نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > مسابقة القصة القصيرة 2013

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-03-2013, 06:34 PM   #[16]
خالد غالي
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي الحقيقة

الحقيقة

كان عمر كضابات شديد السُمرة... ذو جسم رياضي ممشوق مفتول العضلات، وعلى الرغم من انه يسكن في المنزل المقابل لمنزلنا مباشرة الا انني كنت نادرا ما اراه، الحقيقة انا كنت من النوع الذي لايسترعي انتباهه امثال عمر كضابات هذا، فهو شاب صغير السن شبه امي وليس له عمل معين.. وانا بحكم عملي في المباحث الجنائية اعرف الكثير من المجرمين بنفس مواصفاته.

اثار عمر كضابات اهتمامي لاول مرة حين كنت انتظر سيارة العمل امام البيت.. سمعته يحكي لمجموعة من اصدقائه طرف حكاية.. كان يقول : (بس يازول عمك بعد دفنوهو بي يومين قام من القبر وجا لي مرتو في البيت .. قال داير الرادي بتاعو.. المرة يازول دقت ليهو جرس وابت تديهو الرادي و....) وصلت السيارة التي كنت انتظرها ولم استطع تكملة الحكاية.. فكرت بيني وبين نفسي.. حسنا لا استبعد ان تكون هذه الحكاية حقيقية فأمثال كضابات هذا لايدهشهم اي شيء في هذه الدنيا.. هم لايدرون اصلا ان هنالك اشياء مستحيلة ولايمكن ان تحصل.. رأيت احدهم يوما يصطاد سمكة من زيلها.. ولم تبدو عليه اي دهشة فقط اخرج منها السنارة ورماها مع بقية الاسماك.. فقلت له مندهشا.. السمكة دي انت قبضتها من ضنبها؟!! فنظر الي وهز كتفيه بلا مبالاة
تابعت انا بعناد .. لكن مستحيل تقبض سمكة من ضنبها!! لانو اصلا... فقاطعني بزهج.. ما ياهو ده اسي قبضتها قدامك من ضنبها مستحيل كيف يعني؟! ... صدمني منطقه العنيف، فما دريت ماذا اقول.

بعد يومين ذهبت وطرقت باب منزل عمر كضابات.. جاءني نصف عاري.. قال مُرحبا..
- اوووووو وين يا جنابو، اتفضل
- بتعمل في شنو، معاك زول؟
- لالا .. ولا شي
- خلاص تعال انا عايزك... خرجنا وجلسنا في الشارع .. فقلت
- احكي لي القصة بتاعة يوم داك.
- ياتو قصة دي؟
- قصة الزول القام من القبر ومشى لي مرتو قال عايز الرادي بتاعو
- ايوااااا.. ده راجل جيرانّا في البلد بعد مامات ودفنوهو جا لي مرتو قال ليها عايز الرادي بتاعي.. المرة ابت تديهو ليهو وجات كلمت جدي... اها بعد يومين لقينا المرة مقتولة في البيت والرادي مافي.. جدي حكى لي ناس المباحث القصة قاموا مشوا حفروا القبر فلقوا الرادي قاعد جوة القبر.. كانوا عايزين يشيلوهو لكن الشيخ قال ليهم خلوهو لو شلتوهو الزول ده تاني بقوم.
اصبحت كثير التردد على عمر كضابات وكنت اطلب منه ان يحكي لي الكثير من مثل هذه القصص.. وكنت استمع باهتمام حتى اصبح منظرا عاديا رؤيتي مع عمر كضابات نجلس ونتسامر لساعات طويلة في الشارع.

دخلت الى مكتب المباحث وسمعت صوت فتاة تصرخ.. وتبكي واصوات ضرب.. كان امرا عاديا افراد المباحث هذا اسلوبهم في الاستجواب.. فتحت الباب ودخلت و... سمسمة؟! .. رأتني الفتاة وازداد نحيبها.. انها سمسمة تسكن في حيّنا
وقبل ان انطق باي كلمة امسكني النقيب من يدي وجرني الى الخارج..
- بتعرف البت دي؟
- ايوة دي جارتنا
- ممتاز جدا.. يلا اسمعني كويس.. البلاغ بتاع البت الرايحة من اهلها داك متذكرو ؟
- ايوة
- اها التحريات وصلتنا لغاية البنت دي وعرفنا انها اخر زول شافوها مع البنت المفقودة.. اسي عايزك تمشي تمثل قدامها انك الكل في الكل هنا وتخليها تثق فيك وتوريك الحاصل كلو
- حاضر سعادتك
ذهبت وفتحت باب الغرفة الموجوده بها سمسمة وصرخت بعنف في زملائي... القال ليكم تضربو البنت دي منو؟؟ والله واحد فيكم يلمسها اضربو رصاص اسي دي... امشوا اطلعوا برة يلا بلاش كلام فارغ معاكم.
هدأت من روع سمسمة وطلبت لها مشروب
- معليش ياسمسمة جماعة المباحث ديل اصلهم كده..
- والله انا ماعملت حاجة ماعارفة لييه بيضربوني
- طيب انتي احكي لي الحاصل كلو وانا مابخلي زول يضربك واسي برجعك بيتكم
- انا بوريك بس عليك الله ماتخلي عمر كضابات يعرف اني قلت ليك حاجة
- عمر كضابات؟!
- ايوة البنت البتفتشو ليها قاعدة معاهو في بيتو
وعلى الفور تذكرت يوم جاءني نصف عاري..
- احكي لي اي حاجة ياسمسمة وانا اوعدك مافي زول يجيب سيرتك ابدا
استمعت الى سمسمة وهي تحكي القصة بكل تفاصيلها واستشعرت الصدق في حديثها واختبرتها بعدة اسئلة حتى تأكدت تماما من صدق الرواية.
ذهبت الى النقيب واخبرته بكل شيء واستأذنته في اطلاق سراح سمسمة فأذن لي
- سمسمة هاك دي قروش المواصلات انتي امشي البيت خلاص.. انتي ماجيتي هنا وانا ماشفتك ولا لاقيتك.. اتفقنا؟
- اتفقنا ياجنابو.
ذهبت الى النقيب ودار نقاش طويل حول القضية.. اخبرني النقيب بكل التفاصيل واخبرته بانني على صداقة حديثة مع عمر كضابات واستطيع الحصول على المعلومات منه بسهولة... كلفني النقيب بالمهمة بالكامل واوصاني بأخذ حذري وان اكون على اتصال دائم معه.

عند المساء ذهبت الى عمر كضابات .. طرقت الباب طرقا خفيفا ودخلت.. قابلني عمر خارجا من الغرفة الوحيدة بالمنزل رآني وابتسم ابتسامة خاصة..
- عمر وين انت الليلة؟ مالك ماجيت طالع؟
- اسي كنت جايي عليك ياجنابو
خرجنا وجلسنا في الشارع.. كيف سأبدأ هذا الحوار الصعب؟ هل تراه سينكر، سيغضب، سيهرب ؟ لا استطيع توقع ردة فعله.. لكن مهما يكن علي مواجهته بهذا الامر.
- تعرف ياجنابو.. انا كنت متوقعك حاتنتظر يومين تلاتة كمان... لكن شكلك كده مستعجل
حسنا انه يسبقني بخطوة.. لقد ادرك لماذا انا هنا اليوم..
- ياعمر ما اظنك تصدقني لكن انا عرفت بالموضوع ده اليوم بس.. وونستي الفاتت معاك دي كلها هي ونسة اصحاب وانا ماكنت عارف حاجة بالجد.. واسي انا جاييك بحكم الصحبة البينّا عشان نحل المشكلة دي بي هدوء وباقل خسائر.
ابتسم كضابات بسخرية وقال
- شوف ياجنابو طالما ده كلامك كده واذا كنت فعلا عايز الموضوع ينتهي بي سهولة وبدون مشاكل.. خليني امشي اسي عندي حاجات لازم ارتبها لانو بعد نتكلم في الموضوع ده ماحايكون عندي اي وقت لاي حاجة
نظرت في عينيه ووجدت الصدق
- اوكى ياعمر.. امشي رتب امورك.. لكن اوعدني ماتتصرف تصرف تندم انت عليهو او اندم انا على ثقتي فيك
- اوعدك ياجنابو اني الليلة حا اجيك راجع واوريك كل حاجة.

انصرف عمر وجلست وحيدا افكر.. هل تراني اخطأت؟ عمر كضابات كان هادئا ولايبدو عليه انه مجرم او ينوي ان يغدر بي.. نظرته صادقة لكنها حزينة.. ربما سيهرب؟
قطع حبل افكاري صوت الهاتف.. اهلا ياسعادتك... لالا مافي اي تطور عمر كضابات غير موجود في البيت لكن انا مراقب البيت كويس وماحا اتحرك اي مكان... اطمئن خالص سعادتك اي حاجة بتحصل بكلمك بيها اول بي اول
لن اخبر النقيب بما حصل.. لن يفهم.. واذا هرب عمر كضابات ستتم محاسبتي رسميا اذا اخبرتهم اني سمحت له بالذهاب
مكثت في مكاني انتظر حتى منتصف الليل ولم يظهر كضابات.. ياللوغد الكاذب.. انه خطأي كيف بالله اثق في مختطف ومجرم مثل عمر؟ حسنا سأجدك وان دخلت تحت الارض وحينها سيكون لي معك شأن آخر.

حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمعت صوت طرقات عنيفة على باب منزلي... هرعت وفتحت الباب
- عمر؟؟ كنت وين؟ ومالك عامل كده؟
كانت ملابس عمر مبتلة تماما بالماء ووجهه شاحب
- تعال معاي ياجنابو.
- طيب لحظة خليني اغيّر ملابسي
تركت عمر عند الباب ودخلت الى الغرفة مسرعا.. اتصلت على النقيب واخبرته بالقصة باختصار وطلبت منه ان يرسل قوة وسيارة الى حيث اسكن... ثم اخذت سلاحي وخبأته جيدا تحت ملابسي وخرجت
تقدمني عمر بخطوات سريعة ناحية النيل بمحازاة منزلي
- عمر انت ماشي وين؟ الحاصل شنو؟
لم يجبني ولم يبدو عليه انه يسمعني من اساسه.. اخرجت هاتفي وكتبت رسالة الى النقيب فيها كلمة واحدة فقط (النيل)
وصل عمر الى شجرة قصيرة عند طرف النيل.. كان بالقرب من الشجرة مايبدو انه جسد شخص ممد.. يا الهى .. ماذا فعلت ياعمر! اقتربت بحذر.. نعم لابد انها الفتاة المفقودة... الجمت المفاجأة لساني.. فوقفت انظر.. كان المشهد مهيبا.. جسد الفتاة ممد بلا حراك ويبدو انه فارق الحياة.. عمر جالس عند راسها يداعب خديها ويرتب خصلات شعرها بحنان بالغ.. كان منظرهما جميلا.. اضاءة النجوم الخافتة وماتلقيه على المشهد من ظلال.. النيل في الخلف هاديء وجميل.. وهيبة الموت ترفرف على المشهد ككل.. وعمر كضابات يجلس عند رأس الفتاة مداعبا خديها وفي عينيه نظرة لا استطيع سبر غورها... كان كل شيء جميلا ومثاليا.. تشعر كأنك داخل لوحة من عالم آخر.
انتبهت فجأة للواقع.. فصرخت بصوت اخرق مبحوح
- عمر ده شنو العملتو ده؟ قتلتها لييه؟؟
انتبه عمر الى وجودي.. فنظر الي نظرة احتقار هائلة واشار الى الفتاة قائلا
- موش ياها دي البنت البتفتش عليها؟
- ايوة لكن.. الحصل شنو؟ قتلتها كيف؟ عملت ليها شنو؟
اجابني بنفاذ صبر
- موش دي ياها البنت البتفتش عليها؟ عايز مني شنو تاني؟
- كيف عايز منك شنو ياعمر.. الحصل شنو.. احكي لي ماتت كيف؟ وريني الحقيقة!
تحوّلت نظرة الاحتقار في وجه عمر الى غضب هائل.. ونظر الى نظرة ارتعدت لها اوصالي
- الحقيقة؟!! عايز تسمع الحقيقة... انت بتقدر تتحمل الحقيقة؟ الحقيقة ياها دي قدامك.. فتاة في بداية عمرها انتحرت على بعد خطوات من منزلك.. عاين ليها في وشها لو كنت بتقدر تواجه الحقيقة.. انت وامثالك كلكم مابتهمكم الحقيقة ولا بتستحملوا تعاينو في وشها.. انت ومجتمعك كلو.. ناس نضيفين.. بدل وكرفتات ورتب.. ماعندكم غير الكذب عشان تغطو عورة مجتمعكم وقذارتو... لغاية ماطفح وريحتو ازكمت الانوف.. حاتفضلو لمتين مغمضين عيونكم من الحقيقة.. حاتجيكم الشجاعة متين؟ حاتتوقفو متين من المشي على جثثنا واحلامنا ومستقبلنا عشان توهموا نفسكم بطهر مجتمعكم؟ عايز تعرف الحقيقة؟ عايز تعرف البنت دي ابوها اغتصبها كم مرة؟ عايز تعرف اول مرة اغتصبها كان عمرها كم؟ عايز تعرف ..
شعرت بكلمات عمر تنزل على جسدي كالسياط.. شعرت بروحي تدمي وقلبي يتفطّر.. ياربي متى سيصمت.. متى سيرحمني.. توسلت اليه
- عمر ارجوك خلاص كفاية ...
- عايز تعرف لييه البنت دي مالجأت ليكم انتو وانتو المفروض حماة القانون؟ عايز تعرف مقدار الالم والوحدة واليأس الحست بيهو واحدة في العمر ده لغاية ما قررت بملء ارادتها انها تنهي حياتها وتترك ليكم دنياكم القذرة...
كان الوضع يبدو غريبا.. عمر كضابات منفعلا صارخا في وجهي في حين من المفترض انا من يصرخ في وجهه بل يجب ان اضربه واقيده... ولكن لسبب ما كان يبدو مسيطرا على الوضع سيطرة كاملة فكنت اقف امامه ذليلا واشعر بعار عظيم لا ادري لماذا ... رفعت راسي ونظرت اليه فشعرت برعشة خفيفة وانتابني شعور غريب ان ثمة مصير ما يربطني بهذا الشاب...
شعرت بالارض تميد تحت اقدامي فجثوت على ركبتيّ وتوسلت اليه مجددا بصوت باكي
- عمر.. ارجوك .. خلاص كفاية.. عليك الله ارحمني ياعمر..
وعمر لايرحم ولايلين...
- عايز تعرف الحقيقة.. هل بتقدر تستحمل الحقيقة... الحقيقة انو الطفل الفي بطنها ده طفل ابوها... ولدها واخوها في نفس الوقت.. الحقيقة ..
وقبل ان يكمل عمر جملته وضعت يدي على اذني واغلقتهما وانكفأت على نفسي منتحبا.. كنت ابكي كطفل صغير ولا ادري عن نفسي شيئا .. ولا ادري كم استمريت على هذا الحال.

رأيت افراد المباحث يركضون ناحيتنا.. قيدو عمر كضابات واقتادوه الى السيارة .. عاينوا جثة الفتاة والتقطوا لها صورا كثيرة ثم حملوها الى السيارة .. وانا قابع في مكاني لا اشعر بشيء.. وصوت عمر كضابات يرن في رأسي.. الحقيقة ... انت لاتحتمل الحقيقة..
ايقظني صوت النقيب
- يازول مالك؟ انت اول مرة تشوف ليك جثة ولا شنو؟ يلا ارح خلاص نحن منتظرنك
- معليش ياسعادتك انا تعبان شوية.. خليني امشي البيت وبكرة الصباح بدري بكون معاكم
نظر الي النقيب باشفاق وربت على كتفي بتفهّم
- اوكى تمام.. امشي انت البيت ارتاح شوية وتعال بكرة بدري المكتب عشان تكتب التقرير النهائي.

انصرف الجميع وظللت جالسا وحدي لا ادري ماذا افعل.. ياالله كيف لي ان اتحمل هذا الحمل الثقيل.. تمددت على الارض ووضعت خدي على العشب الندي.. شعرت بنسمات الصباح محملة برائحة ورطوبة النيل تمر على جبيني المحترق فتلطفه قليلا.. شعرت بالحمى وكنت اهذي.. غدا سوف اقف امام القاضي ووكيل النيابة واخبرهم بالحقيقة
عمر كضابات لم يقتل تلك الفتاة.. نحن قتلناها بصمتنا.. نعم انتم وانا والجميع.. نحن سبب كل هذه البلاوي.. نصر على تغطية الجروح دون تنظيف حتى تقيحت وتعفنت.. يالله كيف سمحنا لمجتمعنا النظيف بان يفرز مثل هذا الوالد الذي لايتوانى على اغتصاب طفلته.. جاءني صوت عمر كضابات.. لاتكذب.. مثل هذا الوالد موجود في مجتمعكم المتعفن منذ الامد.. كذبكم وتغطيتكم على امثاله هو ما اوصلكم لهذه النتيجة
نعم ياعمر.. هنالك الكثير الكثير من مثل هذا الوالد.. اشقاء وجيران وقرائب.. ونحن نغطي عليهم ونصمت لاعتبارات كثيرة .. حتما ليس من بينها الحق ولا الامانة ولا الضمير.. وطأنا ونطأ يوميا على الاجساد والاحلام الغضة ونصمت .. لا لشيء الا لستر شرف قذر اصلا والمحافظة على بريق زائف.
تداخلت صور كثيرة امامي.. ذكريات طفولة وشباب ماجن.. احاديث وضحكات.. اختلط الحاضر بالماضي بالمستقبل وصوت عمر يتردد في رأسي .. ومنظره وهو يجلس هناك يداعب خد الفتاة.. اجهشت ببكاء ممض محرق وردد النيل صوت بكائي ونحيبي حتى غبت تماما عن الوعي.

ايقظني صوت هاتفي.. وشعرت باشعة الشمس تداعب وجهي.. كنت اشعر بثقل وصداع عنيف.. اجبت بصوت واهن
- ايوة سعادتك
- انت وين ياخي؟ ضربت ليك الف مرة.. تعال بسرعة.. عمر كضابات مات..
- مااااااااااات؟!!
- ايوة لقيناهو الصباح ميت في...
وقبل ان يكمل النقيب جملته وضعت كلتا يداي على اذناي واغلقتهما بقوة.

وصلت الى المكتب بآخر رمق.. كنت مشوشا تماما واحداث الليلة الماضية لازالت آثارها واضحة في وجهي وثيابي.. ذهبت مباشرة الى مكتب النقيب.. ودون تحية انهرت على الكرسي امامه ..
- يازول! مالو شكلك عامل كده؟ انا ماقادر اصدق انك بعد سنين خبرتك دي كلها منظر جثة ممكن يعمل فيك كده
حاولت ان ابتسم فلم افلح.. يظن اني مابي نتيجة مشاهدة جثة الفتاة
- الحصل شنو ياسعادتك.. عمر مات كيف؟
- والله بس الصباح لقيناهو ميت في الزنزانة.. قطع اوردة يدينو الاتنين!
ومرة اخرى شعرت بالدموع تنحدر على وجهي.. واصل النقيب بصوت اكثر جدية
- لقينا مع عمر الظرف ده معنون بي اسمك.. انا كنت عايز افتحو لانو ممكن يكون فيهو حاجة توضح اسباب الانتحار وموضوع الاختطاف.. لكن فضّلت انك تفتحو براك لكن كمان عايزك توريني بالظبط فيهو شنو
وبيد مرتجفة تناولت الظرف من النقيب.. ونظرت اليه بخوف
- معليش سعادتك انا اسي تعبان والفيني مكفيني.. مابقدر افتح الظرف اسي.. خليني امشي ارتاح في البيت وبوريك بعدين فيهو شنو
- طيب كويس.. انا ماشي اسي المستشفى لانو تقرير الطبيب الشرعي طلع.. بالمناسبة البنت المقتولة طلعت حامل.. غالبا بيكون ده طفل عمر كضابات
اردت ان اخبره بالحقيقة ولكني اكتفيت بالمزيد من الدموع وطعم كالعلقم في حلقي
واصل النقيب
- يلا اوصلك بيتك في طريقي لكن لازم تجي راجع وتوريني في الظرف في شنو قبل نهاية اليوم.. عايزين نخلص من القضية دي الليلة باي طريقة.. انا مرهق جدا ولي يومين مانمت
وقبل ان نخرج من مكتب النقيب دخل احد العساكر وضرب رجله بالارض قائلا
- سعادتك ام عمر كضابات وصلت.. واقفة برّة
خرجنا.. وامام باب المكتب رأيت الام الثكلى.. وشعرت بأن قلبي سقط بين اقدامي
- حنان؟؟! انتي ام عمر؟
و على الفور مرت ذكريات كثيرة من شبابي الماجن امام عيني.. وجه حنان الجميل وضحكتها الطفولية.. شعرها منسدل على صدرها العاري.. لحظات النشوة في فراشها.. وكيف حطمت قلبها فيما بعد.. ثم اختفاءها المفاجيء
- حنان؟؟! عمر ولدك.. لكن كيف؟ متين .. انتي ماكنتي متزوجة ..
سمعت صوت حنان يأتي كانه من عالم آخر
- يعني انت ماعارف؟!.. عمر ماكلمك؟
- عمر؟؟ ماكلمني .. يكلمني بي شنو؟؟
ثم نظرت الى الظرف في يدي برعب .. وادركت كل شيء .. يا الهي .. الطف بي يارب ..
جثوت عند اقدام حنان ونظرت اليها بضراعة..
- حنان .... لا .. ارجوك ..
دوى صوت عمر كضابات مزلزلا اركان الدنيا (الحقيقة؟!.. انت لاتستطيع ان تحتمل الحقيقة)
ثم اعقبه صوت حنان باردا كالموت
- ايوة.. عمر ولدك ... ولدنا ال...
وقبل ان تكمل حنان كلامها وضعت اصابعي على اذناي واغلقتهما باحكام .. واغمضت عيناي بقوة ولا ارغب في فتحهم مرة اخرى.

تمت



خالد غالي غير متصل  
قديم 27-03-2013, 02:02 PM   #[17]
مي هاشم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية مي هاشم
 
افتراضي كــقطرة مـــاء .. تماماً

[justify]
وجهاً لوجه؛ هي وسقف الغرفة؛ وبينهما ظلامٌ وبعض أنينٍ وحنين.
استلقت على ظهرها وجسدها يمتدّ بتضاريسه ولوعته تحت غطاءٍ ينافس بشرتها نعومةً، رأسها المُثقل بالأفكار وشعرِها الغزير يغطسُ في وسادتها الخالية، عيناها معلّقتان في الـلاّ شيء، وبنصف انتباهٍ تستمع لهاتفه يرنّ على الطرف الآخر؛ حتى أنّ رنينه أصبح جزءً من معزوفة مكيف الهواء، المروحة، أنفاسها وبعض الضجيج الآتي من بعيد.
لا إجابة! توقّعت ذلك سلفاً فلم تأبه كثيراً، وفي محاولةٍ يائسةٍ أخرى - أو ربّما أداءً للواجب - ضغطت على اسمه مرةً أخرى على شاشة هاتفها، ذات الرنين ولا رد، أغلقت الخط وهي تجر خيوط مكالمتها المهزومة، والليل يسخر منها على طريقته بسكونه وعزلها عن العالم عمداً؛ ضارباً باحتياجها عرض دجنّته.
حدّثت نفسها بالرّقم الذي قلب موازينها مُذ عرفته، رقم الرّجل الوحيد الذي ضمّها بعينيه كلّما رآها، الرّجل الذي لم يختبر إحساسها أو يمتحن صدقها؛ وراهن على سعادته بوجودها في حياته، اقشعرّت أنوثةً ومالت على جانبها متقرفصةً على نفسها وهي تجرّ غطاءها لتستر ما بدا جرّاء انقلابها هذا!
تردّدت قليلاً، وبحنانٍ لامست رقمه الذي تحفظه عن ظهر حُب – مع قلّة اتّصالاتهما ببعض- لم يساورها شكٌ في أن صوته سينساب إلى دواخلها فوراً - رغم كل الحواجز والعقبات – وقد صدق حدسها عندما ردّ عليها بجديّةٍ مفتعلةٍ وصوتٍ رجوليّ آسر:
• ألو.. مساء الخير..
استجمعت دلالها وتناست بقيّة جنودها، فهي تعلم أن لا قِبل له بجيوشها وتكتيكاتها
• ألــــو..
وفي محاولةٍ منه للتماسك والتعامل بـ (عاديّة) :
• كيف الاحوال والـ .... (قاطعته) ..
• عارفة الوقت ما مناسب ولا وضعك بيسمح، بس مشتاقة ليك وحبّيت أسمع صوتك.
كان ينتظر صوتها وكلماتها تلك، ابتسم ابتسامةً مكبوتة وقال بفرحٍ مموّهٍ بعدم المبالاة:
• الله يسلّمك الله يبارك فيك..
أغلق الهاتف وفتح باباً من الأمنيات والذكريات، تململ تلك الليلة قرب زوجته الجميلة دون أن يكلّف نفسه عناء أن يشم (كبَريتها) الذي شوت لأجله جسمها ساعةً في حطب الطّلح وضمّخت أردانها بالخُمرة وختمتها بمسحةٍ من الصندلية الصّافية، أنفه مزكومٌ بعبير تلك البعيدة.
بقيت هي غائصةً في حَلَكِ غرفتها وقد احتضنت وسادتها كطفلٍ رضيع وغفت ملء انتصارها العاطفي.
ترّن.. ترّن.. ترّن .. ترّن.. فتحت عيونها على النّغمةِ المُنتقاة لقدرها، وبصوتٍ مكسيّ بالنّعاس:
• ألـــو ..
• صباح الخير حبيبتي، معلش أمس نمت بدري و ... (مقاطعةً إيّاه)..
• عادي .. عادي .. كيف انت؟
• مشتاق ليك شديد..
وكمرادفة لا أكثر.. ردّت أتوماتيكياً..
• بالأكتر..
قالتها ونظرها مثبّتٌ على الضوء الذي بدأ يتسرّب إلى الغرفة عبر الشّباك أمامها، تماماً مثل الشوق الذي تنوء بحمله جوانح لهفتها لذلك الرجل الذي حُرمت.
• مع السلامة بضرب ليك تاني..
وكعادته؛ يرمي بالكلمات من طرف شفتيه فلا تخترقها أبداً، إنه الرّجل الذي عوّدها أن يلبّي طلباتها الماديّة، لكنه لم يسأل نفسه يوماً إن كانت تحسّ تجاهه بالحب أم أنه محض ملء فراغٍ واستسلامٌ للقدر.!
ما زال نظرها وأشعة الشّمس في تحدّ، بينما ذاكرتها تتحدّاها أن تأتي بذكرى أجمل من تلك الأمسية معه، الأمسية التي ترقّبتها شهوراً؛ وحلمت بها ليالي متتالية - ومع ذا - كانت فوق ترقّبها وخيالها ! كانت ليلةً بطعم النّشوة والحُب، فنكهتها مازالت عالقةً في نفسها ونفسه؛ تتلذّذ بها كلّما تذكّرت تلك الجلسة الحميمة، حين تقاربا حدّ الأنفاس وضحكا ملء القلوب.
قلوبهم التي خفقت حتى كادت أن تطير لهفةً عند اللقاء، ويا للّقاء!! اجتمع فيه الأمان بالصّدق، المودّة بالجمال، المساء بالأشواق والقهوة بالبخور.
ابتسمت وقلبها يهفو حين تذكّرت (ست الشاي) ؛ عندما تلعثمت وضحكت بلا أسباب وختمت بـ : هسّي أنا مالي؟!! فضحكوا جميعاً؛ ويبدو أنها( اتلبشت) من فرط ( لبشتهما) ببعض.
لم تحدّد كم فنجاناً سشرب ذلك المساء، فالقهوة مشروبها المفضّل وكانت تستشيطُ كيفاً عندما تُسكب لها، كان يسكب على روحها دفقاتٍ من ودادٍ صِرفٍ مع كل قطرة، سكِرت بفعل لطفه ونظراته التي تحيلها طفلةً تعبثُ بالكلمات كما تعبث بها كلماته.
تأمّلت تفاصيلَ كثيرةً ما بين جبينه إلى عنقه، وأنّبت نفسها على جُرأتها مرّةً وعذرتها لكونها سُكرى مرات. راقبت حبّات العرق التي تكوّنت على جبينه وحاجبيه معلمةً إياها بتوتّره، وتتبّع هو قطرات الندّى الصغيرة المتكوّنة على شفتيها بمرور البخور.
تأملت استقامة أنفه ونظارته التي تغيظها بقربها من عينيه، وحنق هو على طرحتها التي استأثرت بالرّقاد على صدرها بوداعة، سرحت في شاربه الأسود وهو يدنو من شفته العليا في حذرٍ وترتيب؛ بينما كانت يداه تعيدان هذا الترتيب بصورةٍ تلقائيةٍ قاطعةً توهانها فلا تكمل تأملاتها الغارقة، وقبل أن تفيق تماماً تلفتها حركةٌ في عنقه حين يزدرد ريقه بعد كل ضحكةٍ تضحكها وكأنه يضمن طعم الضحاتِ و يؤكد عليه.
لا تعينها ذاكرتها لتصل لنهاية تلك الأمسية – ربّما لأنها غير قانعةٍ بانتهائها – لكنها مقتنعةٌ أنها ستظل مثالاً للجمال والصّفاء والأمان.
كانت آخر ذكرى لم تبارح خيالها عندما تقابلت عيونهما لوهلةٍ - نظرتئذ - وهما يتوادعا ضمن وداعاتهم المتواصلة.
فجأةً، قطع صوت المنّبه فيض الذكريات الذي اجتاحها؛ نفضت عنها غطاءها لتحرّر جسدها من ربقة القوقعة التي تسكنها برفقة القدر.
في مغتسلها؛ نزل الماء على رأسها بارداً، وقفت تاركةً كل الأفكار البائسة والظنون تسيل لتبتلعها أرض الحمّام، خرجت مبلّلةً بالحنين لذاك المحرومة منه، أدارت الراديو على محطّتها المفضّلة؛ فأتاها صوت مصطفى سيد أحمد متآمراً مع التّجاني حاج موسى ومع حالتها :
(الجّاني منّك ومن تباريح الهوى .. وصفو بِصعب يا جميل) ...
أصواتُ الآلات الموسيقية تأتيها فرادى، وجموع تأثيراتها تراقص خصلات شعرها وهي تمرّر أسنان المشط عبره، إنّها تذوب من البُعد عنه.
تيت.. تيت..تيت .. تيت.. رسالةٌ في هاتفها من الرقم الحبيب، يا له من صباح:
(لو أن لي جناحان لطرتُ إليكِ وحططتُ في قلبك الحاني دهوراً).
إنّها تذوب مرّةً أخرى من الوصل، وبين الذّوبان والذّوبان حالةٌ جعلتها توقن أنّ الصّخرة لا تتأثر بسطل ماء يراق عليها؛ لكن القطراتِ المتتالية تحفرُ فيها عميقاً بمرور الأيّام.

[/justify]


مي هاشم



التوقيع: [align=center]

الحب والجمال منشآ الكون[/align]
مي هاشم غير متصل  
قديم 28-03-2013, 05:23 PM   #[18]
حافظ حسين
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية حافظ حسين
 
افتراضي دمعة اليمين

دمعة اليمين
رغم أن الفقيد من سلالة البشر المحمية بايلوجيا من مخافر الشرطة و أضابير الآمن و لكن جدلية سيد الرايحة و خشم البقرة جعلت ذويه يبحثون عنه في الأقسام.... كل محاولات العثور عليه في مستشفيات و مشارح العاصمة و الأقاليم باءت بفشل كبير, نُقبت الخيران و مقالب القمامة و أُرسلت الاشارات لكل سكان شريط النيل, من الخرطوم بحري حتى أسوان ولكن دون جدوي.... محاولات البحث جميعها أتت بغموض جديد و كل الأسئلة قادت الي شكوك مُفزعة. فعندما سئل الصبي الذي يساعده في اعادة ثياب التوتال الي أماكنها في الرف بعد فصلها عن ثياب البوليستر و الهزاز, أو رص العطور الباريسية فخر الامدرمانيات بعيداً عن العطور الأخري و الخ من أعمال...., عندما سئل هذا الصبي كان رده:
(و الله خليته قاعد هنا... رسلني شركة زين عشان اسدد فاتورة التلفون جيت لقيت الدكان فاتح و هو ما في....), و يدعم نظريه عملياً بإخراج ورقة من جيبه فارداً إياها في أوجه السائلين مردفاً ( و أها دي الفاتورة....) , و لكن الشرطة تحفظت عليه رغم فاتورته, كما تحفظت علي بائعة الشاي محاسن التي تجلب له القهوة المعده خصيصاً لتنظيف بطنه من كحول و مزة الليلة السابقة, و تواصل تحفظ الشرطة حتي وصل أناس فقط يعرفون عبدالعزيز المختفي و يفتقرون السند الكافي لحمايتهم..... كل محاولات البحث كما ذكر آنفاً لم تأتي سوي بشك جديد, فذويه رموا جانباً آمل العثور عليه حياً و لكن حيرتهم كمنت في كيفية نصب سرادق العزاء و توزيع الورثة و الجثمان لم يدفن أو يعرف مكانه بعد ... في هذا الظرف المشحون حيرة و عدم حيلة غامت السماء و بدلاً عن المطر تفتق عقلها عن أعصار كتريني كنس المدينة من أكياس القمامة و النايلون, الباعة المتجولون و درداقاتهم, أطفال السلس بأثمالهم, و كل ما هو فائض أو غير ذي نفع..... سكنت المدينة بعد إنتهاء الاعصار سكون القبور سوي من أزيم طبل خفيض يضرب عليه المفقود عبدالعزيز الذي لم يكن له سابق علاقة مع أي مجموعة دينية... ظهر في هيئة أبلغ وصف لها انها ميلودرامية, فعوضاً عن جلابية السكروتا كان يرتدي مقلوبة الدراويش المتسخة و متعددة الألوان, حازماً وسطه بالفية اللالوب المعروفة, تنبعث منه رائحة الموتي بدلاً عن عطر الجلدا الأصلية, من عنقه يتدلي شريط متسخ غير معروف لونه الأصلي منتهياً بطبل مجلد من الجانبين, لم يحظ أحد بكلمة منه تشفي فضوله أو غليله حول غيابه الغرائبي الذي إستمر سبعة أيام بلياليها و أكثر ظهوره الأشد غرابة أمام دكانه بهذه الهيئة, لأنه ببساطة فقد عادة التواصل مع البشر و كل ما ينطق به منذ مجيئه ضارباً علي الدف:
(دموع الدراويش .... دموع الطير
دموع الدراويش.... عقبها السيل)
تضاربت المشاعر و تداخلت حول ظهوره بهذا الشكل الجديد, أحاسيس كانت مزيج من العطف, الحزن, الاستعداد للمساعدة, و الدهشة, و لكن لم يخطر ببال أحد الشماته, هل لأن عبدالعزيز كان من أعيان البلد المحترمين مجتهداً في صلاة الجمعة و أكثر كله إصرار علي تشمييع كبده كل ليله, إضافة الي خروقات إجتماعية يرتكبها كل الرجال المتزوجيين في سنه, أم انهم خائفين ان يشفيه الله و يبتليهم عما قريب؟ لكن ما علينا....المهم فريق المساعدة بعد مناقشات طويله و دائرية توصل الي ضرورة تسفيره الي شيخ ابو عصا في أم رحي و لكن لدهشتهم قُطع عليهم الطريق بواسطة مسيرة من الدراويش يقودها ابو عصا ذات نفسه مرددةً شعار عبدالعزيز الواحد الأحد:
(دموع الدارويش .... دموع الطير
دموع الدراويش عقبها السيل)....
و لحظتها إقتنع القوم بالصبر و الرضا بالمقسوم, عوضاً عن البحث عن علاج لعبدالعزيز, ذاك التاجر الذي ليس له ما يميزه عن بقية أضرابه الكثير, يفتح دكانه الصباح و بمساعدة أحد الصبية (صبي تاجر), يرتب بضاعته, يطلق البخور الطارد للذباب و الجالب الزبائن, يتغزل في مؤخرة محاسن بائعة الشاي... و يستمر الروتين الي أن يأتي أحد المجانين قائلاً: (يا عبدالعزيز أمسك العجل من الفجل), يبتسم المنادي و ينقد المجنون عدد واحد جنيه لا غير.
في يوم الاختفاء لا أحد يدري لماذ فقد عبدالعزيز روتينه و وقاره, و بدلاً عن نقد المجنون مبلغ الجنيه نظير جملته المكرورة, زجره بعبارات بذئية و حاول لطمه لكن كف كالكماشة قوتها لا تتناسب و هزال صاحبها أمسكت بيد عبدالعزيز الذي تحول غضبه الي دهشة و إزدادت حيرته حين رأي بريق قاتل يشع من عيني المجنون, قبل أن يتعالج من دهشة البريق غامت عين المجنون اليمني و أغرورقت و دمعة يتيمة تدحرجت مقاومة تغضن وجهه و إتساخه, بينما العين اليسري تحدق فيه بغضب كتيم, لحظة ارتطام دمعة العين اليمنى بالأرض دفعه المجنون برفق و تدحرج في المجهول و الدمعة متدحرجة في أثره و حجمها يزداد طردياً مع المسافة المقطوعة في الفراغ..... عند وصول حجم الدمعة المتزايدة بفعل الزمن و المسافة مقدار إحتواء الكائن المتدحرج أمامها, نبلت الي أعلي قليلاً حتي وازت رأسه و برفق انبثقت و أحتوته و أعادت التئامها.... واصل عبدالعزيز التدحرج داخل كيس الدمعة الذي تحول الي سائل اميني حامياً أياه من ضربات الإجسام الصلبة التي قابلته في رحلته .... بعد زمن من الطيران ارتطم الجسم بالأرض, انفقأ الكيس و صرخ عبدالعزيز ثلاثة مرات و عرف من هو...................
علي مد البصر امتد جرف فجل غير منتهي الخضرة يتوسطه مبني أبيض شبيه بالقبة لكن بثلاثة واجهات ملساء و مطربش عند نهايته بثلاثة جرائد نخل كل منسدلة علي واجهة.... أخذ عبدالعزيز يجول ببصره في خضرة الفجل الغير منتهية و عندما تتعب عيناه أو تمل الخضرة يركز في المبني.... بينما هو في حال كر و فر بصري آته صوت كأنه خارج من بئر, صائحاً: ( يا عبدالعزيز أمسك العجل من الفجل)..... ومن المبني الأبيض خرج رجل لحيته تصل الي ما بعد سرته, عيونه بلون الظهر, أمسك بعجل معقوف القرن كما الهلال و رده إلي الفراغ..... مرة أخري الصوت نادي (يا عبدالعزيز أمسك العجل من الفجل), و رجل أخر كأنه نسخة من الأول لولا قصر قامته قام بنفس الفعل, عندما تكرر الأمر حتي وصل النداء الرابع, واتت عبدالعزيز الذي لم يزل جالساً علي غشاء الدمعة الذي أصبح مثل الفروة بعد أن جففته الشمس, واتته بعض الشجاعة وسأل الرجل ماسك العجل:
أين أنا؟
لدهشته لم يندهش المسئول من السؤال و لا عن وجوده و إنما رد كمن يجيب علي هذا النوع من الأسئلة يومياً:
انت في بلاد ست نور حلالة المكجور؟
و من هي ست نور؟ هكذا أردف عبدالعزيز سائلاً
نور الصالحين ...... روابة المكدورين؟.... هذا كان رد ماسك العجل...
عبدالعزيز: و ما هذا الفجل؟
ماسك العجل: أنه فجل الرب لوقت الجدب ......
أي إجابة تزيد حيرة عبدالعزيز, لكنه لم يتوقف كأنما لسانه ينطق دون اشارة من المخ.... واصل الأسئلة والمسئول يجاوب بشكل آلي, واصل حواره:
إني تركت ملة قوم يأكلون الطعام و يعاقرون الخمر ... فيا سيدي هل ترجعون؟
ماسك العجل: السيد سيد الأمانة لا يرضي ذل أو إهانة ..... لماذا الرجوع و أنت تخون الكون في رابع أقطابه..؟
عبدالعزيز: أرجعون لعلي أصلح ما فيه قد أخطأت......
هز المسئول رأسه إشارة أن ليس لديه ما يقوله ودخل المبني يحجل ......فجاءة سمع عبدالعزيز نداء الآذان المعروف لكن خلفيته أجراس كنيسة و ترانيم آخري. في إتجاه الصوت سار كمن يمشي نائماً علي سحابة لم يتكثف ماءها بعد و أتخذ مكانه في المعبد, لم تمر لحظات حتي صاح صوت نسوي رخيم ب: (إستوا يرحمكم الله)....و علي إثر الإستواء المعلوم أخترق أحد جدر المبني صقر ذو منقار فضي, و ريش ازرق لامع مثل ريش ديك وصل سن المراهقة...نفض جناحيه و إذا هو المجنون الذي هم عبدالعزيز بضربه, كبر و صلي بالأقطاب إماماً. حين أنتهائه جلس عبدالعزيز في جانبه علي إستحياء راجياً منه المسامحه و إرجاعه الي ذويه و أهله و عندما الح في الطلب أمره بإغماض عينيه و ما هي الا لحظات حتي وجد نفسه أمام دكانه متبأطاً النوبة منشداً نشيده الأوحد كما إختفي درويش أو مجنون ذاكرة المدينة الي الأبد.

أنتهي



التوقيع: أرجوحة الحياة لا تحمل راكبها إلى أبعد من طرفيها: المأساة والمسخرة

مريد البرغوثي
حافظ حسين غير متصل  
قديم 29-03-2013, 12:57 PM   #[19]
مشرف منتدى نوافذ
Super Moderator
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تغريده مشاهدة المشاركة
غايتو الراجل دا حرامى بصورة ماعادية حسى بس كيس الحنة الحبة دا يقول بتلاته جنيه الله لا كسبه وحات شيخى ود بدر دا رجل واحدة مابحننا ، كان ذلك حوار صفية وهى تحادث نفسها عن صاحب (البقالة عثمان) ، صفية أمرأة فى الأربعينات من عمرها ضخمة الجثة مبحوحة الصوت فهى كثيرة الصراخ والملاعنة مع طفليها ننو وبيسو( ننو هو أسم الشهرة للصغيرة نمارق التى لم تتعدى الثلاث سنوات ،وكذلك بيسو هو باسل شقيق ننو يكبرها بعامين) لم تنل حظها من التعليم وكانت تهتم وتحب الحنة ومايتبعها من طقوس جداً. فى أثناء أنهماكها بترتيب المنزل تلقت صفية إتصالاً هاتفياً من جارتها سعاد التى تقطن فى المنزل المجاور لهم , كان فحو الإتصال دعوة كل الجارات ليتجمعن فى بيت سعاد لتناول شاى المغرب للدردشة والونسة. تهللت أسارير وجه صفية بعد هذا الإتصال فهى تحب تلك التجمعات وتعتبرها فرصةً "للخبارات والشمارات". ومن هول المفاجئة المفرحة أنتشت وهى تترنم :
( ياود العزاز انت
الليلة شرفت
جبت الشيله بالدسته
جبت الهمر وقفته
جيبك ما بشيل الفكه
الليله شرفت
وبتشيل العشره بالربطه
لسانك مابقول غلطه(
الليله ش .... قاطعها حسين زوجها وهو قادم من مكان عمله باكراً على غير عادته : يامرة بطلى الهضربة دى أنا جاى مسخن ورأسى واجعنى،. لم تكترث صفية لكلامة وواصلت فى غناءها (ياود العزاز الليلة شرفت وفجأة توقفت بعد أن جلس حسين وأنتهى من تغيير ملابسة وبادرته قائلة :
"أسمع ياخوى سعاد أتصلت وقالت الحريم كلهن ملمومات عندها جايات يشربوا شاى المغرب وأنا ماشة وحاخلى ننو وبيسو معاك . سادت لحظة من الصمت العميق وباغتها بنهرة تهتز لها الأوصال : "هووووووى يامرة طيرى محل ماتطيرى وأولادك ديل تسوقيهم معاك فى شعبة يدك دى فاهمة أنا مصدع وداخل أنخمد".
تلقت تلك النهرة أو القهرة كأنها لم تكن موجهةً لها وصاحت تتغنى بصوت أعلى من سابقه ( أمه الشنافه العقرب في كتافه والحمى الرجافه وطشت لرعافه ونكير ده ما شافها للااااا للاااا
أخته الطويلة البقصت الشيلة عقرب رتيله تنهيها في ليلة ) للاااا لللللاااا
.صمتت لبرهة من الزمن وأخذت تنادى "ياننو يابيسو يلا على الحمام نحنا طالعين" وفى لمحة بصر كانو يستعدون للخروج.
وصلت صفية فى وقت مناسب فهى أول الحاضرات دائماً فى مثل هكذا لمات , وتبعنها بقية النساء .
إكتملت الجلسة وكانت عامرة بالونسة والقهقهات وننو وبيسو جلوس بالقرب من والدتهم صفية.
فجارتهم سعاد لم يكن لها أطفال صغار بعمر ننو وبيسو فقد كانو بالمراحل الثانوية والجامعة ، وقد كان حضور كل الجارات المدعوات من غير أطفالهن لذلك آثرت صفية جلوس ننو وبيسو بقربها فهى على علم بما يحدث أن فارق هذا البيسو قربها فسيحيل المكان إلى دمار شامل ليشبع رغبته التخريبية المستطلعة على كل شئ.
بادرت صفية بسؤال لجارتها عزيزة( تعتبر صديقة سعاد المقربة فقد كانت شبيهتها فى كل شئ حتى تلك المشية مشية البقرة الحلوب الغير آبهة لمن هم بعيدين عنها) التى كانت تجلس فى محاذاتها : "أصبرى ياعزيزة صحى أمانى حامل؟" أنفجرت عزيزة ضاحكة بتهكم وسخرية "اى والله حكمة الله بالغة, وكان شفتى قاليك تتوحم بالغصب وجنس دلع بطنى واجعانى بطنى واجعانى , وتستفرغ شغلة بلا شغلة". (أمانى تسكن فى المنزل المقابل لمنزل عزيزة وتصغر صفية وسعاد بالعمر فهى فتاة صغيرة متغنجة بعض الشئ قليلة الخروج والزيارات لجاراتها لا تهتم بتلك التفاصيل التى يعشقنها صفية وسعاد من حنة وتبيعاتها فهى تحب أن ترتدى البنطلون ) .
شاركتها صفية بنفس الضحكة "شكيت محنك انتى يايمة هى يختى كان الهواء ساى لفح وشها دا تقول يااااى عاد خليها التبقى مرا وعلت ضحكة قوية ساخرة أخرى بينهن , تستطرد صفية قائلة والله ياعزيزة أنا لمن كنت حامل بيبيسوا دا جننت ليك حسين راجلى دا عديل كدى من الأستفراغ وعدم الأكل لمن جانى هبوط وودونى المستشفى تصدقى ، ردت عزيزة : وسمح يختى مالك بتعيبى على أمانى وأطلقت ضحكة ماكرة على أثرها صمتت صفية وهى فى قمة الأمتعاض ، شعرت عزيزة بلذعة جملتها وبادرت قائلة : وبرضوا يختى سمعتى بزولتك دى زاتها قالوا حامل. (يقصدن سعاد) ترد عليها صفية وهى تتصنع عدم أهتمامها بما قالت: اااى بالحيل وهى داساهو لكن برضو الوحم فاضحه , شوفى خلقتا دى كيفن التقول تترمدى من طرف توبا, وقد كان كنه سخريتهن من ذلك أن سعاد قد تجاوزت الأربعين عاما ً( سعاد أمرأة وقورة رفيعة القوام تتصف بالرزانة وقلة الحديث صوتها به نعومة مصطنعة، تخفي به أصلها المتواضع، تستعلي على جاراتها كونها أكملت تعليمها الجامعى)، وكأنما أحست سعاد بحديث صفية وعزيزة عنها من خلال نظراتهن الموجهة إليها وهن يتهامسن فبادرتهن قائلة شنو ياجماعة الفطائر دى ماحلوة ولا شنو عليكم الله مدوا يدكم .
فى تلك اللحظة نهضت ننو من جلستها وبدأت تصيح ماما آه ماما آه بطنى واجعانى ألتفتت إليها صفيه وهى فى قمة الغيظ فقد قاطعت ذلك الهمس اللذيذ بينها وعزيزة مالك يابت فى شنو جننتينى فى عمرى دا؟ تولى الرد بيسو قائلاً بسرعة ماما ننو حامل!.
العزيزه تغريدة..
أسرة سودانيات ترحب بك ، وتتمنى لك طيب الإقامة
جزيل شكري لمشاركتك في مسابقة القصة القصيرة
أو أن أخطرك بأن هذا النص لم يستوفي الشرط الثاني من المسابقة والمتعلق بالحد الأدنى من الكلمات .
ولك مني الشكر أجزله



مشرف منتدى نوافذ غير متصل  
قديم 30-03-2013, 09:00 AM   #[20]
nezam aldeen
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية nezam aldeen
 
افتراضي

بيان الشيــخ ...




يصرخ بشدة فقد ألمته الجنازير ..
(ياابووووووي الشيخ ..)
يصرخ ثم يصرخ
اولادي ياالشيخ ...والله مامجنون

صوته الرخيم المرتفع أبكى كل من في المسيد
لكن (الفقرا) لايعرفون إلا الله وأمر (الشيخ) ..

يلفونه بالجنازير ويجرونه الى الزريبة

...


قلبه _ولأول مرة_ ينازعه بشدة


فهو الذي صحب (الشيخ) طوال عشرة أعوام كاملة ، ورأى من كراماته ماأعجزه هولها أن يحكي ،،
هو كان على يقين راسخ بأن إيمانه في شيخه لن تهزه هزة مهما بلغ شأوها .. فمن يرى (الشيخ) في المنام كل ليلة ويخبره بما سيحدث له وكيف يتصرف ،، ثم يصبح ليجد نفسه مطبقا لما قال شيخه ،، لن يترى عقيدته تجاهه شك ..


يقف حانياً رأسه في أدبٍ صوفي جم ..
أدب المريد امام المربي الإبن امام ابيه ..
و الشيخ الجالس يتوضأ .. ويهمهم بتسبيحات الوضوء المعتادة ..

هل الشيخ جاد في ماقاله . ربما يمزح الشيخ ؟
هل قالها على سبيل الاُنس والخفة ؟
هل يمكن ان أصدق ذلك ؟؟

ليس من طباعه أبدا أن يفعل ذلك هو لايفكر حتى فيما يقوله او يفعله الشيخ ،ولكن هذه المرة تجاوز العقل حدود الروح فأوصله مرحلة جعلته يحاول ان يسأل وهو يعرف إن (الشيخ) لا يكذ... يعض لسانه بشدة حتى يكاد ان يقطعه ثم ينفض رأسه بقوة وكأنما ينفض فكرة (كذب الشيخ) من رأسه حتى لايفكر فيها مرة أخرى ..


وأستطاع ان يفعلها ،، نفضها عن عقله ..
ولكن ليس لفترة طويلة ..

فترة أقصر مما ينبغي (لفقير) مثله بأن يفكر في شيخه بهذه الطريقة ..
برهة فقط لم يكمل فيها الشيخ وضوءه حتى ، حتى عادت الفكرة الشيطانية تعاود رأسه .. وكيانه يتقلب تقلب الأفلاك ..


قالها الشيخ لهم بعد صلاة الفجر لكل الجلوس في حلقته .. قالها بصريح العبارةوسمعها كل الموجودين:

سمعتو يافقرا بي السفر الواطاتو زمن ؟؟
يعني بدل تسافر تقطع عشرة بلاد
..تمش تسافر لي عشرة سنة لي قدام
ثم رفع يده (الفاتحة) إشارة لإنتهاء جلسته المعتادة ......

ليترك بعده حواره في دورانٍ سكرى ..
فمنهم من آمن بها وصدق كعادته ونهض نموقنا بأنها إحدى كرامات الشيخ .. وفرحا يحمد ربه بأن أشهده إياها .. ..
ومنهم من لم يفهما أصلا .. ومنهم من فهما وبيان حلاله يقول ليته لم يفعل ..


يمسح الشيخ برأسه
ويمد يده له ليسكب له الماء ..
يُمَيّل الفقير السارح بعقله (الإبريق) و(يكب) للشيخأخخخخخ الفكرة تعاوده من جيدوتهزه بقوة هذه المرة ..
ينفض رأسه بقوة مرة ثانية ..
ولكن هذه المرة إنتفض جسده كله وتناثرت المياه لتملأ جلباب الشيخ ، الذي توقف لحظة ينظر (للفقير) ثم واصل وضوءه مرة ثانية ..



إرتجف لفعلته
وكانت لا تعني له شيئا أكثر مما يدور في عقله ،،
فلا يهم ان تناثرت المياه على الشيخ فهو يعرف تماما ان شيخه حليم لا توقفه هذه الهفوات ..
ولكن ارتجافته أتت خوفا مما اوصله له عقله شكّا في ماقاله الشيخ وإنها لكبيرة ..


مد (الشيخ) يده نحو الإبريق :
يافقير جيب انا بتم وضوئي دا وانت خش جيب لي التبروقة من جوة ..


يمد الإبريق في طاعة ويخطو نحو غرفة الشيخ ..
يصل بابها ،، يمد يده مزيحا الباب الجلدي الطري .. وتطأ أقدامه قماشا حريرياً باردا ، لم ينتبه له ..
يزج ببقية جسده في الغرفة ..


مسيدٌ كبير ..
بل مسجد ضخم ..
تدور فيه (مراوح) تتناثر مياهها ..
كأنها الجنه ذاتها .. الأنوار كالنجوم تدلت تماما ..
هكذا وجد الحال حوله بعد ان إستيقظ من قفوته التي يبدو انها أستمرت طويلا ..
بدليل الدوار الخفيف الذي اصاب رأسه ..

يعالجه أحدهم بصوت غليظ ..
يازول انت منو ؟؟
يجيبه بصوت خافت ..
ثم يسأله مرة أخرى :
وجاي من وين ؟؟
يتلفت حوله ويجيب في تردد : والله ماعارف ..
ورغم غرابة الإجابة إلا أنه كان صادقا تماما ..
فهو لا يدري ماذا يحصل .. او ماهذا .. ولم يستوعب ماحوله بعد ..
ولم يسرح بخياله في حاله كثيرا حتى فاجأه صاحب الصوت الغليظ :

تعرف تأذن ؟؟
أيوة بعرف ..
خلاص قوم أذن انا والله عندي وجع حلق شديد خلاص ..


هذا الآذان العجيب ..
الذي أبكى كل من في المسجد الضخم ..
وحاله الذي عليه من آثار السفر ..
قضت بأن يُنصَب مأموما للمسجد بعد اقل من ثلاثة أيام من ظهوره فيه ..
ليواصل عمله في المسجد طيلة عشرة سنوات ، تزوج خلالها او بمعنى أصح : زوجوه خلالها فتاة من بنات المنطقة التي تضم فيها المسجد وينجب طفلين .. أحبهما جدا .. ..



وفي صباح ما بدأ غريب تماما ..
فتح الغرفة التي تقع أسفل منبر المسجد تماما .. والتي يستخدمها كمخزن لأدوات المسجد ..

كانت الغرفة غريبة هذا اليوم .. فهذه الأرضية الترابية كانت بالأمس مفروشة بسجاد ناعم .. فأين ذهب البساط ؟؟
يتوقف قليلا ممسكا برأسه الذي يكاد ينفجر .. هى ليست غريبة عليه هذه الأرض ..
لقد رأها في مكان ما .. ولكن أين ؟؟
إعتصر رأسه بعنف في محاولة لتعطيل ذاكرته التي تعرف تماما أين رأى تلك الأرضية ذات التراب الأبيض اللامع ..
ولكن خذلته ذاكرته لتنقله لمرحلة ماقبل الموت تماما وهي ترسل إشاراتها لقلبه بأن هذه الأرضية هي أرضية غرفة (الشيخ) ذاتها ..ليدخل عقله في غيبوبة مخيفة ، إرتجف لها جسده ..
إلتفت بقلبه بسرعة نحو الباب ، فوجد الباب الخشبي وقد تحول لباب من الجلد الطري معلقا بمسامير من اعلى .. تلفت في هلع نحو بقية الحيطان ولكن لا ابواب اخرى ..
جن جنونه وأندفع نحو باب الجلد منتزعه من مساميره متخطيا الخيط الرفيع الذي يفصل بين ظلام الغرفة وضوء الشمس خارجها .. ليجد (شيخه) وهو يغسل رجله اليسرى ,, ليركض نحوه ويركع امامه وهو يصرخ في جنون :

(اولادي يا الشيخ ،، اولادي يا الشيخ اولاديييييييي يالشيخ) وينفجر باكيا ممسكا برجل (الشيخ) ..
عليييييك الله ياالشيخ اولادي ..
يرفع (الشيخ) رأسه في أسى وهو ينادي :

يا(فُقرا) جنزرو الفقير دا .. الفقير دا جنّ ..



التعديل الأخير تم بواسطة nezam aldeen ; 30-03-2013 الساعة 09:09 AM.
التوقيع:
يااااااااوجع الإحساس بالجمال
وياااااجمال ما أحس من وجع
nezam aldeen غير متصل  
قديم 30-03-2013, 09:07 AM   #[21]
تغريده
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تغريده
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مشرف منتدى نوافذ مشاهدة المشاركة
العزيزه تغريدة..
أسرة سودانيات ترحب بك ، وتتمنى لك طيب الإقامة
جزيل شكري لمشاركتك في مسابقة القصة القصيرة
أو أن أخطرك بأن هذا النص لم يستوفي الشرط الثاني من المسابقة والمتعلق بالحد الأدنى من الكلمات .
ولك مني الشكر أجزله
الأخ الأكرم: مشرف منتدى نوافذ

لى الشرف بالمشاركة معكم فى هذا المهرجان الفسيح ونسأل الله أن تكون مشاركتى ثرة ومفيدة

وهذا هو النص بعد التعديل وأرجو أن يكون قد أستوفى الشرط المطلوب



شبابيك نسوان :
غايتو الراجل دا حرامى بصورة ماعادية حسى بس كيس الحنة الحبة دا يقول بتلاته جنيه الله لا كسبه وحات شيخى ود بدر دا رجل واحدة مابحننا ، كان ذلك حوار صفية وهى تحادث نفسها عن صاحب (البقالة عثمان) ، صفية أمرأة فى الأربعينات من عمرها ضخمة الجثة مبحوحة الصوت فهى كثيرة الصراخ والملاعنة مع طفليها ننو وبيسو( ننو هو أسم الشهرة للصغيرة نمارق التى لم تتعدى الثلاث سنوات ،وكذلك بيسو هو باسل شقيق ننو يكبرها بعامين وهو) لم تنل حظها من التعليم وكانت تهتم وتحب الحنة ومايتبعها من طقوس جداً. فى أثناء أنهماكها بترتيب المنزل تلقت صفية إتصالاً هاتفياً من جارتها سعاد التى تقطن فى المنزل المجاور لهم , كان فحو الإتصال دعوة كل الجارات ليتجمعن فى بيت سعاد لتناول شاى المغرب للدردشة والونسة. تهللت أسارير وجه صفية بعد هذا الإتصال فهى تحب تلك التجمعات وتعتبرها فرصةً "للخبارات والشمارات". ومن هول المفاجئة المفرحة أنتشت وهى تترنم :
( ياود العزاز انت
الليلة شرفت
جبت الشيله بالدسته
الليلة شرفت
جبت الهمر وقفته
الليلة شرفت
جيبك ما بشيل الفكه
الليله شرفت
وبتشيل العشره بالربطه
لسانك مابقول غلطه)
الليله ش .... قاطعها حسين زوجها وهو قادم من مكان عمله باكراً على غير عادته : يامرة بطلى الهضربة دى أنا جاى مسخن ورأسى واجعنى، ورفع يده إلى وجهه المكتنزيفركه دون أنقطاع ( حسين رجل غليظ الملامح أشعث الشعرأجش الصوت مترهل البطن) . لم تكترث صفية لكلامة وواصلت فى غناءها (ياود العزاز الليلة شرفت وفجأة توقفت بعد أن جلس حسين وأنتهى من تغيير ملابسة وبادرته قائلة :
"أسمع ياخوى سعاد أتصلت وقالت الحريم كلهن ملمومات عندها جايات يشربوا شاى المغرب وأنا ماشة وحاخلى ننو وبيسو معاك . سادت لحظة من الصمت العميق بعدها أنتفض حسين كثور هائج مكبل اليدين والأرجل بأنتظار سكين الذبح وباغتها بنهرة تهتز لها الأوصال : "هووووووى يامرة طيرى محل ماتطيرى وأولادك ديل تسوقيهم معاك فى شعبة يدك دى فاهمة أنا مصدع وداخل أنخمد".
تلقت تلك النهرة أو القهرة كأنها لم تكن موجهةً لها وصاحت تتغنى بصوت أعلى من سابقه ( أمه الشنافه العقرب في كتافه والحمى الرجافه وطشت لرعافه ونكير ده ما شافها للااااا للاااا
أخته الطويلة البقصت الشيلة عقرب رتيله تنهيها في ليلة ) للاااا لللللاااا
.صمتت لبرهة من الزمن وخرجت من الغرفة وهى تحادث نفسها مرة أخرى ( عليك النبى شوف جنس الراجل دا التقول ياكافى البلا وقف ليه شيطان أحمر فى وشه دا بسسسم الله الرحمن الرحيم ) وأخذت تنادى "ياننو يابيسو يلا على الحمام نحنا طالعين" وفى لمحة بصر كانو يستعدون للخروج.
وصلت صفية فى وقت مناسب فهى أول الحاضرات دائماً فى مثل هكذا لمات , وتبعنها بقية النساء .
إكتملت الجلسة وكانت عامرة بالونسة والقهقهات وننو وبيسو جلوس بالقرب من والدتهم صفية.
فجارتهم سعاد لم يكن لها أطفال صغار بعمر ننو وبيسو فقد كانو بالمراحل الثانوية والجامعة ، وقد كان حضور كل الجارات المدعوات من غير أطفالهن لذلك آثرت صفية جلوس ننو وبيسو بقربها فهى على علم بما يحدث أن فارق هذا البيسو قربها فسيحيل المكان إلى دمار شامل ليشبع رغبته التخريبية المستطلعة على كل شئ.
بادرت صفية بسؤال لجارتها عزيزة( تعتبر عزيزة صديقة صفية المقربة فقد كانت شبيهتها فى كل شئ حتى تلك المشية مشية البقرة الحلوب الغير آبهة لمن هم بعيدين عنها) التى كانت تجلس فى محاذاتها : "أصبرى ياعزيزة صحى أمانى حامل؟" أنفجرت عزيزة ضاحكة بتهكم وسخرية "اى والله حكمة الله بالغة, وكان شفتى قاليك تتوحم بالغصب وجنس دلع بطنى واجعانى بطنى واجعانى , وتستفرغ شغلة بلا شغلة". (أمانى تسكن فى المنزل المقابل لمنزل عزيزة وتصغر صفية وعزيزة بالعمر فهى فتاة صغيرة متغنجة بعض الشئ قليلة الخروج والزيارات لجاراتها لا تهتم بتلك التفاصيل التى يعشقنها صفية وعزيزة من حنة وتبيعاتها فهى تحب أن ترتدى البنطلون وتعتنى بمظهرها ) .
شاركتها عزيزة نفس الضحكة "شكيت محنك انتى يايمة هى يختى كان الهواء ساى لفح وشها دا تقول يااااى الهواء همزنى ، عاد خليها التبقى مرا وعلت ضحكة قوية ساخرة أخرى بينهن , تستطرد صفية قائلة والله ياعزيزة أنا لمن كنت حامل بيبيسوا دا جننت ليك حسين راجلى دا عديل كدى من الأستفراغ وعدم الأكل لمن جانى هبوط وودونى المستشفى تصدقى ، ردت عزيزة : وسمح يختى ماااااالك بتعيبى على أمانى وأطلقت ضحكة ماكرة على أثرها صمتت صفية وهى فى قمة الأمتعاض ، شعرت عزيزة بلذعة جملتها وبادرت قائلة : وبرضوا يختى سمعتى بزولتك دى زااااتها قالوا حامل. (يقصدن سعاد) ترد عليها صفية وهى تتصنع عدم أهتمامها بما قالته بجملتها اللاذعة تلك : آآآآى بالحيل وهى داساهو لكن برضو الوحم فاضحه , شوفى خلقتا دى كيفن تترمدى من طرف توبا لا حنة ولا دخان التقول راجلا ميت, وقد كان كنه سخريتهن من ذلك أن سعاد قد تجاوزت الأربعين عاما ً( سعاد أمرأة وقورة رفيعة القوام تتصف بالرزانة وقلة الحديث صوتها به نعومة مصطنعة، تخفي به أصلها المتواضع، تستعلي على جاراتها كونها أكملت تعليمها الجامعى)، وكأنما أحست سعاد بحديث صفية وعزيزة عنها من خلال نظراتهن الموجهة إليها وهن يتهامسن فبادرتهن قائلة شنو ياجماعة الفطائر دى ماحلوة ولا شنو عليكم الله مدوا يدكم .
ترد صفية : لالا بالحيل عاجبااااااانا شديد دى موش الوصفات ياسعاد البتسويها منال العالم البجيبوها فى التلفزيون؟ ترد سعاد بشئ من الحرقة المختفية وبأبتسامة مصطنعة : لا ياصفية دى أتعلمتها من أمى أنا مامتابعة التلفزيون دا كتير وأنا بطبعى بحب أبتكر حاجات براى .
فى تلك اللحظة نهضت ننو من جلستها وبدأت تصيح ماما آه ماما آه بطنى واجعانى ألتفتت إليها صفيه وهى فى قمة الغيظ ولم تجد ماترد به على قول سعاد فقد أفحمها ذلك الرد الذى جعلها كقط غبى ينظر فى المرآة فيرى خياله وليس فى مقدوره الأمساك به (مالك يابت فى شنو جننتينى فى عمرى دا؟) تولى الرد بيسو قائلاً بسرعة ماما ننو حامل!.





التعديل الأخير تم بواسطة تغريده ; 30-03-2013 الساعة 05:01 PM.
التوقيع:
[OVERLINE]اللهُم آنيّ آستودعك أياما مضتّ من عمريّ
بآن تغفرهآ ليّ و ترحمنى و تعّفو عني و آن تُبارك لي في آيامي آلقادِمـۃ
[/OVERLINE]


تغريده غير متصل  
قديم 30-03-2013, 11:53 AM   #[22]
موسى ابو هاجر
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي المشاركة بقصة

قصة: عثمان التائب: إعداد عبد الله موسى ابو هاجر
abdallah.moussaab30@gmail.com


الإنسان العاقل يعرف دائما ضالّة الحكمة وعاقبة الظلم، فهذا عثمان رجل سيء الطباع، قبيح الفعال، تزوج منذ سنتين، وشاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن لا يكون له ذرية إلا فيما بعد، فعثمان رجل لا طالما بدت على نفسه السخرية من الغير، وعدم إعطاء الأمور حقها، فلم يزل يعمل الفسق ويفعل القمار حتى خاض مع الخائضين، بينما زوجته حليمة فنعم الزوجة هي، كانت تقية نقية، عابدة زاهدة ذكية، عارفة بأمور الدين، لكنّ الحظ لم يسعفها لأنها عاشت مع زوجها عيشة ضنكى، لكنها .احتسبت بليّتها لله عز وجل .
كانت صابرة، لم يكن زوجها الفاشل في الحياة ليوقف عبادتها أو ينفذ صبرها، بل احتسبت بليّتها لله تعالى، ولم يسعها إلا أن تستمرّ جاهدة في نصح زوجها لعلّه يتوب، وأكثرت له من الدعاء وصابرت واصطبرت، هذا ما سنراه في هذه القصة البسيطة عبر مشاهد.
ا[لمشهد الأول: عثمان والعجوز]
كان عثمان كعادته يسهر دائما إلى أواخر الليل، إلا أن هذه السهرة كانت مذمومة في غير طاعة، حيث كانت في الملاهي والمقاهي، وكانت الخمور له أحلى الطيبات، وكان يأخذها بدون مقابل، فبئس المتكرَم، وبئس الجواد الذي يجود بالحرام ، فلو جادها في الخير لكان أحسن.
وفي إحدى الأيام خرج سعيد من بيته ليتفقّد صديقه عثمان الذي لم يره بعد مدّة طويلة خرج فيها مسافرا، فقد كانت هناك حسابات كان على سعيد أن يصفّيها مع بعض الخونة لأنّه كان يمارس معهم الربا، فاشتغل بذلك في تلك الحقبة الزمنية ليعود إلى الفسق والخمور، وصديقه المغرور ليزاولا مع بعضهما البعض المنكرات ويعيشا في المتاهات.
ولمّا ذهب سعيد إلى صديقه عثمان تعانقا وتصافحا، فقد مرّ زمن طويل كما قلنا ولم يلتقيا، فبئس اللقيا، فالشرّ لا يجني أبدا الصلاح، وقرّر عثمان أن يأخذ صديقه كعادته إلى مقهى السي عبد اللطيف ليقضيا أوقاتهما ساهرين حتى أواخر الليل. وبينما هما ذاهبان إذ التقى بهما عجوز مسنّ قد ضلّ الطريق، ولم يعرف كيف يقصد طريق صاحبه فسألهما ابنيّ العزيزين من فضلكما بيت محمّد يسكن بجوار علي المؤذن بالمسجد هل تعرفون منزله.فسخرا منه سعيد وقال له، يا عجوز أنت رجل فاتك الأوان وضيّعت حياتك لتأتي في هذه الليلة الظلماء تبحث عن فلان، أرجع من حيث أتيت يا أبله، ابتعد عنّا، فن
حن لا نبالي بك أبدا.غضب العجوز ودعا الله لهما بالهداية، لكن الصديقان الشريران لم يتوقفا عن هذا الحدّ بل أخذ أحدهما عصا العجوز ودفعها به إلى الأمام فسقط على الأرض، ولسوء الحظ جرحته زجاجة خمر عفانا الله وإياكم كانت على حافّة الطريق، فتألّم العجوز كثيرا، وتقنّف وعنّفهما على فعلها الشنيع، بينما الصديقان أخذا يتضاحكان ويسخران منه.

ونحن نعلم يا إخواني أن الشرّ مفسدة للقلب والرّوح معا، فما بال هذا العجوز المسكين وما ذنبه يبحث عن فلان يسأل عنه، فيأتي هذين المتنكريّن ليتصرفا سلوكا مذموما ولكنّك ( لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
ولكنّ الهداية ليست هدية من السّماء وإنما هي تاج ربّاني لا يهبه الله إلا لمن يرى فيه الصلاح والخير.
المشهد الثاني: الجلسة الفاسقة
ذات يوم كان هناك عرس في المدينة، وكان عثمان وصديقه من المدعوين لهذا الحفل، لكن هذا الأخير كان سيئا للغاية، حيث كان مليئا بالمفاسد والمنكرات، فقد زيّنت فيه كلّ أنواع الأضواء والزخارف ومورست فيه كل أنواع الرّذائل، لذلك كان من الضروري على زوجة عثمان أن تتنبّه ولو قليلا، وتطّلع على ما يصبو إليها زوجها، لكنّ الأمر كان سرّيا، بحيث لم يكن لها واسطة لتكشف فيها أمر زوجها، وهذا ما أعاق عليها معرفة كلّ الحقيقة، مع أنها تعلم بعضها أو جزءا منها. لذلك كانت تفكّر في حيلة لتكشف أمر زوجها الذي يسهر ليلا ولا يبالي ولا يعرف حقوق زوجته عليه..
ولقد أثير هذا العرس بنوع من الرقصات الخليعة و والنّغمات الفاسقة، إلى غير ذلك، ولقد كان عثمان وسعيد ممّن يتداولون على الرقص وشرب الخمر والمجون والضحكات الاستهزائية المتعجّبة بالنفس.
لكن جاء سي عبد الحميد إلى هذا العرس جار أهل العريس وهو رجل صلاح وخير وقال كلماته المنشودة، ولقد أثّر وتأثّر إلاّ من كان في غفلة عن دين الله. دخل والغضب بادي على وجهه:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- إخواني هداكم الله وأصلح بالكم، ألا تعلمون أنّ هذا منكر ولا بدّ له من رادع وزاجر، ألا تخافون من الله الحيّ القيّوم، إنّ هذا لابتلاء من ربّكم وشر البلية ما يضحك، تقيمون الأفراح وأنتم لا تبالون إن كان لكم جيران من بهم مريض أو نائم أو مرهق.
والله لعجيب أمركم، تسخرون وتصرخون وتُسمِعون بالغناء الدوار والديار وتعلنون المعصية بلا رادع ولا زاجر ولا خوف من الله.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
لكن بالرغم من ذلك هناك من أخذ هذه النصائح الثمينة الغالية على القلب بروح الإيمان واليقين وتأثّر بما قاله الشيخ وخرج من الحفل والعرس مهتديا، وكأنما غرس في قلبه بذرة إيمان تعلّق بها.
أمّا الآخرون فما ازدادوا إلا نكرانا وطغيانا وفسقا وبهتانا وكبرا وكبرياء.
وذهب الشيخ وهو يدعوا الله أن ينصره عليهم.
أما الشّباب المائع المنحلّ في الشهوات فما ازداد إلاّ فسقا ومجونا ومارسوا الرّذائل بكل أنواعها، حتى وصل الأمر إلى سبّ الله وسبّ الإسلام بكل ا تصف الألسن من قبح وشناعة. وخسارة كبيرة لمن يأمن على نفسه الفسق وهو لا يدري إلى أيّ مصير سيكون حتفه.
المشهد الثالث: بشرى بالمولود الجديد
دخل عثمان إلى بيت زوجته حليمة يتلّفظ بألفاظ نابية قبيحة، وما رأته زوجته في هذه الحالة حتى صرخت واستعاذت من الله وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله،ما هذا يا عثمان أوصلك الأمر إلى هذا الحدّ، ألا تخاف من الله، ألا تتّقي الله، هداك الله، هداك الله.
وفي الليلة الموالية حدث شجار كبير حتى ظُنّ أنه سيصل بهم إلى الطلاق لكن في الأخير صمدت حليمة المؤمنة وتضرّعت إلى الله قائلة:
يا ربّ إن عظمت ذنوب زوجي
كثرة علمت أنّ عفوك أعظم
وجلس عثمان على الفراش وأمر زوجته بأن تتركه وحيدا.
في هذه اللحظة جاء وجع شديد لحليمة، وكانت العائلة تنتظر مولودا وقد ازداد الألم ، ما كان على زوجها عثمان إلا أن يأخذها إلى المستشفى.
وتلد حليمة طفلا وسيما لكنه أعمى، وفرح الزوجان بهذا المولود الذي طالما انتظراه بفارغ الصبر لكن تأسّف عثمان كثيرا لعمى ابنه، لكن زوجته طلبت منه أن يحمد الله.
وجاءت الأيام وكبر الابن الصغير الذي سمّوه على بركة الله: معاذ وأصبح له ثمان سنين، وقد ربّته أمه أحسن التربية، وعلّمته الأخلاق والإحسان والمعاملة الطّيبة للناس.
عثمان هذا الرجل القبيح الفعال يرقّ قلبه من حين لآخر، ماذا يفعل؟ يستغفر الله بين الفينة والأخرى، وتركته زوجته على هذا الحال داعية له من الله الهداية والمعونة.
المشهد الرابع: الله أكبر، أعمى يقود بصيرا

دخل معاذ في السن العاشرة من عمره، وقد حفظ بعض المتون والحديث والقرآن، وقد كان هذا الطفل الأعمى يتحسّس من جهة أبيه ويبدوا له عدم محبّة الأب له محبّة كباقي الأطفال الذين يحبّهم والديهم أشدّ الحبّ ويمتنّون لهم أشد الامتنان، فاعلموا أن السبب الرئيسي في عدم محبه الأب لابنه هو لعماه، فهذا رآه في نفسه نقصا وعيبا، كلّا لقد أوهبه الله مولودا لا طالما تمنى الزوجان مجيئه.
وقد طلب الابن من الأب أن يأخذه إلى المسجد، تردّد عثمان وبدى له أمرا غريبا ومستحيلا، فقد تعوّد على الفسق والمنكرات، قال لابنه: دعك يا ابني، دعك من، اذهب وحدك…
لكن معاذ أخذ يبكي ويصرخ واشتدّ بكاؤه، وقد حاول عثمان وتشجّع في الأخير وأخذ ابنه إلى المسجد وتوضّأ وصلّى ركعتين، دخل الإيمان في قلبه وأحسّ بنشوة وحيوية ونشاط في جسمه، وتعجّب وهو يُناول ابنه سورة الكهف، وسورة كذا وكذا، فتأسّف عثمان كثيرا على ما فات وقال بخشوع: أنا العبد الذليل، أنا العبد المغرور، ضيّعت حياتي في متاهات الدنيا ، لو لجأت إلى الله سبحانه وحده لأعانني ونصرني، ابني الأعمى الصغير يحفظ سورة الكهف على طول آياتها وأنا لم أحفظ سوى سورة كذا وكذا.

أنا العبد الذي كسب الذنوبا وغرّته الأماني أن يتوبا

ويسجد عثمان سجدة طويلة ويبكي وينتحب ويستغفر الله، ويعانق ابنه: ويقول له أبنه : أبي يحبّني، أبي يحبّني …

وقد اندهش معاذ لهذه الكلمات، وهو يكاد لا يصدّق، فهو لأول مرّة ينطق هذه العبارة، ولأول مرّة يشعر بالحنان، الله أكبر، كم تمنى الابن أن يكون أباه كالذي كان الآن.

كانت هذه التوبة صادقة، فلنعلم يا إخواني أنّ من كان به مثل هذه العجاجة من الشرّ وتاب فقد، يمنحه الله لذّة لا تدانيها لذّة الدنيا بكلّ ما تحمله من زخارف ومتاع، والله لا يضيع عبده أبدا، وقد قال سبحانه وتعالى: " إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون."



موسى ابو هاجر غير متصل  
قديم 31-03-2013, 06:56 PM   #[23]
لنا جعفر
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سِلالُ الضوء

سِرحةٌ من ليلٍ دااااكن تلفّعت بسمومٍ مُعتاد في مثل هذا الوقت من السنة , وسماءُ الليلةِ كانت مكشوفة عن لُجةٍ من الأضواءِ المتلاصفة ... أمّا الأشجارُ فكانت مصورة ومرسومة ومدموغة بحرفية عالية الدقة شحيحة البذل ,,,وهناك في سقف العالم كان ثمة قمر يُرسل ضوء متعب ومشوش متراخٍ ووهِن
وانا كنت مؤرقة بإنهاك وممددة أُغالِبُ قهر المساءاتِ الدبقة و أتشاغلُ كما العادة بمراقبة ظِلال الأسِرة وتسّمُعِ هسيس نيران الحقول شبه المنطفئة ..وأصوات شتّى متداخلة متعارضة وغامضة تُنشِدُ في جوقةٍ مهيبة مشهداً جنائزياً بات مكروراً ويومياً...التفتُ بانقباضةٍ هلِعة مُطارِدة بناظريّ طيفاً ظلياً شارداً من جحيم هذه الأمسية المستطيلة ...
عندها بالضبط وقعت عيناي على وجه جدتي .!!..يالضيائها.!.تاملتُها وكأنّي أراها للمرة الأولى....ياربي !! هل كنتُ دوماً أراها؟؟ هل كانت دوماً معنا؟؟ زادتِ السماءُ مِن تلاصُفِها ولمعانها....نهضتُ من مكاني,,,زحفتُ على أربعتي لإدنو منها ..حبوت ...كبوت..كِدتُ أقع عليها ....ألصقتُ بها محبتي ونظرتُها ....وجهُها الأملس ذو السمرة المحببة...(كان الغطاء منحسراً عنه وبدت جدائلها الرمادية الممشطة بعناية وترتيب تعلو وتهبط بتناغم مع إنسانها المتيقظ ...)
فمُها الذي أخضعته إبر أُم بيومي الجائرة لذاك اللون الكابي كأنّما كان ينفرج عن مخبوءٍ جمّ..ومفتضحٍ مهيبْ (وبين المفتضح والمخبوء كانت تنتظر -ربما- منذ الأزل من يعينها على تفتيت السكون)
جبينها الغضْ والخالي بالمُطلق من التجاعيد والتمددات (التي تكرهها الجدات)..... أنفها الصغير الفاتن الذي يُحاكي أنف صغير دب الباندا... ذقنها الذي طبعَ الحُسن بالحُسنِ.......
يالضيائها ثم يالضايائها, وقفت أُصلي في خاطري المأسوروأُحدِّقُ بطمأنينتها ,
يابهية....يابهية....كنتُ أُناديها ...وكانت تنامُ مِلءَ جُفنيها تحتَ الشُعاع المُخاتل لقمرِ تلكَ الأمسيةِ المسهّدةِ والتي لم يحرك فيها النسيم أفرع شتلات الحناء التي كنا نرقدُ تحتها
كنتُ اتقلبُ قرب وجهِها الطيب وأحتمي بها وأحتضنُ أمانَها حينما سطع الضوء الدُريّ بتمامه عليها....ورأيت شقوق البهية لحظتها !!....ستة شقوق طوليةٌ تقتسمُ وجهَها البدر ,
تمعّنتُ في شقوقها ...دنوتُ...تفرستُ ....تلمّست شقوقها مواسية ومطيبة جراحها...
ليتني كنتُ هناك لإدرء عنك يابهية ....ماذا فعلوا بك؟؟ ماذا ....؟؟؟؟؟ ماذا؟؟؟؟
كنتُ أتلمّس نُدبات خطوط الطول تلك بعُري روحي ..وأصعُدُ عليها درجاً فقهراً فخنجراً..هل نالت شهوة التمزيق من وضوح روحك ؟؟........هل نالت الأوشامُ منك ياصفية ؟؟
كأنّما أيقظها انكساري كأنّما تصعّد اليها مزماري ....تمتطَّتْ ..وفتحت عينيها على اتِّساعهما .......لم تستجب لرهافتي لكنّها نظرتني بمحبة طاغية و أخذت وجهي بيديها السهلتين كالماء....حدّدت ملامحه بلمسات مربتة حانية .....اطالت تفرسي ....ثم بتصميم يناقض تلك الانأة والسماحة ...نزعت حزن عينيها سريعاً و طوقتني بعزم سحبتني اليها ودفعتني من مطاردة صوري وطيوفي السرابية...
-/ جدة ؟؟ماذا تفعلين ...؟؟؟ أين نذهب ؟؟
-/ جدة ؟؟ الوقت ريح أين نذهب؟؟...خبريني كيف ننجو ؟؟ جددددددددددة ؟؟؟
لم ترد عليّ ...دفعتني مزيداً إلى أن إلتصقتُ بها ... إندغمتُ فيها وبشكلٍ ما أحسستُ بطعمها كُنتُ أظنهُ مالحاً في البدء , لكن عندما وعيته...كان يُشابه بُرادات الضوء المُحلاة...
فورما هصرتني أليها نفذت لها من بين تلك الشلوخ...ياللغرابة....خطوط الطول منافذ ؟؟؟ تدحرجتُ إليها...تلقتني بفيضٍ من الأرتياح وأضاءتْ عتمة ظنها بفرح........
وشلعَ برق وجهها بضراوة لمرآي أخيراً وأنا أُحقق هذا القُرب الفريد..تهللتْ بالبشارةِ أساريرُها....أدنتني ...قبلتني ثُمّ أشارتْ لي أن صمتاً يافتاتي..فصمتُ خشوعاً وتهيبا ,
دخلتْ فتبعتُها مبهورةً مأخوذة الخطوِ والخاطر جُستُ معها ملياً في مراقيها ثُم تأبطتني وخرجتْ وأعدةً أياي بنزهةٍ في حدائق الوجود,,,كنتُ أسير فيها ومعها واليها ....وعند مُنحنى صغير أمرتني بإيماءةٍ يسيرةٍ أنْ أسكُنْ ...فوراً سكنتُ..وكنت أتلو اسفاراً لتبقيني على مرائي التحديق والشهادة ...بخفة خاطفة أخرجتْ جدتي بساط لا-لوني لكنه لدِن وثمين....سحبتني لنجلس عليه ...
وعندما جلسنا مدّت يدها بتؤدة ناحية صدرها وأخرجت عُلبة سجائرها الثمينة والمُذهبة الحواف ذات الرائحة المميزة والمنقوش عليها وجه قديسة متضرعة , تناولت بخفة من تلك العُلبة سيجارة ثُمّ أشعلتْها وراحت تنظر ناحيتي وتنفث دُخان سجائرها بتلذذٍ وإغواء ....كانت تستفز فتوري وريبتي.. ثُمّ ابتسمت لي بعدها بدلال أنثى عشرينية مغناجة...وأسترسلت في نظرة متمددة ثم وبحركة فجائية مدّت لي يدها بسيجارة ممشوقة القوام بيضاء فارعة وعطرة جداً
أشعلتها لي وجلست برضا ترقُب شهقاتي وابتلاعي المرتبك للخيوط الساحرة والملتوية....
ثم بغتة وبلا مقدمة انثااااالت جدتي كجندلٍ يرغي ..............................................
دغدغتني بحكاياها الوثيرة عن أحبتها العابرين ...حكت لي عنّهم وعن براري عبثها في حدائق الوجود السريّة...حدثتني عن شيوخٍ وملاحدةٍ و تُجارٍ وسُمّارٍ ومؤرخين ومستكشفين وملاّحين وثُوارٍ وسَحرةٍ ورَسامينَ وأفنديةٍ وعُمّالٍ وشُعراءَ وحِرفيين وروائيين ,لم تُخفي عني الصورَ المُشمّعَة والمُشفرة والمُغلفة بعنايةٍ داخِل أغوارٍ متراصةٍ من ذاكراتِ النور ....خبرتني عنِ الأرصفةِ وسواحلِ مُدنِ التاريخ......... حكتْ لي عن زُنجياتْ وماشِطاتْ وقديساتْ وراقِصاتْ وفاتناتْ وبائعات هوىً ومُبشِراتْ ومُقاتلِاتْ ومُغنياتْ ومُدرِساتْ إفتتحنّ سير الفصولِ والثباتْ .....سمّتهُنّ صويحباتِ الفجر....حفظت عن ظهر قلب كل خطراتِهنّ واسمائهنّ وحيواتهنّ وحتى أسماء أحبائهنّ والشوارِع اللاتي سكنّها وحتى أسماء حيوانتهن الأليفة ....
وكنتُ كُلّما أفيقُ تغمُرُني الظلالُ بانفتاحِ مدى الرؤى مزيدا....فأعودُ وأغوص وأجوس ...وفي تلكَ الدوائر الصاعدةُ رأيتُ فيما رايت سجائرها الأنيقة وعطرها المحرض والحاض وشهقات كل من مروا بها وترنُح خطوهم الخارج من ثنايا عصبها المصهور....ثم رأيتُ فيما رأيت عصيان دفاترها الملونةِ ببقع الضوء المنفلتة والعصيةُ على الحكي...وتنوراتها الصاعدةُ صوبَ خيوطِ الفجر مُنشدةً مزيداً من الفوانيس ومهرجانات الضوء...
هذا الجسد روحه إذن حية وكانت تُماري شُحّ الحياة ؟؟
كان الوقتُ ريحٌ والمكان عصفٌ وعينُ الرقيبِ إنكسارْ
حوّمت خلايا الخروج في مدارات تلك الليلة ذات الكشوف الصاعقة والفاتنة في آن حتى كدت أن أجزم أن الوضوح سيدلق يواقيته الفارة وبُسلِمُ سديمه اليئوس ...
..قالت لي جدتي وهي تُشذب إنبهاري أن الرب لحظتها كان راضياً وشاسعاً وهيكله يضوعُ باللُجج وكان ينحتُ تقاسيم الشموس والمطر وعدو الغزلان.......وكان يهم بتخليق الخلود..
كان الوجود مرشحاً كي يغدو بنعومة الزنابق ويُسر وبساطة الماءِ والطين يابنيتي....وبشفافية نُدف النور
لكن كي يبقى التوتر والتواتر..!!!!!!!تسلل أحدهم نحو خوابي المملكة العلوية وأعاد دلق أحبار المتن السريّ الذي حذرنا مِنهُ الحكيم........
كانت الجدة تتحدث وتُشير لأعلى وعندما تبِعت ماتشير اليه يدها شاهدت صبياناً بأعداد مهولة يحتلون المدى , الواحد منهم بحجم كنكة القهوة ...كانوا يلبسون قلنسوات رمادية وارجلهم مثبتة على الأثير وبأيديهم فراشي طِلاء وكانو منهمكين في طلاء سقف الوجود بذات حبر المتون الذي دلقه كبيرهم ...وكان الدّهان المُحرِض يتّنقل بأجنحته حاثاً الصبية على الإسراع
والبذل ....وكان يُلقمهم بين الفينة والأُخرى عصارة شاحبة اللون .
عندها وبيسر غير مُستوعبْ هشّت الجدة توقعها المنير, وأعتدلت واقفة ثم رنت لي بنظرة فهمت منها أن موعد الجولة انقضى , تقدمتني شبه مهرولة ....كنتُ أحاول اللحاق بها وجرّها من ثوبها مستحثة أياها على البقاء والمواصلة .....
-/ لالالالالالا لايمكنك أن تصمتي هنا ..جدة أكملي....انتظري.....إبقي معي ...جدة...جدة..جددددة
-/لاتصمتي رجاء....اكملي ياجدة...كل شئ يعتمد عليك ....لاتذهبي الان...رجاء..
انتظرت امسيات مريرة وخائية كي احررك وأحررني لاسمع وأعي , لاتتركيني رجااااء...
جدة ؟؟؟ جدة؟؟؟؟............................
لحظت ان وقع الروائح بدء يخفُت...وكان هنالك ثمة أزيز يشدك للحزن شدا....
ضوء الفوانيس صار يبهت ويتضاءل من غزيرٍ مُنهال الى شتيتٍ ثم عدمْ...
فقد المكان سحره الآن...الضوء الفضي المتدفق شحُبت أنفاسهُ...إنقطعت شقشقة الحسون...وكان هنالك طعم حديديّ قاسٍ جدا سابح في الجنبات المخذولة...
الجدة انسلّت من حدائقها وهي تتلفّتُ بإرتعاد . وأنا أعدو في إثرها ممسكة بثوبها كيتيمٍ في يوم عيد....عادتِ الجدةُ مرتعبةً لمهجعها.....إنسربت عميقاً من شقوقها وعادت لتلك العتمة الصموتة ثُمّ وقفت خلف الشقوق وهي ممسكة بها وتحاول إخراج رأسها لتخبر مصيري....جسدها الذي كان يكتسي منذ دقائق ليونة وطلاقة ...عاد لحالة من التجعّد والتراص المفرط....زهو عينيها عاد وخبأ...طلقُ مُحيّاها فَتَرَ جزله.......إنسحبت عميقاً تجاه قضبانها.....سحبت معها كل الألوان وسِلال الضوء الكهرمانية ....., ولجت برزخاً أليفاً وشاتياً ... جلست القُرفصاء خلف قضبانها الشقوق...كانت تجلس بلا حزن وبلامشقة....جلسة من أعتاد الترقب ونسج السوانح ورتق الفواصل ...
جلستْ تُحدِّقُ بالوجود وهو يستعيد سياجه الأنيق وأحباره الداكنة وسلطته الدامغة ,
كان وجهها خالياً من التوقع والتعابير وكانو هنالك يجهزون مشاجب لكل الجدات المنتظرات
وفيما انا أفرك عينيّ وأنسلُ في خفوت ...أحسستُ بالهواء بيني وبينها يضطرب ويصير محموماً , رحلتي للخارج أخذت مني حزم ثباتي كلها وعبرتُ من على الكريستالات المهشمة التي كانت تفترش جسري أليها ...لمعة عينيها وحدها هي ما أكدّ لي أنّني لم اكن أحلم .



التعديل الأخير تم بواسطة مشرف منتدى نوافذ ; 31-03-2013 الساعة 08:30 PM.
التوقيع:
نَحْنُ ننتظرُ الضياء ..لكننا نرى الظلام .
(أشعياء 9:59)
لنا جعفر غير متصل  
قديم 31-03-2013, 09:37 PM   #[24]
محمد عبد الرحمن
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي نصوص مسابقة القصة القصيرة 4 فبراير - 31 مارس 2013

في إنتظار (فكي جبريل)

[justify]متلصصا على أنامل حيطته و كاتماً صوت بنات افكاره اللائي يحذرنه مما حدث في المرة الفائتة، أسكت توجساتهن حينما أغراهن بأليفته التي سيلتقيها بعد قليل، عاودت بنات أفكاره في صخب يذكرنه بنصف قالب الطوب الذي كسر ترقوته و الذي لولا تسرع عامل كمينة الطوب في إخراجه من المحرقة قبل أوان نضوجه لكان تحت الثرى الآن جسد مسجى و روح هائمة في السماء، ألقم بنات أفكاره نصف قالب الطوب الآخر و تسور الحائط هذه المرة أطلق عيناه تجولان في الحوش جيداً حتى إطمأن إلى خلو الجو تماماً إلا من شخير عم جبريل، ضفدع شبق ينادي ضفدعة متمنعة و ثلاث جنادب تجلو حناجرها بذلك الصوت المضرس. في حركة متمرسة إعتلى السور و هبط على وسادة حذره داخل الحوش، كأعمى يحفظ دربه جيداً عن ظهر فراغ تقدم متفاديا أصيص الزهور و سلك شر الملابس القصير ذاك و لحسن حظه أو سوءه آن إنحنائه لتفادي مشنقة السلك المنصوبة كانت قدمه اليسرى على بعد ظفر لم يشذب من كوز طلس عملاق جمد الدم في عروقه النافرة و توقف الزمن حتى انه سمع طبل قلبه في صخب شديد، بدا في تلك الثانية تمثال هلع و رعب. أخيرا لعن في سره جميع الكيزان و شهق ساحبا كل الهواء في المحيط حتى ان قونيلة حريرية إلتصقت بوجهه، تخطى السلك و باقي المسافة إلى غرفة سلمى في شبحتين، أدار مقبض الباب في تسرع و عصبية و كاد يخلعه وجد سلمى ناضجة تماماً على مقلاة الإنتظار، كالعادة تمنعت و دك حصون أنوثتها بمقلاع كلماته المعسولة وفي يقين مطلق أضاف أن أمر زواجهم قد عُلق على خُطاف المحتوم و المسألة مسألة زمن بس ما أكتر. في كل مرة يطلق نفس المكنة السابقة و تنطلي عليها تماماً وهي تعلم في قرارة نفسها حجم الخطأ الذي تقترفه في حق نفسها و حق أسرتها لكنه شاب وسيم و حلو اللسان و المعشر أيضاً وسيكون بعلي لم لا إذاً. هو مستمتع جدا بالدرب الذي أصبح جنينة لم يتصور أنه سينال إبنة إمام جامع الحلة بهذه السهولة. كان ينتفخ زهواً وفخراً بحبائله التي لفها حول عنق سلمى و كسب رهانا كان يعده خاسرا مع شلة (يخسي) أو كما يسميهم بضع أنفار في الحلة يحسبون انفسم العقلاء الوحيدين. لم يصدق انه إستفاد من خبرات ( حنك النمل العاضي) كما سماها و إستمال رأس الفتاة إلى كتفه و صارا رأسين على رقبة واحدة أو رقبتان تحملان رأسه هو بأفكاره، تخيلاته و أوهامه الغريبة، المهم أنه دخل وكر الفكي أو المرفعين كما كانوا يطلقون على فكي جبريل و وكر المرفعين لا يخلو من العظام المكسوة لحماً طازجا طرياً. بين الفينة و الأخرى كان يراوده وخز ضمير حارق و حس منخفض تارة و عالٍ أخرى بالذنب سرعان ما يربت على ضميره و يسكته حتى الفينة القادمة. أعجبته الفتاة و راق له الفعل الإنساني أو الحيواني الحميم كيفما إتفق حسب إتساع أعين ضميره المسدلة دوماً بفعل السبات العميق، في بعض لحظات فواق ضميره الشحيحة كان يفكر جاداً في الزواج بسلمى.
وقع المحظور و صادف حيوان منوي شليق بويضة في أوج تألقها؛ تعارفا، تحابا وتآلفا أعطته الأمان فدلف داخلا إليها تاركا ذيل فرحته او خيبة صاحبه وراءه، حبلت الفتاة التي كانتها سلمى، يوما إثر يوم كانت تظهر عليها علاماتٍ لم تخفى على أعين الوالدة الخبيرة بكذا أمور؛ إرتباك الفتاة و إختلال النسق الهرموني كان باديا على تصرفاتها و تماسكها العضوي و النفسي ( أو ما يعرف بالوحم). لم تحتمل سلمى نظرات الوالدة الثاقبة لثوب براءاتها و طهرها المقدود آنفاً أو كما سُطِر في سِفر عُرف الحلة، حاولت الهرب مرارا و تكرارا خلال الأسبوعين السابقين من ورطتها الأزلية؛ ثلاث مرات عن طريق الإنتحار و في المرة الأخيرة يممت وجهها شطر دار صباح إلى خالتها (أم سهمين) لم تنفض عن جسدها النحيل وعثاء السفر و راحت تحكي تفاصيل ما حدث في إقتضاب و هي تنتحب على صدر خالتها الحنونة. إبتسمت أم سهمين إبتسامة العارف بالأمور الواثق من تدبيره واعدت لبنت أختها الوحيدة غرفة الضيوف وما إنقضى أسبوع حتى كسرت الحلة جميعا عند منزل أم سهمين؛ الفكي جبريل و الأم المكلومة، أعمام سلمى بعيون حمراء حمار جنهم بس، أخوالها بشواربهم التي يرك عليها الصقر أو في رواية أخري تشبه مفتاح الكبري، الشقي صاحب الحيوان المنوي السعيد و رهط من أعمامه. جلس الجميع في شبه دائرة من العيون المتضيقة تحديقا، تحميرا و غيظا وعيون أخرى مترقبة و عيون صافية للمرأة الوحيدة التي تتوسط شبه دائرة الجلسة (أم سهمين).
إبتدر الجلسة أكبر أعمام الفتى الشقي سناً معتذرا في رقة تستهدف تهدئة النفوس عاجله الخال الأصغر لسلمي بسيل من السباب و الشتائم و تلويحة بعصاه المضقلمة لو صادف رأس أحد أعمام الفتى أو الفتى نفسة لأطاحت برأسه، دخل القوم في جدال يصخب تارة ويخبو تارة أخرى وخلصوا إلى تزويج طرفي المشكلة في الحال أو سيسيل الدم إلى الركب كل هذا وفكي جبريل مطرق إلى الأرض يحدق في نقطة وهمية إلى هنا تنحنح بصوته الأجش الجهور و ضارباً الأرض بعصاه عند تلك النقطة الوهمية ذاتها. إنتصب واقفاً: البت بتي وما شايف ليها ولياً غيري هسة خلاصة القول دا جنى ما مسئول وما بديهو بتي بعد كسرا كان تنطبق السما مع الأرض، وإلتفت في حسم إلى أخوال سلمي و كأنما يعرف ما يدور في رؤسهم تماماً: ما عندي بت بكتلوها ولا جنى بنزل البت ترجع بيت أبوها و تلد هناك معززة مكرمة و بعد نحمدل ليها السلامة عندي كلام تاني. إنفض سامر القوم و الجميع يترقب وعيد فكي جبريل و تهديده و ما زال الجميع في إنتظار فكي جبريل بنفس العيون و الأنفس المحتقنة.[/justify]


تمت بحمد الله



التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الرحمن ; 31-03-2013 الساعة 09:50 PM. سبب آخر: جرجرة ساي بس
التوقيع:
لماذا ايها الوطن الكسيح سيجتني بالريح
لماذا ايها الرب الرحيم وحدي ولي وطن جحيم

(الصادق الرضي)
محمد عبد الرحمن غير متصل  
قديم 31-03-2013, 09:41 PM   #[25]
محمد عبد الرحمن
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سلامات

س سؤال: المنتدى يومو بيقفل الساعة كم و بي أي توقيت؟

أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا

وعد قطعته لبعض الأصدقاء بالمشاركة
لاكين جيت لقيت الدكان قفل و قدرة الفول كفوها على وشها

فشنو؛ ياها يا صحاب مشاركتي في السهلة ساي


تاني سلامات



التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الرحمن ; 31-03-2013 الساعة 09:52 PM.
التوقيع:
لماذا ايها الوطن الكسيح سيجتني بالريح
لماذا ايها الرب الرحيم وحدي ولي وطن جحيم

(الصادق الرضي)
محمد عبد الرحمن غير متصل  
قديم 03-04-2013, 05:09 PM   #[26]
الرشيد اسماعيل محمود
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الرشيد اسماعيل محمود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبد الرحمن مشاهدة المشاركة

[justify]
إنفض سامر القوم و الجميع يترقب وعيد فكي جبريل و تهديده و ما زال الجميع في إنتظار فكي جبريل بنفس العيون و الأنفس المحتقنة.[/justify]
غايتو جنس شحتفة!
أجمل مافي الحكاية إنها وصلت بالقارئ للذروة ثمّ تركته مترقباً، كأنّ فصلاً آخراً يأتي ولن يفعل. القارئ وحده من تقع عليه مهمّة استقبال الرسائل المرسلة داخل النص، التركيز ليس علي ما سيفعله فكي جبريل لاحقاً، ولكن في ظنّي ما فعله.
نقاط:
مجتمع النص، ظاهر إنو بسيط، ومع ذلك البنت لم تُقتل والدم ما سال للرُكب، ودا في ظني تطوّر في تعامل حتي المجتمعات البسيطة مع حمل البنت غير القانوني.
تعامل الوالد مع الحدث (علي مرارته) بحكمة نادرة ظهرت في مقولته الأخيرة "ما عندي بت بكتلوها ولا جنا بنزل، البت ترجع بيت أبوها وتلد هناك معزّزة مكرّمة"، ودا حديث إنساني في المقام الأوّل قبل ما يكون نتاج لعاطفة أبوّة ما.
النص ركّز علي إنو الخطأ لا يعالج بمثله، بل بكثير من الحكمة التي ظهرت في الخاتمة، كمفاجأة بالنسبة للقارئ الذي كان مهيّأ لرؤية الـ "دم سايل رُكب".

شكراً يا حليف



الرشيد اسماعيل محمود غير متصل  
قديم 03-04-2013, 05:16 PM   #[27]
بله محمد الفاضل
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية بله محمد الفاضل
 
افتراضي

في المساوقة بين بنات الأفكار والتفاصيل الموائمة للشعر وأخيلته
وصولاً إلى سردٍ قصصي واضح المعالم
ونهاية معلقة
اختبأت أفكار وتفاصيل أخرى
يخطفها القارئ تارة
وتغيب أخرى



لاحت المكائد الموجهة إلى المكان
والجهود المبذولة لتثبيط خصوصيته الضاربة في القدم
بشتى سبل المكائد
ولقد وشت بعض الأحداث المغيبة كمثل (الفتى) الذي صور (خسيساً وإن انتابته بعض المشاعر الإيجابية أحياناً) يتشارك وشلة (يخسي) مخططات (عقلاء الظن) ذلك
إذ
الفتى والشلة يمثلون (المكائد الموجهة)
من جهة
و(سلمى) والقوم يمثلون (المكان)
ولقد وطأت المكائد المكان بدناءة صرفة
ثم حوّل الكاتب بجدارة الدفة لصالح المكان
وجعله يمتاز بالحكمة في أوج الأسباب المؤدية إلى حرفها عن مسارها السليم



صُب هذا النص في ثلاثة مقامات/أكواب ولكل مقام مكوناته:
اللحظة (المكائد والمكان)
أم سهمين (الوسيط القريب)
الحكمة (الدم وفكي جبريل)

شهدتُ معركة لا يقين فيها على أرض الكلمات
لم يخسر فيها إلا الخسيس
لأن العقل الراجح هو المتحكم الأول والأخير بأي أرض



....
شكراً لك صاحبي
والعقل زينة المرء أبداً

هذا
ولا زلت في بعض طشاش
إثر الحمى



التعديل الأخير تم بواسطة بله محمد الفاضل ; 04-04-2013 الساعة 08:48 AM.
التوقيع: [align=center]الراجِلُ في غمامةٍ هارِبةْ[/align]
بله محمد الفاضل غير متصل  
قديم 03-04-2013, 05:22 PM   #[28]
الرشيد اسماعيل محمود
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الرشيد اسماعيل محمود
 
افتراضي

كنتُ شاهد عيان:
الولد عسكري، حبّ ليهو بت، مشي كلّم ناس بيتهم، أبوا يزوجوها ليهو، حملت منّو، وسافر الفاشر، أبوها حسّ بإنو دي نتيجة مكابرتو، قام قبل بالأمر الواقع، البت ولدت في بيت أبوها، أولاد عمّها حلفوا إلا يكتلوها.
الولد العسكري ضرب تلفون من الفاشر قال ليهم لو ما دايرين يزوجوهو، داير الطفل المولود، لمّا يجي حيشيلوا.
الوالد أصبح "بودي قارد"، بحرس بتو صباح ومساء، قال لأولاد أخوهو، مافي زول يقرّب من البت دي، البت بتّي وأنا قبلان بالأمر الحصل.
صباح يوم من الايام، الأب مرق السوق، لمّا جا راجع سريع، لقي الدم سايل مالي الأوضة والبت واقعة، طوّالي وقع مغمي عليه.
ماتت البت، بعد تلقيها لسبع طعنات بسكين ود عمها ذو العشرين عاماً، وبعد موتها، دخل هو أيضاً في حالة من الجنون والهوس.
المهم:
حدث ذلك في الدمازين، في نفس الحي الذي أسكنه، قبل عشرة أيّام بالتمام.



الرشيد اسماعيل محمود غير متصل  
قديم 03-04-2013, 10:19 PM   #[29]
اشرف السر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية اشرف السر
 
افتراضي

محمد عبد الرحمن

عمل ظاهر انو متعوب فيه كتير
اهنئك على المستوى الفني الرفيع...
مع انه النهابة تشتحتف اي زول ما بتشحتف...




كسرة للرشيد:
وما تشاؤون الا ان يشاء الله..



التوقيع:

اشرف السر غير متصل  
قديم 05-04-2013, 03:15 AM   #[30]
محمد عبد الرحمن
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الرشيد اسماعيل محمود مشاهدة المشاركة

شكراً يا حليف

شكرا ليك انت يا حليف

يعنى أقول شنو تاني بس

قراءة تعرى النص كما ينبغي تماما
أستمتع جدا بقراءتك النقدية وهنا كش ملك تماماً


سلام



التوقيع:
لماذا ايها الوطن الكسيح سيجتني بالريح
لماذا ايها الرب الرحيم وحدي ولي وطن جحيم

(الصادق الرضي)
محمد عبد الرحمن غير متصل  
موضوع مغلق

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:22 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.