نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > الســــــرد والحكــايـــــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-2011, 05:53 PM   #[1]
معاوية محمد الحسن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية معاوية محمد الحسن
 
افتراضي تقاسيم علي جنون ذاكرة أسيانة ...

- ( 1) -

و أنت تعدو نهارك كله جائلا علي أسطح الحنين و الذكريات , تتذكر عينا ( ماجد ولين ) . تحدق فيهما عبر فضاء الخيال فتلتهمك الوحشة القاتلة .

أه .. وحشة في كل مكان , أتري ؟


وحشة في الطرقات و البيوت و عربات النقل العامة , الميادين و الحدائق , ثم هاهي الخمارة التي تجيئها مساء كل يوم لتدفن فيها أساك و قد علق العنكبوت بحوائطها العتيقة بعد أن داهمتها الشرطة و اعتقلوا صاحبتها . تذكر حين داهمك الجنود يوما ما و انتزعوا حمولة الشراب عنوة و اقتدارا ثم أخلوا سبيلك .


تصعد الي منحنيات البلاد السفلي , هناك حيث تتسلق شجر الوحدة و الآسي . توجد مدرسة للبنين يؤمها أطفال ذوي مسغبة , تجلبهم عربات الكارو من هامش المدينة و أحيانا كثيرة يجيئون راجلين , ممتطين ظهر الطريق . حين تتفرس في وجوههم المكدودة لا تحس شيئا غير الحزن . تدفن رأسك بين اكوام الكتب و الكراسات في غرفة المكتب الطينية و تنظر الي الجدران . شقوق الحائط و قد أتسعت بحجم قارات الملل الذي يربض بداخلك و تري أيضا يا (عثمان ) لوحات النهار السريالية , غبار الطباشير و قد علق بردائك و هناك سيل من العرق جري علي مقعدك الذي كنت تقعد عليه في مقعد الحافلة جففته سريعا شمس أغسطس الحارقة حالما ترجلت عن ظهر المركبة , فرسم شكلا أشبه بتضاريس قارة أفريقيا كما تجدها في كتاب الجغرافيا و قد علق احدهم قائلا ( أنظروا الان الي أفريقيا البائسة , أين تجلس .)
ضجيج الاطفال أشبه بعواء الكائنات التي بداخلك و لو أن سقف غرفة الطين المسمي - مكتب المعلمين - و المعمول من جريد النخل و حصير البان تثاءب قليلا لانهال فوق رأسك المنهكة و اراحك للأبد لكنه يتمطى حين يفاجئه مطر الليل في أغسطس و لا يلوي علي السقوط .


تصور!


حين جاءتني الحالة العصبية و كنت أنذاك ممدا علي قارعة الحوش و التلاميذ متجمهرون فزعون و أتي خلق كثير , جلهم من المارة الذين كانوا يعبرون من أمام المدرسة في تلك الساعة من النهار , كانت يداي ترتعشان , صدري يعلو و يهبط مثل موج هادر يصفع ضفة النهر ثم يعود منحسرا , تحسست أعضائي كلها , كانت باردة و حومت في تلك اللحظة عيناك , ناديتهما بأعلي حسي , طلع وجهك من بين فرجات الحياة الحالكة السواد فاضاء دياجير ذاتي ثم تلاشي فصرخت .
أذكر لم تجيء عربة الاسعاف و لكن جاءت عربة الكارو , و أنا ممدد عليها كنت المح ظهر حميدة العربجي , يلهب ظهر الحصان بالسوط و كان الي جانبي بضعة أنفار . يقولون لي بعد ذاك بزمن ليس باليسير
- الله ستر يا أستاذ و هو نحنا كنا قايلنك بتحيا ؟
أحيا أنا أم المأساة ؟
رائحة العنابر , أصوات الشجر في الفناء الكبير أمام العنابر , و هناك قوم لا تعرفهم جاءوا بطعام وضعوه علي بساط علي الارض ثم دعوك للاكل و ثمة ممرضة خضراء ناصعة و لها كفل تزيغ الأعين به , ماهرة في اصطياد الابتسامات و الحديث اللذيذ , تغريك لكن وعودها خلب و تذكر أنها مع ذلك كله لم تكن ماهرة في حقنك بمحاليل الوريد , قلت لها أوردتي جافة , لم يهطل علي مطر الحنان لذلك لا ثمر لا ثمر البتة فارويني .. ارويني حتى تبصري الدماء هدارة تجري في عروقي و أوردتي .
تصور أذن حين جاءوا يسعون إليك في الشفخانة أو الحكيم خانة و أنت تلازم عنبر الطوارئ غائبا عن الوعي , و لم يكن الطبيب قد كتب شيئا في التقرير المرضي خلاف كلمات قليلات ( انهيار عصبي حاد – نقص السوائل – ينصح بالعلاج و الراحة التامة ) .
جاءؤا كلهم يومذاك يحملون شيئا من المواساة بين أعينهم و لكن رائحة الذهول أطلت من بين احداقهم , ذهول سببه أن المحيط الهادي الذي كان يسمي أستاذ عثمان , أخيرا و قد أنفجر و تكشف داخله عن ألم عظيم ظل يطويه بداخله صابرا لا يشكو الي احد زمانا طويلا . يا للغرابة لا احد فيها يحيا فيها سعيدا هانيء البال البتة !
تنظر الي سقف أمنياتك و تحدق , أنت وحيد في هذا العالم ولا شك و هاهي خمسة و أربعون عاما تصرمت من عمرك , لم تعرف فيها غير كتاب المطالعة و الأناشيد و القراءة العربية ثم منهج الجغرافيا القديم منه و الحديث . تعبر الشارع مطرق و تري حين تري بؤس الحياة من حولك فيضيق الصدر و لا يعتدل المزاج , كأنك تساق الي بؤسك اليومي هذا بفعل إرادة قاهرة ليس لك فيها يد , زمان عرف عنك حسن الهندام و الأناقة , كانت هيئتك توحي للناظر بأنك سعيد و لا شك فقد كان زهو الشباب يزين كل شيء حولك . خمس و عشرون عاما تلهث خلف المدارس حتى أفنيت قسطا عظيما من حياتك و أنت ترعي نشئا كالحمام يطير بعيدا الي فضاء أحلامه ليتركك حبيس الصفوف و القاعات . لا شيء يعتري الحياة غير مزيد من الآلام و الملل اليومي , منذ بزوغ الفجر و طلعة النهار الي نهايات الليل .
في حياتك امرأة و خمارة شعبية .
تتسلل خلسة في جنح المساء الي الخمارة و تدفن أساك فيها و ربما لفظ الليل أنفاسه و أنت تحتسي العرقي و لك مقعد مخصص أسماه رواد الحانة ( كرسي الأستاذ ) و في حياتك صبية لخبطت كيانك كله حين أبصرتها ذات صباح تقود بيمينها طفلا حلو القسمات الي مكتب مدير المدرسة .
كأن يا عثمان عاصفة كاسحة من النسيم كان الزمن الخانق يخبئها لك في مكمن أيامك حتي اكتسحتك هذا الصباح فجعلتك تسوي من خصلات شعرك البيضاء ثم تعتدل و تسوي من شاربك فتنهمك في السعادة .. نفحتك فيوض حنان جاسر حين أبصرتها تقدل في صبح المدرسة الابتدائية و قد عزفت موسيقي سلامك الداخلي فصرت نشوان طربا .
جاءت الممرضة ذات الكفل فتمايلت قليلا حولك مثلما تتمايل أغصان شجرة النيم خارج العنبر , دست الحقنة في وريدك لكنها لم تكن متهللة الأسارير هذا الصباح و كان هنالك بعض نفر قد عادوا مريضا في البارحة ثم جاءوا هذا الصباح مهرولين فزعين و سمعت صراخ بعض النسوة في الغرفة التي كان يرقد بها الرجل المريض فعلمت انه قد مات . قالت الممرضة كلاما لعلك لم تصغ اليه جيدا لكن لعلها قد قالت أن صحتك الان تتحسن باضطراد او شي من هذا القبيل .
تذكر جاء تلميذ لاهث الانفاس الي حيث كنت تجلس و قال لك :
- أستاذ عثمان المدير عايزك .
قمت ساعتها تهرول الي هناك . لفحتك رائحة عطر الياسمين و انت تراها خفيضة البصر , ترنو الي الارض فعل راهب متأمل و بضع خصلات من الشعر قد اعلنت تمردها علي منظومة الشعر المرتب بعناية و المشذب الي الخلف , فساحت تلك الخصلات علي جبين وضاء كفلقة القمر . كانت لتلك الفتاة عينان مسبلتان هكذا كانهما تغطان في حبور السعادة و لم يكن ثغرها الحلو الصغير يبتسم وحده بل لقد كانت كلها تبتسم في ايقاع منتظم مع كون يضج بالسعادة فيبتسم . كان صباحا مختلفا !
قال المدير :
- أستاذ عثمان دي أستاذه ( ماجدولين )
و كنت قد منحتها اسما كهذا في دواخلك قبل ان يعلن المدير عن أسمها و تقوم لتحادثك
- ولدك ده ؟
- لا بالغت عديل كده طبعا .. ده اخوي
- اه سوري معليش .. ما متزوجة .. ها باين عليك .. طيب ..
حديثك اليها ( دراااب .. درااااب ) و كنت تحسب نفسك بليغا و هاهي تفجر اللغة في وجه قبحك الداخلي و لا ترهق نفسها كثيرا و هي تفعل
- طيب ما ح اوصيك عليهو
- أه .. احمد تقصدي ؟ لا لا لا اطمئني
- زي ولدك تمام
تقول لك و كانه أبنك , و يسري الاسي الي جميع كيانك مرة اخري , لاشك انها قد نظرت اليك فخمنت انك رجل متزوج و لك عشرة من البنين علي شاكلة هذا الصبي . هل زحف العمر صوب منعرجاته الاخيرة سريعا هكذا و مع ذلك فانا لست صحراء قاحلة الي هذا الحد و لكنني مثل أرض اذا صادفها ماء المطر ربت و أزهرت .


(2)


أنفقت بضعة أشهر و أنت تستجديها العاطفة و هي عنك منصرفة . أتذكر جيدا يا عثمان حين جلست مساءا لأقرا علي زملائي المعلمين بعض اشعارك و كنت قد خرجت من المستشفي التي كنت تسميها انت الشفخانة و أحيانا الحكيمخانة و لكنك خرجت الي جهة غير معلومة و من يومها و نحن نبحث عنك . قرات في ذاك المساء من كراسة بخط يدك
( حثيثا أسعي صوب نهر عينيك مخافة ان يبتلعني السراب الكبير ............ )
ثمة نظم و قد خط بالقلم الأحمر و أخر بقلم الرصاص . وضعت الكراسة حيث عثرت عليها أول مرة تحت الوسادة ثم يخيل لي أنني قد أبصرت طيفا حلوا يعبر من أمام الردهة .أضاء المكان كله مثل البرق ثم تلاشي سريعا فأدركت ان ذاك طيف من قد أحببت يوما قد جاء يبحث عنك .
لماذا لم تقل لي إذ نحن قافلان من السوق الشعبي يوما أن الفتاة التي قد أحببت لم تتزوج بأخر لكنهم أرغموها علي ذلك , أنت دائم العناد و المكابرة , تحيك مؤامرات كثيرة أحيانا ضد نفسك . لماذا تخيلت أنها قد تخلت عنك لتتزوج بأخر . لماذا ؟
قرأت أيضا قبل حادثة أختفائك ببضعة ايام جملة علي حائط العنبر :
( سيدتي , هذا الآسي لا يشيخ أبدا ..........)
كنت موقنا آنذاك أنك لن تعود مرة أخري حين خرجت صريعا جراء نوبات الحمي و الآسي المتلاحقة التي لحقت بك عقب انهيار علاقتك العاطفية هكذا سريعا و قد حدث فعلا أن مر أسبوع و أسبوعان ثم شهر و شهور فسنة و اخري و انت ترفل في الغياب .
قال الاطباء و الممرضون في تلك المستشفي انك قد تسللت لواذا خارج عنبر الامراض النفسية و العصبية , صوب غيابك السرمدي نافثا أساك في شوارع لا تواري سواة من قد علاه أسي كالجنون !



التوقيع: أعشق عمري لأني اذا مت أخجل من دمع أمي ... ( محمود درويش )
معاوية محمد الحسن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-02-2012, 10:55 AM   #[2]
صلاح الدين سرالختم علي
:: كــاتب جديـــد ::
الصورة الرمزية صلاح الدين سرالختم علي
 
افتراضي

نص جميل يا معاوية، فيه نفس الرواية وليس برواية، وفيه نفس القصة القصيرة وليس بقصة قصيرة، وقطعا ليس نثرا، اذا هناك مشكلة في القالب الفني والنفس الروائي، لديك عجينة ممتازة لرواية غنية بالشخوص لكن النص تم اختزاله بشكل فيه تعجل لبلوغ النهاية مع ان النص واعد بتفاصيل كثيرة كان يمكن تتبعها ، اتمني بملكتك الرائعة وخيالك الجميل وعالمك الملئ بالجمال ان تهتم بالقالب الفني والنوع الادبي وشروطه أكثر فكتابة كل نوع تتطلب الالتزام بحرفية كتابته. استخدام تكنيك التداعي في خيال الراوي يقيد الكاتب احيانا ولايسمح له بالابحار في الشخوص والاحداث خارج تلك الذاكرة وذلك الوعي المفرد.... لك مودتي واعجابي



صلاح الدين سرالختم علي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-03-2012, 12:05 PM   #[3]
معاوية محمد الحسن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية معاوية محمد الحسن
 
افتراضي

شكرا استاذي الجليل صلاح علي هذا الملاحظات المهمة عن النص و قطعا ساستفيد منها كثيرا



التوقيع: أعشق عمري لأني اذا مت أخجل من دمع أمي ... ( محمود درويش )
معاوية محمد الحسن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-11-2012, 11:58 PM   #[4]
الرشيد اسماعيل محمود
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الرشيد اسماعيل محمود
 
افتراضي

يا سلام يا معاوية،،،
توظيف مميّز لتيار الوعي، صعود وهبوط. مستويات السرد الأفقي تتقاطع مع الرأسي في انتقال سلس من وإلي. دة شغل جميل ونص محتشد ومُربك جدّاً.
اللغة برضو يا معاوية مختارة بعناية حسب قرايتي للنص.
غايتو إلا يكون كسل منّك ساي، لكنك زول ممتلك لأدوات الكتابة وفاهم فن الحكاية تمام.


شكراً كتير علي النص يا معاوية، وأبقي أظهر لينا بالجديد لو ممكن.



الرشيد اسماعيل محمود غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:45 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.