بسم الله الرحمن الرحيم
لجان المقاومة و الاسئلة الصعبة!
حسين عبدالجليل
husseinabdelgalil@gmail.com
مثل غيري من المُخِلفٍينَ من السودانيين , أما بسبب الاغتراب او بسبب السن ,أتابع باعجاب شديد و يتابع معي العالم بانبهار أشد ملحمة الشباب و الشابات السودانيين في سبيل حصول جيلهم علي حكم مدني ديمراطي يستحقونه و دفعوا ثمنهم من دمائهم الغالية .
حبنا لابنائنا و بناتنا من الثوار يحتم علينا توجيه بعض النصح لهم حتي ولو لم يقبلونه , وتلك سنة الحياة فالشيوخ و الكهول شاهدوا و عاصروا في حياتهم أﻵيلة للافول كثير من الدروس التي لم يرها الابناء و البنات, و التي ربما تختصر لهم كثير من الوقت وتوفرا عليهم بعضا من الثمن الغالي الذين يدفعونه من دمائهم, وذلك دون أن يحيدوا عن أهدافهم النبيلة .
حسب علمي فان الثورة الوحيدة في العصر الحديث التي نجحت في أزالة حكم دكتاتوري عن طريق التظاهرات, و دون الاستعانة باي تأييد من الجيش كانت هي الثورة الايرانية . ففي فبراير ١٩٧٩ حينما حطت طائرة الخميني في مطار طهران قادما من منفاه بالعراق ذاب الجيش الايراني كالملح ولم يعد له وجود . دفع الليبراليون الايرانيون ثمن الثورة و لم يقطفوا ثمارها لعدم تنظيمهم و توافقهم علي كيفية حكم ايران بعد الثورة. وقفز الملالي للحكم مستعينيين بالتنظيم الهرمي لمؤسستهم الشيعية الدينية وفي هذا درس للجميع .
في ثورات السودان الشعبية الثلاث (١٩٦٤و ١٩٨٥و و ٢٠١٩) كانت المظاهرات (مع الاضراب السياسي و العصيان المدني) هي السلاح الذي أستخدمه المدنيون, الا أن النصر لم يكتمل الا بأنحياز نفر من القوات المسلحة لانتفاضة الجماهير. ففي أكتوبر انحاز صغار الضباط للثورة و ضغطوا علي عبود لحل المجلس الاعلي للقوات المسلحة و هو مجلس لكبار الضباط كان هو الحاكم الفعلي للبلاد. وفي ١٩٨٥ و ٢٠١٩ انحازت قيادة الجيش مضطرة لرأي الشارع . انحياز الجيش للشارع في ثوراتنا الثلاث عجل بالنصر و حقن الدماء . أما حاليا فكارثة السودان هي وجود جيشين حكوميين علي الاقل , أحداهما ملك و اقطاعية لعائلة دقلو . من الصعوبة بمكان انحياز قيادة الجيش السوداني للثورة الشبابية في وجود جيش الدعم السريع دون حدوث صدام دام بينهما ! فما العمل ؟
السؤال الثاني يدور حول التيار المتنامي داخل لجان المقاومة الكاره للأحزاب و للتجربة الحزبية برمتها. هذا الكره المبرر ربما يفرض علي المرء التساؤل عن نوع الحكم الديمقراطي الذي يرغب فيه الشباب ؟ فحسب علمي ليس هنالك حاليا أي نظام حكم ديمقراطي, في العالم, لايدور حول وجود أحزاب تتدوال السلطة سلميا. هذا رغم وجود تجارب ديمقراطية سابقة دون أحزاب سياسية , فالدستور الامريكي لايوجد به حتي اليوم أي ذكر للاحزاب السياسية . وقد وتم تفصيل النظام السياسي الامريكي المتفرد دون وجود أي احزاب ولم يتم تكوين الحزبين الجمهوري و الديمقراطي الا بعد عشرات السنين من أجازة الدستور الامريكي, ومن تعاقب الرؤساء المنتخبين و غير المنتمين لاي حزب .
ماأعنيه هو أن النضال اليومي و التظاهرات لاقتلاع حكم العسكر يجب ان تتوازي معها مناقاشات فكرية عميقة و ورش عمل بين الشباب لتحديد نوع الحكم الديمقراطي الذي يرغبون فيه, وأتمني الا يتركوا ذلك لما بعد سقوط النظام . فوضوح الرؤية بعد سقوط النظام الحتمي (ان شاء الله) سيوفر عليهم كثير من الوقت و العناء , وماعليهم حينها الا البدء في تطبيق ماتوافقوا عليه بعد نقاش مستفيض تم خلال فترة الثورة و قبل الانتصار القادم .
السؤال الثالث يدور هو حول شعار الشباب ب "لاتفاوض" , و أحسب أن هذا الشعار يغلق واسعا . فحتي الدول المنهزمة في الحروب تتفاوض مع المنتصر حول شروط استسلامها , فلو أراد العسكر الترجل فلماذا ترفض لجان المقاومة حينها التفاوض معهم حول شروط استسلامهم . وأذهب أبعد من ذلك في أن أتمني أن تسعي لجان المقاومة في كسب الحلفاء من الجميع طالما توافقوا معها علي الحد الادني , وحصر الاعداء في أضيق نطاق, و الاستفادة من كل الثغرات لحقن الدماء و أختصار الطريق. و لهم أسوة حسنة في تجارب الديمقراطيين التشليين (استفتاء ١٩٨٨) و البولنديين (انتخابات ١٩٩٠ الرئاسية) الذين استغلوا ببراعة كوة صغيرة من الديمقراطية انتزعوها من حكامهم الدكتاتوريين و عملوا علي توسيعها حتي اسقطوا حكم العسكر في انتخابات اقامها العسكر انفسهم .