . ولكن اعادت الى ذهني ما قاله صلاح في عام 1986م وما زالت البلاد تتململ من التباطؤ في مواجهة تآمر سدنة الدكتاتورية المايوية ومن القيود التي خلفها انهيار نظام الجنرال نميري (1969م ـ 1985م) وهو يتأمل في معنى حياته :
«هنالك اشياء جميلة ضاعت تستحق الأسى . ضاع صباي
ما استمتعت به كثيرا. لم يكن هناك كثير لهو. كان غبار
وعرق وكانت اجتماعات تتلوها اجتماعات. ارهاق تراكم
على ارهاق . اين مراهقتي ؟ اين يفاعتي ؟ اين لهوي ؟ لقد
قصرت في حق نفسي بل ظلمتها.. لكن حين اغمض
عيني للمرة الاخيرة سأغمضها مغتبطا وانا اهمس لنفسي


لقد اختار صلاح ان يقصر في حق نفسه من ان يقصر

في ما رآهـ واجبه من ان يقصر في ما رآهـ حق شعبه وحق وطنه».

قفزت هذهـ الكلمات ، مع الكثير غيرها ، الى خاطري وهو يسرع الخطى ويقدمني لأزقة الحي اللاتيني ، حيث عايش فيها مهجرهـ ، ولعلي وجدت فيها مخرجا ما قد يتجاوز بها تجربته الشخصية كأديب وسياسي وانسان . خاصة وقد أكد قوله بعد ذلك قائلا :

«كنت احلم بيوم خلاص الشعب ويوم تخفق راية اشتراكية
حقة تقضي على الانانية والجور وينعم لها البائس والمحروم
».

فكلماته كانت دائما تقدم صورة لموقف سياسي ملتزم وحكمة قد تساعد عموم الناس على استيعاب معاني وقيمة ما قدموهـ خارج نطاق الندم والاحتجاج ، بل التمرد على واقع مرير وايام خوال ، ولكن تشعر بأنها تحمل في طياتها مرارة ورنة حزن عميق . وعلى الرغم من ذلك فإن رنينها ما يزال في اذني كأنها بنت الساعة ، لقد قال صلاح «كنت احلم»!

ولد صلاح في عاصمة السودان الوطنية أم درمان في الاسبوع الاخير من ديسمبر (كانون الاول) عام 1933م ، تحيط به اسرة ذات جذور تمتد الى شرق السودان ، وعرفت بانغماسها في الفعل السياسي منذ اربعينات القرن العشرين . أسرة قدمت للسودان رجالا ونساء كانوا يحسبون دوما ، وما يزالون ، كطلائع لحركة البلاد الديمقراطية والثوروية . تخرج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم في اواخر العقد الخامس من القرن العشرين وعمل اداريا وبالتدريس في جامعة اكرا في غانا خلال فترة حكم الرئيس نكروما ، وعمل دبلوماسيا حتى اصبح سفيرا ، وكان في آخر عقد عمرهـ مستشارا لدى سفارة قطر بفرنسا .
قدم صلاح خلال حياته للقارئ «غابة الابنوس» و«غضبة الهبباي» و «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر» وطبع نفر كريم بعد مماته ديوانه «نحن والردى» في عام 2000م . كما نشر بالاشتراك مع رفيقه علي المك مجموعة «البرجوازية الصغيرة» القصصية ، كما شاركه ترجمة كتاب «الأرض الآثمة» للمناضل الافريقي باتريك فان رنزبيرج . وترك المئات من المقالات السجالية الادبية والسياسية التي تزخر بها الصحف والمجلات العربية في المهاجر والمنافي الاختيارية .
كان صلاح واعيا للمرجعيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لأعماله . واصبح ذلك متضاعفا وفائق الحساسية تجاهه بعد فصله من الحزب الشيوعي السوداني في عام 1958م . فقد كان حريصا على ان يكون مقدار الاهتمام بمساهماته موازيا لأجل فك طلاسم نصوصه واستكناهـ عتباتها المعرفية والاستمتاع بأبعادها الجمالية . ولم يتردد في ان تكون كتاباته مصدرا للخلاف كما هي مصدر للاتفاق حول قضايا تشغل بال اهل السودان وترتبط بعشقهم للديمقراطية والعدالة الاجتماعية . بل صارت منبرا يجتر فيه فواجعه السياسية . كما كانت اعماله تتعامل مع رمزية المكان ليس كمجرد بعد جغرافي ، ولكن كحالة في التاريخ وارضية للتفاعل . لذلك اصبحت مدينة أم درمان ، عاصمة السودان الوطنية ، وتجربته الشخصية فيها ، رمزا دلاليا عميقا في صياغاته الشعرية ومساهماته السياسية . وفي محيط اعماله يبرز دور الفكر اليساري في تشكيل وعيه بالحياة ومواقفه منها ورؤيته للتغيير وموقفه المتكامل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا من القضايا التي شغلت جيله من مثقفي مرحلة ما بعد الاستقلال في دول العالم الثالث .
ولعل نشأته في بيت عرف عنه التدين وحفظه للقرآن ومعرفته العميقة بتقاليد الشعر العربي ومدارسه وتتلمذهـ على ايدي عمالقة تدريس الادب العربي من امثال الدكاترة احسان عباس وعبدالمجيد عابدين ومحمد النويهي وعبد العزيز اسحق وعبدالله الطيب ، أهّلته لتكوين تراكمات معرفية مكنته من الانغماس في التجريب وارتياد غير المألوف من نظم الشعر والنثر وملامسة مدارس تجديدية في الابداع الشعري من دون وجل.
كان ديوانه «غضبة الهبباي» قد خرج للوجود بعد عام من ثورة اكتوبر (تشرين الاول) 1964م ، بعدما يقارب الخمس سنوات من صدور ديوانه الاول «غابة الابنوس» وحملت صفحاته جراحات الماضي وتوجساته من انتكاسة شعاراتها وازدواجية معايير من تعاملوا معها . ولكن حملت معها ايضا موقفه الدائم من البحث عن التغيير . وعلى حد قول احد نقاد ادب السودان ، ان الديوان عبر عن ثأرية صلاح الناشزة وبطرهـ السمح بالشعب ولخاطرهـ السمح بفقراء الشعب . وكانت روح ذلك الديوان دوما هي عمودهـ الاساس الذي ارتكز عليه في مخاطبة الديكتاتور وفي اي مكان :

كمل كمل التقل ال جعلتو مصيرك
واشرب من دم المظلوم تراهـ عصيرك
في آية ألم تر كيف كان تبصيرك
الديان أدانك وانت قايلو نصيرك
يا خالق الخلوق خليها وقت ان ربت
توصل اخرها ، وعقب الخدود تتثبت
لك المحبة والولاء يا شعبي العزيز


وهكذا كان صلاح يردد دائما أن دون نظرة أمينة لما كان ، لن تكون هناك نظرة ثاقبة لما سيكون . فقد كان حريصا على ان يؤكد ان جيلهم تميز ادبيا وسياسيا لأنه قدم انتاجا تحت تأثير استجابات فكرية مختلفة ، واستخدم تقنيات فنية مغايرة ومنطلقات اسلوبية متباينة . ومن دون شك يؤكد ان الادب السوداني في كلياته يحمل خصائص مختلفة جذريا عن بقية الآداب العربية الاخرى ، خاصة ان جذورهـ تمتد الى اعماق واقعه الافريقي بأبعادهـ كلها .
في مطلع عام 1994م اجتمع اهل السودان واحباب الفقيد في بريطانيا لتأبين الاديب صلاح بمبادرة كريمة من الراحل خالد الكد . وتواصلت جموع التأبين في مدينة اصيلة المغربية وفي أم درمان ، وواكبها اهتمام كبير من صفحات الثقافة والادب في الاعلام العربي . وفي كل هذهـ المحطات التأبينية ردد الحضور كلمات الشاعر صلاح احمد ابراهيم :

بالله يا نجوم كيف حال اخوتي ؟
وكيف حال رفقتي ، وكيف حال شعبي العظيم ؟
شعبي الذي احببته حب الذي عشقا
كيف تراهـ الآن . هل تراهـ بات جفنه مؤرقا ؟
وهل تراهـ بات حبل شمله ممزقا ؟
وهل تراهـ بات في السجن القوا ومرهقا ؟
وهل تراهـ واجه النيران مثل كرري فاحترقا ؟


رحل صلاح احمد ابراهيم في يوم الاثنين 17 مايو (ايار) 1993م ، في المستشفى الاميركي في باريس اثر علة طارئة عن عمر يناهز الستين عاما ، صرف اغلبها في المكابدة والحلم بالتغيير صبغت وجهه بحزن دائم . وترك خلفه ذكرى تضعه ضمن ابرز المثقفين العرب والافارقة في مهاجرهم ومنافيهم الاجبارية والاختيارية . وعلى الرغم من مرور السنوات فإنتاجه الادبي والفكري ما زال بعيدا عن التجميع والدراسة . وقد ذكر لي ان ذلك اصبح شغله وهاجسه في آخر مرة تقابلنا فيها في باريس قبل اسابيع من رحيله . حيث كان يعتبرهـ شهادته للتاريخ وللاجيال القادمة . وقال لي كلاما لا يختلف في جوهرهـ عن كلماته في مقام آخر :

هات لي الابريق والكأس ودعني اتغنى
إن بي شوقا الى القافية الحسناء كالصهباء أدنيها لكم دنا فدنا
إن بي شوقا الى الشعر الذي احمله رمحا طويلا ومُجِنّا
إن بي شوقا الى لهبة مصباحي اذا ما الليل جُنَّ
واذا الباغي تجنّى
لسلاحي .. لسلاحي
كن مع الشعب فإن الحكم للتاريخ في الآخر . والفعل الشهادة .


* كاتب سوداني



* نقطة :
حسب قراءتي في سيرة الراحل المقيم صلاح احمد ابراهيم - إنهم ينتمون إثنيا الي قبيلة الدناقلة ... والله تعالي اعلم ..
** نقطة ثانية :
تخرج الاستاذ الراحل المقيم صلاح احمد ابراهيم من جامعة الخرطوم سنة 1951م وبهذا يكون تخرجه في اول العقد الخامس وليس أخرهـ خمسينات القرن العشرين ، كما اورد الدكتور صلاح آل بندر .. ولا ادري لماذا يخطئ الدكتور صلاح البندر في هكذا مسلمات !!! إلا إن يكون له غرض في تغيير التواريخ والزمن ..
عرف عن الدكتور صلاح البندر البحث عن المغارز في كل ما يكتب .. فهو يكتب إن الراحل المقيم صلاح احمد ابراهيم ارسل بخطاب - الي الرئيس عمر حسن احمد البشير يهنئه فيه بإنتصاراته علي الدكتور جون قرنق دي مبيور قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان - بل ويزيد من إطنابه فيرسل خمسة الف فرنك فرنسي لدعم المجهود الحربي .. وهذا في رأيي لزوم مالايلزم في سيرة صلاح احمد ابراهيم .. ولكل جواد كبوة ....



التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس