الرمز في لغة الصوفية
الوحدة
ثقافة
الثلاثاء13/4/2010
صالح سميا
إن الوقوف امام كون من الرموز والالغاز والاشارات عند المتصوفة لا يمكن أن يكون مجدياً اذ تعاملنا معه بالمنطق , لان التعامل المنطقي مع الرموز هو ضرب من العبث واللاجدوى , فإحالات الرموز تتجاوز حد المنطق والمألوف , ما دام الامر في نطاق الخيال
المنفلت من هيمنة العقل وقوانينه .
ان منطق الرموز هو اللامنطق , هو حديث الروح للروح , حديث اللاوعي محمولاً على اجنحة الخيال , انه انطلاق نحو النفس الكونية التي لا تحدّ وليس للحواس بها شأن .
لغة المتصوفة هي تجاوز للغة , انها دخول الى عالم الملكوت الاعلى, لغة ترفض الثبات والمحدودية , لتغدو بلا حدود ولا قيود , انها الذهاب الى النهاية القصوى لحالة الصدام , من اجل انفتاح مغاليق الكون واسراره ولطائفه وخفاياه , انها حالة من الشطح الصوفي المنغمس في جوانية الوجود .
والعلاقة بين الصوفية والسوريالية علاقة وشيجة كما ان الصوفي فيلسوف بطريقة ما يستولد المجهول باحثاً عن ماهيات الاشياء في بواطن الاشياء , يبحث عن الماهية والكينونة التي يصعب الوصول اليها من خلال الشروط السفلى التي لا تحترم سمو الاهداف وعلوّها .
ان لغة الصوفي تبحث عن الجواني الباطني المختبىء , انطلاق الروح من قيودها المادية كما يرى سقراط وافلاطون , تحرر الروح من ماديتها ورفضها لقيم الاستهلاك انها رفض للجبرية الآلية الملازمة للتسطح , ولسحق العالم الداخلي بين اسنان ايديولوجيتها المنتجة للضلال والفساد والشر .
لذلك نجد الصوفي كالفيلسوف مشغول بمطارة الجوهر ومعاناة الصوفي كمعاناة الفيلسوف , هو الانشطار بينه وبين شروط الحياة المادية , لانه كذات تريد الانخلاع عن العالم الواقعي انخلاعاً لا رجعة منه .
ففي الصوفية انطلاقة نحو الباطن الخفي , واتحاد بين الذات والموضوع , بل هو تجاوز لهذه الذات / الموضوع من اجل التوحد مع الطاقة الحيوية في الوجود .
فالصوفي يعمل على الاستبطان والرؤية والتوحد بطاقات الروح معتمداً لغة الكشف والاشارة والغموض , لغة تحاول استيعاب اللهب اللانهائي المضطرم بالرعشات والصراخات المتصاعدة من ليل الخيال ونوره معاً .
ان الرمز عند الصوفية معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به الا أهله , فعلمهم اشارة فإذا صار عبارة خفي .
ان الصوفي يحمل اللغة اكثر من طاقتها , واذا كان يعتمد الصور الحسية والتمثيل الحسي المستمد من العالم الخارجي , فإنه يريد من ذلك التماس معاني جديدة علوية .
فالغائب المخبوء عند الصوفي هو الحقيقي والممكن , انه التلاشي في حضرة الفقد والمحو, انه التحرر من الحضور من اجل تحقيق الوجود , فهو محو الانا من اجل اثبات الاخر فالتصوف الاسلامي يرفض الثنائيات , ويدعو للوحدة وحدة بين الذات والاخر , وبين الذات والموضوع , بين الطبيعة والثقافة , بين الروح والجسد , وبين الانسان والله , ان الصوفي لا يعتمد على نظام العقل والتفكير المنطقي ( انا افكر اذن انا موجود ) .
ويقول » انا أفكر إذن انا ربما موجود « فهو يريد الوصول الى المجهول , هكذا فعل الحلاج وابن الفارض وابن عربي , انها رغبة الصوفي بالتوحد مع العالم , بين الذات والموضوع , وبين الناسوت واللاهوت , ففي حالة الوجد الصوفي يمحي الوجود , ويتحول الصوفي الى حالة من السكون والهدوء والركون حيث يبلغ لحظة ( النيرفانا ) والتي هي حالة خروج الانسان من ذاته واتحاده بالجمال عند افلاطون , والاله عند المتصوفة حيث يغيب في سنا جمال الخالق المعشوق , حيث تنتهي الثنائية ويعود العدم الى العدم ولا يبقى الا الله ان الرمز لا يمكن القطع في معناه بالضبط على وجه اليقين لذلك جاءت لغة الصوفيين مستغلقة على الفهم .
ويتهم التحليل النفسي المتصوفة بأنهم اناس فشلوا في الحب البشري فحاولوا التعويض, فالعشق عندهم مجرد ضرب من التعويض , لذلك نجدهم يعتمدون لغة الحواس للتعبير عن عواطف غامضة معتمدين الرمز الذي يدل على الوصال .
|