في عيد الاستقلال ...صرت غنمائة ..
في عيد الاستقلال ....صرت غنماية ...
في بلاداً ملئي بالخزعبلات ،تاتي اعياد الاستقلال وكانها ترف ،كل مايحيط بنا يجعلنا كافرين،بفكرة الاستقلال والاحتفال به .
مع ذلك اعجبتني تلك الدعوة التي ارسلتها فتاة النجومي الصغيرة (ميسون )
داعبت خيال الام فيني كثيراً كثيراً..
اربكتني الفكرة ..
ثم اعجبتني ...
ثم صارت لي ..
قررت الاحتفال مع العيال بالغناء في شارع الازهري ،كما دعت (ميسون النجومي ) ..
وبما اني كنت قد اعلنت عشقي لهذه السنة الجديدة فكان لابد من تنفيذ اجندة العشق من اولها ..
الام فيني تبنت الفكرة بكل تفاصيلها ..
لم امتهن السياسة يوماً،ولا فعل الحركات المسلحة ،لست ناشطة ،ولااجيد سوي مايشبه الامهات ..
اخبرت الصغار ..
لم ترق لهم الفكرة اطلاقاً..
تناقشت واحمد كثيراً..
سالني اسئلة قاسية ،ومنهكة ،ومستفزه .
(يعني شنو ياماما نمشي نغني في بيت الازهري )
لم توجعني اسئلة مثلما اوجعتني اسئلتهم ،تنازلت سارة عندما راتني مورطة بالاجابة ،قليلاً، وارضاء لي قالت (ماما انا ماشة )
اخفيت الامر عن امي ،فامي غريبة والامهات الغريبات يحملنا ابنائهم مالاطاقة لهم بها من مخاوف .
تعمدنا وصغاري ان يكون هذا سرنا الصغير ..
في الصباح ..
تذكرة انه اليوم الاول في سنتي ..
ايقظت الصغار ..
سالت والدهم ،اعلن انه متعب ،قلت (لايستوي الامران لقمة العيش والاحلام )فيكفي ان يوفر لنا لقمة العيش لنحلم ..
تجادل احمد معي ..
تجادل في النهوض ،في الحمام ،في الملابس ،في ،في ،في ،اعلن انه لايريد الذهاب ،وذلك من سخطه العارم علي شقيقاته قلت لاتذهب ولن اغضب ..
فعلم اني حزينة وهو يخاف حزني ...وذهب ...
اندهش سائق العربة كثيراًونحن نطلب منه الذهاب الي بيت الازهري ..
نظر الينا بعين الريبة ...وصمت ..
في العربة ..
كنت وحدي واولادي ...
وبلاداً تشبه الغول ،بلادا تفعل ماتفعل..اجر اطفالي وحدي وانا ذاهبة اليها ..لاادري ماهي تفاصيلها القادمة سوي اني لها ...
ياغول .
ياهوء ..
فكلما توغلت فيني كلما صرت كحنجرة ضفدع منفوخ ... حباً فيك ..
واحياناً كثيرة يخيل الي انه مااكثر من كذبة ابتكرها.. ابئانا الاولين ..والشعراء ..والفنانون ...والعاشقون ..ثم رموا بها للمساكين ،والفقراء ،والمشردين ليئمنوا بها ،ثم التقطها الحكام فعبثو بها وبنا علي مر العصور ..
وكلما زاد كفرك بها كلما زاد ايمانك به هكذا هو يجعلنا كافرين بالاشياء ليقول امنوا بي انا وليس لي بعد .
وربما يكون لحظة ،اقول ربما
ولكن الموكد ..اننا نكتب له ..نغني له ...نفرح له.. .نحزن له ...
تتذكره ...
تبتسم ...
تسترخي ...
فتقول (اه )
ياالهي ...كم هي الشوارع ممتلة بالوجوه الغريبة ...وجوه ...وجوه ...وجوه ..
نغزتني اليافطة في مدخل كبري امدرمان بصورة مستفزة ..
العلم ...تتوسده عدة وجوه ،وفي موخرة العلم ،كتب عيد الاستقلال ..
انقذتني العربة بدخولها السريع الي الكبري من التفكير في العلم ووجوه المندسة كثيراً..
اني فوق النيل ...
اني فوق النيل ...
اني فوق النيل ..
هل نعي هذا الجمال ؟
تذكرة صديقتي التي اقسمت انها لن تخرج من السودان لانها تعشق النيل ،وعند اول فيضان خرجت .
كيف لنا كل هذا الجمال ولانكون ..
كيف ؟
ظهر من الافق..
يرفرفر ...
رفرفر جواي ..
ابتسمت ..
وقف جواي .
صرخ ...
خجل القماش ..
اتاريني بريدك يابلد ...
كان العلم القديم للسودان ...فوق ...فوق قبة الازهري ...فوق السماء ...مع السحاب ...
نزلت العربة من الكبري وبي بعض خدر لذيذ من روية العلم .
(هل اضع وجهي بين يدي واقول اني احبك ياايها البلد المعطون فيني ؟)
وقفت العربة ..
لفت نظري طفلتان يحملان الاعلام ..زغرد جواي ..علمت اني لم اضل الطريق ..
تبادلنا الحب والوطن ..
ثم بدانا في الغنا ..
كشف الشارع عن كامل عورته ،المواصلات تمارس عادياتها في انزال وجوه ورفع وجوه ،الركشات ،صوت عربات الاسعاف وهي تخفق القلوب ،الشحاذون ،الماره ،المتوجسون ،الزائرون للمستشفيات في يوم العطلات ،شرطي المرور وهو يختلس النظر الينا تارة وللعربات تارة ..ركاب الحافلات وقد ارعبتهم الحلوي التي نقدمها لهم الاقليلاً..
رايت اندهاش في عين بعضهم ،ثم تعجب ثم حزن، ثم انكسار ثم خجل،ثم حب ...ثم حب ...كان حب ...
انتصبت قامة البلد كخنجر مؤلم داخلي ،اوجعتني كثيراً .
تحسست بيدي حائط الازهري ،ثم اسندت ظهري عليه ،ثم التصقت به ..
التصقت به ...
كان جدار ....ثم صار وطن ...
كان جدار ...ثم صار وطن ...
كان جدار ثم وطن ..
بدانا الغنا ولم اكن حافظة للاغاني ..اعجبني اطفالي وهم ينشدون ...اصابتني رعشة خفية ..
وهنالك تحت الجفن دمعة تدفرني اقاومها ...وتدفرني ..
وعندما نزلت الي الشارع ،كنت قد التصقت بالحائط تماماً..
صرت غنماية ...
صرت غنماية تحتك بالوطن ..
صار لي اطفالي بلد ..
استطال احمد ،صار رجل ..
يغني للوطن ..
1/1/2013
مها الرشيد ..
|